تفاصيل الخبر

التعبئة العامة الرسمية لمواجهة "كورونا " تحت مرمى النقابات العمالية بشكلها ومضمونها!

26/03/2020
التعبئة العامة الرسمية لمواجهة "كورونا " تحت مرمى النقابات العمالية بشكلها ومضمونها!

التعبئة العامة الرسمية لمواجهة "كورونا " تحت مرمى النقابات العمالية بشكلها ومضمونها!

 

بقلم طوني بشارة

 

 

رئيس "الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان" مارون الخولي: كان من الاجدى والاسلم اعلان حالة الطوارىء وتسليم الجيش قيادة هذه المرحلة الحرجة من عمر البلد!

 

أعلنت الجهات الرسمية اللبنانية حالة التعبئة العامة لمواجهة فيروس "كورونا " بعد مرور شهر تقريبا على تسجيل اول إصابة بهذا الفيروس في لبنان، فما سبب التأخير بإتخاذ هكذا اجراء؟ وهل كان من الافضل اعلان

[caption id="attachment_76338" align="alignleft" width="220"] مارون الخولي لا بد من تخفيض الفوائد على القروض ورفع كل الضرائب والرسوم وانشاء صناديق اجتماعية لدعم الاسر التي تأثرت بالكارثة[/caption]

حالة الطوارئ بدلا من التعبئة العامة؟ وما تداعيات هكذا اعلان على الواقع الاقتصادي؟ وما الخطوات المفترض اتباعها من قبل الحكومة لحماية مصالح شعبها في ظل هذا الواقع المأساوي؟

 

الخولي والسياسات المستهترة!

أسئلة عديدة للإجابة عنها التقت" الأفكار" رئيس "الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان" مارون الخولي وسألته بداية:

*هل مواقفكم الاخيرة ضد الحكومة اللبنانية هي استمرار لموقفكم منها المرتبط بمواقف الثورة؟ وهل يجوز الاستمرار بنهج المعارضة في زمن "الكورونا"؟

- موقفنا من الحكومة لم ينطلق من خلفيتنا كمنظمة فاعلة من مكونات الثورة اللبنانية، انما من حرصنا ومن دورنا النقابي والوطني في الدفاع عن مصالح شعبنا تجاه سياسات اقل ما يقال عنها انها مستهترة وغير فاعلة في مواجهة التحديات المستمرة التي نشهدها في كل المجالات والصعد المالية والاجتماعية والسياسية، واخرها السياسة الصحية والتي اثبتت عدم قدرة واهلية هذه الحكومة في مواجهة هذا الوباء بحيث زادت من مخاطره بدلا من ان تعمد الى احتوائه في المراحل الاولى لانتشاره.

*انتقدتم عمل وزارة الصحة في اول مراحل ظهور الفيروس، واعتبرتم بأنها فشلت في احتوائه، على أي اساس اتخذتم هذا الموقف؟

- نعم، لانه كان من البديهي أن تعمد وزارة الصحة لاتخاذ تدابير وقائية سريعة لمنع انتشار الفيروس بحيث كان من الممكن حصره بالحالات الاولى وعدم انتشاره لو اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بتعليق جميع رحلات الطيران المدني بين لبنان وايران، وبين لبنان والبلدان الاكثر انتشار للوباء، واقفال جميع المعابر البرية للقادمين من هذه البلدان في المراحل الاولى لاكتشاف الحالة الاولى لهذا الفيروس. وهذا اجراء بسيط وكان من الممكن ان يؤمن للبنان اقل عدد ممكن من الاصابات لو اتبعناه، ولو اننا اتخذنا الاجراءات العاجلة التي كان يجب اتخاذها في حينه من نُظم الإنذار المبكر الخاصة بالفيروس للكشف عن المراحل المبكرة للوباء والحد من أثره واتخاذ التدابير لمكافحته في غضون الاسبوع الاول من اكتشافه.

* لماذا دعوتم الحكومة اللبنانية الى اعلان حالة الطوارئ واعتبار فيروس" الكورونا "خطراً  على الامن القومي، وطالبتم بتسليم قيادة الجيش اللبناني ادارة عمليات مكافحة هذا الوباء؟

- بالتأكيد استشعرنا الخطر في المرحلة الأولى لاننا على اطلاع يومي بما يحصل في الصين ومدى سرعة انتشار هذا الفيروس بين المواطنين الصينيين ونسبة حصده للارواح البشرية. فكل المطلعين عليه اطلقوا اشارات الانذار حول ضرورة تحصين باقي المجتمعات والوقاية منه. وهنا تكمن رؤية اي مسؤول في ادارة البلد حول سبل الحماية الممكن اتخاذها في مثل هذه الحالات. من هنا رأينا بان من واجبنا اطلاق هذه المواقف والتحذير من تخاذل الحكومة في المبادرة الى درء الخطر الاكيد على امننا الصحي. وعلى هذا الاساس دعونا الى اعلان حالة الطوارىء وتسليم الجيش اللبناني ادارة عمليات مكافحة الوباء لانه من البديهي ان يمارس الجيش سلطته الامنية والعسكرية في فرض نظام الحظر وتسكير المعابر والمرافق والمطارات، وهو له القدرة على انشاء غرف عمليات في كل المناطق لادارة الكوارث بالتنسيق مع وزارة الصحة وكافة الاجهزة والفرق الطبية والإدارية، وذلك  لوضع الخطط السريعة والملائمة التي تساهم في الحد من انتشار هذا الفيروس وفي تحسين الجهود الرامية الى الوقاية والكشف المبكر.

*لقد اتخذتم قراراً باسم "الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان" بتعليق العمل حتى اشعار اخر، والتزام العمال والاجراء بيوتهم في تاريخ 12/3/2020، اي قبل اعلان حالة التعبئة العامة من قبل الحكومة بثلاثة أيام. كيف يمكن ان تعلنوا حالة الطوارىء قبل الاعلان الرسمي عنها؟ وهل يستطيع "الاتحاد" تحمل تبعات هذا القرار الكبير؟ علما انه حين اطلقتم الدعوة تم التجاوب معها بشكل كبير من مختلف القطاعات التجارية والصناعية؟

- دعوتنا لتعليق العمل انطلقت بعدما تأكدت مخاوفنا من انتشار الفيروس وفق بيانات وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية، وخصوصا بعدما عاينا عجز الحكومة اللبنانية وفشلها في احتواء الفيروس وعدم قدرتها على وضع خطة استراتيجية صحية لحماية سلامة اللبنانيين، وبعد تحول هذا الفيروس الى وباء عام في وقت يفتقر لبنان الى التجهيزات والمعدات الطبية القادرة على استيعاب اعداد كبيرة لمعالجتها من هذا الفيروس، اذ ان العلاج يتطلب معدات متخصصة غير متوافرة بكميات كافية لاستيعاب مرضى" الكورونا" . وبكل الحالات نحن مسؤولون تجاه وطننا وناسنا وعمالنا، وعلينا تحمل هذه المسؤولية التاريخية بعمر البشرية والوطن، ودورنا النقابي لطالما كان متقدما في المطالبة بحقوق شعبنا في العمل او الصحة او حتى في التغيير والاصلاح من قِبل طبقة سياسية.

*دعوة تعليق الاعمال التي اطلقتموها ترتب على الاقتصاد الوطني خسائر بملايين الدولارات يوميا. كيف تجرأتم على اطلاقها؟

- الخسائر الاقتصادية والمالية التي ستنجم عن تعليق العمل في القطاعات والمؤسسات والشركات المعنية بالدعوة لا توازي الخسائر في الأرواح، والتي كنا بدأنا نتلمس خسارتها بعد اعلان حالة الوفاة الثالثة في حينها جراء هذا الفيروس القاتل، كما اننا الزمنا انفسنا بها بحيث شددنا على ان تشمل عدم التجمعات والتخفيف من التواصل واللقاءات العامة وتعليق كل الانشطة النقابية والاحتجاجية بما فيها كل التجمعات الخاصة بالثورة، وهذا القرار كان صعباً علينا لانه سيعلق نشاط تحركات الثورة، وبالرغم من ذلك اتخذناه دون تردد حفاظا على سلامة أمتنا.

[caption id="attachment_76339" align="alignleft" width="390"] مجلس الوزراء يلتزم وضع الكمامات... ويقر حالة التعبئة العامة[/caption]

تداعيات التأخر في اعلان حالة الطوارىء!

 

*الا تعتبرون بان حالة التعبئة العامة التي اعلنتها الحكومة جاءت لتستجيب لمطالبكم في اعلان حالة الطوارىء؟

- اعلان التعبئة العامة بالشكل قريب لاعلان حالة الطوارئ، اما في المضمون فأننا نختلف حول المطلوب مع الحكومة بحيث نرى أنه كان من الاجدى والاسلم اعلان حالة الطوارىء وتسليم الجيش قيادة هذه المرحلة الحرجة من عمر البلد والبشرية، خصوصا وان الجيش مؤهل للقيام بهذه المهمة وله كل التقدير والاحترام من مختلف المكونات السياسية والشعبية في لبنان، لاسيما وان القانون اللبناني يذكر هذا الامر، وبخاصة المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر في 5 آب من العام 1967 والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي اللبنانية أو جزء منها بـسبب "تعرض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مسلحة أو أعمال أو اضطرابات تهدد النظام العام والأمن أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة"، وهنا يمكن توصيف وباء "كورونا" بالكارثة الصحية.

*ولماذا لم يتم اعلان حالة الطوارئ؟

- تردد الحكومة في اعلان حالة الطوارىء مبني على مخاوف من انتقال شرعي لجزء من مقاليد السلطة الى قيادة الجيش، وهذا الامر كان سبباً اساسياً في التأخير في اتخاذ مثل هذه الخطوة بحيث كان الالتفاف عليها في اعلان حالة التعبئة العامة، اذ تم اتخاذ جزء من قانون الدفاع المادة 2 منه على أنه اذا تعرض الوطن او جزء من اراضيه او قطاع من قطاعاته العامة او مجموعة من السكان للخطر فيمكن عندها اعلان حالة التأهب الكلي او الجزئي واعلان حالة التعبئة العامة او الجزئية، بحيث تهدف حالة التعبئة بحسب المادة 2 ايضا الى تنفيذ جميع او بعض الخطط المقررة، وتعلن التدابير المذكورة بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على انهاء المجلس الاعلى للدفاع، وبمعنى اخر اتخذت الحكومة اللبنانية ما يناسبها من هذا القانون وصاغت على اساسه اعلانها لحالة التعبئة العامة الذي اتى منسجما مع موقفها غير المعلن في عدم رغبتها تسليم مقاليد جزء من سلطتها الى الجيش.

*انتقدتم اعلان الحكومة التعبئة العامة لكونه جاء متأخرا وضعيفاً، على اي اساس بنيتم موقفكم وهل يجوز ان لا ترون فيه الحل لمواجهة الوباء؟

- ان اي قرار مسؤول يجب ان يراعي قواعد التوقيت، وهنا نرى بأن اعلان قرار الحكومة اللبنانية التعبئة العامة جاء متأخراً أسبوعين بحيث راكم كلفة المعالجة وصعّب المهمة بهذا التأخير غير المبرر الا في اطار الاستهتار او الخوف من الاقدام على قرارات من شأنها ازعاج اطراف حزبية، خصوصا في مجال تعليق الرحلات من والى ايران مثلا... ثانيا في الشكل فان اعلان التعبئة العامة هو جزء من اعلان حالة الطوارىء، وبالتالي هناك استنساب لما يريح الحكومة من قانون الدفاع واستثناء ما يضبط الوضع ويكمل المهمة كاستلام الجيش اللبناني للجزء الامني لهذا الإعلان... ثالثا والاهم ان اعلان التعبئة العامة لم يتضمن مواجهة التداعيات السلبية لهذا الفيروس على الاقتصاد الوطني وعلى باقي النواحي الاجتماعية والانسانية والطبية، وهو جاء فارغاً من اي ميزانية مالية من شأنها تنفيذ مقراراته لناحية تجهيز مستشفيات في كافة المناطق لاستيعاب الحالات الجديدة المتزايدة لمرضى مصابين بفيروس "كورونا".

وتابع الخولي قائلا:

- المطلوب اليوم شراء الحكومة لأجهزة التنفّس والتي لا يوجد منها في لبنان الا 500 جهاز فقط ونحو 20% فقط منها تعمل، وهذه الاجهزة هي اساس العلاج لانقاذ المصابين من فيروس "كورونا".

خارطة الطريق للحلول!

 

*وكأنك تلمح بأن قراراً كهذا غير مجدٍ حاليا؟

- اعلان التعبئة العامة دون اتخاذ اجراءات مالية استثنائية لحماية الاقتصاد من تأثيرات الفيروس ولمكافحة الاثار الاجتماعية الناتجة عن اقفال الاف المؤسسات والشركات والمصانع والفنادق والمطاعم والمتاجر يعتبر غير مجدٍ اطلاقا، خصوصا وان الحلقة الاضعف من هذه السلسلة متمثلة بالعمالة اللبنانية والتي كانت نسب البطالة فيها تتأرجح من جراء الازمة المالية والمصرفية وقبل ظهور الفيروس باكثر من 40%، لذا اليوم وبعد قرار اعلان التعبئة ستتضاعف هذه النسبة بحيث لم يلحظ مجلس الوزراء اي التفاتة لمصالحهم او حتى لمصالح ذوي الدخل المحدود في تجاهل مخيف لمسؤولية الدولة تجاه مواطنيها، في وقت كل حكومات العالم اقدمت على تقديم مساعدات مالية وعينية لشعوبها ومؤسساتها لتخطي مرحلة الحجر الصحي.

*وما الحل الأفضل؟

-  نرى بأنه كان على الحكومة اعلان حالة الطوارىء، وتسليم قيادة الجيش اللبناني زمام مواجهة انتشار هذا الوباء، والانصراف للاهتمام بالنواحي المالية والاجتماعية والانسانية للمساعدة على تجاوز تداعيات انتشار فيروس "كورونا" ولمعالجة الازمة الناتجة عنه، وذلك عبر اتخاذ قرارات واجراءات من شأنها التخفيف من شدة الازمة، منها تخفيض الفوائد على القروض والعمل على اعادة جدولتها، ورفع كل الضرائب والرسوم، وانشاء صناديق اجتماعية لدعم الاسر التي تأثرت مباشرة بهذه الكارثة، وكذلك ارجاء دفع كل الفواتير الخاصة بالكهرباء والتلفون والخليوي والرسوم والمعاينة الميكانيكية والرسوم البلدية، وتجميد الفواتير والسندات المستحقة منها الايجارات وغيرها.

وأضاف الخولي:

- كما يفترض بالحكومة التفرغ لرسم خارطة طريق اقتصادية ومالية للنهوض من هذه الكارثة، واتخاذ قرارات لتجميد عمليات صرف العمال، وانشاء صندوق بطالة فوري مهمته اعانة العاطلين عن العمل من عمال واصحاب مهن حرة لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة  اقله في الاشهر الثلاثة الاولى، وهذا الامر يتطلب من الحكومة ابتداع خطط لتأمين المطلوب لا التحجج بالوضع المالي للدولة، لانه لا يجوز ترك الناس لشجونها وشؤونها ولمصيرها دون الالتفات اليها، خصوصا وان دور الحكومة لا يقتصر على ادارة الازمات وعلى توجيه الارشادات للمواطنين وعلى اقفال المعابر والمطار بل عليها لعب دور الرعاية لشعبها وايجاد الحلول الناجعة بالسرعة وبالجدية المطلوبة.

* ان طريقة تعاطي الحكومة مع الازمة الا تؤثر على صدقيتها تجاه شعبها؟

- ان استمرار الحكومة في اتباع سياسة النعامة وعدم اقدامها على معالجة تداعيات ازمة "كورونا" الاقتصادية والاجتماعية والمالية سينهي عمرها وسيؤدي الى فوضى اجتماعية كبيرة لا يمكن التكهن بحجمها، وسيُضرب الاستقرار الاجتماعي لانه لا سلطة مدنية او عسكرية تستطيع الوقوف امام اكثر من 60% من شعب جائع وغاضب، وهذا الامر على الحكومة التنبه له فورا والعمل على معالجته وفق ما عرضناه من امور حتى نستطيع ان نتعافى من تداعيات الفيروس الاجتماعية والاقتصادية والصحية والانسانية، لذا عليها ان تركز على الصعيد الصحي لناحية توسيع قاعدة الاستشفاء في كل المحافظات وتجهيز المستشفيات الحكومية فيها بالتجهيزات المطلوبة لمعالجة المصابين بالفيروس، اضافة الى تفعيل عمل الوزارات المعنية بمعالجة الاوضاع التربوية والمالية والاقتصادية والتجارية، فوزارات العمل والاتصالات والداخلية والبلديات كلها معنية بمعالجة تداعيات الازمة وتمريرها بأقل خسائر ممكنة على الاقتصاد الوطني، وهي كذلك معنية بتخفيف معاناة المواطنين الكبيرة من جراء هذه الكارثة الوطنية والعالمية.