تفاصيل الخبر

الشيخ زايد، الرؤساء ”ترامب“ و”بوتين“ و”كيم جونغ أون“ مع الكاردينال صفير في جبيل...

09/08/2019
الشيخ زايد، الرؤساء ”ترامب“ و”بوتين“ و”كيم جونغ أون“ مع الكاردينال صفير في جبيل...

الشيخ زايد، الرؤساء ”ترامب“ و”بوتين“ و”كيم جونغ أون“ مع الكاردينال صفير في جبيل...

   

”فيرو سكولتورا“... منحوتات فائقة الواقعية في معرض يشكل قيمة مضافة للمدينة العريقة!

 

بقلم عبير انطون

هي جبيل الحاضنة لحقبات التاريخ والمزهوة بحداثة الحاضر. مولود جديد، مميز وفريد ينضم اليها ليشكل في اللوحة الطبيعية التاريخية الحضارية التي تتشكل منها قيمة مضافة، تجمع تحت سقف واحد زعماء العالم وقادته وفنانيه. من جيلها الجديد، الذي يريد لها حداثة وتقدما اكثر بعد، اختار المهندس طوني أبي حنا ان يقدم من مسقط رأسه ما يدهش العين من خلال تماثيل تدهشك بتفاصيلها الدقيقة وجودتها العالية. فمن هي هذه الشخصيات التي تزور المدينة والتي ستستقر بشكل دائم فيها لاحقا؟ كيف تم اختيارها ومم صنعت؟

في جولة على التماثيل المعروضة، كانت كافة التفاصيل مع صاحب المعرض.

في ساحة الاونيسكو المعروفة في جبيل، السوق العتيقة، وفي مبنى مهرجانات بيبلوس تحديدا، يلاقيك طوني أبي حنا الى الباب الذي يدفعه أمامك بابتسامة وترحيب، ولكن أيضا بثقة من يدعوك الى زيارة ليست كغيرها. إنه <معرض لشخصيات عالمية منحوتة بدقة عالية>، وصبر كبير واصرار على تقديم أفضلها بمواد اليوم، حتى تكون <ايبر رياليستيك> اي حقيقية تماما، كما يصفها صانعها ونافخ الروح فيها، طوني أبي حنا.

تتجوّل عيناك في المكان الأثري، قبل ان تقعا عن شمالك على الفنان وائل كفوري. جالسا ببزّة أنيقة تجذبك وسامته التي لم يبخل عليها التمثال المنحوت بأيّ تفصيل سوى ببعض الكيلوغرامات بالناقص. تتفرّس فيه فتصير على وشك ان تطلب منه موالا للمدينة العريقة واهلها وفنانيها. <مضعفو شوي> نقول لطوني فيجيبنا بابتسامة <وائل مشبشب عطول>. ويردف قائلا:>أنظروا إليه جيدا>. نتلمس اصابعه فإذا هي <فليكسيبل>، مرنة وغير جامدة، ونتلمّس عروق يديه الظاهرة، فاذا بها صدقا لا ينقصها سوى ان تنبض.

هذه الدقة، ليست سوى وليدة مجهود طويل وعمل مضن من قبل طوني المهندس المعماري الذي نال شهادته من الجامعة اللبنانية الاميركية. حب النحت انتقل اليه من خلال <جينات> العائلة وهو ورثه عن والده شوقي. منذ اربع سنوات رفع تحديا رمى من خلاله ان يضاهي بالجودة التي يقدمها، والمستوى العالي الذي يعمل به، ومن خلال المواد التي يستخدمها، كبريات المتاحف في لبنان والعالم وصولا حتى الى متحف <مدام توسو> الشهير.

 الموقع حيث المعرض تابع للجنة <مهرجانات بيبلوس الدولية>. يشرح لنا طوني انه تم بالتعاون معهم: أتاحوا لنا العرض في هذا المكان الأثري مشكورين، وتمت الموافقة بعد ان قدمت لهم نماذج اشتغلت عليها بعناية. سنضيف الشخصيات الواحدة تلو الأخرى ومستمرون بالعرض حتى الميلاد المجيد مبدئيا، مع تمنياتنا بالانتهاء من البناء الذي بدأناه لمتحف كامل والذي سيضم خمسين شخصية وما فوق.

 

 رصد..!

 

بغير التعريف بعمله من خلال التماثيل ــ الشخصيات، والتي سوف تضاف أخوات اليها تباعا، يرمي طوني من المعرض قبل ان يتّخذ صفة المتحف الدائم، استمزاج الآراء والدخول في عالم أذواق الزائرين: <أرصد ردود الفعل، أستوحي افكارا من الزوار، وكأنه اختبار أولي لما أحبوه ولما انتقدوه فأتعلم من الأخطاء وأقوم بالتصحيحات حتى تأتي الانطلاقة منذ الخطوة الأولى على مستوى رفيع>.

عن شمال وائل، تمثال لشخص غير معروف. نعتقد انه غاب عن بالنا او أنّه مولود من اسطورة لا نعرفها. يتدخّل طوني لإزالة أي لبس: هذا التمثال ليس لشخصية معينة. أردت من خلاله ابراز الفرق للزائر ولطلاب المدارس والمنتسبين الى العطلات الصيفية، والتي تزورنا بعدد كبير، وهو الفارق ما بين التمثال المصنوع من الشمع والاخر المصنوع من السيليكون، والتماثيل كلها هنا مصنوعة من هذه المادة. عبر هذين النموذجين، أشرح للمهتمين حول بنية الجسم ومفاصله، المسافة بين العينين والخدين، شكل الوجه الخ.. . وادعوهم الى معاينتها عن قرب.

 لهذين التمثالين <وائل> و<المجهول> كما حلا لنا ان نسميه، البنية عينها تقريبا. يسألنا طوني: <لكن من يبدو أقرب الى الواقع؟ <تفضّلو شوفو الشعر>، ويحيلنا الى تمثال <وائل> من جديد. نسأله عن التسريحة الجميلة وكيف تمكن من نقلها لتكلل رأس الفنان النجم، فيجيب: الرأس مزروعة شعرة شعرة من قبل الفريق العامل معي. أتينا بالشعر طبيعيا وطويلا من الهند وتم غرزه شعرة شعرة ثم خضع للصبغ والقص والـ<براشينغ> (التصفيف). ويطلب منا طوني ان نتحسس الخدين. نقوم بذلك فإذا به كالانسان الحي يعطي ملمس من حلق ذقنه ونبتت من جديد.

ليس الشعر واللحية نقطتي الجذب الوحيدتين. العينان والأسنان جاذبة أيضا لطبيعيتها في كافة التماثيل المنحوتة، ويفصح لنا طوني عن سرّها:

 العينان من كريات <غلل القزاز> التي كنا نلعب بها ونحن صغار، نلونها ونقوم بالـ<بوليش> لاستخدامها وقد أظهرت النتيجة انها الأفضل، أما الأسنان وبعد ان اقوم برسمها أسلّمها للطبيب حتى يصنع قالب الاسنان الحقيقي وكأنه تلبيس لاسنان طبيعية.

الجديد بحسب طوني في معرضه ليست الشخصيات التي يمكن أن تتكرر بين معرض وآخر خاصة وانها تختار عادة لأسباب جامعة، انما الدقة المصنوعة بها ومادة السيليكون التي تتيح له ترجمة هذه الدقة حد الاعتقاد بانها حقيقية فعلا، وانها هي من تحدّق بك طارحة عليك الف سؤال، فتأخذك الى ما روي عن النحات الايطالي العالمي <مايكل انجلو> يوم انتهى من نحت تمثال موسى وقال له: <انطق يا موسى!>.

اذا ما كان لي من جدارة اتكلم عنها، يقول طوني، فهي أنني أوصلت هذه الشخصيات بنتيجة سنة 2020 التي نحن على عتبتها في ابتعاد نوعا ما عن تقنيات الستينات والسبعينات وموادها، ونحن اللبنانيين لا ينقصنا اي أمر لنبلغ بها مستويات عالمية.

 الامارات..!

ندخل القاعة الاكبر. بفخر كبير ينتصب تمثال الممثل الأميركي المعروف <بروس ويليس> بابتسامته الساحرة، الساخرة، وقد سال الدم من بعض الجروح على خد بطل <داي هارد> فيلمه الأشهر. من <بوستر> الفيلم استوحى أبي حنا وقفة البطل

الذي لا يقهر. نسأله عن سبب اختياره لهذه الوقفة دون غيرها فيعلل شارحا:

 الجمهور يحفظ لهؤلاء النجوم لقطة معينة ويختزنها في ذاكرته فيعرف النجم بها. انه هنا <بروس ويليس> على <بوستر> فيلم <داي هارد>، وهي الشخصية الأشهر التي لعبها. في عضلات الوجه يمكنني ان أشكّل كاراكتيرات كثيرة للشخصية، فأجعلها ضاحكة او عابسة او مهمومة أو مستيقظة للتو من نومها الخ. وقد اقع لها على صورة اجمل مما هو معروف عنها الا انني اعود دائما الى الصورة الاشد تأثيرا والراسخة في الذاكرة. <بروس> الكل يعرفه <مشكلجي>.. . يختم طوني مبتسما، قبل ان ننتقل الى تمثال البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير جالسا في كرسيه.

<انها ثياب البطريرك صفير الفعلية وحذاؤه، وقد امّنها لي الصرح بعد اطلاعهم على المنحوتة. بالاجمال وفي ما خص الثياب فإنني أطلبها من المعنيين بعد ان اطلعهم على المنحوتة. منهم من يماطل ومنهم من يتجاوب مشكورا كسعادة سفير الامارات الدكتور حمد سعيد الشامسي>. ويروي لنا طوني كيف تم التواصل مع سعادته، مع طرفة اخبرنا اياها بابتسامة ممتنة: لما نحتت تمثال سمو الشيخ زايد بن نهيان تقدمت بكتاب لسفارة الامارات العربية اطلعتهم فيه على كافة التفاصيل التي طلبوها من حجم التمثال وموقعه في المعرض الخ وأرفقته بصور عن المنحوتة. تفاجأت باتصال من سعادة السفير يسألني فيه ما يلزمني له بعد فطلبت زي الشيخ زايد شخصيا، وقد وصلني في خلال يومين. بسعادة كبرى، ارسلت الصور من جديد للسفارة فاذا بهم يمنعونني عن اي صورة للمنحوتة او نشرها قبل ان يصححوا خطأً ما كنت في وارد ان اعرف عنه، شأني شأن الكثيرين من اللبنانيين، فقد وضعت العقال على الرأس بطريقة عفوية، وهذا لا يجوز لان له اصولا معينة في الامارات، فحضر أشخاص من السفارة وصححوه وكنت شديد الامتنان طبعا.

اما كوفية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي ينتصب وكأنه حي في المعرض عن يمين تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فلا تخضع للاصول عينها.

عن يمين الشيخ زايد تمثال لرئيس حكومة لبنان الأسبق رياض الصلح، وعن يمينه تمثال للرئيس الشهيد رفيق الحريري. ببذلة <الدوبيتي> يقف رياض بك: <هذه البذلة اضطررت ان اطلب تفصيلها وخياطتها لأنني لم اوفق بواحدة جاهزة على طرازها في السوق اليوم>.

 

<ترامب>.. و<كيم>!

مع سنتي الولادة والوفاة (اذا حدثت) يرفق طوني تماثيله كافة والتي بينها، مصطفين الواحد بجانب الآخر وعلى خط واحد، الرؤساء الاميركي <دونالد ترامب>، زعيم كوريا الشمالية <كيم جونغ اون>، والرئيس الروسي <فلاديمير بوتين>. <ترامب>، بطوله الفارع يرفع اصبعه في تلميح الى عبارته الشهيرة <MAKE AMERICA GREAT AGAIN> <جعل أميركا عظمى من جديد>، وقد زاره في المتحف وفد من السفارة أثنى على العمل مع مطلب بسيط بتعديل لون الشعر قليلا. اما <كيم> فيستقبلك بوقفته العسكرية المعروفة، و<بوتين> بشفتيه الرقيقتين ونظرته الثاقبة.

في جبيل اللبنانية جمعهم أبي حنا، كل في قدره وعزته، ينظرون جميعهم الى الامام في <مناخ> معتدل امنه لهم، والذي يمكن ان يتراوح ما بين 15 و30 درجة مئوية وهي الحرارة التي تتطلبها المنحوتات من السيليكون عادة.

المواد التي يستخدمها ابي حنا غير متوافرة في لبنان، لذلك يتم استيرادها من فرنسا خصيصا ويمزجها طوني بما يتوافق وعمله، آخذا بالاعتبار <حساسية> ممكنة لبعض الأشخاص وبخاصة الاولاد على بعض المواد الصناعية المستخدمة فيعمل على جعلها خالية من اي خطر.

اهمية التفاصيل..!

لا حركات ميكانيكية في الشخصيات التي نحتها طوني وهو ان اراد لاستطاع بشكل دقيق. فالمهندس، زادته شهادته دقة: <لما تضاف الحركة الى التمثال فإنه يخسر من قيمته برأيي. لا يعود العمل فنيا انما حرفيا. من ناحيتي افضل ان اكرم الشخص

بتمثال على هذا المنوال>.

 يرفع ابي حنا شعارا لعمله <للتفاصيل اهمية كبرى> في الشخصية التي ينحتها، والتي تستغرق لكل واحدة منها حوالى الاربعين يوما بكلفة مرتفعة نوعا ما، ينخفض ثمنها ان تم صنعها من مواد اخرى، كالرزين او الجفصين الذي هو اقل كلفة وطلبا للصيانة. هذه التفاصيل يقدمها طوني لطالبي المنحوتات وعددهم لا بأس به، خاصة في الدول العربية، يقدمونها لاحباب يكرمونهم، وبينهم العديد من الفنانين والفنانات.

الشخصيات النسائية تغيب نوعا ما عن المعرض حتى الآن. سيدخلها ابي حنا الواحدة تلو الاخرى، كما سيعمل على ادخال شخصيات تهم الصغار كـ<سوبرمان> مثلا، فضلا عن ممثلين وفنانين عالميين كـ<مايكل جاكسون> او عرب مشهورين بينهم بطل مسلسل <الهيبة> النجم السوري تيم حسن الذي سيكون له تمثال يليق بـ<شهرته>. الاختيار هنا يتم وفق معيارين: الشخصية وموقعها او اثارتها للجدل سلبا او ايجابا، والثاني جذب الزوار من مختلف الجنسيات، خاصة وان السياحة في جبيل قبلة اساسية لهؤلاء.

الاصعب..!

الأصعب في النحت تبقى تجاعيد الوجه للعجائز، ويزداد الأمر صعوبة ان كانت العجوز امرأة يقول طوني ابن الثلاثين عاما والفخور بما انجزته يداه. هو سعيد بعمله، انما ايضا بالحركة التي ولدها معرضه بشكل يتكامل مع المحيط الموجود فيه، فهو لم يفتتح مطعما قرب جاره <يضارب عليه>، انما معرضا ليتكامل معه فيشم الزائر لبيبلوس الجميلة رحيق زهراتها الفنية والعمرانية ويتذوق من اطايبها اجمل ما يمكن، فجبيل التي تفتح ذراعيها للجميع، تفرد مروحة من الاختيارات للزوار والسياح الذين تبقى حركتهم لهذه السنة خجولة نوعا ما، نظرا لجملة الاوضاع الاقتصادية بشكل خاص التي يعاني منها الجميع.

الدخول الى المعرض الجميل رمزي، يقول ابي حنا، بما يكفي فقط لمصاريف الصيانة والفواتير التي يولدها، مع تفكيري بمشروع يتفاعل معه الاولاد من خلال المعرض.. معرض يضيف لونا فنيا جميلا وحديثا على مدينة عريقة بعمر التاريخ.