تفاصيل الخبر

الصين وروسيا وإيران في المواجهة الحاسمة مع الدولار.. المسلح

22/07/2020
الصين وروسيا وإيران في المواجهة الحاسمة مع الدولار.. المسلح

الصين وروسيا وإيران في المواجهة الحاسمة مع الدولار.. المسلح

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_79641" align="alignleft" width="444"]  أعمال الشغب في مدينة "بورتلاند": صدق أو لا تصدق..أنه أحد شوارع الولايات المتحدة[/caption]

 أصبح من المعروف أن سياسة الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود هي الإستعانة بالعقوبات بدل أي حرب مباشرة أو على الأقل قبل اللجوء إلى الحرب. وهي ما فتئت تستخدم سياسة "الدولار المسلح" أي إستغلال مكانة الدولار العالمية حيث تستحوذ العملة الخضراء على أكثر من ٦٠ بالمئة من الحركة المالية في العالم، لتفرض عقوبات مالية على دول أو شركات أو حتى أفراد. في آخر خطوة من هذا النوع وقع الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في ١٤ تموز (يوليو) المنصرم، قانوناً يسمح بمعاقبة أي طرف صيني ساهم أو سيساهم في عودة "هونغ كونغ" إلى رقابة الحزب الشيوعي الصيني الذي كان قرر بالإجماع في ٢٩ حزيران (يونيو) الماضي إنفاذ قانون يعطي الدولة المركزية الصينية سلطة كاملة على المستعمرة البريطانية السابقة.

الصين: لا لدولار مسلح بعد اليوم

 بعد توقيع الرئيس الأميركي على هذه العقوبات غير المسبوقة ردت الصين بطريقتين: الأولى مباشرة عبر وزارة الخارجية الصينية مهددة الولايات المتحدة بإتخاذ إجراءات عقابية مماثلة. والثانية غير مباشرة عبر الإعلان عن قرب توقيع إتفاق صيني إيراني إستراتيجي يقدر بحوالي ٤٠٠ مليار دولار خلال فترة تمتد حتى سنة ٢٠٤٥. هذا الإتفاق كان أعلن عنه عام ٢٠١٦ ولكنه لم يبصر النور حتى اليوم. الردان الصينيان مهمان جداً. فالأول تجاري لأنه يمكن أن تتأذى من العقوبات الصينية شركات أميركية كبيرة تشكل الصين بالنسبة لها الملاذ الصناعي والمركز الإنتاجي الأكبر، مثل شركة "أبل" للإلكترونيات الإستهلاكية وشركة "نايك" للأحذية والعديد من الشركات الأميركية الأخرى. أما الثاني فهو مالي لأن عملة التبادل بين إيران والصين لن تكون الدولار. فهي إما اليوان الصيني أو ربما تكون .... الذهب.

الذهب عملة... انتقالية 

[caption id="attachment_79640" align="alignleft" width="374"] الرئيس الصيني "شي جين بينغ" والرئيس الإيراني "حسن روحاني" عام ٢٠١٦: معاً حتى ٢٠٤٥ ضد... الدولار[/caption]

 الهرولة إلى العملة الصفراء بدأت على كل المستويات. سعر الذهب يقترب من أعلى مستوى له تاريخياً أي ١٨٨٩ دولار للأونصة الذي سجله عام ٢٠١١. هناك ثلاثة أسباب تقف حالياً وراء إرتفاع سعر الذهب أي زيادة الطلب عليه. الأول هو التضخم الذي نتج عن خلق المصارف المركزية حول العالم وعلى رأسها الإحتياطي الفدرالي الأميركي للعملة وشرائها اللامحدود لسندات دولها حتى توفر لها تمويل نفقات الخزينة. موازنات معظم دول العالم دخلت في مستويات عجز قياسية بسبب تفشي وباء "كوفيد ١٩" وكان لا بد للبنوك المركزية أن تتدخل بسرعة لمنع إنفجار إجتماعي. خلق أو طبع العملة هو تعريف التضخم أي زيادة الكتلة النقدية في الأسواق مما يفقد العملة قيمتها. أما إرتفاع الأسعار فهو نتيجة للتضخم وليس هو التضخم بحد ذاته، رغم أننا تعودنا أن نقيسه كذلك عبر ما يسمى السلات التضخمية. ولذلك فإن حجم التضخم هذا العام هو أكثر من ٢٥ بالمئة، وهذا هو تقريباً مستوى الزيادة في الكتلة النقدية في الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان. وإذا إعتبرنا سعر الذهب، المفروض أنه لا يخضع للتضخم، مقياساً لذلك فهو زاد بالفعل حوالي ٢٠ بالمئة هذا العام أو بتفسير آخر فإن قيمة الدولار تراجعت ٢٠ بالمئة.

 السبب الثاني هو تراجع الثقة بكل العملات العالمية بما فيها الدولار. فالعملات تعكس قوة الإقتصاد في كل دولة ومعظم الإقتصادات العالمية الكبيرة ستعاني من كساد هذا العام، تضاف إلى ذلك الاضطربات الإجتماعية المتعددة الأوجه وفي دول لم نكن نتخيل أن يكون فيها الأمن بهذه الهشاشة. مشاهد المسلحين في مدينة "بورتلاند" في ولاية "أوريغون" أو إقفال الطرقات في مدينتي "نيويورك" و"شيكاغو" من قبل مجموعات "أنتيفا" مناظر غير مألوفة ومن الصعب التصديق أنها تحصل في شوارع الولايات المتحدة. تاريخياً بقي الذهاب هو الملاذ الآمن في الأزمات وها هو اليوم يؤكد هذا الدور في ظل الضبابية التي تحكم المستقبل الإقتصادي والمالي لمعظم دول العالم.

 أما السبب الثالث فهو إحتمال أن يصبح الذهب هو العملة التي ستحل مكان الدولار ليس فقط لأن هناك عدة دول ومجموعات سئمت من دور "الدولار المسلح" في العالم، أي من سياسة العقوبات الأميركية، بل لأن المصارف المركزية العالمية بدأت تستشعر ضعف عملتها من جراء الزيادة الجامحة في الكتلة النقدية وبدأت هي نفسها الإحتياط من ذلك عبر التسابق منذ مدة على جمع أكبر كتلة ذهبية لتعويض هذا الضعف.

 سعر الذهب إلى أين؟

[caption id="attachment_79642" align="alignleft" width="339"] الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: تخلص بنكه المركزي من إحتياطي الدولارات عام ٢٠١٨ وإشترى بها ذهباً[/caption]

 في عام ٢٠١٨ زادت المصارف المركزية حول العالم، وعلى رأسها البنك المركزي الروسي، إحتياطاتها من الذهب بحوالي ٦٥٦ طناً وهو رقم قياسي تاريخي. ثم عادت عام ٢٠١٩ وزادته مجدداً ٦٥٠ طناً وهو ثاني أعلى رقم في التاريخ. رغم أنه من غير المتوقع أن تشتري البنوك المركزية الكميات نفسها هذا العام ولكن العديد منها سيظل مقبلاً على الشراء رغم الإرتفاع الأخير في سعر الذهب نظرا لـ"أمانه" ، خاصة أن الذهب حقق زيادة في قيمته منذ أول السنة تزيد عما حققته كل بورصات العالم. حتى مؤشر "الناسداك" للتكنولوجيا الذي حقق مستوى قياسياً هذا العام بفعل الإقبال على شراء شركات التكنولوجيا مثل "تسلا" و"أمازون" ولو بأسعار خيالية، لم يتمكن من تحقيق الإرتفاع نفسه الذي حققه الذهب. أول المهتمين بالذهب سيكون الإحتياطي الفدرالي الأميركي على عكس كل التكهنات. فإذا أردت الصين أو غيرها الخروج من الدولار إلى الذهب سيكون على البنك المركزي الأميركي أن يحافظ على تفوقه بالذهب. هو أول حامل للذهب اليوم ويستحوذ على ٨١٣٤ طناً أمام ألمانيا التي لديها ٣٣٦٠ طناً بينما لا يزيد إحتياطي الصين عن ١٩٣٨ طناً. وبدل أن يكتفي البنك المركزي الأميركي بشراء السندات كما يفعل اليوم يمكن أن يخلق عملة أي آلاف مليارات الدولارات الجديدة  ليشتري مزيداً من ...الذهب. 

 كل هذه المؤشرت تدل أن لا سقف حالياً لسعر المعدن الأصفر خاصة إذا استمرت المصارف المركزية العالمية في شرائه.

 محظوظ جداً من كان عنده ذهب، بما فيهم لبنان الذي يمتلك ٢٨٦ طناً إرتفع سعرها منذ ثورة ١٧ تشرين (أكتوبر) ٢٠١٩ ما يقارب ٤ مليارات دولار أي أكثر مما يمكن أن يمنحنا إياه صندوق النقد الدولي في أربع سنوات، ويبدو أن حبل الذهب سيكون هو ما غيره على.. جرار بئر أزمة لبنان المالية.