تفاصيل الخبر

الشق اللبناني من كلمة البابا "فرنسيس": تناغم مع فرنسا... ولا تبني لمبادرات البطريرك!

17/02/2021
الشق اللبناني من كلمة البابا "فرنسيس":  تناغم مع فرنسا... ولا تبني لمبادرات البطريرك!

الشق اللبناني من كلمة البابا "فرنسيس": تناغم مع فرنسا... ولا تبني لمبادرات البطريرك!

  

[caption id="attachment_86019" align="alignleft" width="386"] البطريرك يوسف العبسي مصّرعلى إجراء الانتخابات في موعدها في الشهر المقبل.[/caption]

 اللقاء التقليدي الذي يجمع رأس الكنيسة الكاثوليكية عادة مع أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي، يكون مناسبة لتحديد مواقف البابا حيال الظروف التي تعيشها الدول وتجاه الاحداث التي تشغل العالم. وغالبا ما تكون كلمة البابا "عامة" في مفهومها لا تدخل في التفاصيل ولا تخصص منطقة عن أخرى الا بالتمنيات والتوجهات. الا ان البابا "فرنسيس" خالف هذه القاعدة هذه السنة وأراد من كلمته امام السلك الديبلوماسي توجيه رسائل واضحة خص فيها لبنان من خلال مقطع تجاوز المألوف في عدد اسطره وشكل جزءاً مهماً من الرسالة المسهبة والشاملة التي تضمنت مراجعة لاحداث العام المنصرم وابرزها التداعيات الصحية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لانتشار جائحة "كورونا" مع رسم تطلعات رأس الكنيسة الكاثوليكية لابرز قضايا العالم للسنة الجديدة 2021 في شتى المجالات الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية....

 الذين يعرفون كيف تحضر كلمات البابا في المناسبات الكبرى، يؤكدون ان ما يرد فيها يأتي بعد مرحلة من الإعداد الطويل من الدوائر الديبلوماسية الفاتيكانية تستمر أسابيع انطلاقاً من تقارير السفارات البابوية المنتشرة في دول العالم، وتواكبها مشاورات جانبية بعيدة عن الأضواء مع ابرز عواصم القرار المعنية بالازمات الدولية والإقليمية، إضافة الى اتصالات مع عدد من السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي. من هنا فإن ما يرد في الكلمة البابوية هو عصارة معطيات مختلفة يجري جمعها وتقييمها واستخلاص العبر منها، فضلاً عن التوجهات التي ترغب الدوائر البابوية بايصالها الى الدول والشعوب المعنية في الكلمة.

كيف بدا الشق اللبناني من الكلمة البابوية التي تضمنت حيزاً كبيراً للحديث عن الشأن اللبناني؟ يقول مطلعون على الموقف البابوي ان من سمع كلمة البابا مباشرة واطلع على نص كلمته كاملاً بدا له ملفتاً ومميزاً مدى "الاهتمام البابوي الاستثنائي" بموضوع لبنان حيث لم يقتصر ذكره بالاسم او الإشارة الى بعض العناوين بل تعدى ذلك الى التحدث بالتفاصيل. وكانت الفقرة المخصصة للأزمة اللبنانية أطول فقرة مخصصة لموضوع سياسي واحد في الكلمة البابوية الجامعة، فضلاً عن التأكيد على الطابع "الداخلي" للأزمة اللبنانية، ومن هنا كان التوجه مباشرة الى "جميع القادة السياسيين والدينيين" في لبنان من اجل "وضع مصالحهم الخاصة جانباً لتنفيذ الإصلاحات الحقيقية والتصرف بشفافية وتحمل مسؤولية افعالهم".

وابرز البابا وللمرة الأولى بهذا الوضوح والحزم، موضوع "الوجود المسيحي" في لبنان، وضرورة عدم ادراجه في اطار "حماية الأقليات"، بل اظهار دوره المميز بصفته "النسيج الرابط التاريخي والاجتماعي" لهذا البلد، مع التشديد على وجوب توفير "ضمانة استمرارية عمل المسيحيين من اجل خير البلد الذي كانوا من مؤسسيه وتقديم مساهمتهم فيه"، والتحذير من ان "اضعاف هذا الوجود من شأنه ان يتسبب بفقدان التوازن الداخلي والواقع اللبناني نفسه" لقد وضع الأب الأقدس إشكالية المحافظة على "الهوية الفريدة" للبنان و"المعرضة للفقدان" في اطار إقليمي أوسع واشمل وهو "ضمان شرق أوسط متعدد ومتسامح ومتنوع". وحذر من ان "خطر افلاس" لبنان قد تنتج عنه انحرافات أصولية خطيرة، من هنا أهمية الإسراع في عملية انعاش الاقتصاد وإعادة الاعمار.

تغييب لمبادرات البطريرك الراعي

واللافت غياب أي إشارة في الكلمة الباباوية لمبادرتي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي سواء على صعيد طرح موضوع الحياد، او على صعيد الدعوة الى مؤتمر دولي خاص بلبنان، في رغبة لعدم تبني أي من هذين الطرحين. إضافة الى تغييب أي إشارة الى نية البابا القيام بزيارة قريبة الى لبنان. ويبدو حسب أوساط مطلعة على مواقف الكرسي الرسولي، ان هذا الموضوع غير مطروح حالياً على الروزنامة البابوية، ولا تخفي الأوساط وجود "تناغم" فاتيكاني- فرنسي في المواقف حيال ضرورة مواكبة المساعي لإنقاذ الوضع اللبناني من الانهيار الكامل والشامل مع دعم بابوي لمساعي باريس والجهتان متفقتان على ان الخطوات العملية الأولى مطلوبة من اللبنانيين انفسهم الذين عليهم تحمل مسؤولياتهم. كما ان لا تحرك او مبادرة فاتيكانية منفصلة في الأفق بل تواصل مع أصدقاء لبنان والمهتمين به وحث المجتمع الدولي على "تجديد الالتزام من اجل تعزيز الاستقرار" في هذا البلد. وكان لافتاً تحذير البابا من ان "خطر افلاس" لبنان قد تنتج عنه "انحرافات أصولية خطيرة" من هنا أهمية الإسراع في عملية "انعاش الاقتصاد وإعادة الاعمار".

الهموم العربية

اما في الشق العربي من الرسالة البابوية فإن اكثر منطقة من العالم جرى التطرق الى أزمات دولها هي المنطقة العربية من العراق الى سوريا الى فلسطين الى اليمن الى ليبيا وصولاً الى السودان، حيث اكد على ان زيارته الى العراق ستتم في بداية شهر آذار (مارس) المقبل من ( 5 الى 8) كأول وجهة سفر الى الخارج للحبر الاعظم منذ وقف رحلاته الخارجية مع بداية انتشار وباء "كورونا." ثم وضع هذه الزيارة في اطار عام من اجل "توطيد العلاقة بين الاديان بروح من المشاركة والحوار"، كما هي "مناسبة لمزيد من المعرفة والاثراء المتبادل وفرصة لدعم القادة السياسيين في مسؤولياتهم لبناء الخير العام". ولوحظ ان سوريا لم تغب عن الرسالة البابوية اذ ذكرها مرتين، الأولى، عند اثارة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والتوقف عند معاناة جزء كبير من السكان من انعدام الامن الغذائي وتفاقم الازمات الإنسانية  بفعل العقوبات الاقتصادية ومن هنا الاعراب عن "الامل في تخفيفها" .

والمرة الثانية لدى التطرق الى الازمات السياسية مع الاعراب عن الامل في ان " تكون سنة 2021 العام الذي تكتب فيه نهاية الصراع السوري الذي بدأ قبل عشر سنوات" وذلك عبر التوصل الى حلول "يمكن من خلالها للجميع، بغض النظر عن الانتماء العرقي والديني، ان يساهموا في بناء مستقبل البلاد بصفتهم مواطنين". والملاحظ ان البابا استخدم توصيف "سوريا الحبيبة".

كذلك لوحظ ان الاب الاقدس اتى على ذكر اليمن مرتين أيضاً، الأولى لدى الحديث عن الأوضاع الإنسانية الصعبة، والثانية حول ضرورة وضع حد للحرب عبر الحوار والوسائل السلمية والسياسية والدبلوماسية. في حين لم يأت البابا على ذكر "إسرائيل" بالاسم بل تحدث عن "الأراضي المقدسة"، ووجه الدعوة الى إقامة "حوار مباشر وحاسم بين الفلسطينيين والإسرائيليين" والطلب الى المجتمع الدولي دعم وتسهيل هذا الحوار ولكن "من دون املاء حلول".

وتطرق الاب الاقدس الى "الصراع الطويل والمضني" في ليبيا مع الاعراب عن الامل في ان يسمح "منتدى الحوار السياسي الليبي" في اطلاق عملية المصالحة المنتظرة في البلاد. كما خص الوضع الإنساني المأساوي في السودان وخصوصاً في جنوبه بأكثر من وقفة اكان للتحذير من خطر المجاعة وتفاقم مشكلة اللاجئين او لتوجيه دعوة ملحة لتواصل الحوار السياسي من اجل التوصل الى مصالحة وطنية شاملة. وفي نهاية كلمته استشهد البابا فرنسيس بكلمات للشاعر الإيطالي الفلورنسي دانتي اليغييري قالها عن هدفه من ملحمته وهو "ان اخرج الذين يعيشون هذه الحياة من حالة البؤس واقودهم الى حالة السعادة"، ورأى رأس الكنيسة الكاثوليكية "ان هذا هو أيضاً دور كل من السلطات الدينية والمدنية وان كان بأدوار مختلفة وفي مجالات مختلفة"... فهل تستجيب هذه السلطات الى هذه الدعوة البابوية؟

أوساط سياسية لبنانية رأت في الشق اللبناني من كلام البابا اكثر من رسالة، انه تحذير لضرورة مواجهة الواقع المتدحرج بمسؤولية تفرض مقاربة مختلفة عن المقاربات التي تعتمد حالياً من قبل المنظومة السياسية. من هنا تبرز أهمية الكلام البابوي الذي يفترض ان يلقى الصدى الملائم.... اذا كان في لبنان بعد من يقرأ جيداً ويفهم ما بين السطور!