تفاصيل الخبر

التعيينات القضائية: محاصصة سياسية وطائفية ومذهبية لم تسقط صفات الخبرة والكفاءة والمناقبية عن معظم المعينين!

19/09/2019
التعيينات القضائية: محاصصة سياسية وطائفية ومذهبية لم تسقط صفات الخبرة والكفاءة والمناقبية عن معظم المعينين!

التعيينات القضائية: محاصصة سياسية وطائفية ومذهبية لم تسقط صفات الخبرة والكفاءة والمناقبية عن معظم المعينين!

بصرف النظر عن الكفاءة والمناقبية والخبرة التي يتمتع بها معظم الذين شملتهم التعيينات القضائية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته يوم الخميس في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري، فإن سمة <المحاصصة> التي اتسمت بها هذه التعيينات تطرح علامات استفهام حول قدرة القضاة المعينين في مواقع قيادية على المحافظة على استقلالية السلطة القضائية من جهة، وعلى حيادهم وعدم تجاوبهم مع رغبات المرجعيات التي عينتهم من جهة أخرى، في وقت تزداد فيه الدعوات للمحافظة على استقلال القضاء وعدم تسلل السياسة الى صفوف العاملين فيه الذين يصدرون أحكامهم <باسم الشعب اللبناني>... وهكذا وزّع مجلس الوزراء القضاة المعينين على القوى السياسية الرئيسية في البلاد، ذلك ان فريق رئيس الجمهورية و<التيار الوطني الحر> سمى القضاة المسيحيين، والرئيس سعد الحريري بصفته رئيساً لـ<تيار المستقبل> اختار القضاة السنة، وتوافق فريقا <الثنائية الشيعية> على القضاة الشيعة!

وإضافة الى <المحاصصة> السياسية التي ولّدت التعيينات، فقط أضيفت إليها <المحاصصة المذهبية> التي جعلت عدد القضاة المعينين يرتفع من خمسة قضاة، كما كان مقرراً، الى 15 قاضياً وقاضية حتى تأخذ الطوائف والمذاهب تمثيلاً في السلطة القضائية، وإن تم ذلك على حساب الأصول والقوانين المرعية الاجراء كما حصل بالنسبة الى رؤساء الغرف في ديوان المحاسبة... فالذين تابعوا عن قرب التحضيرات التي كانت قائمة لاقرار التعيينات يروون تفاصيل غير مسبوقة شهدتها عملية التعيين في الربع الساعة الأخيرة، الى درجة ان السير الذاتية لعدد من القضاة ممن تم تعيينهم وزعت على الوزراء قبل دقائق من بدء الجلسة، وبعض هذه السير وزعت والجلسة <ماشية> حيث انشغل عدد من <طابخي> التعيينات في التداول فيها متجاهلين ما كان يدور من نقاش في بنود جدول الأعمال، على حد ما روى لـ<الأفكار> أحد الوزراء المعترضين على مسار عملية التعيين.

في هذا السياق، يروي الوزير نفسه ان الاتصالات التي جرت عشية الجلسة رست على أن يطرح في مجلس الوزراء تعيين القاضي سهيل عبود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى خلفاً للقاضي جان فهد الذي لم يتفق في تلك الجلسة على الموقع الجديد الذي سيحل فيه، وهو الذي يتقاعد بعد ثلاث سنوات وبضعة أشهر. كما شمل البحث تعيين القاضي غسان منيف عويدات مدعياً عاماً تمييزاً خلفاً للقاضي سمير حمود الذي تقاعد قبل أشهر، والقاضية رولا جدايل مديرة عامة لوزاة العدل خلفاً للقاضية ميسم النويري المتقاعدة منذ أشهر أيضاً، والقاضي فادي الياس الذي خلف القاضي هنري خوري في رئاسة مجلس شورى الدولة، والقاضية جويل فواز رئيسة لهيئة التشريع والاستشارات خلفاً للقاضية دنيز المعوشي التي توفيت قبل أشهر. إلا انه، يضيف الوزير نفسه، وبسحر ساحر، هبطت على الوزراء أسماء قضاة آخرين لم يكن معظم الوزراء على علم بها بعدما تبين ان القضاة الخمسة ينتمون الى الطائفتين المسيحية والسنية من دون أن يكون من بين المعينين من ينتمي الى الطائفة الشيعية خصوصاً ان لا مراكز شاغرة يشغلها قضاة شيعة، وغالبية هؤلاء يعملون في ديوان المحاسبة أي في القضاء المالي، فكان القرار بإحداث تغييرات استفاد منها قضاة ينتمون الى الطائفة السنية، فتم تغيير رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان بالقاضي محمد بدران وتعيين القضاة جمال محمود وخالد عكاري وانعام بستاني ونيللي أبي يونس وبسام وهبه وعبد الرضى ناصر وزينب حمود رؤساء غرف في ديوان المحاسبة، وأضيف إليهم القاضي مروان عبود الذي كان يشغل منصب رئيس الهيئة العليا للتأديب ما جعل هذا المنصب يشغر فتم ملؤه بتعيين القاضية ريتا غنطوس خلفاً للقاضي عبود!

وحسب رواية الوزير المعترض نفسه ان هذا <الانقلاب> الذي حصل في ديوان المحاسبة جعل وزراء <القوات اللبنانية> يعترضون على تعيين قضاة عدليين في الديوان علماً ان نظامه يعطي الأولوية في تعيين رؤساء الغرف للعاملين فيه لأنهم مارسوا في غرف الديوان مهامهم منذ تعيينهم أعضاء فيها. إلا ان الرئيس سعد الحريري سارع الى الرد على وزراء <القوات> بالقول إن لا قضاة سنة في ملاك ديوان المحاسبة و<أنا مضطر انو انقل من القضاء العدلي لتحقيق التوازن>! إلا ان هذا التبرير لم يقنع وزراء <القوات> فظلوا عند اعتراضهم الذي لا يطال أشخاص القضاة المعينين، بل أسلوب التعيين المخالف لتنظيم ديوان المحاسبة، علماً ان هذا التنظيم ينص على ان رؤساء الغرف في الديوان يعينون بناء على اقتراح رئيس الديوان الذي لم يقترح أحداً وهو الذي عُين في آخر لحظة لاعطاء الطائفة الشيعية حصة في التعيينات القضائية، ولو اقتضى الأمر تغيير رئيس الديوان السابق القاضي أحمد حمدان ورؤساء الغرف أيضاً. كما شمل الاعتراض <القواتي> تعيين القاضي فادي الياس وهو من القضاء العدلي رئيساً لمجلس شورى الدولة الذي يفترض أن يُعين فيه قاض من القضاء الاداري وليس من القضاء العدلي.

ويروي الوزير المعترض ان الملفت خلال طرح التعيينات ان الوزير المختص ــ وهو وزير العدل القاضي البرت سرحان ــ لم يعلق على النقاش الذي دار حول آلية التعيينات والتجاوزات التي حصلت فيها بل تولى <الدفاع> عن القضاة المختارين وعن الآلية، إضافة الى رئيس الحكومة الذي بدا مستعجلاً لبت التعيينات. مرة واحدة ــ يضيف الوزير المعترض ــ تحدث وزير العدل ليقترح تعيين الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد رئيساً لمحكمة التمييز العسكرية مستنداً الى سابقة حصلت في الماضي عندما استبدل رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك القاضي أمين نصار برئيس جديد، فتم تعيينه رئيساً لمحكمة التمييز العسكرية... إلا ان الوزير جبران باسيل اعترض على ما اقترحه الوزير سرحان رافضاً إسناد أي موقع للقاضي فهد من دون أن يبرر سبب رفضه، مطالباً بوضعه بتصرف وزير العدل وسانده في موقفه الوزير سليم جريصاتي، ولما حاول الوزير سرحان التمسك باقتراحه جوبه بالرفض وحصل هرج ومرج سقط بعده اقتراح سرحان. أما الرئيس السابق لديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان فتم وضعه بتصرف الرئيس الحريري لأن الديوان يتبع لوصاية رئيس مجلس الوزراء!

وسط هذه الأجواء العابقة بالمحاصصة ولدت التعيينات في السلطة القضائية، وهي السلطة الثالثة حسب الدستور، بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما ولدت معها تعيينات ثلاثة من الأجهزة الرقابية الأساسية في الدولة، وهي مجلس شورى الدولة والهيئة العليا للتأديب وديوان المحاسبة. واللافت ان أسماء المعينين طرحت من دون أن يكون أمام الوزراء أسماء أخرى كي يختاروا من بينها، وبرّر الوزير باسيل هذا الأمر بنظرية تقول بأن الوزير يطرح الأسماء التي يريدها ولمجلس الوزراء أن يوافق عليها أو يرفضها من دون أن يكون لأي وزير الحق بأن يطرح أسماء أخرى أو أن يختار بين عدة أسماء مقترحة من يراه مناسباً لهذا الموقع، وتقول مصادر وزارية ان هذه النظرية، التي لم يعترض عليها سوى وزراء <القوات>، تكرس سلطة مطلقة للوزير في وزارته، وتعطيه وحده من دون سواه، حق تعيين موظفي الفئة الأولى في هذه الوزارة أو تلك، الأمر الذي يتناقض مع كون السلطة التنفيذية في البلاد تمارس صلاحياتها في مجلس الوزراء مجتمعاً وفق ما جاء في <اتفاق الطائف> الذي أصبح نواة الدستور بعد اقراره في مجلس النواب.

في أي حال، التعيينات القضائية باتت أمراً واقعاً وهي لقيت ارتياحاً لأن غالبية الذين عينوا في مواقع حساسة مثل رئاسة مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي ورئاسة مجلس شورى الدولة يتمتعون بسيرة حسنة وبمناقبية وحسن تمرس لاسيما وأنهم اختُبروا سابقاً في المناصب التي تولوها في المحاكم الجزائية والادارية والمالية. فالقاضي سهيل عبود يحوز احترام القضاة والمحامين نتيجة مسيرة مهنية طويلة، ويتمتع بحضور لافت لدى القضاة الشباب ويعتبر قريباً من <نادي القضاة> على خلاف القاضي فهد الذي عبّر أعضاء <النادي> مراراً عن انزعاجهم منه لمعارضته إنشاء ناديهم في حين شجع القاضي عبود ذلك. أما القاضي فادي الياس الذي كان يشغل رئاسة غرفة الاستئناف في بيروت، فقد ترأس سابقاً محكمة الافلاس في بيروت لمدة عشر سنوات، وهو القاضي العدلي الرابع الذي يتولى رئاسة مجلس الشورى (وهو مجلس اداري) بعد القضاة غالب غانم وشكري صادر وهنري خوري. والمدعي العام التمييزي الجديد القاضي غسان عويدات هو نجل المدعي العام التمييزي الراحل منيف عويدات وقد رشحه لهذا المنصب رئيس الحكومة، ويتمتع بخبرة واسعة وعرف عنه عدم تردده في اتخاذ القرارات الصعبة والمهمة، ويدرك ان أمامه تحديات كبيرة في بلد القانون فيه وجهة نظر. أما رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فواز فليست غريبة عن الهيئة التي تعمل فيها منذ 15 عاماً وترأستها بالانتداب بعد رحيل رئيستها السابقة القاضية ماري دنيز المعوشي. ويذكر ان المديرة العامة لوزارة العدل القاضية رولا جدايل هي ابنة كبير مذيعي اذاعة لبنان المرحوم شفيق جدايل وهي ستبقى في منصبها 18 شهراً فقط إذ ستحال بعد ذلك الى التقاعد لبلوغها السن القانونية.