بقلم صبحي منذر ياغي
توقفت الاوساط السياسية عند الاشرطة المسربة من داخل سجن رومية التي تظهر قيام عناصر من القوة الضاربة في شعبة المعلومات بتعذيب موقوفين من <المتهمين الاسلاميين> على خلفية التمرد الذي حصل في سجن رومية منذ اشهر.
واستغربت الاوساط هذه الطريقة الهمجية في التعامل مع الموقوفين مطالبة بإنزال أشد العقوبات بمن قاموا بهذه الاعمال، وهي ظاهرة لم تعرفها السجون اللبنانية في تاريخها لأنها من مميزات الأنظمة الديكتاتورية البائدة وقد تكون عدواها قد انتقلت الى لبنان.
ما حصل من <فضيحة> في لبنان تزامن مع تقرير لمنظمة <هيومان رايتس ووتش> المدافعة عن حقوق الانسان في تقرير صدر مؤخراً أكد أن معتقلين بينهم نساء ومثليو جنس ومدمنون على المخدرات يتعرضون للتعذيب في السجون اللبنانية، وذلك بعد إجرائها مقابلات مع أكثر من خمسين شخصاً تم توقيفهم خلال السنوات الأخيرة. فالتعذيب مصطلح عام يُستعمل لوصف أي عمل يُنزل آلاماً جسدية أو نفسية بإنسان ما، وبصورة متعمدة ومنظمة، كوسيلة من وسائل استخراج المعلومات أو الحصول على اعتراف، أو لغرض التخويف والترهيب، أو كشكل من أشكال العقوبة أو وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطراً على السلطة المركزية.
يعتبر التعذيب بأنواعه كافة منافياً للمبادئ العامة لحقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها بتاريخ 10 كانون الاول/ ديسمبر 1948، وتم التوقيع عليها من قبل العديد من الدول سواء في معاهدة جنيف الثالثة الصادرة بتاريخ 12 آب/ أغسطس 1949 المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب أو معاهدة جنيف الرابعة بتاريخ 1949 المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحرب.
في عام 1987، تم تشكيل لجنة مراقبة ومنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة والتي تضم في عضويتها 141 دولة، وبالرغم من توقيع العديد من الدول على هذه الاتفاقيات، إلا أن توقعات منظمة العفو الدولية تشير إلى أن معظم الدول الموقعة لا تلتزم بتطبيق البنود الواردة في المعاهدات المذكورة.
أنواع التعذيب
وفي دراسة أعدتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر عددت فيها انواع التعذيب الذي يخضع له المعتقلون في السجون ومنها:
- التعذيب الجسدي وهو أكثر الأنواع شيوعاً ويشمل الكوي وقلع الأسنان أو الأظافر واستعمال العصي أو السوط أو الهراوة، بالإضافة الى التغطيس في الماء المغلي أو الماء البارد والإخصاء وتشويه الوجه والأجزاء الظاهرة من الجسم والسحل أو السحق والتعليق بواسطة الحبال في أوضاع غير مريحة والصعقات الكهربائية.
- التعذيب النفسي باستعمال أساليب تلحق آلاماً نفسية وقد تشمل الإيحاء بأن الشخص على وشك أن يتم قتله والحبس الانفرادي والابتزاز والإجبار على مشاهدة شخص آخر يتم تعذيبه وإجبار الشخص على أن يقوم بتعذيب شخص آخر أو إجباره على مشاهدة اعتداء جنسي أو استغلال خوف أو رهاب المعتقل من شيء ما واستعماله ضده أو منع الشخص من النوم وحلاقة شعر الرأس وخاصة للسيدات أو الإهانة العلنية بإجبار الشخص على التعري.
- التعذيب الجنسي عن طريق الاغتصاب أو إجبار المعتقل على القيام بأفعال جنسية رغماً عن إرادته أو إجبار المعتقل على الجلوس على زجاجة أو ما شابه من الأشياء.
- وضع المعتقل في زنزانة انفرادية قذرة وضيقــــة ومظلمة أو حشر أعداد كبيرة في زنزانـــة واحدة لا تتسع إلا لشخص واحد، إضافة إلى الحرق بإطفاء أعقاب السجائر وإطلاق الحيوانات الشرسة على المعتقلين كالكلاب البوليسية المدربة والأفاعي والعقارب السامّة.
التعذيب في لبنان
برأي الناشط في مجال حقوق الانسان رامي شريف ان لبنان لم يعرف قديماً بعضاً من هذه الأساليب الوحشية في التعذيب، ولم تلجأ السلطات الامنية الى هذه الممارسات وأكثر من كان يتعرض له المعتقلون في السجون كان الضرب( الفلق) اي ضرب المعتقل بواسطة السوط على رجليه، او طريقة كانت تعرف < بالفروج> التي كانت تستخدمها عناصر قوى الامن، او تعليق يدي المعتقل بـ<البلانكو> لفترات طويلة يشعر فيها ان يديه تخدرتا وتجبره هذه الطريقة على الاعتراف.
المحامية خزام شلحة في دردشة مع <الافكار> اعتبرت ان تسليط الضوء على موضوع التعذيب في لبنان الذي كشفت عنه منظمة <هيومان رايتس ووتش> أثار غضب الشارع اللبناني ونقمة المؤسسات التي تعنى بالدفاع عن حقوق الانسان، وكذلك ما حصل من عرض لـ<فيديو> سجن رومية مؤخراً، كون هذا الموضوع غريباً على طبيعة الوضع في لبنان الذي يتميز بديموقراطيته وقضائه العادل ودعوته الدائمة لاحترام حقوق الانسان.
بدوره، ندد نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط نديم حوري بسوء المعاملة التي أصبحت ممارسة شائعة في مراكز الشرطة في لبنان، إلا أن الوضع أكثر سوءاً بالنسبة إلى بعض الأشخاص مثل الذين يتعاطون المخدرات أو الدعارة.
ممارسات غير قانونية
وكانت منظمة <هيومان رايتس ووتش>، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها أجرت مقابلات مع أكثر من خمسين شخصاً تم توقيفهم خلال السنوات الأخيرة في لبنان، بتهمة تعاطي المخدرات أو الدعارة أو الجنس المثلي، وقال معظمهم إنهم تعرضوا لأشكال شتى من التعذيب وسوء المعاملة. وروى (محمد) الذي أوقف بتهمة حيازة مخدرات: <اقتادوني عارياً إلى الاستجواب، ورشقوني بالمياه الباردة، ثم ربطوني إلى مكتب بجنزير في وضع مؤلم للغاية>، مضيفاً: <حطموا كل اسناني وأنفي، وضربوني ببندقية مما تسبب بخلع كتفي>. وقال أشخاص آخرون تم توقيفهم إنهم حرموا من الغذاء والماء والأدوية ومن الاتصال هاتفياً بعائلاتهم أو بمحامٍ. اما النساء لاسيما اللواتي يتم توقيفهن بتهمة الدعارة، فقلن إنهن تعرضن للتحرش الجنسي وأحياناً للاغتصاب.
واذا كانت حالات التعذيب وانتهاك حقوق الانسان نادرة في السجون اللبنانية وتجد بالتالي من يعترض عليها، فإن هذه الحالات باتت سمة أصيلة لدى اكثر الدول التي تتصف بالأنظمة الديكتاتورية.
الفظاعات في سجون سوريا
في سوريا، عانى المعتقلون السياسيون السوريون واللبنانيون اكثر ما عانوه من تعذيب وحشي في سجون الاستخبارات السورية مما أدى الى وفاة بعضهم، وما زال العديد منهم في غياهب هذه السجون حتى اليوم، وخرج بعضهم ليروي تلك الفظاعات التي تعرض لها داخل السجون السورية، وعمد الى توثيقها في كتاب. ومنهم علي ابو دهن الذي اصدر كتاباً سرد فيه قصة اعتقاله في سجون النظام السوري والذي دام حوالى ثلاثة عشر عاماً، وحمل الكتاب عنواناً مثيراً هو «عائد من جهنم - ذكريات من تدمر وأخواته» وهو لا يختلف في أجوائه القاتمة عن رواية «القوقعة» للكاتب السوري مصطفى خليفة وكتاب «بالخلاص يا شباب> للكاتب السوري ياسين الحاج صالح وسائر الأدبيات التي دارت حول مآسي الزنزانات السورية المتألقة في عهد البعث ومنها قصائد الشاعر فرج بيرقدار.
كرابيج: صباح، سميرة توفيق، فهد بلان
وبرأي الكاتب عبده وزان ان سجون البعث السوري لا تميّز بين ضيوفها سواء أكانوا سوريين أم لبنانيين أم عراقيين، وأياً تكن التهم المكالة لهم: الشيوعية أم البعثية العراقية أم «الإخوانية» أم تهمة التعامل مع اسرائيل أو حتى تهمة المعارضة... كلّهم ضيوف والتهم غالباً ملفّقة مثل الحجة التي يلفّقها السجانون القساة كلّما قتلوا سجيناً أو دفعوه الى الموت العنيف في السجن وهي «الوقوع في الحمّام>، وكم تكرّرت هذه الذريعة وكم مات في جريرتها من سجناء.
ويشير الكاتب والزميل وازن الى ان أساليب التعذيب في سوريا هي نفسها وكذلك وسائطها: الكرسي الألماني الشديد القسوة، الدولاب الذي يجعل السجين أشبه بحيوان، التعذيب بالكهرباء، الجلد، التعليق، التأريق ليلاً، التخويف بالاغتصاب... أما الكرابيج فلها أسماء أو كنايات عدة: صباح، سميرة توفيق، فهد بلان... وكذلك الكرباج الأبطح والأعرج... ولم يكن إطلاق أسماء المطربات والمطربين على الكرابيج إلا تيمّناً بآهات الحنجرة التي تستحيل تحت الجلد عواء وبكاء... حتى الشتائم البذيئة والدنيئة هي نفسها ناهيك بالأوصاف الحقيرة: يا خنزير، يا كلب، يا حمار... ولم تسلم من الشتم المقذع الأمهات والزوجات والشقيقات، على عادة السجانين البعثيين. حتى الأسماء ألغيت، بحسب العادة أيضاً. أصبح اسم علي مثلاً هو الرقم 6 أولاً ثم 13 ثم 15... تتبدّل الأرقام لكنّ الشخص يبقى نفسه، رقماً مسحوقاً، لا وجود له ولا وجه، شخصاً كأنّه ليس إنساناً في عرف السجانين البعثيين. لعل هذا أقصى ما يمكن أن يبلغه تجريد الإنسان من إنسانيّته.
وفي العراق
والحال في العراق لم تكن أفضل من سوريا، فقد تميز حكم الرئيس صدام حسين في العراق بديكتاتوريته، وبالأساليب الوحشية التي استخدمتها مخابرات الرئيس العراقي مع معارضيه ومعتقلي الرأي والتي جرى الكشف عنها بعد سقوط النظام والعثور على وثائق وأشرطة <فيديو> تظهر هذه الوحشية وهذه الأساليب الهمجية وغير الانسانية مع المعتقلين، وحالات الإعدامات التي كانت تشهدها السجون.
والسلطة الجديدة في العراق ما زالت تواصل الطريقة نفسها في تعذيب المعتقلين. وأفاد تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية <أمنستي> أن التعذيب المنهجي للمعتقلين في السجون العراقية لا يزال مستمراً وأن الشرطة العراقية ما زالت تمارس تعذيباً منهجياً ضد المعتقلين العراقيين في السجون.
ويُبرز التقرير عجز السلطات العراقية المستمر عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة التي تُظهر ازدراء لحياة المدنيين.
وكما في العراق كذلك عدد كبير من السجون العربية التي تقوم بمعاملة المعتقلين بأساليب غير انسانية وتتنافى مع أبسط حقوق الانسان.
معتقل <غوانتانامو>
والتعذيب في السجون لم يقتصر على السجون العربية، فقد شهد عدد من السجون في دول أجنبية حالات مماثلة ولعل أبرزها معتقلو <غوانتانامو> وسجن <أبو غريب> وقد ارتفعت الاصوات مؤخراً داعية لإغلاق معتقل <غوانتانامو> الذي بات يمثل رحلة ظلم وعنف واضطهاد بحق المعتقلين. ودعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان <نافي بيلاي> السلطات الأميركية إلى إغلاق معتقل <غوانتانامو>، وذلك بعدما بدأ بعض المعتقلين إضراباً عن الطعام، وأشارت إلى أن ما يحدث هناك هو انتهاك للقوانين الدولية.
وفي سجن <أبو غريب> الذي يقع قرب مدينة <أبو غريب> على بعد 32 كلم من العاصمة العراقية في بغداد، سجلت حالات تعذيب للمعتقلين بطريقة لااخلاقية وبرأي المعارض العراقي نعيم <ابو مريم> الذي يسكن في لبنان، وما زال يناضل لاستعادة حرية الشعب العراقي من النظام الحالي الجديد كما قال <للأفكار> ان سجن <أبو غريب> صار رمزاً للقهر والاحتلال، وان الحقبة الحالية في العراق تشهد مزيداً من السجون على شاكلة سجن <أبو غريب>، فالظلم يتكرر دوماً كما يرى ابو مريم .
وكان سجن <أبو غريب> قد استخدم في عهد حكم الرئيس صدام حسين بإدارة الأمن العام ووزارة الداخلية التي كانت تلجأ إلى استعمال التعذيب ضد السجناء. اشتهر هذا السجن بعد احتلال العراق لاستخدامه من قبل قوات التحالف الذين أساؤوا معاملة السجناء في داخله، وقد تم عرض صور مريعة تبين طرق تعذيب غير إنسانية للمساجين العراقيين وإذلالهم وتصويرهم وتكديسهم عراة من قبل الجنود الأميركيين، وعرفت بـ«فضيحة <أبو غريب>».
ويبقى التذكير بسجون الاحتلال الاسرائيلي التي تضم خيرة المناضلين العرب الذين يعانون من قساوة الجلادين ووحشيتهم وعنصريتهم والتي لم تسلم منها حتى المعتقلات الفلسطينيات، وتقوم اسرائيل في كثير من الاحيان بمنع وفود منظمات حقوق الانسان والصليب الاحمر الدولي من تفقد هذه المعتقلات والسجون حتى لا يتم الكشف عن الأساليب الوحشية التي يتم التعامل بها مع الاسرى والمناضلين...