تفاصيل الخبر

الـسلـــــة الـضـريـبـيـــــة الـجـديــــــدة لـتـمـويـــــــل سلسلـــــة الــــــرتـب والــــــرواتـب تـــــحــت الـمـجـهــــــر!

13/10/2017
الـسلـــــة الـضـريـبـيـــــة الـجـديــــــدة لـتـمـويـــــــل  سلسلـــــة الــــــرتـب والــــــرواتـب تـــــحــت الـمـجـهــــــر!

الـسلـــــة الـضـريـبـيـــــة الـجـديــــــدة لـتـمـويـــــــل سلسلـــــة الــــــرتـب والــــــرواتـب تـــــحــت الـمـجـهــــــر!

 

بقلم طوني بشارة

A 

المتتبع للأوضاع الاقتصادية يدرك ان قرار المجلس الدستوري القاضي بإبطال قانون الضرائب الممول لسلسلة الرتب والرواتب، قد أحدث بلبلة على الساحة الحكومية بحثاً عن مخارج تقي الخزينة شر العجز المتزايد، وتفي أصحاب الحق حقهم في قبض رواتبهم على أساس الزيادة الجديدة المدرجة في السلسلة.

واللافت ان الاشتباكات السياسية التي خلفها قرار المجلس الدستوري قد عطلت وللأسف على مدى أسبوع تقريبا كل الحلول لإيجاد مخرج يسمح بتدعيم إيرادات الدولة لكي تمتلك الملاءة اللازمة لدفع السلسلة من دون تعريض المالية العامة لتداعيات سلبية قد تؤثر على المالية العامة على المدى القصير.

ويبدو أن خطوة «الدستوري» استدعت تواصلاً طارئاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المالية علي حسن خليل، للبناء على القرار ما يقتضي تأمينه من موارد لتغطية نفقات السلسلة، وحرص رئيس الحكومة الرئيس الحريري بنفسه على توضيح الخطوات الاجرائية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الرابعة الاستثنائية التي خصصها للملف، اذ أعلن التوصل الى وضع مشروع قانون معجل مكرر يتضمن التعديلات الضريبية اللازمة لارساله الى مجلس النواب واقراره في أسرع وقت، وأوضح ان هذه التعديلات كانت موجودة في شكل اساسي في القانون السابق ولكن تم الأخذ بملاحظات المجلس الدستوري عليها، كما أعلن الاتفاق على صيغة لقطع الحساب تمكن الحكومة مع مجلس النواب من اقرار الموازنة سريعاً، وقال الحريري ان المشكلة التي واجهتنا ليست تعبيرا عن مشكلة سياسية أو مشكلة في التوافق السياسي، فلو لم يكن التوافق السياسي قائما في البلد لكان دخل في مرحلة معقدة وصعبة وكل طرف تمترس وراء موقفه، ولكان اصبح عندنا مشكلة في سلسلة الرتب والرواتب وفي كيفية اقرار الضرائب، مشدداً على تمسكه مع رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وكل الافرقاء في الحكومة بهذا التوافق.

ولكن هل هذا الاجراء والحرص كافيان لايجاد حل لأزمة السلسلة من جهة ولإيقاف ظاهرة الإضرابات من جهة أخرى؟ لاسيما ان الأساتذة المتعاقدين علقوا اضرابهم بشكل مؤقت وطالبوا بزيادة فترة التعليم وكأنهم يحذرون ويلوحون بالاضراب في حال لم تعالج مطالبهم، ولم يكتفوا بذلك بل رفعوا مجموعة من المطالب وشددوا على ضرورة تطبيقها.

وفي حال تمت معالجة هذه المطالب فهل ان الضرائب المفروضة ستحظى بموافقة الهيئات المعنية بالموضوع؟ وهل من سبل أخرى يمكن من خلالها إيجاد موارد لتمويل السلسلة دون المس بحقوق المواطنين؟

 

منصور والمطالب

 رئيس <لجنة الاساتذة المتعاقدين> حمزة منصور أوضح لـ<الأفكار> بأن المتعاقدين يدفعون ثمن الاضراب ولديهم جملة مطالب يريدون عرضها للمعالجة على اعتبار انه ومع كل اضراب يدفع الثمن المتعاقد، والمطالب هي:

- اعادة تفعيل والاسراع في تثبيت المتعاقدين من خلال ادراج اقتراح القانون الموجود في المجلس النيابي.

- حق المتعاقد باحتساب ايام العطل والاضرابات وغيرها، فلماذا يحق للذين هم في الملاك ما لا يحق لنا؟.

- حق المتعاقد بسلسلة رتب وبرفع اجر الساعة 45 بالمئة.

- المتعاقد كان ولا يزال مناضلا ويشهد له الجميع بأنه دافع عن حقوق المتعاقدين والمثبتين وكل المواطنين.

- ضرورة وضع حل شامل لقضيتنا بعد ان تواصلنا مع لجنة التربية النيابية مطالبين بادراج اقتراح القانون 48 الذي اجل في 26/4 الى لجنة التربية، كما نطالب رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ورئيسة لجنة التربية النائبة بهية الحريري بأخذ هذا المطلب بالاعتبار وبوضع هذا الاقتراح على جدول اعمال الجلسة التشريعية والذي هو مسجل في مجلس النواب واحيل الى اللجان.

 

يشوعي والهرطقة المالية

2

وبعيداً عن المطالب والتلويح بالاضراب يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي ان المجلس الدستوري كان ملزما بإبطال قانون الضرائب بسبب مخالفته للمادة 81 من الدستور التي تنص صراحة على عدم وضع اي ضريبة جديدة الا بموجب قانون شامل للمالية العامة او ما يسمى بالموازنة العامة للبلاد، معتبراً ان قانون الضرائب كان مجرد انفاق اضافي شرعه المجلس النيابي اعتباطيا لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهو بالتالي بدعة مالية ما كان امام المجلس الدستوري سوى ابطاله ووضع حد لهذا الانتحار المالي والاقتصادي.

ولفت الدكتور يشوعي الى ان كل قانون ضرائب غير مستند الى قانون الموازنة العامة هو هرطقة مالية وتشريعية بكل ما للكلمة من معنى، مؤكدا في السياق عينه ان الدولة عاجزة عن انجاز الموازنة العامة للبلاد، لأن قانون الموازنة يستوجب قطع حسابات الموازنات السابقة مع توضيح كل انفاق وواردات الحسابات السابقة بما فيها مبلغ الـ 11 مليار دولار المفقود حتى الساعة، فالحكم اليوم هو حكم المتناقضات بين رئيس الجمهورية صاحب «الابراء المستحيل» وبين رئيس الحكومة الذي يقف وراء المبلغ المشار اليه.

ورداً عن سؤال، أكد ان المجلس النيابي الحالي اوهن من أن يضطلع بمسؤولياته حيال الخزينة العامة وحيال لقمة عيش المواطنين، فقد اثبت هذا المجلس من خلال اقراره لقانون الضرائب المبطل وقانون سلسلة الرتب والرواتب انه يرتجل القوانين دون النظر الى مدى دستوريتها وقانونيتها وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، مشيرا من جهة ثانية الى ان من طعن بالاتفاق الاضافي من خارج الموازنة (غامزا من قناة النائب سامي الجميل) يستطيع ايضا ان يطعن بقانون سلسلة الرتب والرواتب لأنه اقر ايضا من خارج الموازنة العامة، لكن ـ يتابع يشوعي ـ عدم الطعن بقانون السلسلة لكونها انفاقا اضافيا مرده الى وجود البلاد في زمن الانتخابات النيابية العامة، ما يعني ان قانون سلسلة الرتب والرواتب اصبح امرا واقعا بعدما لم يطعن به حتى نائب واحد.

وتابع يشوعي حديثه:

- المحاسبة معدومة لانعدام وحدة الهدف على الصعيد السياسي والاجتماعي، في ظل غياب الانتماء إلى الوطن، إضافة إلى استفحال العنصر الطائفي الذي يحمي الفاسدين ويحصنهم، مضيفا: <الأزمة لم تكن جهلاً بالقانون والدستور، بل بفعل الاستهتار الموجود لدى الطبقة السياسية>.

وحول حديث الحكومة عن اتجاه الأمور نحو الأفضل اقتصادياً، قال:

- يتحدث فريق رئيس الجمهورية عن إنجازات في مسألة الجمارك ما حقق وفرا للخزينة، عدا التأكيد على تحقيق إنجازات في مجالات اقتصادية متعددة، لكن الأمر يبقى مجرد كلام في حال لم تقدم الإيضاحات بلغة الأرقام.

وكشف يشوعي عن مصدر يكفي لتأمين الزيادات على الرواتب من دون فرض الضرائب على المواطنين، وذلك عبر تحصيل ضريبة الأرباح على الهندسة المالية التي جناها البنك المركزي بما يبلغ خمسة مليارات ونصف المليار دولار، والتي تكفي بنسبتها البالغة قرابة 750 مليون دولار لتأمين الزيادات على الرواتب، من دون إثقال اللبنانيين تحت أعباء إضافية وتعريض الاقتصاد اللبناني للخطر في ظل فترة الانكماش التي يمر بها لبنان.

عجاقة والحساب 36

 

اما البروفيسور جاسم عجاقة فاعتبر بأن الوعود التي أعطتها الحكومة بدفع السلسلة على أساس القانون 462017 مبنية بالدرجة الأولى على وجود 4000 مليار ليرة لبنانية في الحساب رقم 36 التابع للدولة في مصرف لبنان. هذا الحساب يكفي لدفع الأجر الشهري للقطاع العام البالغ 607 مليارات ليرة لبنانية إضافة إلى 150 مليار ليرة عبارة عن الزيادة في الأجور الناتجة عن القانون 462017، أي ما مجموعه 757 مليار ليرة لبنانية (505 ملايين دولار أميركي).

والمشكلة المطروحة أن هذا الحساب لا يكفي لتمويل كل نفقات الدولة البالغة 1500 مليار ليرة لبنانية (أجور 757 مليار ليرة لبنانية، دين عام 400 مليار ل.ل، مؤسسة كهرباء لبنان 155 مليار ل.ل إضافة إلى 380 مليار ل.ل نفقات أخرى) لأكثر من شهرين! وبالتالي، فهي مضطرة إلى الاستدانة في غياب ضرائب تمول خزينة الدولة اللبنانية.

ــ هل تعتبر الاستدانة في الوقت الحالي حلاً مؤقتاً؟

- الاستدانة في ظل الوضع الاقتصادي والمالي الحالي ستعرض الدولة اللبنانية إلى تخفيض في تصنيفها الإئتماني كما أنذرت به المنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وفي حال تم خفض التصنيف الإئتماني، فالمشكلة ستنتقل لتصبح على مستوى أسعار الفوائد وبالتالي إرتفاع خدمة الدين العام!

وتابع عجاقة قائلاً:

- من الحلول التي طرحت هي الاستدانة من مصرف لبنان على أساس أن المبالغ المطلوبة هي بالعملة الوطنية، إلا أن هذا الأخير ليس مستعداً لتمويل السلسلة من دون أن تكون هناك إيرادات للدولة التي لا يمكن أن تأتي إلا من الضرائب، وهذا الأمر هو تصرف سليم من قبل مصرف لبنان الذي يرفض أن يطبع العملة لتمويل السلسلة.

ــ الحل اذاً سلة ضريبية أكبر؟

- في ظل هذا الواقع نرى ان الحكومة قد عادت إلى نقطة الصفر حيث أن الاستمرارية المالية مرهونة بوضع سلة ضريبية تسمح بتمويل إنفاق الدولة اللبنانية.

3ــ اشرت الى انفاق معين للدولة، فماذا يشمل هذا الانفاق؟

- هذا الامر يحتوي على تفسيرين:

الأول: فرض سلة ضريبية تحوي السلة المنصوص عليها في القانون 45 مع تعديلات على بندي الإزدواج الضريبي، والغرامات على الأملاك البحرية كفيلة بتغطية كلفة السلسلة (بالطبع دون ذكر أنها ستستخدم لتمويل السلسلة).

الثاني: فرض سلة ضريبية تحتوي على ضرائب لتغطية قسم كبير من عجز الدولة البالغ حتى الساعة 6 مليارات دولار أميركي (من دون خطة الكهرباء)!

وأضاف عجاقة:

- التفسير الأول الذي قدمناه هو أقرب إلى الواقع لأنه أصبح مقبولاً في ذهن المواطن اللبناني الذي يتوقع سلة ضريبية بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي، في حين أن التفسير الثاني صعب التطبيق من دون إصلاحات جذرية في الإدارة والاقتصاد والمالية العامة خصوصاً أننا على أبواب انتخابات نيابية.

من هذا المنطلق نرى أن الحل الذي ستختاره الحكومة هو إعادة السلة نفسها الموجودة في القانون 45 مع تعديلات على البندين المخالفين للدستور، وهذا يعني أن الحكومة تتهرب من القيام بإصلاحات أصبحت أكثر من ضرورية.

ــ تتكلم عن إصلاحات، فهل هي كفيلة بالتمويل؟ وما هي هذه الإصلاحات؟

- هناك الكثير من الهدر في المالية العامة، وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة النسيج اللبناني الذي فرض غياب المحاسبة الدستورية من خلال أجهزة الرقابة شبه المعطلة.

* المشكلة الأساسية في هدر المال العام تبقى في التوظيف الذي يعمد إليه بعض المسؤولين في وزاراتهم ومؤسساتهم من دون الرجوع إلى مجلس الخدمة المدنية. هذا التوظيف هو السبب الأول الذي أوصل كتلة الأجور إلى ما هي عليه اليوم (6 مليارات دولار أميركي سنوياً أي ما يوازي 40.13 بالمئة من إجمالي الإنفاق!). وللأسف هذا التوظيف مستمر على الرغم من إقرار القانون 46 والذي يمنع التوظيف لمدة سنتين.

* المشكلة الثانية تكمن في شركة كهرباء لبنان التي تستهلك 155 مليار ليرة شهرياً (1854 مليار ليرة سنوياً) من دون خدمة ترتقي إلى المطلوب. وباعتقادنا فإن قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص والذي لم تصدر مراسيمه التطبيقية بعد، يجب أن يكون الحل الوحيد لحل مشكلة الكهرباء، مع تخلي الدولة عن دورها الإنتاجي والإداري في هذا القطاع وحصره بدور رقابي تشريعي.

* المشكلة الثالثة تكمن في مكامن هدر على مثال ما ورد في تقرير وزير المال علي حسن خليل الذي أرفقه بمشروع قطع حساب العام 2015 في جلسة الحكومة الأسبوع الماضي، والذي كشف من خلاله عدم وجود قيود في وزارة المالية لـ 92 بالمئة من الهبات التي وصلت إلى الدولة اللبنانية في الفترة الممتدة من العام 1993 حتى العام 2010، ووجود أكثر من 80 حساباً مصرفياً غير قانونية لوزارات ومؤسسات عامة، وتسديد مبالغ شهرية لقرض غير معروف الوجهة أو الهدف، وهذا الأمر يفرض على الحكومة التدقيق في هذه الأمور ومعرفة إذا ما كانت مثل هذه الممارسات مستمرة ووقفها في هذه الحال.

وتابع يقول:

- أيضاً، لا يمكن تناسي الدعم الذي تقدمه الدولة للجمعيات والمهرجانات، والتي تستهلك الكثير من أموال الدولة من دون أن يكون هناك إثبات فعلي لفعالية هذه الجمعيات أو المهرجانات.

أيضاً يمكن ذكر التجهيزات في الوزارات والمؤسسات العامة كما وتعويضات السفر واللجان التي تحوي أرقاماً خيالية في بعض المؤسسات (1500 دولار أميركي عن كل يوم سفر!).

 وأضاف:

- هذه الإصلاحات على الرغم من ضرورة تنفيذها لا تعفي من ضرائب لا على المدى القصير بل على المدى البعيد، لأن الضرائب هي مدخول الدولة الوحيد ولبنان يرزح تحت دين عام يفوق الـ 77 مليار دولار أميركي، وبالتالي، فإن الضرائب هي حق على المواطن بشرطين: الأول تحقيق إصلاحات بنيوية في هيكلية وإدارة القطاع العام، والثاني رسم خطة تسمح بلجم الدين العام.

وختم عجاقة قائلاً:

- أما لمن يعول على مدخول النفط والغاز لسد الدين العام، فنشير الى انه لا يمكن استخدام مدخول النفط والغاز في سد الدين العام لأن في ذلك جريمة في حق الأجيال المستقبلية والحالية، ولأنه الى حين البدء باستخراج هذه الثروة يكون على لبنان السلام.