بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_84359" align="alignleft" width="375"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري..إتفاق على لا شيء.[/caption]تأرجحت عملية تأليف الحكومة الأسبوع الماضي على حبلي الصراع السياسي القائم بين العهد متمثلاً برئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، وبين الرئيس المُكلّف سعد الحريري. ففي الوقت الذي خرجت فيه تباشير "بيضاء" الى الشعب اللبناني تُنبئ باقتراب "الفرج" كهدية لهذا الشعب بمناسبة الأعياد، فإذ بكلمة سر تخرج من سراديب السلطة، أعادت العملية برمّـها إلى المربّع الأوّل وأحرجت في الوقت عينه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي حاول زرع بذور الأمل في أرض أكلها الفساد وكساها العشب الأصفر.
نزاع داخلي وخارجي
ما عاد لوعود أهل السياسة قيمة في لبنان، فكلام الموائد الليلية عندهم والتي تضم ما لّذ وطاب من الأطعمة والعامرة بكل ما هو مُسبّب للتخمة، لا يجد طريقه إلى فطور الفقراء الذي غالباً ما يكون كسرة من الخبز مبلّلة بالماء. هذه الفئة الأخيرة من عامة الناس، انتظرت "الفرج" طوال الاسبوع الماضي المعقود على عملية التأليف العالقة بين بعبدا و"بيت الوسط" لأسباب تتعلّق بالثلث المعطل وأخرى مرتبطة بالحقائب السيادية، لكنها
[caption id="attachment_84356" align="alignleft" width="445"] لا حكومة في الأفق ..وعالوعد يا كمون[/caption]خُذلت كالعادة لا لشيء إلا لأنه لا يوجد في البلد مسؤول واحد يُمكن أن يفي بوعوده، لا قبل الانتخابات النيابية، ولا بعدها.
أين تكمن العقدة إذاً؟ تُشير مصادر سياسية بارزة إلى أن العقدة تنقسم إلى قسمين: الأولى يُمكن تلخيصها بالصراع السياسي الدائر بين فريق بعبدا والتيار الوطني الحر من جهة، والرئيس المكلف من جهة ثانية، حول الصلاحيات ودور بعبدا في التأليف، وحول المعايير الموحدة، واختيار الوزراء وتسميتهم، وأيضاً، حول الحقائب وكيفية توزيعها وأبرزها القضائية والأمنية الطابَع، وأخيراً حول الحصص حيث لا يزال الفريق الرئاسي يسعى الى الحصول على الثلث المعطل في اي تركيبة يقترحها الحريري.
أمّا العقدة الثانية، فهي كما ترى المصادر أن الفريق الذي يضم حزب الله والوطني الحر وحركة أمل وحلفاءهم، يتريثون بالإفراج عن الحكومة لأسباب لها علاقة بالصراع القائم في المنطقة وتحديداً بين الولايات المتحدة الأميركية وايران. فالأخيرة بحسب المصادر تسعى إلى تحقيق خرق في الجمود القائم بما يتعلّق بالمباحثات النووية وهي تنتظر دخول الرئيس الأميركي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض، لتكون على بيّنة من السياسة التي ستنتهجها الإدارة الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى الآمال التي تُعلقها على إخضاع أميركا واسرائيل لمنطقها في التسوية التي تسعى إلى تحقيقها وعندها يُمكن أن تتغاضى عن عملية الرد التي توعدت بها رداً على مقتل العالم النووي محسن فخري زاده.
الراعي: تفاجأنا بالشروط
[caption id="attachment_84358" align="alignleft" width="383"] البطريرك بشارة الراعي ..العلم عند الله.[/caption]في أقل من 48 ساعة، أطل البطريرك الراعي على اللبنانيين بكلام عبّر فيه عن امتعاضه من الأوضاع الحاصلة، لاسيّما على صعيد التأليف. واللافت أنه حمّل مسؤولية التعطيل لجهة سياسية لم يرد أن يُسميها بالاسم، وقد دعا جميع المسؤولين بمصارحة شعبهم في حقيقة الأسباب التي تحول دون ولادة الحكومة منذ أشهر. وعلى الرغم من طرح الراعي احتمال أن تكون العقد محلية وأن تكون خارجية اقليمية، أكد أنه تفاجئ بتعطيل خطط الإصلاح والمبادرات الدولية وتفاجأنا بوضع شروط وشروط مضادّة ومعايير مستحدثة بربط التأليف بصراعات المنطقة والعالم.
وأضاف: إذا كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمشكلة عظيمة وإذا كانت خارجية فهي أعظم لأنّها تفضح الولاء الى الخارج والتغيير بات ملحاً وكم تمنّينا على عون والرئيس المكلف سعد الحريري أن يشكلا فريقاً واحداً وأن يعلوا على جميع الضغوط فيكسبان ثقة الشعب والعالم.
وفي السياق، ترى أوساط سياسية مُطلعة على عملية التأليف أن البعض لم يرق له دخول البطريرك الراعي على خط حلحلة الأزمة العالقة في موضوع تأليف الحكومة. وتعتبر أن هناك كلمة سر من جهة سياسية تنتمي إلى حلف موحد أفضت إلى ترحيل النقاش في موضوع التأليف لأسباب يعلمها الجميع أبرزها رفع سقف الشروط خلال المحادثات السياسية التي تنتظرها المنطقة بعد دخول الرئيس الأميركي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض.
علوش: هذه هي التعقيدات
[caption id="attachment_84357" align="alignleft" width="422"] النائب السابق مصطفى علوش: المشكلة ليست عند الحريري.[/caption]من جهته يرى عضو المكتب السياسي في تيّار "المستقبل" مصطفى علوش أن التعقيدات ما زالت تتمحور حول الوزارات الأمنية، لاسيما حول وزارة الداخلية التي يتمسك بها الرئيس الحريري لأسباب عديدة غير قابلة للتفاوض، أهمها الضغوطات من قبل المكون السياسي الذي ينتمي اليه لعدم التخلي عنها، ناهيك عن أن التعقيدات تتمحور أيضاً حول الثلث المعطل، بالرغم من أن البطريرك الراعي عمل على تفكيك هذه العقدة، إلا أن وشوشات الليل من قبل المحيطين بالرئيس عون، تنعكس سلباً على كل مسعى ايجابي من أين أتى.
ويرى أنه في كل مرة يبث الرئيس الحريري أجواء تفاؤلية حول امكانية تشكيل الحكومة، بعد تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر، تعود الاجتماعات المسائية للرئيس عون مع المحيطين به، لتنسف كل التفاؤل وتعيد الأمور الى المربع الأول على قاعدة "كلام الليل يمحوه النهار"، وهو ما أكد عليه الرئيس الحريري عقب لقائه الأخير مع الرئيس عون، بقوله إن "الأمور ما زالت معقدة".
وأكد علوش أن الرئيس الحريري، وبالرغم من الأجواء الملبدة بالتشاؤم، يفتح الباب أمام المزيد من التشاور وتدوير الزوايا، لكنه حتماً لن يتراجع عن مطلبه بتشكيل حكومة غير مسيسة، ومن اختصاصيين قادرين على التفاهم مع المجتمع الدولي، وما عدا ذلك، ستبقى التشكيلة الحكومية معلقة الى أن يقدر الله أمراً كان مفعولاً، علماً أن المعطيات الوفيرة والمؤكدة تفيد بأن فريق الرئيس عون، يدفع بالرئيس الحريري من خلال تصلبه وعناده وانقلاباته على التفاهمات، الى الاعتذار عن متابعة مهمته، وهذا لن يحصل.
ورأى أن الثلث المعطل، لن يجد له مرقداً في الحكومة، مذكراً بأن الوزير السابق جبران باسيل حصل في حكومة العام 2011 على ثلث الوزراء، الى جانب الوزير الملك لحزب الله، الأمر الذي مكنه بتوجيه وتكليف من حزب الله من إسقاط حكومة الرئيس الحريري، مؤكداً بالتالي أن الرئيس الحريري لن ينزلق الى تكرار هذا الشكل من التوليفات الحكومية المفخخة، لا في العام 2020، ولا في العام
[caption id="attachment_84355" align="alignleft" width="333"] النائب جبران باسيل ..العقبة الأساس.[/caption]2021، خصوصاً أنها لن تكون قادرة على تحقيق أي انجاز، لا بل تزيد الأوضاع الاقتصادية والنقدية والاجتماعية تعقيداً وتأزماً.
أين يقف حزب الله في مسألة التعطيل؟
اللافت أنه حتى الساعة، لا يزال حزب الله في موقع المتفرّج، إذ لم تخرج عنه أي مبادرة من شأنها حلحلة العقد العالقة بين حلفائه وبين الرئيس المكلف، ولا يبدو أصلاً أنه في وارد التدخل لدى حليفه الأقرب النائب جبران باسيل من أجل إقناعه بالتراجع ولو خطوة إلى الوراء بهدف تسهيل عملية إقلاع الحكومة ورفع العقبات التي تُعيق مسار الحريري نحو السراي الحكومي.
من جهة أخرى، ينتقد بعض حلفاء "الحزب" الوزير السابق سجعان قزي المقرب جداً من البطريرك الراعي الذي يُدير بحسب معلوماتهم عملية التواصل بين بكركي والرئيس عون في ملف تأليف الحكومة. ويؤكد هؤلاء أن قزي لا يمتلك أي رؤية واضحة وصريحة لهذه العملية ولا حتى برنامج عمل للسير به، بل كل ما يملكه مجرد فكرة يريد من خلالها تقريب وجهات النظر بين الرئيس عون وبين الراعي والتباحث بينهما من اجل إيجاد نقطة التقاء للسير نحو تأليف الحكومة.
ويُشير المقربون من حزب الله إلى أن قزي غير موفق على الاطلاق في عمله كما أنه ليس مصدر ثقة لدى معظم السياسيين في لبنان وهذا ما كشفه المشهد الذي التقطته له عدسات الكاميرا وهو يُعبر عن فرحته بعد مهاجمة مجموعة كانت توجد في بكركي خلال زيارة الحريري للبطريرك الراعي.