تفاصيل الخبر

الطعــن بنيابــة جمالــي أمــام المجلــس الدستــوري مجــدداً فـهــل ”تـنـقـذهـــا“ دعـــوى ”الـقـــدح والـــذم“ ضـدهــــا؟!

24/05/2019
الطعــن بنيابــة جمالــي أمــام المجلــس الدستــوري مجــدداً  فـهــل ”تـنـقـذهـــا“ دعـــوى ”الـقـــدح والـــذم“ ضـدهــــا؟!

الطعــن بنيابــة جمالــي أمــام المجلــس الدستــوري مجــدداً فـهــل ”تـنـقـذهـــا“ دعـــوى ”الـقـــدح والـــذم“ ضـدهــــا؟!

لم يشهد المجلس الدستوري منذ إنشائه بعد وضع <اتفاق الطائف> موضع التنفيذ، حالة مماثلة لحالة نائب طرابلس السيدة ديما جمالي التي طعن بنيابتها مرتين: الأولى كانت من المرشح الخاسر في انتخابات أيار/ مايو 2018، والثانية من المرشح يحيى مولود الخاسر في الانتخابات الفرعية التي تمت على أساس القانون الأكثري كما ينص عليه قانون الانتخاب.

في الطعن الأول، أخذ المجلس الدستوري وقتاً طويلاً تجاوز ستة أشهر قرر في نهايتها إبطال نيابة السيدة جمالي بعدما تبيّن له أن قلم بلدة قرصيتا رقم 546 في المدرسة الرسمية الغرفة رقم 4 قد جرى العبث بمحتويات المغلف العائد إليه والذي تسلمته لجنة القيد من دون مستندات، وبعد التدقيق في أوراق الاقتراع الموجودة في هذا المغلف تأكد العبث بها أيضاً. أما في الطعن الثاني فالأسباب مختلفة شرحها المرشح الطاعن مولود بـ11 سبباً اعتبرها كافية لإبطال نيابة جمالي، ابرزها إقرار الأخيرة في مقابلة تلفزيونية بارتكاب جرم الرشى وشراء الأصوات بالمال، إضافة الى تدخل السلطة التنفيذية المباشر في حملتها الانتخابية، وقيام الموظفين العامين بالترويج لها، واستخدام المرافق العامة والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والجامعات والمعاهد والمدارس لإجراء المهرجانات واللقاءات والدعاية الانتخابية، واستخدام المشاريع الإنمائية الحكومية الممولة من المال العام وتقديمات مؤتمر <سيدر> كجزء أساسي في الحملة الانتخابية، وتجاوز سقف الإنفاق الانتخابي، والتلاعب بصناديق الاقتراع، ويقول المرشح مولود أنه سلك المسار الدستوري بعدما شاهد احدى المقابلات التلفزيونية للجمالي تشير فيها الى <أموال انتخابية>، وقد التقط مولود هذا التصريح وسارع الى المجلس الدستوري ليقدم الطعن، وقد شجعه في ذلك مرشحون خاسرون ايضاً على أمل أن يبطل المجلس الدستوري نيابة جمالي مرة ثانية وتجري بعدها انتخابات فرعية جديدة كما حصل يوم أحد الشعانين عند الطوائف المسيحية الكاثوليكية في 14 نيسان/ أبريل الماضي.

 

طعن من بُعدين!

مصادر متابعة تؤكد لـ<الأفكار> أنه يصعب التكهن مسبقاً بالنتيجة التي سيؤول اليها الطعن، لكن المراجعة في حد ذاتها تكتسب بُعدين قانوني وسياسي. في البُعد الأول قدمت السيدة جمالي بنفسها دليلاً على دفع الأموال في الانتخابات الفرعية من خلال ماكينتها الانتخابية التي تملك قدرات كافية لذلك، وهذا ما يمكن أن يستند اليه المجلس الدستوري لقبول الطعن، علماً أن الشوائب التي اعترت الانتخابات الفرعية كانت كثيرة وفق تقارير المراقبين، والتي قد تكرّس هيئة الإشراف على الانتخابات حصولها. أما في البُعد السياسي، فقبول الطعن قد يفسّر استهدافاً سياسياً لكتلة <المستقبل> كما حصل في الطعن الأول، مع ما يعني ذلك من ردود فعل في الساحة الطرابلسية أولاً، ثم على صعيد الوطن ثانياً، لاسيما وأن الرئيس الحريري كان قد وضع كل ثقله في الانتخابات الفرعية لضمان نجاح جمالي، وتحالف مع خصوم سياسيين لتأمين فوزها مثل الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق اشرف ريفي، وجند كل ما يمكن تجنيده من أجل فوزها، وهو الذي كان قد قال بُعيد صدور قرار المجلس الدستوري السابق ان جمالي سوف تعود الى ساحة النجمة ممثلة عن طرابلس! إلا أن ثمة من يرى أن قبول الطعن للمرة الثانية سيضع الرئيس الحريري وتياره في موقع دقيق، وهو الذي استبعد في الانتخابات الفرعية قيادات <مستقبلية> بارزة مثل الدكتور مصطفى علوش (الذي كان يمنّ نفسه بأن يكون خليفة جمالي في المقعد النيابي) وحزبيين آخرين يطمحون الى الحصول على اللوحة الزرقاء (التي لم تعد كذلك بموجب قانون السير الجديد بل أصبحت بيضاء موحدة مثل اللوحات الأخرى)!

 

خصومة أنشأتها دعوى القدح والذم!

وفيما باشر المجلس الدستوري درس طعن المرشح يحيى مولود، لفتت مصادر سياسية الى مسألة وصفتها بالـ<القانونية> قد تشكّل إحراجاً للمجلس الدستوري وملاذاً للنائبة جمالي لعدم إبطال نيابتها أو تعليق البت بها الى أمد طويل، وتتمثل هذه المسألة <القانونية> بأن المجلس الدستوري بتركيبته الحالية يشكّل خصماً حقيقياً للنائبة الطرابلسية نتيجة الدعوى القضائية التي تقدم بها المجلس بشخص رئيسه الدكتور عصام سليمان ضد جمالي بجرم القدح والذم على خلفية اتهامها له بالخضوع للضغوط السياسية ما أدى الى إبطال نيابتها في المرة السابقة قبل إعادة انتخابها في نيسان/ أبريل الماضي. وأشارت المصادر نفسها الى أن الأنظمة المرعية الإجراء تشير الى أنه في أي دعوى قضائية يشتم منها وجود صلة قرابة أو صداقة أو خصومة بين القاضي الذي ينظر فيها أو أحد المتقاضين، فإنه يفرض على القاضي التنحي عنها وإحالتها الى مرجع قضائي آخر، وبالتالي فإن ما ينطبق على النظام القضائي ينسحب على المجلس الدستوري الذي هو هيئة واحدة، إلا إذا تم تسجيل المراجعة في قيود المجلس وبقيت عالقة الى حين انتخاب وتعيين هيئة جديدة للمجلس الدستوري.

غير أن مصادر حقوقية أشارت الى أن قاعدة التنحي عن وجود خصومة بين قاضٍ وأحد المتقاضين لا تنطبق على الوضع الحالي للعلاقة بين المجلس الدستوري والنائبة جمالي، ذلك أن الدعوى التي رفعها رئيس المجلس بحق نائبة طرابلس هي دعوى قدح وذم أمام المحاكم القضائية، في حين أن المجلس الدستوري ينظر في طعن نيابي لا صلة له بالدعوى المرفوعة ضد جمالي، والإطار الذي يتعاطى من خلاله هو إطار دستوري وليس جزائياً لأنه يرتبط بعمل السلطة التشريعية وبتمثيل نائب للشعب، والفارق كبير بين وجود دعوى قضائية وطعن دستوري. علماً أن مسؤولية البت بالطعون النيابية حصرها الدستور بالمجلس الدستوري وحده وليس بأي هيئة قضائية أخرى حتى يصار الى التنحي لصالح جهة قضائية أخرى!

من جهته، سارع المجلس الدستوري الى قبول الطعن وبدأ تطبيق الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات لجهة منح السيدة جمالي مهلة 15 يوماً للرد على الطعن المقدم ضدها، على أن يتولى مقرران اثنان التحقيق في المستندات المقدمة وفي رد المطعون بنيابتها، ووضع تقرير حول تفاصيله ونتائجه الى المجلس الدستوري ليتخذ القرار المناسب في شأن إبطال نيابة جمالي أو عدمه. وفيما توقعت مصادر المجلس الدستوري أن يصدر هذا القرار في غضون ثلاثة أشهر، علمت <الأفكار> أن مهمة المقررين لن تكون سهلة لاسيما وأن اسباب الطعن بحاجة الى تدقيق ومتابعة حيثية، مع العلم بأن قبول هذا الطعن يضع المجلس أمام خيارين: إما دعوة الحكومة الى إجراء انتخابات فرعية ثانية أو إعلان نيابة المرشح الخاسر مباشرة بعد جمالي، فإذا اتجه قرار المجلس الى الدعوة الى انتخابات جديدة فهذا يعني أنها سوف تتم، كما في الانتخابات الفرعية الأولى، على أساس القانون الأكثري وضمن دائرة طرابلس، أما في حال اتجه قرار المجلس الى إعلان نيابة المرشح الذي يليها من حيث عدد الأصوات، وهو المرشح مولود نفسه، فإن كتلة الرئيس سعد الحريري سوف تفقد نائباً طرابلسياً ليحل مكانه آخر لا ينتمي الى الكتل الطرابلسية التقليدية، بل هو كان مرشح <المجتمع الأهلي>.

 

سليمان: نتعامل بموضوعية وحيادية!

وفي هذا السياق، نُقل عن رئيس المجلس الدستوري  الدكتور عصام سليمان قوله ان المجلس سوف يتعاطى <بكل موضوعية وتجرد> مع الطعن، وان ما حصل بين المجلس رئيساً وأعضاء من جهة، والنائبة جمالي من جهة أخرى، <لن يؤثر بتاتاً على تمسك المجلس الدستوري بالحيادية والمسؤولية في درس ملف الطعن وإصدار الحكم العادل في شأنه>. ويؤكد الدكتور سليمان ان دعوى جرم القدح والذم ضد جمالي سارية المفعول وتسلك مجراها الطبيعي في القضاء، جازماً بأن هذه الدعوى شيء، والنظر في طعن المرشح مولود شيء آخر، ولا يمكن الخلط بينهما. وعندما قيل للدكتور سليمان عن إمكانية <استغلال> المجلس الدستوري للطعن لتصفية الحساب مع النائبة جمالي، رد رئيس المجلس الدستوري بأنه ليست هناك حسابات شخصية أو سياسية يرغب المجلس في تصفيتها، على رغم أن النائبة جمالي <أخطأت> بحق المجلس وأطلقت كلاماً غير مسؤول عندما اتهمته بقبول الرشى. ويؤكد سليمان أنه في موضوع الطعن ستتم مقاربة المجلس وفق معايير القانون واحترام أصوات الناخبين، ولا يمكن بالتالي إبطال نيابة نائب ما لم تكن هناك أسباب جدية تستدعي ذلك، وأي حكم سوف يصدر عن المجلس الدستوري سيكون محصناً من الناحيتين القانونية والدستورية. وشدد سليمان من جهة ثانية على استقلالية المقررين الاثنين اللذين سيتوليان التحقيق في مندرجات طعن المرشح مولود كي يبنى على الشيء مقتضاه، وأضاف: <أنا حيادي وأقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وأريد أن أنهي ولايتي محافظاً على كرامتي وسمعتي، وعلى كرامة المجلس الدستوري وسمعته>!