بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_82652" align="alignleft" width="444"] الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري..منسوب الايجابية انخفاض او ارتفاع؟[/caption]
على عكس جميع التوقعات والإيجابيات التي يُعلنها الأفرقاء السياسيون في البلد والمتعلقة بسرعة عملية تشكيل الحكومة، فإن الأيّام وربّما الأسابيع المقبلة، لن تشهد هذا الحدث المُنتظر، إذ إن العراقيل عادت لتعترض طريق الرئيس المكلّف سعد الحريري بمطالب كان يعتبر هو نفسه أن المرور عنها وتجاوزها، أسهل بكثير من بعض الشروط التي أوجد لها مخارج، ربّما أبرزها مطلب "الثنائي الشيعي" بكل تفاصيله ومتفرعاته.
العراقيل من جديد رغم قبول المداورة
عاد البعض خلال اليومين الماضيين، إلى استعادة استخدام المصطلح الذي كان رئيس مجلس النوّاب نبيه بري استخدمه خلال تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب، "لا تقول فول حتى يصير بالمكيول". لكن على خط "الأستاذ" وحليفه الشيعي (حزب الله)، يُمكن لهذا "الثنائي" التيمّم من الآن وصاعداً، بالوعود بحقيبة المال وأخرى وزانة من العيار المتوسّط إلى حين أن تُصبح عملية التسلّم والتسليم واقعاً ملموساً فتجوز عندها صلاته من دون ان تساوره شكوك تلك الوعود. وعند الحد نفسه، يبدو أن حزب الله اقتنع بمبدأ المداورة في ما يتعلّق بالحقائب التي بحوزته وتحديداً الصحّة حيث يتحدث "الحزب" في مجالسه الخاصة والعامة، انه ادّى قسطه للعلى في هذه الوزارة، وقد حان الوقت ليتولّى غيره دفّة المسؤولية هذه.
هذا في ما يتعلّق بما كان يُعتبر أبرز المطبّات أو العقبات التي تُعيق عملية تشكيل الحكومة سابقاً أو الإنطلاق بها، لكن يبدو أن العقبات بدأت تتوالى بعد بروز نيات الحريري الجدية للذهاب الى حكومة في أسرع وقت حيث عادت حقيبة الطاقة ومعها الصناعة، لتُشكّلان مُجدداً العائق الأبرز في وجه التأليف من خلال إصرار رئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، على الإحتفاظ بهما، ويُضاف الى العقبة هذه، عقبة مطلب "الحلف الحاكم" بتشكيل حكومة من 20 أو 22 وزيراً، في وقت يرى الحريري أن تجاوز الرقم 18، من شأنه ضرب ميثاقية الحكومة التي يجب أن تخضع القرارات فيها على قاعدة التصويت، لا على قاعدة "الثلث المعطل" أو "الضامن".
حزب الله يسلم عون مطالبه
[caption id="attachment_82653" align="alignleft" width="362"] الرئيس نبيه بري وإصلاح ذات البين.[/caption]مصادر سياسية مُستقلة تعتبر أن العراقيل التي يضعها باسيل وفريقه السياسي مُفتعلة، الهدف منها كسب الوقت مع حلفائه ريثما تتبيّن الصورة الدولية بشكل أفضل وتحديدا في ما يتعلّق بالإنتخابات الرئاسيّة الاميركية. ويُمكن عطف هذا التريّث، على مطلب إيراني يرى من مصلحته التأجيل لكي يبني مصالحه هو الآخر، على عملية تفاوض تُمكّنه من تحسين شروطه سواء مع الرئيس "دونالد ترامب"، او مع مافسه "جو بايدن" في حال حقّق الخرق الذي يأمله الإيراني.
في معلومات خاصّة، أن حزب الله سلّم رئيس الجمهورية ميشال عون منتصف الاسبوع الماضي رسالة تتضمّن موافقته على مبدأ المداورة بالوزارات المعني بها شرط ان تكون الحكومة من عشرين وزيراً بالإضافة إلى اختيار "الثنائي الشيعي" مجموعة أسماء من الشخصيات الشيعية في الحكومة على أن يختار منها الرئيس الحريري. وتوضح المعلومات أن "الحزب" يتبع الاسلوب نفسه الذي كان استخدمه خلال مرحلة تأليف حكومة الرئيس حسان دياب بحيث لم يدخل يومها في الجدال السياسي المباشر حولها طالما أن هناك من يُفاوض بالنيابة عنه. لكنه وبحسب المعلومات، لن يقف مكتوف الأيدي عندما يشعر بأن الأمور قابلة للخروج عن سيطرة حلفائه من خلال ضغوط خارجية، فسيكون له موقفاً حازماً في عملية التشكيل وهذا الموقف محصور فقط بشخص أمينه العام السيد حسن نصر الله.
وبالعودة إلى المصادر المستقلّة، فهي تعتبر أن التفاؤل الملحوظ الذي يُبديه "الوطني الحر" في عملية التأليف، وحديثه عن ترف الوقت والمصلحة الوطنية، هو ليس سوى محاولة لإحراج الرئيس المكلف وإظهار أن المُشكلة ليست عنده بل عند الأطراف الأخرى وتحديداً عند الحريري. ومن خلال ما يجري من شد حبال، يتبيّن وكأن هناك توزيع أدوار بين أركان السلطة، يُريدون من خلالها إحراج الحريري ووضعه أمام الأمر الواقع، على قاعدة، إمّا أن تؤلّف بالموجود ونذهب الى حكومة وطنية جامعة، أو أن تعتذر. والخيار الأخير، من شأنه أن يُضعف الحريري في أكثر من موقع ومكان.
نصر الله وباسيل.. أكثر من مصارحة
[caption id="attachment_82654" align="alignleft" width="436"] السيد حسن نصر الله والنائب جبران باسيل .. لا يعرف ما دار بينهما خلال اللقاء.[/caption]عطفاً على الأجواء التراجعية التي فرضت نفسها على عملية التشكيل الاسبوع الماضي، فقد كشفت مصادر خاصّة ان لقاءً عُقد نهاية الاسبوع المنصرم بين السيد حسن نصر الله والنائب جبران باسيل في الضاحية الجنوبية بطلب من الأخير. وقد جرى التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع الداخلية برمتها أبرزها الملف الحكومي وما نتج عنه حتى اليوم، بالإضافة إلى الوضع الخارجي والتعقيدات التي تحصل في المنطقة خصوصاً المتعلقة بملف الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بالإضافة إلى ما تمثله اسرائيل من خطورة على الوضع العام.
في الوضع الحكومي وبحسب المصادر دائماً، فقد أكد نصر الله لباسيل أن أي حكومة لا تُرضي الحلفاء وتحديداً "الوطني الحر"، لن يتم السير بها مهما كانت المغريات او الضغوطات. كما أكد أنه يسير مع الرئيس الحريري وفقاً لشروط متبادلة بين الأخير و"الثنائي الشيعي"، مع تأكيد بعدم المس بصلاحيات رئيس الجمهورية بالإضافة إلى مطلبنا الأساس وهو الذهاب الى حكومة وطنية تضم أوسع مشاركة للجهات السياسية الأساسية.
بدوره أكد باسيل التزام تياره بالتحالف مع حزب الله ضمن الخطوط العريضة رغم الضغوطات التي يتعرض لها مسيحياً ودولياً وان اتفاق "مار مخايل" ما زال يحكم طبيعة العلاقة على الرغم من الاختلاف في عدد من الامور السياسية وهذا شيء طبيعي وصحي بيننا وبينكم. أضاف: مشكلتنا مع الحريري انه من مدرسة تهوى التسلط ومشروعه خارجي وهو منحاز لهذا المشروع. كما أبدى باسيل بحسب المصادر تذمره من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرى باسيل أنه يستميت للمجيء بالحريري الى رئاسة الحكومة على الرغم من التجربة غير المشجعة التي جمعتنا معه خلال الحكومة السابقة.
وأبرز ما كشفت عنه المصادر أن الطرفين اتفقا على إما وجود حكومة تتناسب مع حجم خيارتهما والمصلحة الوطنية وإما إنتظار ظروف أفضل.
العقدة المسيحية والدرزية
من خلال النظرة الى العقد التي استجدت بشكل غير متوقع وعلى عكس ما كان يأمله الرئيس المكلّف يوم طرح نفسه كمُنقذ من الوضع الذي تتخبّط فيه البلاد، يبدو جليّاً وواضحاً ان اي اتفاق على اي نقطة لم يحصل بعد، أكان على شكل الحكومة او على مضمونها. فحتى الساعة، لا تفاهم على حجم الحكومة وعدد وزرائها، على الرغم من أن الحديث كان في بداية الأمر 14 وزيراً، ثم عاد ورفعه الحريري الى 20 ارضاء لرئيس الجمهورية والثنائي الشيعي، قبل ان يعود ويتمسّك بصيغة 18 وزيراً.
وكذلك الأمر ذهبت العقدة باتجاه الحصص التي لم يُحسم أمرها أيضاً وتحديداً في ما يتعلّق بتمثيل المكونات الدرزية والمسيحية، حيث يرفض النائب طلال ارسلان ورئيس تيّار المردة سليمان فرنجية حصر التمثيل بالحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر. وعليه، فمن المتوقع، وبحسب المعلومات، أن تشهد الأيام المقبلة بلورة لاتصالات الرئيس بري، في ضوء الحراك الذي يقوم به أيضاً على خط العقدة الدرزية ـ الدرزية، خصوصاً وأنه على بينة تامة من الأجواء الجنبلاطية، كما أنه لديه من الحضور ما يكفي لتذليل العقدة الدرزية في إطار علاقته الوطيدة مع زعيم المختارة وليد جنبلاط، والجيدة مع النائب إرسلان، وبالتالي، فهو قادر على التوصّل إلى تسوية، على اعتبار أنه "يَمون" على الفريقين.
أين اللقاء التشاوري؟
[caption id="attachment_82655" align="alignleft" width="375"] اللقاء التشاوري .. هل انفرط عقده أم ماذا؟[/caption]مصادر في "14 أذار" ترى أن حزب الله قد نجح في تعطيل تأليف الحكومة الحريرية السابقة تحت ستار ضرورة تمثيل اللقاء التشاوري، على اعتباره فائزاً في الانتخابات، لكن الرياح هذه المرة تجري في الاتجاه المعاكس. بدليل أن اللقاء تلقى نكسات قاسية، ليس أقلها انسحاب النائب جهاد الصمد من صفوفه بفعل الاختلاف في وجهات النظر بينه وبين سائر الأعضاء، وهو الذي بات يغيب عن اجتماعات زملائه الهادفة إلى توحيد الموقف من المشهد السياسي.
وتقول المصادر "الاذارية": وفي ما يمكن اعتباره مزيداً من تكريس "فراق العشاق" هذا، بادر الصمد إلى المشاركة في استشارات التكليف والتأليف، فيما غاب النائب البيروتي عدنان طرابلسي بسبب إصابته بفيروس" كورونا"، وحضر النائب قاسم هاشم من ضمن صفوف كتلة التنمية والتحرير، مع العلم أن اللقاء كان اجتمع عشية الاستشارات وأعلن في بيان مقاطعة هذا الاستحقاق، وعدم تسمية الرئيس الحريري، لكن في المقابل، تؤكد أوساط "اللقاء" أن المياه عادت الى مجاريها منذ أيام بين الصمد و"اللقاء" وقد جرى أكثر من لقاء بين الأعضاء في منزل النائب عبد الرحيم مراد الذي نُقل عنه ان احتجاج الصمد أو زعله، يعود الى انه يُطالب بتمثيل "اللقاء التشاوري" بوزيرين في الحكومة، في وقت رأى البعض أنه لا مانع من المطالبة بوزير واحد ولكن بحقيبة وازنة.
أجواء بعبدا: لا خلاف
أجواء المُحيطة بقصر بعبدا من اعلاميين وسياسيين وما شابه، أشاعت بعد الزيارة التي قام بها الحريري نهاية الاسبوع الماضي أن لا خلاف حول عدد الوزراء في الحكومة ولا حول المداورة، إنما حول الاسماء، علماً ان هناك تقدّماً واللقاء اللاحق سيكون استكمالاً لهذه النقطة تحديداً اي اسقاط الاسماء. وفي المقابل كانت نقلت أوساط إعلامية أن هناك أكثر من عقدة تقف في وجه التأليف، منها عدد الوزراء، اذ ان الرئيس عون وحلفاءه لن يسيروا بحكومة من 18 وزيراً بهدف الحصول على الثلث المعطل، لافتة إلى أن دخول باسيل على الخط عرقل الإسراع في تشكيل الحكومة.
في السياق، ترى مصادر سياسية بارزة أن الحريري قد يقدم في نهاية المطاف، تشكيلة حكومية من 18 وزيراً ويرمي الكرة في ملعب الرئيس عون خصوصاً وان توزيع الحقائب السيادية تم الاتفاق عليه.