تفاصيل الخبر

"الشح" المالي يلغي الملحقين العسكريين ما عدا في واشنطن.... وماذا عن موسكو؟

09/12/2020
"الشح" المالي يلغي الملحقين العسكريين ما عدا في واشنطن.... وماذا عن موسكو؟

"الشح" المالي يلغي الملحقين العسكريين ما عدا في واشنطن.... وماذا عن موسكو؟

[caption id="attachment_83813" align="alignleft" width="444"] الرئيس سعد الحريري خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017.[/caption]

  الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان والتي ظهرت عوارضها منذ سنة تقريباً بشكل حاد، انعكست سلباً على مختلف قطاعاته ومؤسساته واداراته التي وجدت فجأة نفسها أمام "شح" كبير في أموال الدولة وتراجع حاد في القدرة الشرائية لليرة اللبنانية إزاء الدولار الاميركي، وبدأت مؤسسات الدولة تعاني منها بشكل حاد سوف يستمر سنوات اذا لم تبدأ مسيرة التعافي الاقتصادي بسرعة بعد تشكيل حكومة جديدة لا يبدو الى الأمس القريب ان حظوظ ولادتها باتت ميسرة...

 من المؤسسات التي تضررت كثيراً من الأزمة المالية الحادة، تأتي مؤسسة الجيش التي بدأت تعاني من نقص في محروقاتها وفي قطع الغيار وغيرها من المعدات الاساسية والحيوية التي لا بد منها كي يبقى الجيش قادراً على الوفاء بالتزاماته ومهامه الوطنية. لقد بات العنصر في الجيش يشعر ان راتبه المتواضع اصلاً لم يعد كافياً بعد تراجع سعر الليرة ازاء الدولار الاميركي، وبالتالي فإن من يقبض من العسكريين مليوناً ونصف مليون ليرة والتي كانت تساوي الف دولار لثلاثة اشهر خلت، لم يعد يساوي شيئاً ازاء دولار بثمانية الاف ليرة. حيال هذا الوضع حذرت قيادة الجيش، مثل غيرها من المؤسسات الامنية الاخرى، من انعكاسات هذا الوضع المالي الصعب على عمل المؤسسة واداء رجالها ونسائها على حد سواء. وخلال الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى للدفاع اثار عدد من القادة الامنيين هذه المسألة الحساسة لافتين الى تداعيات تراجع مداخيل العسكريين على ادائهم من جهة وارتباطاتهم من جهة اخرى في زمن يعيش فيه لبنان تحت ظل جهات تحاول زرع الفتنة فيه والاقتتال بين ابنائه، ناهيك بالوضع الامني المتردي والذي يزداد تردياً بفعل وجود مليون و500 الف نازح سوري على الاراضي اللبنانية يلجأ بعضهم الى ممارسات سيئة في المجتمع اللبناني حيث سجل تزايد عدد السرقة والنشل والسلب والقتل، ناهيك عن ترويج المخدرات واستعمالها.

واذا كانت الازمة المالية اثرت على واقع الجيش في الداخل، فقد امتدت لتشمل الخارج ايضاً حيث لجأت القيادة الى الغاء مناصب الملحقين العسكريين في عدد من السفارات اللبنانية في الخارج، ما عدا سفارة لبنان لدى الولايات المتحدة الاميركية وذلك بسبب العلاقة الخاصة القائمة بين الجيشين اللبناني والاميركي وبرامج التجهيز والتدريب بين البلدين. قرار الغاء مناصب الملحقين العسكريين في الخارج بدأ تنفيذه منذ فترة  قصيرة بحيث انه عندما تنتهي فترة انتداب ضابط الى ملحقية عسكرية ما لا يصار الى التجديد له بل يستدعى الى بيروت ويلغي الموقع. ومع بدء تطبيق هذا الاجراء اصيبت العلاقة العسكرية بين الجيش وعدد من هذه الدول بــ "انتكاسات" متتالية لاسيما وان هذه العلاقات كانت جيدة لكنها كانت تتأثر في بعض الدول بالتجاذبات والتوازنات الاقليمية والدولية. وتفيد المعلومات انه كان للبنان 14 ملحقاً عسكرياً في 14 عاصمة من دول العالم اهمها واشنطن وموسكو اضافة الى لندن وباريس والكويت والاردن وتركيا وقبرص وغيرها... موزعين وفق محاصصة بين الطوائف. اما مهمات الملحقين العسكريين اللبنانيين في هذه الدول، باستثناء واشنطن،  هي محدودة وثمارها ايضاً محدودة، وغالباً كان يتم تجاهل وجود الملحق العسكري في عدد من الدول خصوصاً اذا لم تكن العلاقة العسكرية مع هذه الدول مهمة وبحاجة الى متابعة. الا ان وجود الملحق العسكري كان يضفي بعض "الهيبة" للعلاقات اللبنانية مع هذه الدول ويظهر مستوى الاهتمام الرسمي السياسي بالعلاقات العسكرية والامنية مع تلك الدول.

إلغاء الملحقين العسكريين

من أبرز تداعيات قرار قيادة الجيش بالغاء مناصب الملحقين العسكريين كان على موقع الملحق العسكري في موسكو العميد مازن سليمان، والذي اعتبرته موسكو خطوة "غير مستحبة" في العلاقات اللبنانية - الروسية، وهو قرار كان اتخذ في شهر ايار (مايو) الماضي ثم ارجىء تنفيذه بعد تدخلات ورسائل ديبلوماسية ومبادرات سياسية وعسكرية متعددة. في هذه الاثناء كان موضوع الغاء مناصب الملحقين العسكريين موضع نقاش وبرزت مقترحات عدة من بينها الابقاء على ملحقين عسكريين للبنان في الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن، لكن هذا الاقتراح لم يتم الاخذ به، علماً ان رواتب الملحقين العسكريين تأتي من موازنة الجيش...تداعيات القرار الخاص بالملحق العسكري اللبناني في موسكو ترك تفاعلات يجري العمل على تطويقها، لاسيما وان لروسيا حالياً الدور الوازن في الشرق الاوسط خصوصاً مع الوجود العسكري الروسي الفاعل في سوريا والمهمة التي تؤديها القوات الروسية في مكافحة الارهاب.

ويقول مسؤولون على اطلاع بالملف اللبناني - الروسي ان الغاء منصب الملحق العسكري تركت ردة فعل سلبية لدى المسؤولين الروس الذين اعتبروا ان بيروت لم تقدر حرص موسكو على انتهاج سياسة داعمة للبنان والمحافظة على خطوط التواصل مع كل الافرقاء والقوى السياسية حتى لو كانت مواقف البعض منهم تتعارض مع تمنيات موسكو سواء في ما يتعلق بتطورات ومجريات الوضع اللبناني الداخلي او على مستوى المواقف المتناقضة مع توجهات موسكو من احداث المنطقة وتوازناتها.

لكن ما زاد الطين بلة ان القرار اللبناني الاخير اتى في اعقاب امتناع لبنان حتى الان على الاقل، عن توقيع اتفاقية التعاون العسكري اللبناني - الروسي وهذه لها قصتها التي بدأت في كانون الاول (ديسمبر) من العام 2008 حيث زار وزير الدفاع آنذاك الياس المر موسكو التي قدمت له عروضاً لتلبية كل حاجات الجيش لتعزيز قدراته القتالية والدفاعية على حد سواء.

حينذاك قدمت موسكو عروضاً جدية، من دون قيود او شروط، لتلبية كل احتياجات الجيش اللبناني لتعزيز قدراته القتالية والدفاعية، بما ينقله نقلة نوعية من حيث السلاح والعتاد، وذلك على شكل هبات نوعية وعقود ميسرة بأسعار تشجيعية. ومن جملة ما طرحته موسكو العام 2008، هبة من عشر طائرات ميغ 29 مطورة مع تدريب طيارين لبنانيين على استخدام هذه الطائرات، اضافة الى دبابات ومدافع وذخائر، على ان تتولى بعثة عسكرية روسية دراسة باقي احتياجات الجيش اللبناني.

وتحت ضغوط اميركية تجاهل لبنان الهبة الروسية، قبل ان يطلب تحويل الهبة من طائرات ميغ مقاتلة الى طوافات عسكرية من طراز ميغ 24، وهو الطلب الذي لم يكمل لبنان متابعة اجراءات تنفيذه ايضاً.

أين اتفاق التعاون؟

وخلال زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو العام 2017، جرى البحث في امكان الاستفادة من جزء من الهبة المالية السعودية الموعودة لشراء بعض احتياجات الجيش اللبناني من السلاح الروسي، من دون ان تنجح المساعي لاتمام تلك الصفقة بسبب الضغوط الاميركية ذاتها، قبل ان تحجب السعودية هبتها للبنان.

واستمر الحريري، الذي تعتبره موسكو صديقاً لها، بالمماطلة منذ عام 2017، فتم تعطيل توقيع اتفاقية التعاون العسكري التقني والامني بين لبنان وروسيا، من ضمن سياسة تجاهل وتعطيل ابرام اتفاقيات عسكرية للبنان مع عدد من الدول بحجة الضغوط الغربية، ففي حزيران 2019 (يونيو) كان من المفترض ان يتم توقيع الاتفاقية التي تتضمن سلسلة بروتوكولات تعاون امني وتقني عسكري، حيوية ومهمة للبنان كما لروسيا. بالحد الادنى من توازن قوى مع الدول الاطلسية، لكن الحريري ابلغ الجانب الروسي، عبر مستشاره جورج شعبان، ان توقيع الاتفاقية مرتبط بإقرار الموازنة في لبنان، الامر الذي اعترضت عليه وزارة الدفاع الروسية حينذاك معتبرة ان الجهة الرسمية المخولة بمخاطبتها هي وزارة الدفاع اللبنانية.

في اي حال، تبدي مصادر ديبلوماسية قلقها من الخطوة العسكرية اللبنانية بالغاء موقع الملحق العسكري في موسكو انطلاقاً من خلفية عدم توقيع الاتفاقية العسكرية، علماً ان موقع الملحق العسكري في واشنطن لا يزال قائماً. وتخشى هذه المصادر ردة فعل روسية "غير مشجعة" يدفع لبنان ثمنها على المدى الطويل اذا ما استمر تجاهل الدور الروسي في المنطقة وتأثير موسكو على مجريات الاحداث على بعد امتار قليلة من الحدود اللبنانية، وتحديداً في سوريا حيث يتنامى الوجود الروسي العسكري ويتنوع بين جيش نظامي وخبراء ومستشارين الخ....