بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_85913" align="alignleft" width="409"] النائب السابق مصطفى علوش: هذا ما كشفه الحريري.[/caption]
في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده في 14 الجاري، أكد الرئيس المكلُف سعد الحريري أنه لن يتنازل عن رفضه للثلث المعطل في تشكيلته الحكومية. وقد أتى التأكيد هذا، رداً على اللقاء الأخير بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أصرّ بدوره على خيار حكومة من عشرين وزيراً يكون له الحق الحصري فيها على تسمية الوزراء المسيحيين واختيار أسمائهم. وبين عناد من جهة وإصرار من جهة أخرى، يُكمل البلد سيره نحو الهاوية ومعه يسير الجزء الاكبر من شعبه إلى مجهول فُرض عليهم تحت حد سيف الجوع وغياب الخطّة الصحيّة لمرض العصر.
التأليف.. مكانك راوح
يُراوح التأليف الحكومي مكانه. لا نفحات أمل تُطلّ من الخارج، ولا
[caption id="attachment_85914" align="alignleft" width="333"] احذروا غضب الشارع.[/caption]بوادر لحلول تُجترح في الداخل. والأصعب ما بين ترقب الخارج وانتظار الداخل، الخشية من أن يحمل الطقس العاصف معه، تشدداً في المواقف يُمكن أن تصل مفاعيلها إلى شارع ينام في الأصل على رماد يخفي ناراً آيلة للاشتعال في أي لحظة، وعلى توقيت أي دولة أو جهة محليّة.
وفي ظل هذا الوضع المُقلق الذي لم يُبدده اللقاء الجاف الذي جمع الرئيس عون والرئيس الحريري يوم الجمعة الماضي، ثمّة خشية كبيرة مما قد تحمله الأيام المُقبلة من هواجس قد تصل إلى تهديد الوضع
[caption id="attachment_85915" align="alignleft" width="377"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري .. إخفاء الوجوه.[/caption]الداخلي، انطلاقاً من الشارع واستعادة النموذج الذي حصل في طرابلس منذ فترة، لكن هذه المرّة بغطاء سياسي فاضح كرسالة ضغط للإسراع في تشكيل الحكومة، لكن على الصورة التي تريدها الجهة المُحرّكة.
واللافت أن هذا التخوّف، يأتي في وقت ينحدر فيه الوضعان الاقتصادي والصحّي بشكل مُخيف، مما يُنذر بمرحلة سوداء قادمة لا محالة، بينما عملية البحث عن جنس الملائكة، ما زالت شغل السياسيين الشاغل للمتربّعين على عروش المصارف من جهة، واللقاحات وتوزيعها فيما بينهم، وعلى الأقارب والمحسوبيات الحزبيّة والطائفيّة من جهة أخرى.
عون ـ الحريري.. برودة وجفاء
بالعودة إلى ملف تأليف الحكومة، حيث يواصل فقدان الأمل طريقه بالوصول إلى صيغة أو تسوية مُشتركة للخروج من هذا المُستنقع الذي يغرق فيه الجميع، تكشف مصادر سياسية بارزة، أن اللقاء الأخير بين عون والحريري، يُمكن وضعه في خانة "كَسر" الإتهام المتواصل الذي يوجّهه الأول للأخير بإدارة ظهره لبعبدا وعدم زيارتها في الأوقات الصعبة والحرجة.
وتضيف المصادر، أن اللقاء بدا جامداً منذ البداية، حيث اقتصرت الدقائق الأولى على السلام والاطمئنان فقط قبل أن يفتتح الحريري النقاش السياسي من بوابة الوضع الصعب وضرورة تأليف حكومة في أسرع وقت، وإلّا هناك إيحاءات تُنذر بتدخّل دولي لوضع حدّ للفراغ السياسي القائم. وأبرز ما أراد الحريري قوله خلال هذه الزيارة، "أنا هنا في بعبدا، ولا أحمل معي أي تصوّر جديد في الملف
[caption id="attachment_85916" align="alignleft" width="363"] النائب جبران باسيل ..أي دور في الخفاء؟[/caption]الحكومي، وأبرز ما لدي سبق أن عرضته في ورقتي السابقة".
وتشير المصادر نفسها، إلى أن الرئيس عون كان جاهزاً بدوره للردّ على الحريري بسؤال تضمّن الآتي: طالما أنك تعرف بأن الحلول موجودة هنا في لبنان وتحديداً في "بعبدا"، لماذا كل هذا الدوران حول العالم؟ واستتبع سؤاله بإصرار منه على أن لا حكومة إلّا بعشرين وزيراً، وأن لا أحد غيره يحق له تسمية الوزراء المسيحيين مثلما هو حق لدى بقيّة الطوائف.
الرئيس المُكلف يوضح حقيقة أسفاره
كذلك، لم ينم الحريري على ضيم أسئلة عون، فأوضح، بحسب المصادر لسيّد بعبدا، أن زياراته الى الخارج لم تكن من أجل الضغط عليه ولا بهدف تحصيل دعم في ملف التأليف، بل كانت لمصلحة دعم لبنان اقتصادياً، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة. وحذّر الحريري "سيّد القصر" بجملة مُقتضبة قبل مغادرته: "هذه فرصتنا الأخيرة لتأليف حكومة، وهناك دعم خارجي ومطلب داخلي لتحقيق هذا الأمر، وإلا علينا جميعاً أن نتحمّل مسؤولية أي انهيار قد يحصل.
وفي السياق، ترى المصادر ذاتها، أن المجتمع الدولي لن يتحرّك باتجاه الملف اللبناني إلا بعد "انهيار الهيكل". ويبدو أن رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل سوف يذهب للنهاية في تعنّته حيال التأليف، وذلك بعدما بدأ يتلمّس بعض الإشارات الأميركية الإيجابية في موضوع العقوبات المالية، وذلك بعد الرسائل التي بعثها بموضوع العلاقة مع حزب الله.
حرب السجالات والردود
في إطلالته الأخيرة بذكرى اغتيال والده، حاول الحريري وضع اللبنانيين أمام حقيقة اللقاءات التي جرت بينه وبين عون والتي ذكر بأنها ناهزت الـ14 جولة من المشاورات بينهما في محاولة لإيجاد الحلول في ملف تأليف الحكومة. وقال الحريري: قدمت
[caption id="attachment_85917" align="alignleft" width="426"] الوزير السابق سليم جريصاتي: لا والف لا.[/caption]له اقتراح تشكيلة، من 18 وزير اختصاصيين، غير حزبيين، قادرين أن ينفذوا كفريق متكامل، الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت، وإعادة الأمل للبنانيين، من دون أن تضم الثلث المعطل، وهي صيغة تعني ثلث عدد وزراء الحكومة يتحكمون بقراراتها.
ورفض الحريري اتهامه بالاعتداء على حقوق المسيحيين، وقال: حقوق المسيحيين هي ببساطة حقوق اللبنانيين. حقوقهم وقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، ووقف الكارثة التي ترميهم كلهم مسيحيين ومسلمين على دروب التعتير والهجرة. حقوقهم بالإصلاحات، بتغيير طريقة العمل، حقوقهم بتدقيق جنائي بالبنك المركزي وبكل المؤسسات والإدارات والوزارات. وأضاف: أتابع زياراتي العربية لحشد الدعم للبنان، ولترميم العلاقات العربية لانطلاق الحل وتشكيل الحكومة، لأن لا مخرج من الأزمة بمعزل عن العرب والمجتمع الدولي.
من جهته، أعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أنه مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة وضمّنها مغالطات كثيرة واقوال غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلاً لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان. وأضاف، تكفي الاشارة الى ان ما اقر به الرئيس الحريري في كلمته، كاف للتأكيد بأنه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق.
علوش: الحريري كشف الحقيقة
[caption id="attachment_85918" align="alignleft" width="469"] مجلس الوزراء.. الفراغ المستمر.[/caption]بدوره رأى نائب رئيس تيار "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش، أن الرئيس الحريري عرض في كلمته الحقائق التي أدت إلى عدم ولادة الحكومة وهو قام بتحديد المسؤوليات بشكل واضح وصريح. ورأى ان مضمون كلام الحريري كشف من الذي يقف وراء التعطيل وهو الرئيس عون. وحول "موت" مبادرة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بعد لقاء عون - الحريري السلبي، قال: رئيس الجمهورية يريد المبادرة الفرنسية بإدارة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والمشكلة أن عون يعتبر أن انكسار باسيل خسارة شخصية له.
وتابع علوش: إن هدف رئيس الجمهورية هو كيفية تعويم باسيل من جديد وكيفية الانتقال من العهد إلى ولي العهد ولا محاولات تهدف إلى إنقاذ الجمهورية، بينما يوجد في المقابل وضوح من جهة الحريري الذي يصبّ كل اهتمامه على تشكيل حكومة لوقف الانهيار
جريصاتي للحريري: لا وألف لا
مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي، أصدر بدوره بياناً توجه فيه الى الحريري بالقول: إلى الرئيس المكلف أقول، لا وألف لا، لست أنت أو سواك من أوقف أو يوقف العد، ذلك أن ضمانة من هذا النوع هي من الميثاق والدستور، أي من "الصيغة" التي وجدت جذورها سنة 1920 عند إنشاء لبنان الكبير وتكرست في دستور 1926 وبعد الاستقلال عام 1943 وفي اتفاق الطائف الذي نص على المناصفة. إن "وقف العد" هو ميثاقي بامتياز وضمانته هو الميثاق، وليس لأحد أن يمنن النصارى بأنه ضمانتهم، وضمانة وجودهم ودورهم في هذا اللبنان الذي نعيش في رحابه مع سائر المكونات الطوائفية.