تفاصيل الخبر

الـســـلاح «غــيــــر الـشـرعـــي» بـيـــن أيـــدي  الـمـواطـنيــن فــي لـبــــنـان ســبـب انـتـشـــار الـجـــريـمـة!

23/10/2015
الـســـلاح «غــيــــر الـشـرعـــي» بـيـــن أيـــدي  الـمـواطـنيــن فــي لـبــــنـان ســبـب انـتـشـــار الـجـــريـمـة!

الـســـلاح «غــيــــر الـشـرعـــي» بـيـــن أيـــدي  الـمـواطـنيــن فــي لـبــــنـان ســبـب انـتـشـــار الـجـــريـمـة!

بقلم صبحي منذر ياغي

image33      اعتاد اللبناني على نشرات الاخبار وعناوين الصحف وهي تطالعه بأخبار القتل والجرائم والاحداث الأمنية المتنقلة بين المناطق اللبنانية، في ظل غياب السلطة الأمنية خاصة في الأرياف، وذلك بسبب تفشي ظاهرة انتشار السلاح غير الشرعي بين ايدي المواطنين. فإذا كانت ظاهرة اقتناء السلاح في لبنان بدأت منذ العصور الغابرة بسبب ما مر على هذا الوطن من احتلالات وغزوات، وبسبب ضعف الدولة المركزية، فإن انتشار السلاح غير الشرعي اليوم بين ايدي المواطنين في لبنان بات اشكالية أمنية جديدة يدعو البعض الى حلها، في ظل تكاثر الجرائم والاعتداءات والاحداث، وفي وقت يضيف آخرون موضوع <سلاح حزب الله> الى خانة هذا السلاح غير الشرعي، وسط ارتفاع الاصوات المطالبة بنزعه لأن لبنان بات يعوم فوق بركان من المسدسات والمدافع والصواريخ .

وجمع السلاح غير الشرعي في لبنان بات ضرورة ملحة في ظل تكاثر هذا السلاح بشكل عشوائي دون رقيب او حسيب، وفي ظل سلسلة من الجرائم والإشكالات التي تحصل في لبنان والتي يقوم فيها المواطنون مع-الزميل-شارل-ساباباستخدام الاسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة، فبات كل مواطن في لبنان يملك الاسلحة المتنوعة، وصارت عائلات وعشائر ومجموعات تقتني اسلحة من كل الاعيرة والانواع، والمضحك المبكي في هذا الامر ان غالبية المواطنين يحملون رخصاً صادرة عن وزارة الدفاع تجيز لهم حمل مختلف أنواع الأسلحة .

وقد عملت الحكومات اللبنانية المتعاقبة جاهدة لجمع السلاح في لبنان، الا انها لم تتمكن من القضاء على هذه الظاهرة نهائيا في بلد كلبنان تُعتبر حدوده سائبة، وفي ظل وجود مناطق كانت تُعتبر عصية على الدولة. ويترحم اللبنانيون على رئيس الحكومة الراحل صائب سلام الذي تمكن من جمع السلاح الى حد ما من المواطنين بعد انتهاء احداث 1958 دون استخدام القوة، مستخدماً سحر شخصيته وزعامته ومحبة الناس له، فكان <قبضايات> بيروت والمناطق يقصدون دارة سلام في المصيطبة لتسليم سلاحهم بكل حب ورضا.

برأي البعض من الباحثين، ان السلاح آفة عالمية يعاني منها العديد من الدول، ولو بشكل نسبي، حتى ان هذه الآفة لم تجد حلاً لها في اكبر الدول واكثرها تقدماً وتطوراً، على غرار الولايات المتحدة الاميركية التي لا تزال المحاولات التي بُذلت منذ زمن، والتي بلغت اوجها في عهد الرئيس السابق <بيل كلينتون> لسحب السلاح من الناس، ماثلة في الاذهان دون ان تصل الى اهدافها الحقيقية، كما ان الاميركيين لا يزالون يرتعبون من فكرة السلاح بعد الحوادث المتكررة التي تعرضت لها مدارسهم وجامعاتهم على ايدي الطلاب.

 

نساء-من-العشائر<الشهابية> و السلاح الفردي؟

 

وقد شهد لبنان اكبر حملة لمصادرة الاسلحة غير الشرعية زمان الستينات في العهد الشهابي، خصوصا بعد فشل محاولة الانقلاب التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبات من يحمل قطعة سلاح غير مرخصة يتعرض لاقسى انواع العقوبات، في حين عمل <المكتب الثاني> من جهة اخرى على تكريس ظاهرة اقتناء  السلاح لدى المواطنين وخصوصا ً لدى ابناء عشائر منطقة بعلبك الهرمل، اذ منح <الدنادشة> وغيرهم من ابناء العشائر، رخصاً رسمية من قيادة الجيش لحمل السلاح، وذلك بقصد استمالتهم الى العهد، وكان مستشار العشائر بطرس عبد الساتر يستخدم رخص السلاح كهدايا يمنحها لزعماء العشائر وللفاعليات والمخاتير .

واستمرت هذه الظاهرة، وتفشت مع ضعف الدولة، وزادت مع انفلاش العمل الفدائي الفلسطيني في لبنان منذ توقيع اتفاقية القاهرة عام 1969، اذ ساهم الفلسطينيون في توزيع السلاح على اللبنانيين من الانصار والمؤيدين للعمل الفدائي، وعلى الاحزاب اللبنانية اليسارية. وكانت حركة فتـــــح تمتلك مصـــانع للأسلحــــة في حي الفاكهاني وطريق الجديــــدة التابعـــة لبيروت وفي مخيم تل الزعتر، وقد شاهد الكثير من اللبنانيين مدافع من عيار <ب 7> كُتب عليها <صنع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)>.

 

الحرب اللبنانية

صواريخ-حزب-الله

وقد بلغت ظاهرة انتشار السلاح مداها الأوسع عام 1975، يوم اندلعت الاحداث اللبنانية، وامتلكت الميليشيات الفلسطينية واللبنانية على حد سواء الاسلحة الثقيلة، والمدفعية والصواريخ والدبابات، وبات الجميع يترحمون على ايام <الطبنجة> و<بارودة المعدل> والـ<اف. ام.>، و<الكلاشينكوف>، و<السيمنوف>... كما ادى سقوط ثكنات الجيش اللبناني على ايدي الميليشيات خلال حرب السنتين الى انتشار السلاح بين ايدي الناس، ذلك السلاح الذي سرقوه من مخازن الجيش ومستودعاته.

اتفاقية الطائف

مع توقيع اتفاقية الطائف عام 1989، عادت الدولة لتنهض من جديد وجرت مصادرة الاسلحة الثقيلة والمتوسطة من الميلشيات وعدد من الاحزاب، حتى ان البعض عمد الى بيع سلاحه مع تفاقم الازمة الاقتصادية. لكن علاقة اللبناني بـالسلاح الذي سماه الامام موسى الصدر «زينة الرجال> ويقصد في وجه اسرائيل، لم تُقطع نهائياً، وما زالت قطعة السلاح في البيت مصدر امان او ضرورة أمنية بشكل او بآخر لصاحبها، وكلما وقع حادث أمني ما يعود السؤال عن السلاح غير الشرعي المتوافر لدى 80 بالمئة من اللبنانيين ليطرح أزمة سياسية تُستغل على اكثر من صعيد.

إتفاق الطائف اغفل الإشارة الى تسليم السلاح الفردي، ما يفسرّه كثيرون على انّه إقرار ضمني بحق المواطن اللبناني باقتناء السلاح الفردي، ولكن ذلك لا يعني الحق باستخدامه او نقله أو بيعه، وهذا ما جعل من تنظيم هذا السلاح حاجة ملحّة. فيما بقي حزب الله يحتفظ بسلاحه لاعتباره سلاح المقاومة ضد العدو الصهيوني، ولكن هذا السلاح نفسه سيصبح اشكالية وعامل خلاف بعد التحرير عام 2000 ومع انسحاب الجيش عام-1979-طلاب-في-بنت-جبيل-وتدريب-على-السلاحالسوري في لبنان في نيسان 2005، ومع دخــــول حزب الله الحرب في سوريا....

ويعتبر فادي أبي علام، رئيس حركة <السلام الدائم> في لبنان، إنّ الحكومة اللبنانية لم تقم إلا بجمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بعد انتهاء الحرب الأهلية، تاركة المجال مفتوحاً للكمّ الهائل من الأسلحة الخفيفة المتبقية، كالمسدسات والبنادق الأوتوماتيكية، والتي انتهى بها الأمر الى خزانات معظم المنازل اللبنانية، قد خلفت الحرب الأهلية في لبنان جراحاً عميقة وآثاراً باقية حتى اليوم، من بينها انتشار الأسلحة الخفيفة في كل بيت تقريباً.

ويقسّم أبي علام الأسلحة الخفيفة غير القانونية في حيازة المواطنين إلى قسمين: أسلحة متوارثة ومهملة أباً عن جدّ، قد تشكل خطراً كبيراً على العائلات، خصوصاً على الأطفال، لقدمها ولسوء صيانتها، وهناك أيضاً أسلحة تُعرف في لبنان بـ<الأميرية>، وهي أسلحة موسومة بختم خاص وتعود ملكيتها في الأصل إلى الجيش اللبناني أو قوات الأمن الداخلي، كان قد تم الاستيلاء عليها خلال الحرب الأهلية. ويخشى مالكو هذه الأسلحة من تسليمها إلى السلطات المعنية خوفاً من أية مساءلة قانونية قد ترافقها، ولهذا السبب تبقى هذه الأسلحة جزءاً من حلقة التداول في لبنان.

إلى ذلك ثمة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، التي <بشكل ما أو بآخر لديها نوع من الأمن الذاتي وتمتلك سلاحاً، ولم تدخلها (سلطة) الدولة اللبنانية بشكل كامل>، وهناك أيضاً قضية <سلاح المقاومة>.

سلاح يقترح أبي علام أن يقوم المجلس النيابي في لبنان بتعديل قانون الأسلحة ليشمل فترة زمنية معينة يُسمح فيها لحاملي الأسلحة غير القانونية بتسليمها دون أية مساءلة، وبخطوات أخرى قد تشمل السماح لمن يرغب في حمل السلاح بترخيصه لدى السلطات المختصة، وأخيراً جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي لا تمت بصلة إلى العمل المقاوم المشروع في لبنان وجعلها بيد الجيش.

 

بيروت بلا سلاح

 

وكان رئيس الوزراء اللبناني الاسبق سعد الحريري قد شدّد على ضرورة الحدّ من ظاهرة انتشار السلاح في لبنان عامة والعاصمة بيروت خاصة، وبرأي فادي ابي علام: <أنّ مسألة تحويل بيروت إلى منطقة منزوعة السلاح بشكل كامل أمر مستحيل، وذلك لصعوبة مراقبة مداخل ومخارج المدينة العديدة، إذ أنه من غير الممكن برأيه <تسمية منطقة منزوعة السلاح في لبنان دون منطقة أخرى، لأن هذا يعني ضرورة المراقبة الدائمة لجميع مداخل بيروت، لأنها ليست مدينة معزولة عن محيطها وهي موصولة جغرافياً بالجنوب والشمال، وإذا نزعنا منها السلاح اليوم فأعتقد أنها ستمتلئ بالسلاح مجدداً خلال ساعات.

 

رخص سلاح دون رقيب

 

الا ان رخص حمل السلاح بقيت تتدفق على المواطنين من وزارة الدفاع، فكان كل وزير دفاع يستخدم هذه الرخص لارضاء انصاره ومقربيه، وكانت توزع على الجميع، فحملها حتى اللصوص، وقطاع الطرق، و<القبضايات>. وفي عهد احد الوزراء، كانت توزع كميات من الرخص سلاح-فلسطيني-في-المخيماتالفارغة على بعض الفاعليات والنواب على ان يقوموا بتعبئتها باسماء من يريدون.

ولم تزل عملية منح الرخص مستمرة دون رقيب او قانون او ضوابط او شروط، فيكفي ان تكون صديقاً لأحد الضباط او النواب او النافذين حتى تؤمن رخصة حمل سلاح تجيز لك حمل بندقية مع المسدس وربما مدفع، من يدري؟

الزميل شارل سابا رأى ان المجتمع اللبناني، يعاني أسوة بسائر المجتمعات الشرقية، من ظاهرة الاعتداد بحمل السلاح حيث تُقاس الرجولة بمدى القدرة على التعامل مع الأسلحة (فكاً، تركيباً، استعمالاً، وإتجاراً في بعض الأحيان). لحسن الحظ (أو لسوئه)، لم تمسّ هذه العدوى طائفة من دون أخرى، فهي ثقافة عابرة للطوائف والمناطق ولا يمكن لأحد أن يزايد على أحد فيها، ولكن منسوب <الحماسة> يختلف جغرافياً لدى الطوائف الست الكبرى: عند الموارنة هناك نموذج زغرتا وبشري كحالة متقدمة، وعند السنّة هناك الضنية وعكار. وبعدما كان الدروز الأكثر شهرة في اقتناء السلاح في القرنين الماضيين، فقد آلت الصدارة للشيعة (دون ذكر سلاح <حزب الله>)، وروايات البقاع الشمالي تصلح لنسخة لبنانية من أفلام الغرب الأميركي، حتى أمسى الشعار الشهير للإمام موسى الصدر <السلاح زينة الرجال> مقدّمة يستعملها البعض في سياق وموضع مختلفين عن السياق والموضع اللذين أُطلق فيهما.

تجارة ذهبية

 

واللافت في الامر ان تجارة السلاح من التجارة الذهبية، وهي في لبنان متقادمة العهد، وقد زادت مع الفلتان الأمني واندلاع الاحداث وما زالت، وهي بالطبع تجري بسرية رغم ان تجار السلاح معروفون ومشهورون في مناطقهم، ويقول احد تجار السلاح <ان اسعار السلاح الفردي في لبنان تتأثر هي ايضا بالعرض والطلب فخلال حصول احداث معينة تزيد اسعار الرشاشات والبنادق وقاذفات الـ<ب 7> لأن الطلب عليها يكون كثيراً، اما في اوقات السلم فترتفع اسعار المسدسات>.

وتزدهر هذه التجارة في البقاع وعكار بشكل عام، حتى ان بعض التجار يتولون تأمين اسلحة وذخائر لبعض التنظيمات الاصولية في المخيمات وفي سوريا. وتجارة السلاح باتت مورد عيش وارتزاق للكثير من اللبنانيين، ولم يبقَ الا أن تصدر مراسيم وقوانين تنظمها وتضع لها اطارها القانوني.

صائب-سلام 

السلاح الفلسطيني

ويُعتبر السلاح الفلسطيني في لبنان اشكالية اخرى تُضاف الى اشكالية السلاح اللبناني غير الشرعي، وان حاول البعض تلطيف الموضوع من خلال التمييز بين سلاح داخل المخيمات وسلاح خارجها، وبرأي الزميل شارل سابا ان السياسيين في لبنان دأبوا على تصنيف السلاح الفلسطيني بين سلاح داخل المخيمات وآخر خارجه، وتناسوا أن التصنيف هذا لا يمت إلى العلمية والعملية بشيء، وكل السلاح الفلسطيني محمول من قبل الفصائل الفلسطينية المختلفة، وهذا السلاح لا يخالف طبيعة سلاح <حزب الله> لجهة ارتباطه المباشر بالصراع الإقليمي ولا يمكن للبنانيين الحل والربط فيه من دون توافق إقليمي، ولو أصدروا ألف بيان على طاولة الحوار.

الرقابة على اقتناء السلاح

 

يعتبر الزميل شارل سابا ان قانون الأسلحة والذخائر اللبناني يحصر صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح وحيازته وحمله بمرجعية وزارة الدفاع، وينص القانون المذكور على <حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية ما لم يكن الناقل حائزاً رخصة صادرة من قيادة الجيش وتُعطى لمدة سنة واحدة ويجوز تجديدها>.

ويبقى السؤال عما اذا كانت الحكومة ستتمكن من إيجاد الحل الجذري لموضوع السلاح غير الشرعي في لبنان، والذي يمتلكه اللبنانيون والذي يهدد حياة الناس وأرزاقهم وممتلكاتهم، بحيث لا يكون على ارض الدولة اللبنانية الا السلاح الشرعي؟