تفاصيل الخبر

الصين والولايات المتحدة مرتاحتان لانهيار  كل الإتحادات الاقليمية في العالم!

07/07/2017
الصين والولايات المتحدة مرتاحتان لانهيار   كل الإتحادات الاقليمية في العالم!

الصين والولايات المتحدة مرتاحتان لانهيار  كل الإتحادات الاقليمية في العالم!

 

بقلم خالد عوض

ترامب 

لا يمكن تحميل الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> مسؤولية كل الانقلابات التجارية الحاصلة في العالم، فعلى سبيل المثال قرار بريطانيا الخروج من الإتحاد الأوروبي أو <البركزيت> سبق انتخاب <ترامب>، ونية مقاطعة <كتالونيا> الإسبانية إجراء استفتاء على الانفصال عن إسبانيا في نهاية آب (أغسطس) المقبل موجودة منذ سنوات، كذلك عودة الحديث عن استفتاء جديد لانفصال <اسكوتلندا> عن بريطانيا.

لا شك أن هناك اليوم في دول كثيرة تناميا للنزعة السيادية القومية على حساب التماهي التجاري والإنصهار في إتحادات اقليمية اقتصادية وتجارية، ولكن الأسباب لذلك متعددة وليست متعلقة كلها بالنزعة الحمائية التي تسيطر على الرئيس الأميركي، رغم أنه من دون أدنى شك أحد المغذين الرئيسيين لها.

الإتحاد الأوروبي يعاني أزمة حقيقية تمس أسباب وجوده رغم الزخم الجديد الذي أعطاه إياه الرئيس الفرنسي الجديد <إيمانويل ماكرون>. مجموعة الـ<بريكس>، أي البرازيل وروسيا والهند والصين، تبدو وكأنها من الماضي. حتى مجلس التعاون الخليجي يتعرض اليوم لهزة تهدد كيانه وإنجازاته.

 هناك عدة أوجه لبروز النزعات السيادية ولتفكك الإتحادات الاقتصادية والتجارية من جراء ذلك.

السبب الأول يعود إلى النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته بعض الدول في السنوات الأخيرة مما يجعلها أقل حماسة للدخول أو البقاء في أحلاف اقليمية تؤثر على سيادتها التجارية وتقلص قدرتها على ابرام اتفاقات ثنائية مع شركاء عالميين من خارج المنظومة الاقليمية المحيطة بها. هذه الدول تشعر أيضاً أن الإتحادات الاقليمية غير منصفة لأنها تساويها بدول أضعف منها اقتصاديا وتجبرها أن تكون رافعة لها. هناك عدة أمثلة على ذلك، أكثرها في آسيا حيث تعتقد دول مثل <فيتنام> أو <كوريا الجنوبية> أو <تايوان> أنه بإمكانها الإستغناء عن الشراكات الاقليمية إذا كانت سيادتها ستتعرض للإنتقاص من جراء ذلك.

السبب الثاني لهذا التوجه العالمي الجديد المناقض تماما للعولمة هو النمو الكبير في الهجرة غير الشرعية، وإحساس الدول الأضعف في الإتحادات الاقتصادية والتجارية والمالية أنها فقدت المبادرة وأن أكثر ما يمكن تحقيقه من خلال لحقها في الركب التجاري الاقليمي هو مساعدات مالية. لنأخذ المثل الأوروبي لذلك. تجد اليوم اليونان وإسبانيا وإيطاليا نفسها وحيدة في مواجهة الهجرة غير الشرعية التي تضرب شواطئها كل يوم بينما فرنسا وألمانيا وباقي الدول الأوروبية بعيدة عن هذا الخطر ولا تلتزم بتعهداتها في المشاركة بحصتها المفروضة فيه. أكثر من مئة ألف مهاجر وصلوا من أفريقيا إلى الدول الثلاث، منهم أكثر من ثمانين الفاً جاؤوا إلى إيطاليا وحدها خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذه السنة، والحبل على الجرار. هذه الدول نفسها منهكة بالديون وغير قادرة على الخروج من الحلقة الاقتصادية المفرغة المتمثلة بالتقشف والكساد الرئيس-الصيني-شي-جين-بينج الاقتصادي مقابل الحاجة المتواصلة إلى الدعم المالي الأوروبي.

مسألة النزوح والهجرة غير الشرعية تغير في الكثير من الإعتبارات التجارية. فإذا كانت إيطاليا وحدها تستقبل أكثر من ١٥ ألف مهاجر شهرياً من نيجيريا وأريتريا وغيرها من دول أفريقيا، ومعظمهم يتوالدون بكثافة، يعني أن وجه إيطاليا خلال أقل من عشر سنوات من اليوم لن يكون أبدا هو نفسه بعد أن يضاف إليه أكثر من ٣ ملايين نازح افريقي أي أكثر من ٥ بالمئة من سكان إيطاليا اليوم. بينما فرنسا التي تعهدت عام ٢٠١٥ على لسان رئيسها السابق <فرنسوا هولاند> بإيواء أكثر من ٣٢ ألف لاجئ خلال سنتين، لم يتجاوز عدد كل المقبولين فيها ١٤ ألف شخص أي سبعة آلاف في السنة. هكذا فروقات بين الدولتين تزيد من الفجوة الاقتصادية بينهما وتجعل وجودهما في إتحاد اقتصادي ومالي وحيد شبه مستحيل.

 الوجه الآخر لبداية انهيار الإتحادات الاقليمية يكمن في المنافسة الاقتصادية والتجارية العالمية الحادة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، فعند نشوء معظم هذه الاتحادات منذ عقدين تقريباً كان اقتصاد أميركا يساوي أكثر من ٢٥ بالمئة أي أكثر من ربع اقتصاد العالم، اليوم أصبح أقل من خمس اقتصاد العالم أو تقريباً ١٨ بالمئة منه. في هذا الوقت نما اقتصاد بعض الأحلاف التجارية مثل الإتحاد الأوروبي وأصبح يشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي. حتى مجلس التعاون الخليجي، نما مجموع اقتصاد دوله أكثر من الضعف منذ بداية القرن. نمو هذه الاتحادات لا يتماشى اليوم مع المصالح التجارية الأميركية ولا حتى الصينية، فالقرار الموحد لها يصعّب قدرة الدولتين العظمتين على تحقيق اختراقات اقتصادية وتجارية كبيرة، فيما تفككها يسهل أكثر عملية السباق التجاري بينهما.

هل يعني كل ذلك اننا نشهد اليوم اسدال الستار على مرحلة العولمة التي بدأت في التسعينات وظننا أننا سنذوب فيها إلى الأبد؟ الجواب الكبير لذلك هو أن العولمة لن تستمر كما بدأت، ومشهد الإنزوائية والحمائية الاقتصادية سيتكرر خاصة في ظل وجود شخص مثل <دونالد ترامب> في البيت الأبيض وفي ظل هجرة غير مسبوقة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال. ولكن في المقابل هناك اختراقات حققتها العولمة في التواصل التكنولوجي والتعاون العسكري والأمني، وأمور أخرى كثيرة ستستمر وتنمو، مما يعني أن فتح الحدود بالمطلق لم يعد الخيار الأمثل والأجدى كما اعتقدنا في السابق ولا بد من قيود تضعها كل دولة حسب مصالحها وليس حسب مصلحة الاتحاد الاقليمي الذي يضمها.

المنطقة العربية قد تكون ربما <محظوظة> أن كل مشاريع الأسواق المشتركة والاتحادات الاقتصادية فيها لم تبصر النور، لذلك هي قادرة اليوم، بعد انتهاء فصول الحروب فيها، أن تنسج الشكل الاقتصادي الأفضل الذي يناسب كل دولة أو منطقة فيها.

النتيجة للتغير الاقتصادي الكبير الحاصل في العالم اليوم وللعودة إلى ما قبل العولمة هي أن الحكمة العربية الشائعة <في الإتحاد قوة> لم تعد صالحة بالمطلق، على الأقل بالمفهوم الاقتصادي والتجاري والمالي.