تفاصيل الخبر

الـتـأخـيــــــر فــــــي تـشـكـيــــــــل الـحـكـومـــــــــة يـدخــــــــل الـبــــــــلاد فــــــي نــفـــــــق الــفــــــــــراغ...!

31/01/2019
الـتـأخـيــــــر فــــــي تـشـكـيــــــــل الـحـكـومـــــــــة  يـدخــــــــل الـبــــــــلاد فــــــي نــفـــــــق الــفــــــــــراغ...!

الـتـأخـيــــــر فــــــي تـشـكـيــــــــل الـحـكـومـــــــــة يـدخــــــــل الـبــــــــلاد فــــــي نــفـــــــق الــفــــــــــراغ...!

بقلم وليد عوض

عندما سُئل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من قبل أحد زواره الأسبوع الماضي عن رأيه في ما يطرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لدرس وإقرار مشروع موازنة العام 2019 وإحالته الى مجلس النواب للتصويت عليه، لم يعلّق لا سلباً ولا إيجاباً، بل اكتفى بالقول: الأولوية اليوم لتشكيل حكومة جديدة. وقبل ساعات من الاجتماع المالي الذي عُقد في قصر بعبدا للبحث في آلية قانونية تضمن الصرف على القاعدة الاثني عشرية، كرّر أحد زوار الرئيس السؤال نفسه عليه، فتلقى جواباً مماثلاً: الأولوية لتشكيل الحكومة! وفهم من كان حول الرئيس عون أن لا مجال للبحث معه في <تعويم> الحكومة المعتبرة مستقيلة منذ بدء ولاية مجلس النواب في 22 أيار/ مايو الماضي، على رغم إدراكه أهمية إقرار الموازنة وتفادي الصرف على القاعدة الاثني عشرية. وعلى رغم الضغط الذي تعرض له رئيس الجمهورية من مراجع عدة، سواء من خلال التعليقات السياسية أو من خلال وسائل الإعلام، ظل الرئيس عون على موقفه مشجعاً البحث عن حلول أخرى لللآلية الواجب اعتمادها للاستمرار في دفع الرواتب والأجور والتعويضات وكل المستحقات المالية الأخرى.

 وتقول مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون إن معارضته عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال لا تنطلق فقط من معايير دستورية، بل ثمة أسباب سياسية لعلّ أبرزها اقتناعه بأن القبول بعقد الجلسة يعني عملياً التسليم بإلغاء نتائج الانتخابات النيابية ومفاعيلها السياسية، ودور المجلس النيابي بتركيبته، إضافة الى تكريس الواقع الذي نشأ منذ ثمانية أشهر من أن الدولة بكل مؤسساتها أصبحت في وضعية تصريف الأعمال، وهو أمر لا يمكن للرئيس عون أن يسلّم به. وأشارت المصادر نفسها الى أن رئيس الجمهورية الذي يتعاطى مع الدستور كقاعدة أساسية وصلبة لأدائه، لا يمكنه أن يتجاوز نصوص الدستور، فضلاً عن إمكانية الطعن بالقرارات التي يمكن أن تصدر عن مجلس وزراء حكومة تصريف أعمال ما يُدخل البلاد في متاهة تفسير النصوص الدستورية التي أبقاها <اتفاق الطائف> غامضة وعرضة للتأويل.

 

أسباب أخرى...!

غير أن ثمة من يتحدث عن أسباب أخرى لا يعلنها الرئيس عون، لكنه يحرص عليها ضمناً، ومن بينها عدم قبوله أن يتلقى عبر الأثير اقتراحات سياسية، فيما هو صاحب شأن دستوري وقرار لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، فليس بمجرد أن يتفق رئيس المجلس والحكومة على عقد جلسة للحكومة المستقيلة، يمكن أن يصبح ذلك حقيقة قائمة. إضافة الى ذلك فإن موافقة رئيس الجمهورية على عقد هذه الجلسة تعني اختزال توقيعه الدستوري على تشكيل حكومة جديدة وهذا التوقيع - كما يقول المطلعون على موقف الرئيس عون - لا يمكن المساس به لأنه يعني قوة موقع الرئاسة وقدرته وتأثيره. والقبول بجلسة لمجلس الوزراء يعني استناداً الى المصادر نفسها، التسليم بعدم تشكيل حكومة جديدة الى مرحلة يمكن أن تمتد أشهراً وقد تصل الى نهاية العهد، لأنه إذا <استذوق> الأطراف فكرة عقد جلسات لمجلس الوزراء تنتفي الحاجة الى الضغط لتشكيل حكومة جديدة، وهذا يعني عملياً أن البلاد في حالة فراغ من نوع آخر قريب من الفراغ الرئاسي الذي عانت منه البلاد لسنوات خلت.

وتتساءل الأوساط السياسية عما إذا كان موقف الرئيس عون الرافض لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء يمكن أن يؤثر على العلاقة <المقلقزة> أصلاً مع الرئيس نبيه بري الذي يدعو الى عقد الجلسة، غير أن المطلعين على موقف رئيس الجمهورية يؤكدون أن لا رغبة رئاسية بخصوص أي مواجهة مع الرئيس بري في هذا المجال لاسيما وأن رئيس مجلس النواب <اعتاد> على مواقف الرئيس عون وليس في الوارد الدخول في جدل معه، خصوصاً بعدما لمس الرئيس بري أن لا حماسة أيضاً لدى الرئيس الحريري لعقد مثل هذه الجلسة بعدما بدا متجاوباً في البداية. وتقول المعلومات ان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي يعارض بدوره فكرة عقد جلسة لمجلس الوزراء، نجح في اقناع الرئيس الحريري بعدم فائدة هذه الخطوة لئلا تصبح حكومته مدعوة دائماً من خلال رئيس السلطة التشريعية الى الانعقاد في كل مناسبة ويفقد رئيس السلطة التنفيذية حقه في القبول أو الرفض. وقد وصلت أصداء موقف باسيل الى عين التينة ما أدى الى حصول اضطراب في العلاقة بين بري وباسيل سرعان ما هدأ على أثر ما أعلنه وزير الخارجية في أعقاب انتهاء القمة العربية التنموية من مواقف إزاء قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

 

الحل السحري: <الموافقة الاستثنائية>!

وحملت تطورات الأسبوع الماضي <تسليماً> بعدم الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في حكومة مستقيلة، تمثل في الاجتماع المالي الذي عقد برئاسة الرئيس عون في قصر بعبدا وضم وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان والذي خصص لإيجاد آلية تجيز لوزير المال الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية الى حين صدور موازنة 2019. والدعوة الى هذا الاجتماع فرضته مواقف صدرت عن وزير المال هدّد بموجبها بوقف الصرف إذا لم تلتئم الحكومة وتوافق على مشروع الموازنة وتحيله على مجلس النواب، أو إذا لم يقر مجلس النواب اقتراح قانون يجيز استمرار هذا الصرف، أي ان الوزير خليل وضع رئيس الجمهورية والحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما: اما جلسة لمجلس الوزراء، أو جلسة لمجلس النواب، إلا أن الرئيس عون رفض تخييره بين أمرين يرفضهما حالياً، لأنه لا يريد عقد جلسة لمجــــلس الـــــوزراء، كما لا يشجـــع على انعقاد جلســـــة لمجلس النواب لا تلقى تأييد الرئيس الحريري من جهة، إضافة الى أن مجــــلس النــــواب ليس في دورة عادية بل في حالــــة استثنائيـــــة فرضتهــــا استقالــــة الحكومة.

وتقول مصادر وزارية انه خلال الاجتماع المالي في قصر بعبدا، طرحت إشكالية الصرف على القاعدة الاثني عشرية، حاول الوزير خليل اقناع الحاضرين بضرورة سلوك الطريق الدستورية التي تفرض إقرار قانون يسمح بالصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية لافتاً الى أن أي توقيع من قبله على صرف الأموال يحتاج الى تغطية سياسية، فضلاً عن أن <شهية> الوزراء في صرف الاعتمادات مفتوحة، وثمة وزارات عقدت نفقات بالاعتمادات المتوافرة في موازنة العام 2018 كلها! وأعاد الوزير خليل طرح فكرة عقد جلسة لمجلس النواب بهدف <قوننة> الشؤون المالية وتمرير وصرف الاعتمادات للكهرباء وغيرها، لكن الرأي استقر بعد طول نقاش على اللجوء الى <الحل السحري> الذي كان اعتمده الأمين العام السابق لمجلس الوزراء المرحوم سهيل بوجي والمعروف بـ<الموافقة الاستثنائية> التي اعتمدت خلال فترات الفراغ الحكومي الذي تكرر في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، ويقوم الحل على أن تصدر <موافقة استثنائية> يوقعها الرئيسان عون والحريري تسمح لوزير المال بالاستمرار في صرف الاعتمادات المالية على أساس القاعدة الاثني عشرية الى حين إقرار موازنة العام 2019، على أن تصدر هذه <الموافقة> قبل يوم واحد من نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الجاري. وكان النائب كنعان قد استحصل على موافقة الرئيس الحريري على هذا التدبير تفادياً لعقد جلسة لمجلس الوزراء أو جلسة لمجلس النواب في الظروف الراهنة.

وإذا كان أركان الحكم قد توصلوا الى حل مؤقت واستثنائي لمسألة الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية، فإن أمامهم في الآتي من الأيام استحقاقات إدارية كثيرة نتيجة حصول شغور في عدد من المواقع الأساسية في الإدارة لا يمكن اعتماد مخرَج <الموافقة الاستثنائية> عليها، الأمر الذي يحتم الإسراع في معالجة الوضع الحكومي الشاذ من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بصرف النظر عن المواقف المتباينة حيالها، وإلا فإن البلاد سوف تدخل في نفق مجهول تبرز مخاطره نتيجة الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد!