بقلم وردية بطرس
[caption id="attachment_84381" align="alignleft" width="253"] الدكتور عبد الرحمن البزري: السلالة الثانية من الفيروس ليست الأخطر بل يمكن القول إنها تحظى باهتمام أكبر.[/caption]عضو اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا الإختصاصي في الأمراض المعدية الدكتور عبد الرحمن البزري: السلالة الثانية جمعت بداخلها عدداً كبيراً من المتغيرات... ووضعنا في لبنان صعب لأنه لا يتحمّل انتشاراً واسعاً للفيروس
أثار اكتشاف السلالة الثانية الخوف في جميع أنحاء العالم مع بدء بلدان عدة بحملات تطعيم للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وبعد اكتشاف السلالة الثانية لفيروس كورونا في بريطانيا حذّر باحثون في دراسة نشرتها كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية من سرعة انتشار الوباء المتحوّر ورجحوا أن يزيد عدد الوفيات العام المقبل. وأفاد الباحثون الذين ركزّوا على جنوب شرق بريطانيا ولندن أنه لا يزال من غير المؤكد ما اذا كانت السلالة الجديدة مميتة أكثر أو أقل من سابقتها... وفي لبنان سُجلت أول اصابة بالسلالة الثانية من فيروس كورونا المستجد على متن طائرة قادمة من بريطانيا قبل أيام اذ لم يلحق لبنان بركب الدول التي أوقفت الرحلات القادمة من بريطانيا حيث تنتشر السلالة الثانية من الفيروس بل اتخذت الحكومة اجراءات أخرى بينها اجراء الفحص لجميع الوافدين من بريطانيا مرتين الأولى فور وصولهم الى لبنان والثانية بعد 72 ساعة.
الدكتور عبد الرحمن البزري والمتغيّرات
فما مدى خطورة السلالة الثانية من فيروس كورونا المستجد؟ ولماذا تشكل خطورة على الأطفال عكس ما حصل مع بداية الجائحة؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها (الأفكار) على عضو اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور عبد الرحمن البزري وسألناه بداية:
* ظهرت السلالة الثانية من فيروس كورونا المستجد في بريطانيا ووصلت الى عدد من البلدان خلال أيام معدودة فما مدى خطورة السلالة الثانية؟ وهل التسمية علمية؟
- علمياً ليس هناك ما يُسمى بالسلالة الثانية او الثالثة، علمياً الفيروس وحتى الفيروسات هي فيروسات متغيّرة، والفيروس الذي لا يتغيّر لا يتصرف وكأنه فيروس، لذلك التصرف الطبيعي للفيروسات هي أن تتغير والسبب أنها بحاجة الى أن تتكاثر دائماً، ويخرج خلال عملية التكاثر وتنتج عنها نسخات تكون غير متطابقة مع النسخة الأصلية. النسخة الأصلية التي ظهرت في مدينة (ووهان) في الصين بداخلها 30 ألف حمض أميني مصفوفين بترتيب معين، وعندما تتكاثر هذه النسخات تخرج نسخة مثلاً حمض أميني مكان حمض أميني آخر، أو أحياناً يخرج حمض أميني ناقص فهذه كلها لا تقدم ولا تؤخر وأحياناً النسخات التي تخرج متغيرة قليلاً عن الأساس تكون غير موثّقة وربما بين الحين والآخر تخرج نسخة موثّقة. وما نعني بالنسخة الموثّقة أي نجد حياة الفيروس أكثر، وحياة الفيروس أكثر تعتمد على حياة المضيف. بالنسبة لفيروس (كوفيد – 19) نحن المضيف الحالي الآن، وبالتالي المتغيّر الذي لديه قدرة أن يصيب الناس أكثر أو بشكل أسهل أو أكثر فعالية هو المتغيّر مع الوقت يحلّ مكان المتغيّر النسخة التي سبقته.
ويتابع:
- السلالة الثانية ليست الأخطر بل يمكن القول إنها أكثر اهتماماً بها لسببين: أولاً لأنها جمعت بداخلها عدد كبير من المتغيّرات، وهو ليس تغيّراً واحداً بل كان هناك متغيّرات كثيرة حصلت قبله وجمعت بداخلها عدداً معيناً من المتغيّرات يعني أكثر من واحد، اذ يُقال أن هناك 7 أو أكثر. النقطة الثانية أن هناك متغيّراً أساسياً فيه موجود على (بروتين اس) الذي هو البروتين الذي يستعمله الفيروس لكي يدخل الى الجسم وبالتالي هذا المتغيّر الذي حصل بـ (بروتين اس) لكي يدخل الفيروس الى الجسم أعطى الفيروس القدرة على اختراق الخلايا أكثر والقدرة بأن يعدي بشكل أكثر فعالية وأكثر نشاطاً. لذلك نحن نعتقد أن هذا المتغيّر يملك القدرة على العدوى أكثر ولكن ليس بالضرورة يملك القدرة على المرض أكثر.
أعراضها تشبه أعراض النسخة الأولى من الفيروس
[caption id="attachment_84383" align="alignleft" width="570"] فيروس "كورونا".[/caption]* السلالة الثانية هي أكثر عدوى بنسبة 70 في المئة مقارنة بالسلالة الحالية من الوباء فما السبب؟ وماذا عن أعراضها؟
- ان 70 او 50 في المئة هي ظاهرة مختبرية. أما الظاهرة الحقيقية فنحتاج للوقت لكي نراها. الأمر الثاني والذي يلفت النظر أن هناك فيروساً يشبهه كثيراً في جنوب أفريقيا، يعني اذا اعتبرنا ان بريطانيا عندما أعلنت عن أول حالة كان هناك 30 ألف فيروس بهذا الشكل، ففي جنوب أفريقيا 80 في المئة من الفيروسات أصبحت متغيّرة. بالنسبة لأعراض المتغيّر هي الأعراض نفسها التي تظهر عند الاصابة بفيروس كورونا المستجد النسخة الأولى.
* لقد توصّل علماء في بريطانيا الى أن السلالة الثانية من الفيروس يشكل مخاطر جسيمة على الأطفال بعد أن كانوا أقل عرضة للاصابة بالفيروس فلماذا الأطفال أكثر عرضة لهذه السلالة الثانية؟
- ليس الأمر أنها تشكل خطراً على الأطفال، عندما ظهر (كوفيد -19) اعتبروا ان الأطفال لن يُصابوا أقل بالمرض، ولكن الآن بما أن هذه السلالة لها القدرة ان تعدي أكثر وأنشط بالاصابة ممكن أن تصيب الأطفال والشباب وبالتالي يجعل منهم خزاناً للفيروس لكي يسهّل انتقاله بين شخص وآخر.
* عندما ظهر (كوفيد -19) كان كبار السن والمرضى أكثر عرضة للأعراض الشديدة والوفاة بينما اليوم نرى حالات وفاة عند أشخاص أصحاء لا يشكون من أي مرض وأيضاً عند الشباب فما السبب؟
- اذا أخذت احصائيات الوفيات او الالتهابات الشديدة ترين أن نسبة الوفيات لدى الشباب الذين هم ما دون الأربعين او الخمسين عاماً لا تتجاوز النصف بالمئة، بينما عند المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 80 سنة قد تصل الى 12 او 15 في المئة، ولهذا نحن نقول ان الاصابة أشد عن كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، ولكن هذا لا يمنع بأن الشباب اذا أُصيبوا بشكل عام يكون المرض لديهم خفيفاً ولكن هذا لا يمنع من حين الى آخر ان تكون الاصابة لديهم شديدة.
السلالة الثانية واللقاح
* فيما العالم يعلّق آماله على اللقاح ظهرت السلالة الثانية فما مدى فعالية اللقاحات مع ظهور السلالة الثانية او ربما الثالثة لاحقاً؟
- لغاية الآن ليس هناك أي سبب يدعوننا الى ان نعتقد بأن اللقاح غير فعّال للمتغيّرات، اللقاح ما زال فعّالاً وسيظل فعّالاً في السنوات المقبلة، ولكن هذا لا يعني ألا نتابع تطور وضع الفيروس لكن الوقاية واحدة، واللقاح واحد، والنصائح واحدة سواء دخل فيروس جديد او بقي الفيروس القديم اذ ان عناصر الوقاية واحدة فإما الناس يتقيّدون بها أو لا يفعلون.
* كاختصاصي في الأمراض المعدية وعضو اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا ما رأيك باللقاح الذي صُنع خلال أشهر بينما في الماضي كان يتطلب الأمر سنوات لايجاد اللقاح؟ وهل هذا أمر صحيح وسليم؟
- لا شك أن الانسانية وقدراتها العلمية والصناعية والأبحاث تجاوبت بسرعة مع الجائحة، نحن لم نر مثل هذه الجائحة منذ جائحة الانفلونزا الاسبانية في العام 1918، لذلك أعتقد أنه كان ضرورياً أن يتم تجاوب مناسب وبسرعة مع الجائحة، وهذا يُسجل للعلم انه تمكن من ايجاد لقاح فعّال بسرعة قصوى مستفيداً من دروس وعبر الماضي، ومن الفشل الذي حصل في الماضي وأيضاً الخسائر البشرية. لقد تمت تجارب كثيرة الى أن تم ايجاد اللقاح لفيروس كورونا المستجد.
أول اصابة بالسلالة الثانية في لبنان
[caption id="attachment_84382" align="alignleft" width="444"] السلالة الثانية من فيروس "كورونا".[/caption]* سجلت أول اصابة بالسلالة الثانية في لبنان في 21 كانون الأول قادمة من لندن فما مدى خطورة الوضع الصحي في لبنان اذا تفشت عدوى السلالة الثانية لا سيما أن القطاع الصحي يعاني بسبب انتشار الفيروس من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى؟
- نحن وضعنا صعب لأن بلادنا لا تتحمل انتشاراً واسعاً للفيروس ولكن هذا لا يعني ان القطاع الصحي غير مجهّز، الا أنه عندما يُسجل عدد كبير من حالات الاصابة بأي بلد في العالم وليس فقط في لبنان لن يكون القطاع الصحي جاهزاً لمعالجة حالات كبيرة متفلتة بدون اجراءات. وعلى هذا الأساس نناشد المواطنين بضرورة التنبه لأن مخالفتهم للتعليمات أولاً تضّرهم بالدرجة الأولى، وثانياً تضّر أقاربهم وأصدقاءهم من حولهم، ثالثاً تضّر مدينتهم ومجتمعهم وبلدهم وبالتالي تداعيات عدم التقيّد قد تكون كبيرة وخطيرة لذلك نصيحة للمواطنين لكي يحافظوا على حياتهم وعلى نمط حياتهم وعلى أصدقائهم وكل الأمور التي يحبونها أن يظلوا قادرين على القيام بما يقومون به من أعمال عليهم أخذ الحيطة على مرحلة قد تطول لسنة أو سنتين لكي تصل نسبة التلقيح الى نسبة عالية ونستطيع السيطرة على الوباء.
* برأيك هل يجب ان تتوقف الرحلات القادمة من لندن كما فعل الكثير من البلدان؟
- برأيي أصبح الموضوع متأخراً قليلاً لأن الفيروس انتشر في الكثير من البلدان، ولكن هذا لا يمنع من اتخاذ الاجراءات الوقائية للقادمين من لندن ووضعهم في الحجر الصحي واجراء الفحوصات اللازمة لهم.
* وبرأيك هل الاقفال التام في البلد سيجنّبه كارثة صحية؟
- بالحقيقة لا أعتقد أن هذا الموضوع على طاولة البحث جدياً، وجميعنا يعرف أن الاقفال له نتائج ايجابية ولكن له تداعيات اقتصادية واجتماعية وتربوية وصحية وحياتية، لذلك على لبنان ان يوازن بين قدرته على الاقفال وعلى الاستمرار بالاقفال والفتح وبين قدرته على تحمّل المزيد من الاصابات بهذا الفيروس.
اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا تقدّم التوصيات
* لا شك ان الوضع في لبنان صعب على جميع الصعد، كلجنة علمية لمكافحة الكورونا هل تتمكن من التحرك والقيام بما يلزم لمواجهة هذا الوباء؟
- نحن لجنة علمية واللجنة العلمية تقدّم توصيات والذي يتحمّل المسؤولية هم المسؤولون في البلد، فكلما كبرت مسؤولية الشخص تزداد مسؤوليته أكثر، فوزير الصحة مسؤول أكثر ورئيس الحكومة مسؤول أكثر من وزير الصحة وبطبيعة الحال كبار المسؤولين ورئيس البلاد مسؤولون أكثر وأكثر، لذلك علينا ان نعطي التوصيات وهم عليهم أن يقرروا إما أن يأخذوا بها أو لا، أحياناً يأخذون بتوصياتنا وأحياناً أخرى لا وذلك بناءً على حسابات أخرى موجودة لديهم جزء منها مرتبط بالواقع الاقتصادي والمعيشي، وجزء منها مرتبط بالواقع السياسي، وجزء منها مرتبط بعدم قدرة الدولة على التنفيذ دائماً وهذا باعتراف وزير الداخلية.
القطاع الصحي مؤهل ولكنه يحتاج للدعم المالي
* لا شك ان العالم كله يعاني من الوباء ولكن في لبنان ونظراً للوضع الصعب في البلد برأيك هل يقدر القطاع الصحي أن يصمد لا سيما أن عدداً كبيراً من الأطباء يهاجر الى الخارج؟ وما هو واقع القطاع الصحي في ظل جائحة الكورونا؟
- لا شك أن القطاع الصحي يعاني من مشاكل كثيرة مع العلم أنه وُضع في الصف الأمامي لمواجهة الوباء، يعني اذا كانت هناك حرب يُرسل الجيش كخط أمامي، ففي ظل الوباء يُرسل القطاع الصحي لمواجهة الوباء، وبالتالي هنالك حرب تجري على كل الجبهات مع هذا الفيروس والقطاع الصحي يدفع ثمنها وأيضاً المرضى وزيادة الضغط عليه نفسياً وجسدياً. ثانياً القطاع الصحي كان يعاني بالأساس من حالة النهب والسرقة التي حصلت في لبنان والتي أثّرت عليه وعلى مرضاه وبالتالي القطاع الصحي لديه مرضى، ولكن المرضى لبنانيون والمرضى القاطنون في لبنان قدرتهم الشرائية والاقتصادية قد تراجعت وبالتالي قدرة القطاع الصحي تراجعت. ثالثاً: القطاع الصحي تعرّض لنكسات عدة واحدة منها الهجرة والثانية الانفجار الكبير الذي وقع في بيروت، والثالثة الضغط الذي تعرّض له بسبب وباء الكورونا، والرابعة أموال كثيرة له لدى بعض الجهات الضامنة الرسمية لم تُسدد بشكل كامل، اي كل هذه الأمور تجعل من القطاع الصحي تحت ضغط شديد، ولكن هذا لا ينفي أن القطاع الصحي اللبناني هو قطاع مؤهل ولكنه يحتاج الى المال والأدوات.