تفاصيل الخبر

الشيف أنطوان: استغنيت عن اللحم في وصفاتي حتى لا يقول الزوج لزوجته: "من وين بجبلك" ؟....ويدبّ المشكل!

22/07/2020
الشيف أنطوان: استغنيت عن اللحم في وصفاتي حتى لا يقول الزوج لزوجته: "من وين بجبلك" ؟....ويدبّ المشكل!

الشيف أنطوان: استغنيت عن اللحم في وصفاتي حتى لا يقول الزوج لزوجته: "من وين بجبلك" ؟....ويدبّ المشكل!

 

بقلم عبير انطون

[caption id="attachment_79696" align="alignleft" width="167"] الشيف أنطوان دوري أبعد من طبق طيب.[/caption]

 "لست ابن البارحة"! هذا ما يطالعك به الشيف أنطوان الذي وصلت شهرته الى ما وراء البحار وهو يقدم وصفاته الشهية عبر "تلفزيون لبنان" لأكثر من ثلاثين عاماً ، لمّا تسأله عن سبب اتخاذه قراراً بالاستغناء عن اللحم في وصفاته على الشاشة ، فهو واحد من الناس كما يعرّف عن نفسه ، ويشعر مع الجميع ، مؤكداً أن حضوره عبر الشاشة لا يقتصر على "طبخة طيبة" وحلوى لذيذة ، إنما يعتبر أن له دوراً توعوياً واجتماعياً وثقافياً بالدرجة الأولى .

 فما الذي يقوله الشيف أنطوان عن واقع المائدة اليوم ؟ هل باتت حال اللبناني تعرف من طبقه  فنقول له : قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت؟ وهل انقلب المتل اللبناني عند البعض من "لاقيني وما تعطميني" الى "دخيلك طعميني"؟ ولم هو عاتب على الدولة ؟

في لقاء "الأفكار" مع الشيف أنطوان حديث "شهي" بدأناه بالسؤال :

 - لقد مررت "شيف" بالكثير من المراحل الصعبة في لبنان . هل نحن فعلاً في المرحلة الأسوأ التي بلغها بلدنا ؟ وهل انقطع اللبناني عن اللحم لارتفاع ثمنه يوماً؟

_ في الواقع إنها المرة الأولى . حتى في عزّ الحرب لم نعرف ذلك . في الماضي لم تقسُ الظروف الى هذه الدرجة لسببين: أولاً لأن المال كان متوافراً لدى الناس والأعمال لم تتوقف بهذا الشكل، وثانياً لأن المصاري كانت موجودة مع الأحزاب ، فكنا نرى اللبناني يتوجه الى السوق والى المطعم .أما اليوم ، فبسبب أزمة "الكورونا المستجدة" التي اثرت على العالم كله وانخفضت الأشغال بنسبة الثلاثين في المئة ، وقبلها الأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية مذ بدأت المصارف بالحجر على أموال المودعين خاصة من كانت أموالهم بالدولار، تراجعت القدرة الشرائية ، وأصبح اللبناني يحسب الف حساب وهو المعتاد على  الصرف والشراء والمعروف عنه الكرم وحسن الضيافة وفرد الأصناف العديدة على طاولته . فهو يحب الكيف والزهو والفرح ما أثر عليه سلباً وغيّر نمط معيشته.

ويكمل الشيف :

_ 60% من الشعب اللبناني كانت تشكّل الطبقة الوسطى . هذه ضُربت . لماذا ؟ لأنه تم تجميد أموالها في المصارف، وهذا أيضاً أثر سلباً على مجالات عدة، وبات الواحد منا يحمل همّ  تعطل غسالته في البيت، او براده ، او سيارته فلا يقوى على إصلاحها مع تدنّي القيمة الشرائية لليرة بحيث إنه بعد أن كانت المئة دولار تساوي مئة وخمسين الفاً ، باتت تساوي أقله اليوم 800 الف ليرة ما جعل  قيمة مدخول العائلة يهبط سريعاً ، هذا فضلاً عن أن الكثيرين ممن أبقي عليهم في أعمالهم باتوا يتقاضون نصف راتب.

 وكمن يريد توثيق أسعار المرحلة يسرد الشيف لائحة بعض المنتوجات :

 _ كيلو الفاصوليا كان بـ 3 آلاف ليرة اصبح بسعر 27 الفاً . باكيت الزبدة 400 غرام كانت  بـ 5500 ليرة فباتت بـ22 الفاً. عشرة ليترات من زيت القلي سعرها 58 الفاً بعد أن كانت  تباع  بـ 18 ألفاً. كيلو جبنة الـ"موتزاريلا" المبروش الذين كانوا ينادون على شرائه بحوالي الثمانية آلاف ليرة بات بـ 38 الفاً . "بطّلت الناس قادرة تشتري"، وأنا واحد من الناس، وأقدم  برنامجاً يومياً عبر تلفزيون لبنان وقد هالتني الأسعار، فوجدت أنه من غير المنطقي أن اطلع على الهواء "علّمهن" وصفات بالقريدس والكركند والسمك بحيث أضحى كيلو سمك البزري بـ 22 الف ليرة ، وكيلو لحم البقر وصل الى  60 الفاً والغنم الى 90 . مرة اشتريت أوقية ونصف من اللحمة بـ 22 الف ليرة ، فقلت إذاً ستكلفني الطبخة مع موادها الأخرى 60 او 70 الف ليرة ، هذا إن كانت يخنة بيتية، ومعظم وصفاتي بالمناسبة هي كذلك .

[caption id="attachment_79697" align="alignleft" width="188"] طبق شهي[/caption]

- عندها اتخذت القرار في "مأكول الهنا" بمقاطعة اللحم الأحمر؟ وهل جعلك ذلك "تبتكر" وصفات جديدة مناسبة للمرحلة ؟

_ نعم، منذ ثلاثة اشهر ، وحتى قبل أن يتخذ الجيش القرار بذلك في أطباق العسكريين . فأنا هدفي أن أوصل رسالة تربوية انسانية اجتماعية .أريد  لكل "ستات" البيوت أن يتنوّرن من خلال البرنامج ،ويقدن سفينة بيتهن بحنكة وذكاء . لمّا تكون الناس غير قادرة على طهي أوقية بطاطا بأوقية لحمة هل باستطاعتي أن اطلع على تلفزيون لبنان وأقدم وصفات الـ"غالانتين" والأسماك والكافيار والسومون والبفتاك ؟ كذلك،  قاطعت الصنوبر واللوز والكاجو واستبدلتهم بالفستق السوداني، وكان البديل عن اللحم ادخال الدجاج والحبوب بشكل اكبر هذا فضلاً عن الخضراوات . اليوم قدمت طبق الـ "فطائر بالدجاج"  ونكّهتها بمواد، اضحيت بحكم خبرتي اعرف أنها ستكون لذيذة الطعم ، كما قدمت الكثير من الاطباق التي لا تتعدى كلفتها لخمسة اشخاص الخمسة وعشرين الفاً . وأنا بالاصل من دعاة أن نأكل مما يعطينا اياه الموسم وهذا ما اردده دائماً . اليوم موسم الكوسى مثلاً فإنني اتفنن بمأكولات تشكل مادتها الاولى . اللوبية بالبرغل مثلاً ، هل من اشهى منها ؟ كذلك فإنني اعددت الفطائر بالفاصوليا والـ"بقلة" وكانت ولا أطيب مع "قليّة" من البصل والثوم والكراث مع الحبق والسماق وسط العجينة "كانت بتجنن". ليست الاكلة الغالية المواد هي الاطيب انما المطلوب أن تكون المواد طازجة بموسمها وفيها مختلف أنواع الفيتامينات والاملاح المعدنية .

- هل تلقيت لوماً اوعتباً من اللحامين او السوبرماركت مثلاً ؟

_ نعم وصلني بعض العتب ومن بعض الـ" شيف الاصدقاء" ايضاً، وقالوا لي : ولَو شيف أنطوان؟ ومنهم ايضاً من سألني اذا كان قراري بالاستغناء عن اللحم بايعاز من التلفزيون او غيره وأجبتهم بالنفي طبعاً . فأنا كنت مديراً ورئيساً للجنة الفاحصة للفندقية في لبنان ، وعندي   حوالي 300 استاذ باللجان مسؤول عنهم ،وكنت مدير معهد الفندقية وقيّماً على الاستثمار الفندقي طوال 22 عاماً، ورئيساً للدروس التطبيقية لعشرين عاماً، وقد خرّجت حوالي 37 الف طالب ينتشرون اليوم في كل ارجاء العالم وهم من أهم "الطهاة"..أنا مقتنع بأن التوفير واجب، والحبوب تغذي كما اللحوم وتتضمن المواد البروتينية. فالاساس أن يتضمن الطبق المواد  البروتينية والمواد الدهنية والمواد النشوية، مع الفيتامينات والاملاح المعدنية ، وهكذا تضحي الحصة الغذائية كاملة ، بعيداً عن الدهنيات الكثيرة والدسم. وأنا بالأصل لا أستخدم الدسم الكثير في طعامي.

حزين..

- في مصر لما ارتفع ثمن الخبز مرة  قاطعه المصريون فانخفضت الاسعار في اليوم التالي.  هل تجد مقاطعة بعض الاصناف طريقة ناجعة حتى تعود الى ثمنها الطبيعي؟

_ هذا تماماً ما فعلته مع استغنائي عن اللحم الاحمر ، وقد وصلني أن بعض اللحامين خفضوا اسعار اللحم جراء المقاطعة.

[caption id="attachment_79698" align="alignleft" width="122"] لحم في الوصفة ؟؟..كان زمان[/caption]

 - هل يحزنك الحال على المائدة اللبنانية التي كانت تتغاوى بمد أشهى الطباق من كل صنف ونكهة ؟

_ أنا حزين على الأزمة التي نمر بها، لذلك "أنوّر" الناس حتى نتخطى الأزمة فيعود لبنان الى الكبة النية ، والأكلات الطيبة والمشاوي كما العادة واكثر. إنها أزمة ستعبر، انما لنمررها بأقل كلفة ممكنة، فلا تضطر الناس الى السرقة او حتى لا سمح الله القتل لأن اولادها جائعة .   "أُنور" المرأة حتى لا تتخانق مع زوجها ويقول لها "من أين آتي لك بالمال" ويدبّ المشكل .  لذلك من الجيد أن تطبخ وترضي عائلتها من دون جعلهم يتذمرون ويكون الطعام طيباً  وصحياً ومغذياً لا ينقصه شيء من قيمته الغذائية المطلوبة.

- بخبرتك شيف، ومع دعائنا بالحياة المديدة والأثر الجيد للسلة الغذائية المدعومة. هل ارتفاع الاسعار مبرر أم هو طمع وجشع ؟

_ بحسب خبرتي، فإن بعض الاسعار ارتفعت بسبب استيرادها من الخارج وارتفاع سعر صرف الدولار ، فيضرب ثمن كل صنف بأربعة او خمسة ، لكن هناك الاصناف اللبنانية التي لا مبرر لارتفاعها ، وتحتاج  من وزارة الاقتصاد الى "ضرب موجع" . لا يعني ذلك تحرير محضر ضبط  للسوبرماركت بثلاثة ملايين ليرة وهي تحصّلها بظرف ساعة من الزمن، بل أن يكون العقاب موجعاً فعلاً فيسجن صاحب السوبرماركت ويدفع ضبطاً مرتفعاً - 15  او 20 مليوناً- على أن لا يخرج سريعاً بكفالة يدفعها ، اذ ممنوع "الفحش" في الأسعار ونحن يجب أن نقف جنباً الى جنب في هذه الأزمة الضاغطة.

- نسمع اليوم من يدعون للزراعة. هل هذا كاف في لبنان مع عدم توفر المياه بالشكل المطلوب، ومع ارتفاع  أسعار البذور والأسمدة ؟

_ من يدعون الى الزراعة ، مع احترامي لهم ، إذا "هم جربوا يهربون"، لأن الزراعة مكلفة. أنا ازرع منذ عشر سنوات ، يكلفني كيلو الخيار 3 آلاف ليرة حالياً وهي زراعة عضوية  ممتازة. اليوم إن ارادوا ان يقولوا للناس "ازرعوا" عليهم أن يدعموا اسعار الرش والمبيدات والبذور ..."ما يفكروها هينة"، هذا فضلاً عن شح المياه في مناطق كثيرة واستصلاح بعض الاراضي من الصعوبة بمكان . كذلك فإن سبل الزراعة تبدلت كثيراً ولم يعد الاتكال على اليد العاملة انما على الالات في غالبية الاحيان ، ما يعني أن الزراعة بهدف تجاري صعبة ومكلفة. لكن اذا وجد الواحد منا مساحة صغيرة يهتم بها ، فبإمكانه أن يكفي عائلته ببعض شتول الخيار والقثاء واللوبياء والكوسى والبندورة الجبيلة ، فضلاً عن البقدونس والنعنع وهذه يمكنها أن تسعفه قليلاً .

- ما الذي عناه لك أن تختارك الـ "سي أن أن" كشيف من لبنان ، للحديث عن الحالة التي وصلنا اليها ، وكنت ايضاً مادة اعلامية يستشهدون بك كمثل الكاتب والصحافي سمير عطالله مثلا؟

_ لست من الذين يفاخرون بنفسهم ، والجميع خاصة الأصدقاء يلمسون تواضعي . أنا منذ ثلاثين عاماً على الهواء وأجيب عن أسئلة الجمهور بشكل مباشر امام آلاف المشاهدين و"ياما  ناس جربوا يوقعوني" ، والناس تشكر باكلاتي وحلوياتي واجاباتي الصحيحة. الا أن لي بعض العتب على الدولة اللبنانية التي لا تعرف قيمة الانسان الذي اعطى، وقد تلقيت الكثير من العروض في لبنان وخارجه منذ 15 سنة وبإغراءات ومعاشات خيالية ، ولم اترك "تلفزيون لبنان" وأردد أنني ابن الدولة وسأبقى مع الدولة . لو حسبناها ، فإن اي ممثل او مقدم  في الشرق الاوسط  وربما خارجه ليس عنده عدد الساعات المباشرة لي على الهواء لخمس او ستة ايام احياناً في الاسبوع .

- هل طال التقشف مواد "المدرسة الفندقية ايضاً"؟

_ الآن "طلعت عالتقاعد" ، وكان طموحي أن أؤسس معمل مأكولات قبل أن تنفجر الأزمة التي شعرت بها من سنة، وقبل ارتفاع سعر صرف الدولار فآثرت التريث ، والمعمل الذي كنت أنوي افتتاحه عبارة عن مأكولات وصلصات للبيوت والمطاعم تحمل اسم "الشيف أنطوان".

- سؤال على الهامش : هل ما زلت تعتب على بعض البرامج التلفزيونية التي تتناول اطلالاتك وبرنامجك "مأكول الهنا" بشكل شبه دائم؟

_ كلا . "هني بدو يمشوا برنامجن" واذا لم يتناولوني "ما بيمشوا برنامج"، علماً أن حلقاتهم  مسجلة وممنتجة ويعاونهم فيها عدد كبير من الأشخاص، فيما برنامجي يومي مباشر ومن الطبيعي أن تمر به بعض النهفات والهفوات.

- نهاية ، ما هي اطيب أكلة بالزيت عند الشيف أنطوان ؟

 _ الباذنجان المتبّل او ما نسميه نحن الـ"بابا غنوج" .