بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_85247" align="alignleft" width="469"] المجلس النيابي .. دوره في حال الشغور.[/caption]على المنوالِ ذاته التي سارت عليه الأمور بعدَ إنتهاءِ فترة ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان يوم دخل لبنان في فراغ رئاسي استمر حوالي سنتَين ونصف السنة، ثمة حديث اليوم يتمّ التداول فيه داخل الصالونات السياسية يتعلق بفرضية حدوث الشّغور مُجدداً خصوصاً في ظلّ التسريبات التي تُطرح من حين إلى آخر حول صحة الرئيس ميشال عون. والحديث هنا ليس عن "وفاة" لا سمح الله، بل العجز عن متابعة المهام الرئاسية أو حتّى قرار التنحي لأسباب خاصة.
هل يُعيد التاريخ نفسه؟
في نظام ديموقراطي برلماني كالنظام اللبناني، منح الدستور السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب صلاحية انتخاب رئيس الدولة. وإلى جانب صلاحيته التشريعية وصلاحيته السياسية في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، تعتبر عملية انتخاب رئيس الجمهورية من المهام الرئيسية التي يتوجب على مجلس النواب اللبناني القيام بها والتي من شأنها ضمان مبدأ توازن السلطات. ومن باب التذكير، ففي الرابع والعشرين من أيّار العام 2014 انتهت ولاية الرئيس الثاني عشر للجمهورية
[caption id="attachment_85248" align="alignleft" width="356"] رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحلم الرئاسة.[/caption]اللبنانية كما بدأت حيث دخل الرئيس ميشال سليمان القصر الرئاسي وحيداً دون أن يتسلم الرئاسة من خلفه عاد وغادر قصر بعبدا دون أن يسلمه الى سلفه. اليوم يتجدد هذا الخوف لاعتبارات كثيرة، أبرزها ما يصدر بين الحين والآخر عن معلومات تتعلق بصحة رئيس الجمهورية على الرغم من نفي مصادر بعبدا هذه المعلومات أكثر من مرّة.
في كل دول العالم، يُعتبر الشغور الرئاسي وارداً في كل لحظة وتحديداً عندما تسري بين الأوساط الإعلامية والسياسية، معلومات تتعلق بصحة رئيس البلاد بغض النظر عن صحة المعلومات من عدمها، مع العلم أن لا دخان بلا نار. وبعيداً عن وجهات النظر السياسية المُختلفة في لبنان والاختلاف حولها ومع الدعاء الدائم للرئيس عون بالصحة، تكشفُ مصادر سياسية بارزة أن مسألة الشغور المُفاجئ في لبنان لأسباب عديدة، يُقلق العديد من السياسيين المعنيين بالأمر بشكل مباشر أو غير مباشر، لدرجة تخوّفهم من "المجهول" في ظل غياب الاستعدادات اللازمة لملئه وأيضاً غياب التوافق حول أسمائهم سواء بين الخصوم أو الحلفاء.
حرب: هذه هي حالات الشغور
[caption id="attachment_85244" align="alignleft" width="373"] النائب والوزير السابق بطرس حرب والشرح الدستوري.[/caption]حول الاستفسار القانوني المتعلق بالشغور الرئاسي لأي من الأسباب الآنفة الذكر، يتوافق أكثر من مُشرّع قانوني ودستوري، أنه بالإضافة إلى الشغور الذي ينجم عن إنتهاء مدة ولاية الرئيس وعدم إنتخاب بديلاً له، فإن الشغور أيضاً يُمكن أن يحدث بسبب وفاة الرئيس أو استقالته، أو لسبب آخر.
في هذا السياق، يوضح الوزير السابق بطرس حرب أنه في حال العجز ثمة مُشكلة ستواجه اللبنانيين بشكل عام وهي إثبات هذا العجز بصورة نهائية والدخول في عملية كفّ يد الرئيس عن الحكم في حال عجز عن أداء دوره خصوصاً وأنه لا توجد آلية محددة في القوانين والدستور تتعلّق بهذا الافتراض، علماً أن هناك فقط القوانين العامة وهي أن يُبت بأن الرئيس غير قادر على أداء دوره ومهامه وحينها يُعلن شغور الموقع ويُصار إلى انتخاب رئيس جديد.
ويُضيف حرب: أمّا وفي حال الوفاة فالأمر نفسه، إذ تتولى الحكومة القائمة بالأعمال ولو كانت حكومة تصريف أعمال، شؤون البلاد بصورة مؤقتة إلى حين انتخاب رئيس جديد. وهناك سؤال اليوم حول وضع الحكومة الحالية ما إذا كان يحق لها القيام بدورها الطبيعي كونها حكومة تصريف أعمال، الجواب نعم يمكنها القيام بمهام تصريف الأعمال الا أنه من الافضل وجود حكومة تتمتع بثقة المجلس النيابي لكي تتولى تطبيق الدستور.
هذا هو دور المجلس النيابي
لكن ماذا عن دور المجلس النيابي؟ يعود حرب ليُجيب: عليه أن يجتمع فوراً بحكم القانون لانتخاب رئيس في حال الشغور. أمّا حول آلية التعطيل التي يُمكن أن يلجأ اليها البعض، يُذكّر حرب أن هناك حدثين حصلا في السابق: الأول عندما كان ميشال عون قائداً للجيش وقام الرئيس أمين الجميل يومها بتعيينه رئيساً لحكومة انتقالية أواخر الثمانينات ليتحوّل دور عون بعدها من مُسّهل للانتخابات إلى مُعطل ويومها شن حرباً ضد السوريين ولاحقاً حرب الإلغاء ضد "القوات اللبنانية". أمّا الثاني فهو عندما أصر عون ومعه حزب الله، على تعطيل عملية الانتخابات بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وإصرارهما على التعطيل على قاعدة "إما ميشال عون أو لا انتخابات رئاسية".
وبحسب حرب، ثمة احتمال كبير لدى معظم القوى السياسية في لبنان أن لا يُصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية بطريقة دستورية وقانونية، فما قام به عون وحزب الله وحلفاؤهما بأخذ موقع الرئاسة الأولى رهينة ولم يفرج عنه إلا بانتخاب عون، هو جريمة بحق القانون والنظام اللبناني والأرجح سوف سيستعمله في حال الشغور الرئاسي، ولا يجب أن ننسى الدور الذي سيقوم به سلاح حزب الله لفرض الآلية التي يريدها والاسم الذي يختارونه.
[caption id="attachment_85245" align="alignleft" width="375"] الرئيس ميشال عون أطال الله في عمره.[/caption]أما لجهة فرضية التدخل الدولي في حال الشغور الرئاسي، فيرى حرب أن التجارب مع الدول لم تكن مُشجّعة والكلّ يعلم كيف أن اتفاق الدوحة قد أدّى عملياً الى هيمنة حزب الله وحلفائه من خلال الثلث المعطل، ولهذا لا توقّعات بأمور عملية قد تقوم بها الدول. لكن إذا أرادت فعلاً هذه الأخيرة القيام بتحرك ما فيجب أن يكون بفرض المجتمع الدولي وصايته على لبنان لاعتبارات عديدة منها الفساد والهدر والسلاح غير الشرعي ومحاصرة حزب الله للبنان عسكرياً وسياسياً. وأيضاً يبقى هذا الأمر احتمالاً ضعيفاً جداً.
عهود الفراغ الرئاسي
سبق للبنان أن عرف حالات ثلاث من الفراغ الرئاسي. كانت الأولى من 18 الى 22 ايلول (سبتمبر) 1952 بعد عزل الرئيس بشارة الخوري حيث تشكلت حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب لأيام قليلة وقد تولّت صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون رئيساً. أما الثانية فامتدت من 23 ايلول (سبتمبر) 1982 الى 23 منه سنة 1988، فمع مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلف له، شهد لبنان انقساماً سياسياً أدى الى قيام حكومتين الأولى برئاسة العماد ميشال عون والثانية برئاسة الدكتور سليم الحص واللتين تنازعتا صلاحيات رئيس الجمهورية. إما الثالثة فكانت بين 23 تشرين الثاني 2007 (نوفمبر) الى 25 ايار(مايو) 2008، فمع انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود وتعذّر انتخاب خلف له، تولت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب العماد ميشال سليمان.