تفاصيل الخبر

التعيينات بين شاقوفين: آلية من مجلس الوزراء وأخرى أقرها مجلس النواب... لكن سوف يطعن بها!

03/06/2020
التعيينات بين شاقوفين: آلية من مجلس الوزراء وأخرى أقرها مجلس النواب... لكن سوف يطعن بها!

التعيينات بين شاقوفين: آلية من مجلس الوزراء وأخرى أقرها مجلس النواب... لكن سوف يطعن بها!

[caption id="attachment_78539" align="alignleft" width="373"] الرئيس ميشال عون قد يرد قانون الية التعيينات الى المجلس النيابي لإعادة درسه[/caption]

تبدي مراجع حكومية قلقها من أن يشكل ملف التعيينات في الادارات والمؤسسات العامة مادة خلافية جديدة ليس داخل مجلس الوزراء فحسب، بل أيضاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لأن أي خلاف بينهما يعني عملياً تجميد العمل الحكومي من جهة وتوتير الأجواء بين الحكومة ومجلس النواب من جهة أخرى. وسبب هذا القلق هو وجود آليتين للتعيينات، الأولى أقرها مجلس النواب في جلسته الأسبوع الماضي، والثانية درس مجلس الوزراء لآلية كانت لجنة وزارية قد أعدتها بتكليف من مجلس الوزراء وأنجزت عملها الأسبوع الماضي قبل تصويت المجلس النيابي على الآلية التي من انتاجه. والذين تابعوا وقائع جلسة مجلس النواب لدى مناقشة هذا البند المدرج على جدول أعمال الجلسة لاحظوا ان البلاد متجهة الى "مشكل" جديد لأن نواب "تكتل لبنان القوي" عارضوا اقتراح الآلية كما أعدت في مجلس النواب وكانوا وحدهم دون سائر النواب من صوّت ضد الآلية فيما تعهد رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل بتقديم طعن بالقانون أمام المجلس الدستوري فور صدوره في الجريدة الرسمية وضمن المهلة القانونية.

إلا ان ثمة من يرى ان القانون الجديد لن يصدر ليصار الى الطعن به لأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يرده الى المجلس لإعادة درسه مبرراً الرد بأن القانون غير دستوري، مستنداً الى أمرين: الأول ما تنص عليه المادة 65 من الدستور التي تنيط بمجلس الوزراء تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون من دون أن يكون هناك أي دور للسلطة التشريعية أي لمجلس النواب، ثم الفقرة الأخيرة من المادة نفسها التي تشير الى "المواضيع الأساسية" التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة ومن بينها تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها. كذلك فإن المادة 66 من الدستور تعطي الوزراء حصراً "مسؤولية ادارة مصالح الدولة ويناط بهم وحدهم تطبيق الأنظمة والقوانين في كل ما يتعلق بالأمور العائدة الى ادارته وبما خص به"، فضلاً عن ذلك فإن تعيين الموظفين يُعتبر من أعمال السلطة الاجرائية التي تناط وفقاً للمادة 17 من الدستور، بمجلس الوزراء الذي يتولاها وفقاً لأحكام الدستور الذي ورد في مقدمته ان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، أي ان السلطة التنفيذية معنية بشؤون الموظفين ولا دور للسلطة التشريعية إلا من خلال مراقبة عمل الوزراء وليس الموظفين الذين

[caption id="attachment_78540" align="alignleft" width="375"] النائب جبران باسيل سيطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري فور صدوره في الجريدة الرسمية[/caption]

يخضعون لرقابة الوزراء والمؤسسات الرقابية الأخرى.

أما الأمر الثاني فيستند الى قرار سابق للمجلس الدستوري اعتبر فيه ان وضع آلية لتعيين الموظفين يحد من مسؤولية الوزراء وينقل حقوقهم في اختيار الموظفين وتعيينهم الى آلية غير ملحوظة في القوانين العامة ولا في الأنظمة المرعية الاجراء. علماً ان الرئيس عون كان لفت نظر مجلس الوزراء في إحدى جلساته ان الآلية غير دستورية وان من صلاحية الوزير أن يطرح أسماء من يريد تعيينهم في وظائف الفئة الأولى مع سيرهم الذاتية، وللمجلس أن يوافق أو يرفض. ويرى الرئيس عون، كما تقول مصادر قريبة من قصر بعبدا، ان من مسؤولياته المحافظة على الدستور وعدم تجاوزه وهو ــ أي الدستور ــ يجعل من الوزير وفقاً للمادة 66 رأس ادارته وهو المسؤول عن كل ما يخص وزارته. أما في ما خص الآلية التي كانت معتمدة في العام 2010 ووضعها آنذاك وزيرالدولة للتنمية الادارية محمد فنيش فقد كانت بمثابة توصية وليست نصاً قانونياً أو دستورياً لأن أي آلية تخالف الدستور لجهة تقييد صلاحية الوزير لا يمكن الاعتداد بها قانوناً، وان كان بعض الوزراء عملوا بموجب هذه التوصية واقترحوا تعيين مديرين عامين بعد اعتماد آلية الوزير السابق فنيش، علماً ان وزراء آخرين لم يأخذوا بالتوصية ومارسوا دورهم الكامل في اقتراح أسماء لموظفين من الفئة الأولى تم تعيينهم بعد موافقة مجلس الوزراء. فالوزير ــ حسب المصادر نفسها ــ يعرف الشخصية المرشحة لشغل وظيفة ما، ومطلع على كفاءتها وفق معايير الجدارة والكفاءة والاستحقاق والاختصاص، خصوصاً إذا ما أجرى الوزير مقابلات مع المرشحين واطلع على مستواهم العلمي والثقافي ومدى المامهم بالوظيفة المرشحين إليها.

ماذا حصل في مجلس الوزراء؟

وللمفارقة، فإن مجلس الوزراء الذي انعقد في اليوم التالي لاقرار مجلس النواب القانون الذي تضمن آلية التوظيف، أورد على جدول أعماله 4 تعيينات: محافظ بيروت، رئيس مجلس الخدمة المدنية، المدير العام للاقتصاد والتجارة، والمدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه. إلا ان الرئيس دياب شاء أن يبدأ بطرح تعيين رئيسة لمجلس الخدمة المدنية هي القاضية رندة يقظان، إلا انه جوبه بحملة اعتراضات من عدد من الوزراء استناداً الى ان القاضية يقظان كُسرت رتبتها في السلم القضائي درجتين لورود اسمها في ملف كانت تتولى النظر فيه ويتعلق بعملية تهريب للمخدرات حيث أصدرت قراراً ــ وهي قاضية تحقيق ــ بالافراج عن متهمين قيل يومها انها تلقت "هدايا" مقابل الافراج عنهما، في حين أحيل قاض آخر كان يحقق في القضية نفسها الى المجلس التأديبي وفُصل من سلك القضاء. ويروي أحد الوزراء ما دار من نقاش في جلسة مجلس الوزراء حول هذه المسألة، فيقول ان الرئيس دياب دافع بقوة عن خياره للقاضية يقظان مكرراً أكثر من مرة انها "ظُلمت وعلينا أن نرفع الظلم عنها"، وانه اجتمع إليها قبل تسميتها واستمع الى شرح مفصل حول الاتهامات التي سيقت ضدها والتي تناولها الاعلام، فنفت ما أوردته إحدى الصحف حول الملف القضائي الذي يتناولها، ولما سألها الرئيس دياب ــ حسب روايته أمام الوزراء ــ عن السبب الذي يدفعها لترك سلك القضاء وخسارة 4 سنوات من الوظيفة (القضاة يتقاعدون في سن 68، فيما العاملون في السلك الاداري يتقاعدون في سن الـ64)، أجابته بأنها تريد مكافحة الفساد وتحسين الادارة اللبنانية، وان مجلس الخدمة المدنية هو الجهاز الرقابي الأول على العاملين في الادارة لاسيما من حيث الكفاءة والاخلاص والخبرة. واستعان الرئيس دياب بالأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية الذي سرد بإسهاب المراحل التي مرت بها القاضية يقظان خلال التحقيق معها في ملفها القضائي ليخلص ان رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لم يمانع في نقلها من سلك القضاء الى رئاسة مجلس الخدمة المدنية، ما يعني ــ حسب الرئيس دياب ــ ان لا ملاحظات عليها من أعلى سلطة قضائية وهي مجلس القضاء الأعلى. وحمّل الرئيس دياب وسائل الإعلام مسؤولية "ظلم الناس" داعياً الى عدم

[caption id="attachment_78541" align="alignleft" width="417"] الوزيرة ماري كلود نجم رفضت أن تكون "خيال صحراء" ولا يُسأل رأيها[/caption]

تصديق ما يرد في هذه الوسائل، علماً انه قال ان القاضية يقظان لا انتماء سياسياً لها وانه يريد ان ينصرها "لأنها مظلومة، ولا داعي أن نعمل من الحبة قبة".

ويكمل الوزير روايته فيقول ان وزيرة العدل ماري كلود نجم اعترضت على عدم مراجعتها قبل اقتراح اسم القاضية، لأنها بحكم موقعها، تمثل السلطة السياسية التي ترعى مصالح القضاء والقضاة وبالتالي يجب سؤالها لتتمكن من مراجعة مجلس القضاء والتفتيش القضائي وتزويد مجلس الوزراء بالمعلومات الكاملة عن أي قاضٍ يطرح اسمه لتولي وظيفة ادارية خارج السلك القضائي الذي ينتمي إليه، ورفضت الوزيرة نجم أن تكون "خيال صحراء" ولا يُسأل رأيها، كذلك سجلت اعتراضها على تعيين قضاة في مراكز ادارية لأن ذلك يؤثر على استقلاليتهم في ما لو وعدوا بمثل هذه المراكز خلال تأديتهم عملهم القضائي. وأعربت الوزيرة عن معارضتها لمبدأ تعيين قضاة في مراكز ادارية بصرف النظر عن وضع القاضية يقظان لأن الحق يجب أن يُعطى لموظفي الفئة الثانية بالانتقال الى الفئة الأولى، أو الاتيان بغير قاضٍ. وتشعب النقاش بعد ذلك فأبدت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد تساؤلات عن المعايير التي اعتمدت لاختيار هؤلاء المرشحين وليس غيرهم، ومَن هي الجهة التي اقترحت هذه الأسماء المعروضة للتعيين، فرد الرئيس دياب منفعلاً: "رئيس الحكومة ما عندو موضوعية ولا يختار الكفاءة"! ثم دخل على الخط وزير الثقافة والزراعة عباس مرتضى لافتاً الى خطورة التشهير دائماً بالأشخاص المرشحين لتولي مناصب ادارية لـ"حرقهم" داعياً الى عدم الاهتمام بما تقوله وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، فيما اعتبر الوزير ميشال نجار ان ما يحصل من تعيينات سيعطي صورة بشعة عن الحكومة التي يفترض أن يكون أداء الوزراء فيها شفافاً لا أن يكونوا شهود زور... كذلك انضمت الوزيرة غادة شريم الى المعترضين على المبدأ والشكل من دون المساس بالقاضية يقظان متسائلة عن الأسباب التي أدت الى كسر رتبتها القضائية لأن مثل هذا التدبير له تداعيات عقابية على الذين يتعرضون له.

ويتابع الوزير روايته قائلاً ان أكثر من زميل له أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، ما دفع الرئيس دياب الى طرح التصويت على اقتراح تأجيل التعيين لمزيد من الدرس فأيد 9 وزراء التأجيل، فرد الرئيس دياب بأن الأكثرية للتأجيل غير متوافرة لكن مع ذلك فهو سيؤجل الموضوع ليكون القرار توافقياً لأن موقع رئاسة مجلس الخدمة المدنية موقع حساس ومن الأفضل أن يحظى مَن يشغله بدعم وزاري واسع، وطلب ان يشمل التأجيل المواقع الأربعة وليس فقط مجلس الخدمة المدنية على أن يعاد طرح الموضوع في جلسة مقبلة لمجلس الوزراء. وسط هذا الجدل انبرى وزير الاقتصاد راوول نعمة ليقول بأن المرشح المقترح مديراً عاماً للاقتصاد لا يعرفه وليس هو مَن طرح اسمه، وكذلك فعل وزير الطاقة والمياه ريمون غجر في ما خص المرشح لتولي مركز المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه!

ويضيف الوزير نفسه ان الخلاف على التعيينات دفع الوزراء الى السؤال عن مصير الآلية التي كانت لجنة وزارية قد وضعتها لتعيين موظفي الفئة الأولى، فتبين انها أُنجزت ولم تعرض بعد على مجلس الوزراء ولا على الرئيس دياب فتقرر عرضها على رغم وجود آلية أخرى أقرها مجلس النواب، مع العلم انه جاء مَن يقول للوزراء ان أي آلية خطوة غير دستورية...

في أي حال، ملف التعيينات لن يمر مرور الكرام بآلية وغير آلية، وهو ملف مفخخ قد ينفجر في أي لحظة وستكون تداعيات انفجاره كبيرة وعواقبها غير سليمة!