تفاصيل الخبر

الطالبة الجامعية نور يمين تحوّل سيارتها  الى ”تاكسي للبنات“...

12/03/2020
الطالبة الجامعية نور يمين تحوّل سيارتها  الى ”تاكسي للبنات“...

الطالبة الجامعية نور يمين تحوّل سيارتها  الى ”تاكسي للبنات“...

 

بقلم وردية بطرس

 

أطمح الى انشاء مكتب تاكسي لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان مجاناً!

طالبة جامعية تدرس الصحافة (سنة أخيرة) وتعمل كسائقة تاكسي... لِم لا خصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة في لبنان. الشابة نور يمين (21 عاماً) ابنة زغرتا تؤمن بأنه في وقتنا ليس هناك مهنة للرجال وأخرى للنساء، اذ أرادت ان تتدبر أمورها خلال دراستها الجامعية فحوّلت سيارتها الى <تاكسي للبنات> لتقل زميلاتها وصديقاتها في <جامعة سيدة اللويزة>، متحدية كل الصعاب لأنها لا تريد ان تغادر لبنان. لقد حظيت نور بدعم وتشجيع والديها عندما طرحت الفكرة عليهما، فانطلقت بكل حماس.

 

الصحافة شغفها الأول!

ولنتعرف أكثر على الشابة نور يمين كان لـ<الأفكار> حديث معها، هي التي تعشق العمل الصحافي وتسعى لايجاد عمل ضمن دراستها ولكنها لن تنتظر حتى تأتي فرصة العمل، لذا في هذا الوقت تعمل وتؤمّن مصروفها خصوصاً في بلد تقّل فيه فرص العمل.

ونسألها عن اختيارها دراسة الصحافة فتقول:

- منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري أردت ان أدرس الصحافة لأنني أحب تغطية الأحداث والحروب لأنقل الخبر الصحيح للناس، وأيضاً أحب تغطية الأحداث التي تتعلق باللاجئين اي أحب العمل الميداني، ولا أحب ان أكتب عن أمور تتعلق بالموضة مثلاً وما شابه. بطبعي أحب المغامرة.

ــ الشباب اللبناني يفكر بالسفر الى الخارج بعد نيل الشهادة الجامعية بحثاً عن فرص عمل، فهل تفكرين بالسفر بعدما تتخرجين من الجامعة؟

- خلال السنوات الدراسية في <جامعة سيدة اللويزة> رأيت ان زملائي وزميلاتي يفكرون بمتابعة دراساتهم العليا في الخارج، وأيضاً يفكرون بالهجرة بحثاً عن فرص عمل. لكن بالنسبة الي وبالرغم من أنني أحمل الجنسية اليونانية (والدتي يونانية) الا أنني لم أفكر بالسفر اذ أردت أن أبقى في لبنان مهما كانت الظروف صعبة، ولكن الآن وفي ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد بتّ أحياناً أفكر بالسفر الى الخارج.

 

<تاكسي للبنات>!

ــ كيف راودتك فكرة تحويل سيارتك الى <تاكسي للبنات>؟ ولماذا أردت ان تخصصي التاكسي للبنات؟

- منذ صغري كنت أردد دائماً أمام أهلي انني أود ان أخصص <سيارة أجرة> لذوي الاحتياجات الخاصة بدون اي مقابل، فكانت الفكرة انشاء مكتب تاكسي لتمويل هذا المشروع الذي فكرت به من أجل ذوي الاحتياجات الخاصة... ومضت الأيام وقلت انه بعدما أتخرج من الجامعة سأعمل على تحقيق هذا المشروع، ولكن لم نكن نعرف أننا سنصل الى هذه الحالة المزرية في لبنان، اذ عندما بدأت أزمة الدولار في لبنان، فكرت بتحويل سيارتي الى <تاكسي للبنات>، فرحت أرسل رسائل نصية عبر <الواتساب> الى مجموعة من الطالبات اللواتي يقمن في <فواييه> <جامعة سيدة اللويزة> او السكن الجامعي بأنني سأحوّل سيارتي الى <تاكسي للبنات> ومن ثم أرسلت لائحة بأسعار التنقلات... في البداية بدت الفكرة مضحكة، ولكن في ما بعد بدأ عدد الطالبات اللواتي يطلبن توصيلهن بالتاكسي يزداد أكثر فأكثر، والجميع يعرف اليوم عن <تاكسي نور>. لقد بدأت بهذا العمل مع بداية عام 2020، مع العلم ان أهلي يدفعون أقساط الجامعة ولكنني أردت ان أتدبر مصروفي بنفسي.

وتتابع:

- أما لماذا اخترت ان اعمل كسائقة تاكسي للبنات فذلك لأنني أردت ان أعمل وأتدبر أموري أثناء دراستي الجامعية من جهة، ومن جهة أخرى ستشعر صديقاتي وزميلاتي في الجامعة بارتياح أكثر اذا أوصلتهن صبية، فكيف الحال اذ كنا صديقات وبالتالي العمل ممتع.

ــ وهل تقلّين البنات من خارج الجامعة ام ان الأمر مقتصر على طالبات <جامعة سيدة اللويزة>؟

- أحياناً أقلّ البنات من خارج الجامعة، ولكن عادة هي وجوه مألوفة اي يقمن ضمن منطقة الذوق. بالنسبة الي فلدي صفوف نهاري الثلاثاء والخميس قبل الظهر وبالتالي بعدما أنتهي من دوام الجامعة أتفرغ للتاكسي اي ليس لدي وقت محدد، اذ انتهي من الصفوف عند الثالثة بعد الظهر وأبدأ بالعمل لغاية الساعة 12 ليلاً، وأوصل الطالبات الى مختلف المناطق مثلاً في بيروت او جونيه او البترون وغيرها حسب الطلب.

ــ وهل شجعك أهلك عندما اقترحت الفكرة؟

- طبعاً لم تكن هناك اي مشكلة اذ شجعني أهلي بهذا الخصوص، كما ان والداي نصحانني بلائحة الأسعار الى ما هنالك...

 

تجربة مهمة!

ــ من خلال عملك كسائقة تاكسي ما الذي تغيّر في حياتك او نظرتك للحياة؟ وماذا تعلّمت من هذه التجربة؟

- أول ما تعلّمته هو انني تعرّفت الى الكثير من المناطق في لبنان، اذ لم أكن أعرفها او لم اكن قد زرتها من قبل. ثانياً لأننا نعيش في زمن الثورة فمع كل من يستقل التاكسي نتبادل الأحاديث عن الوضع الحالي وبالتالي نتبادل الآراء وهذا أمر مفيد جداً كوني أدرس الصحافة. وأمر آخر اذ أردت ان أقول بأن الصبايا بامكانهن ان يعملن بأي مجال ومنها قيادة التاكسي لأنها ليست مهنة للرجال فقط.. وما اكتسبته على الصعيد الشخصي هو انني أصبحت أكثر جرأة، وقد تعرفت على كيفية التعامل مع الناس والتواصل معهم وهذا ما زادني معرفة ونضجاً.

ــ وماذا تقول لك الفتيات؟

- تشجعني الفتيات ويبدين اعجابهن بالفكرة، وسأقول لك أمراً آخر فمنذ أيام استقلت التاكسي صبية من بنغلاديش، اذ أبدت في البداية استغرابها كيف انني أعمل كسائقة تاكسي، وقالت لي من الجميل ان تستقل سيارة أجرة تقودها صبية اذ أنه أمر مريح أكثر من الركوب في سيارة يقودها رجل.

ــ وهل بامكانك التوفيق ما بين الدرس والعمل؟

- تقريباً أنهيت الفصل الذي كان يتضمن حصصاً صعبة تتطلب التحضير وبقي القليل، ولكن من خلال عملي كسائقة تاكسي أستفيد كثيراً عندما أكتب مقالاتي اذ استوحي من الأحاديث التي نتبادلها عن وضع البلد. وأحياناً عندما أوصل احدى الطالبات الى ساحة رياض الصلح اترجل من السيارة وأصور المتظاهرين وأكتب أيضاً عن ذلك اذ انني أعرف هموم الناس أكثر خلال تنقلاتي اليومية.

ــ وماذا يقول لك طلاب الجامعة والأساتذة؟

- يبدي أصدقائي وزملائي في الجامعة اعجابهم بما اقوم به، ومن جهة أخرى ألمس بأن لديهم نوعاً من الحسرة على جيل الشباب الذي يعمل لتأمين قسطه الجامعي لمدة أربع سنوات وبالنهاية لا يجد فرص عمل، وحتى لو وجد فرصة عمل فان الراتب يكون متدنياً خصوصاً في مهنة الصحافة... عندما علم أساتذة الجامعة قالوا انها فكرة جيدة وطريفة بأن أعمل ضمن بلدي بدل ان أسافر الى الخارج.

ــ اذا وجدت فرصة عمل في الصحافة بعد التخرج هل ستتركين العمل كسائقة تاكسي ام انك ستكملين العمل؟

- أقدر ان اعمل كسائقة تاكسي اثناء توجهي الى العمل الصحافي اذا وجدت فرصة عمل في الصحافة، وأيضاً اثناء توجهي من العمل الى البيت، اي بامكاني ان اعمل خلال تنقلاتي لأنني أحب هذا العمل، ولأن هدفي يبقى لاحقاً بان أقوم بمشروع تاكسي لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان بدون مقابل لأنه غير متوافر في البلد، لذا أحب ان اعمل كسائقة تاكسي لذوي الاحتياجات الخاصة بشكل مجاني لأن الهدف انساني بحت.

ــ وهل تشعرين بخوف او خطر ما اثناء العمل في الليل؟

- لا أشعر بالخوف، وحتى لو اتصلت بي احدى الطالبات عند العاشرة ليلاً اتحضر فوراً للذهاب، ولكن خلال مشوار العودة الى <فواييه الجامعة>، أظل على تواصل مع والدتي عبر الهاتف الجوّال الى ان اصل الى <الفواييه> لأنني اشعر بالراحة والأمان أكثر.

ــ الشباب اليوم يعانون من البطالة ففي حال لم تجدي عملاً في الصحافة هل ستكملين بالعمل كسائقة تاكسي ام لديك خطط أخرى؟

- بصراحة ابذل قصارى جهدي لكي لا أهاجر الى الخارج مع العلم ان فرص العمل متاحة في بلدان أخرى ولكنني لا أفكر بالسفر، وبالتالي سأكمل العمل لكي أتمكن من تحملّ أعباء الحياة، وطبعاً سأسعى في الوقت نفسه للعمل في مجال الصحافة.

ــ ما اكثر ما يؤلمك مما يحصل في البلد؟ وهل تعتقدين ان الشباب سيقدر ان يحقق مطالبه؟ ام انه لم يعد هناك أمل بالغد؟

- قبل ان نجري هذه المقابلة، كنت عالقة بأزمة سير في جونيه اذ لم تتمكن السيارات من المرور بالمكان بسبب الوحل فرحت أبكي اذ قد يعتبر البعض انه أمر سخيف، ولكن ما يحصل في البلد يؤلمنا كثيراً، فهناك أزمة اقتصادية كبيرة، وسعر الدولار في ارتفاع، والآن مع مشكلة انتشار حالات الاصابة بفيروس <الكورونا> ازداد الوضع سوءاً، اذ كل يوم نسمع أخباراً سيئة، وفي لحظة من اللحظات افكر بالسفر ومن ثم اقول سأتحمل ولن أغادر لبنان، وهذا أمر يؤلمني كثيراً أن اعيش هذا الصراع لانني أحب العيش في وطني... بالنسبة الي عندما بدأ الحراك في 17 تشرين الأول (اكتوبر) كنت من بين الأوائل الذين نزلوا الى الشارع للمطالبة بأبسط حقوقنا، مع العلم انني ظننت ان الحراك سيدوم ليومين وينتهي الأمر، ولكن الحراك استمر حتى اليوم لأن الوجع كبير جداً اذ لم تتوقف التحركات، وبالتالي نحتاج للتحلّي بالصبر، كما علينا ان نكافح مهما ساءت الظروف لأن لبنان يستحق منا كل التضحية.

ــ عندما تقصدين زغرتا ماذا يقول لك أهالي المنطقة؟ وهل تفكرين بمشروع ما في زغرتا؟

- عندما اقصد زغرتا يقول لي الناس هناك <انت اخت رجال>، اذ انهم يثنون على عملي كسائقة تاكسي ويبدون اعجابهم بما اقوم به لتحمّل أعباء الحياة... واذا أردت ان افتح مكتب تاكسي وما شابه فأفكر القيام بذلك في زغرتا لأساعد أهل ضيعتي.

ــ ماذا تقولين اليوم للشباب والصبايا في ظل ما نشهده من بطالة ومشاكل اقتصادية؟

- اعرف انه ليس من السهل تأمين القسط الجامعي، وبالنهاية لا يجد الطالب فرصة عمل بعد نيله الشهادة الجامعية، ولكن يجب الا نفسح المجال أمام السلطة التي أوصلتنا الى هنا ان تكون هي الرابح، بل علينا ان نبقى في وطننا ونصمد مهما ساءت الظروف لأنه لا بديل عن الوطن.