تفاصيل الخبر

الصحافية وكاتبة رواية ”عربة فرح“ كارلا هنود: كورنيش بيروت جزء من تاريخ العاصمة واهلها... والفروقات على انواعها ملقاة في البحر!

02/11/2018
الصحافية وكاتبة رواية ”عربة فرح“ كارلا هنود: كورنيش بيروت جزء من تاريخ العاصمة واهلها... والفروقات على انواعها ملقاة في البحر!

الصحافية وكاتبة رواية ”عربة فرح“ كارلا هنود: كورنيش بيروت جزء من تاريخ العاصمة واهلها... والفروقات على انواعها ملقاة في البحر!

 

بقلم عبير انطون

ثلاثة آلاف او اربعة آلاف صورة التقطتها الصحافية كارلا هنود على الكورنيش البحري في بيروت على مدى سنوات ومئات الساعات. رمزية المكان، يجتمع فيها الخاص والعام. فكارلا هي بنت عين المريسة، والرئة الفاصلة ما بين عالمي البر والبحر تعنيها جدا لانها تشكل منصة لقاء تلتغي فيها كل الفروقات امام الازرق الكبير. في ساعات الليل والنهار وفي الصيف والشتاء كانت تستل كاميرتها، وبعدسة القلب لا العين فقط، تلتقط صور الكورنيش وموج البحر والوانه وناسه من زوايا وابعاد مختلفة، ناسجة على خلفية ذلك كله رواية تزاوج فيها الواقع والخيال لتصدرها مع الصور في كتاب باللغة الفرنسية تحت عنوان: <عربة فرح>.

عن تجربتها الفريدة كان لقاء <الافكار> مع كارلا، وفي البال أكثر من سؤال بدأناها بالآتي:

ــ لنبدأ مع <فرح> قبل ان نغوص في بحر الكتاب والصور. من هي <فرح>؟

- هي البنت التي تجر العربة على الكورنيش مستلمة اياها من والدها من قبلها وجدها من قبلهما. انها قصة الجيل الثالث للعائلة التي تجر تلك العربة ولاجل ذلك عنونت الكتاب بـ<عربة فرح> التي لا نراها لا هي ولا عربتها في اي من صور الكتاب، تاركة لخيال القارئ أن يرسم صورتهما.

ــ لقد درست الاعلان في الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (البا) ما الذي جعلك تنتقلين الى الصحافة؟

- دخلتها من باب الصورة. أنا هاوية تصوير منذ زمن طويل. في البدايات كنت اعمل مع شركة <توكيز> واصور كثيرا. سافرت الى الهند والتقطت صورا جميلة فيها. اتصلوا بي من مجلة <فام ماغازين> وكانت الافضل حينئذٍ وعرضوا علي شراء الصور على أن ادلي بالمعلومات حولها لاحدهم فيقوم بصياغة المقال. اقترحت ان اكتبها بنفسي وان لم يعجبهم يكتبها آخر، فقد شعرت بان احدا لن يكتبها افضل مني لانني تشبعت بالاحساس وانا التقطها هناك. ارسلت لهم الصور والمقال وهكذا كرت السبحة الى مقالات اخرى اصور فيها واكتب النص. في احدى المرات التقيت بالسيد عيسى غريب وكان رئيس تحرير صحيفة <لوريان لو جور> فطلب مقابلتي والتحقت معهم في الصحيفة العام 1999لاكتب في الصفحة الاخيرة المطلوبة، فضاق الوقت ولم يعد نمط التصوير عندي كما من قبل. بعد ذلك انتقلت الى مجلة <نون> كمسؤولة عن التحرير واستمررت فيها لثلاث سنوات، وبعد ان تركتها عدت الى <لوريان لوجور> وصرت مسؤولة الصفحة كلها، وشعرت بأنه حان الوقت للعودة الى شغفي في التصوير بعد أن اهملته لفترة ووضعته جانبا.

ــ لماذا اخترت الهند للسفر والتصوير حينذاك؟

- لانني احب جدا الامور الروحانية، واهوى السفر البعيد الذي لا علاقة له بلغتك وثقافتك ونقاط ارتكازك.انشد البلاد البعيدة عن عالمي لاكتشاف آخر مختلف.

ــ وصور الكورنيش البحري في بيروت كيف انطلقت شرارتها؟

- احب هذا المكان جدا، ولم يكن في بالي اي مشروع من اي نوع. ذات يوم كنت اتمشى وشرعت بالتقاط الصور عبر هاتفي، ومن بعدها اخرجت الكاميرا واشتريت ثانية وثالثة وكثفت مشاويري بشكل كبير، فكنت اذهب الى الكورنيش صباحا ومساء صيفا وشتاءً. ومن بعد عام على ذلك، حفّزني صديق يصور ايضا على عرضها. قلت حسنا سأعرض منها لكنني اريد ان اؤلف كتابا يرافقها، ويكون شخصيا جدا، اكتب فيه ما اريد وبالطريقة التي اريدها.

وتزيد كارلا بعد تحية لزائرة تتأمل في الصور المعروضة:

 - رحت افكر، هل انشر الصور في كتاب واعلق تعليقا عليها؟ سبق وان قام بذلك كثيرون. هل اقوم بها على طريقة <فوتوــ رومان> اي انني اخترع قصة للصورة، هذه ايضا سبق وقام بها عديدون. فاستقريت اخيرا على طريقة الكتابة لما تذكرت <علياً>. و«علي> هو شخص قابلته للصحيفة منذ ثلاث سنوات، وكان هو ووالده يعصران البرتقال على الكورنيش، الا انه مُنع عنه اي اذن بالبقاء وحطموا له عربة العصير. هزتني هذه القصة عميقا لانها جزء من لبنان الذي نحبه، فـ<علي> هو تماما كتلك المنازل التراثية التي نحبها ويجري هدمها. هم يدمرون هذه الخصوصيات التي تكوّن بلدنا. استوحيت من <علي> هذا الاساس، فيما تخيلت تتمة القصة كلها. و<فرح> انا ابتكرت شخصيتها على أن تكون هي الراوية للقصة، وقررت ان تكون صور الكتاب التي يراها القارئ هي الصور التي تراها عينا <فرح> من حيث هي جالسة تحت المصباح الثاني والثلاثين على الكورنيش تعصر البرتقال وتخبر القصة. اخترنا اجمل الصور وكأنها تشكل موسيقى خلفية للفيلم عند قراءة القصة، ويمكن اخذها في الاتجاه المعاكس ايضا بحيث يشكل النص موسيقى الفيلم عند مشاهدة الصور، والمفهوم جديد نوعا ما...

ــ عندما نقول الكورنيش عن اي منطقة تتكلمين؟

- هو الكورنيش الممتد في عين المريسة مع بعض الصور التقطتها في رملة البيضاء. في القصة تذهب <فرح> الى هناك بدافع الحشرية، لترى كيف هو الرمل والبحر هناك وكأنه سفر بالنسبة لها، وقد ذهبت لتستكشف امكانية العمل فيه، الا انها عادت الى مكانها الذي تحب.

ــ سمّيت بطلتك <فرح> فيما الاجيال السابقة هم الذين كانوا أكثر فرحا وهناءً...

- نعم لاسمها معنى وتشرحه في القصة. <فرح> ليست سعيدة في النهاية لانها تمنع من ابقاء عربتها في المكان فيكسرون قلبها كما يحصل مع الكثيرين من اللبنانيين وبسبب امور كثيرة. على الكورنيش هناك ايضا البشاعة التي نراها من حولنا لكنني لم التقطها. أخذت هذه الالوان الرائعة واللقطات الفريدة بهدف ابراز الجانب الجميل فقط. لم تخضع اية صورة لـ<الفوتوشوب>. هذا لون البحر وهذا لون الكورنيش. وفي اعتقادي اذا استمررنا بالتفكير في الامور السلبية فاننا نموت ويموت بلدنا معنا. الكورنيش هو منصة مصغرة عن لبنان كله. هنا يجتمع الغني والفقير والمسيحي والمسلم والشاب والعجوز والكل يحترم الكل. ترونهم ينظرون الى بعضهم بابتسامة من دون النظر الى الفروقات بين الاشخاص ايا كان نوعها. وفي البداية كنت اختبئ لالتقاط الصور.

ــ لماذا تختبئين؟

- لم ارد ان ازعج احدا واشعر بانني انا من تطفل عليهم. بعد عام ونيف بدأوا يعرفونني. هناك اشخاص لهم توقيت يومي محدد على هذا الكورنيش. فهذا يأتي عند الخامسة والنصف صباحا، وهذه مجموعات تصل مع بعضها عند السادسة... كنت اراهم وأنا انتظر لصورتي اللحظة المناسبة كمرور احدهم تحت شعاع الشمس مثلا او على الصخرة... رحت اتحدث الى الناس عن قرب واعرف اخبارهم وقصصهم والى اي مدى هم متعلقون بهذا البحر وكورنيشه، فبدونه <نحن نموت> قال لي أحدهم...

ــ ماذا عن علاقتك الشخصية بالكورنيش؟

- انا بنت عين المريسة اباً عن جِد. ولدت وكبرت هناك وتركنا بعد الحرب لانه تم احتلال البناية. اضطررنا ان نرحل وسافرت الى فرنسا حينذاك. هذه المنطقة قطعة من قلبي، هناك ولدت وكبرت هي مثل بيتي.

 ــ كم صورة التقطت تقريبا؟

- بالآلاف. لم اعدّها... ربما هي ثلاثة او اربعة آلاف منضمة الى ارشيفي الآن.

ــ هذا الواجب اليومي، ألم يرهقك؟

- (تقاطعني)... هو ليس فرضا ابدا انه نداء. من ثلاث الى اربع مرات اسبوعيا ان لم اقل يوميا احيانا.

ــ وافضل اوقات التصوير؟

- كنت احب الذهاب في الشتاء او في الصباح الباكر بدءأ من الخامسة والنصف او السادسة. هناك مجموعة ولا اروع وهم متقدمون نسبيا في العمر. <يحرقصون> بعضهم البعض، يستمتعون بوقتهم يسبحون ولما يطلعون من البحر يسكبون المياه الحلوة على رؤوسهم يلبسون ثيابهم ويتوجهون الى عملهم.

ــ من ساعدك في <تصميم> الكتاب وصوره (Mise en page)؟

- انه المصور <فرانسوا سارغولوغو> ابن ايفيت اشقر نصفه لبناني ونصفه الآخر يوناني، يعمل في مجال الصور وله خبرة في العلاقة ما بين الصورة والكلمة... قررنا اختيار اجمل الصور على ان تتكامل في جو متناسق مع بعضها البعض وكان ذلك امرا مهما جدا بالنسبة لي. عملنا وبسلاسة حلوة جاء العمل على تنسيقها بشكل لافت.

 

الى الكل...

ــ الى من يتوجه الكتاب؟

 - الى كل الناس الذين يحبون بيروت. هو لجيل والدي الذي يبلغ 95 عاما وجيلي وجيلكم وجيل ابن اخي الذي بلغ التاسعة والعشرين ربيعا. لقد تعجبت من عدد الشباب اليافعين الذين يتملكهم ايضا الحنين الى بيروت من خلال ما يسمعونه من احاديثنا عنها وعن مرحلة هم لا يعرفونها.

ــ الكتابة باللغة الفرنسية الم تأخذ من درب جمهور القراء المعنيين مباشرة بهذا الكتاب وهم الذين كنت ترينهم وتحدثينهم على الكورنيش؟

- نعم. معك حق تماما، لكنني حتى حققت مشروعي تعاونت مع <مؤسسة روبير متى> التي رعت الكتاب. لو كنت املك المال او وجدت من يرعى مشروع نقله الى العربية لما تأخّرت في اصدار نسخة عربية منه ولم أشأ ان اضمنه اللغتين معا في كتاب واحد. وحتى اليوم اقول اذا ما وجدت راعياً للغة العربية او الانكليزية فانني اترجمه بكل تأكيد.

ــ انه كتابك الأول؟

- نعم، الا انني املك شغف كتابة آخر جديد لأنها مغامرة حلوة جدا، ولمست ردة فعل جميلة جدا من الناس لم اكن اتوقعها. فعند التوقيع بعنا اربعمئة كتاب وكان لافتا ان الناس انتظرت لساعات دورها. احدهم قال لي انه مشهد جديد في لبنان اذ لا تنتظر الناس عادة لشراء كتاب. وقد امتدت ردة الفعل الى ما بعد القراءة فراحوا يتواصلون معي معلنين اعجابهم ما شجعني جدا، فما نقوم به من القلب يصل الى القلب.

 ــ وكم استمرت فترة الكتابة؟

- الكتابة مع <ميز ان باج> حوالى السنة والتصوير ثلاث سنوات وما زلت اصور حتى اليوم واقول ليتني استطيع ضمها الى الكتاب...

ــ ما كانت القصص على الكورنيش التي سمعتها من ناسه واثرت بك؟

 - عديدة الا انني لم اضعها في الرواية بغير قصة <علي> التي استندت اليها. لقد اثر بي جدا لانه وأولاده وابيه من قبلهم فيما هم جزء من بيروت وتاريخها وكورنيشها. هناك مجموعة اشترت <سيبة> انفقوا عليها من جيبهم فيما هم بحاجة الى المال لينزلوا صباحا عن الصخرة ويسبحوا في البحر. انه الفرح الحقيقي. <ما معهم شي>. يصلون صباحا، ينزعون ثيابهم وينزلون للسباحة ثم يلبسون ويتوجهون الى اعمالهم والبسمة تعلو وجوههم وكأن الدنيا بالف خير. انهم المدافعون الحقيقيون، الحراس الفعليون على المدينة وتاريخها...

ــ لماذا اخترت <بيت ربيع كيروز للأزياء> حتى تعرضي فيه؟

- لم ارد التوجه الى غاليري خاص بالعرض، فالروح الخفيفة الناعمة تطفو على المشروع ولم اكن اريد ان العبها بان اطرح نفسي كفنانة . انه عملي الاول، ومن ثم فان الوان الثياب تتناسب جدا مع الوان صوري. هذا المكان احبه جدا وربيع كيروز صديق وقد رحب بالفكرة. وهذه النافورة (في وسط البوتيك) مع خرير المياه فيها تتناسب واللوحات ايضا. الكتاب كما المعرض ليسا متكبرين انما هما مختلفان.

ــ ومن الشخصيات التي قابلتها في عملك الصحفي من اثر بك؟

- شخصيات كثيرة. عالميا مثلا هناك <بيير برجيه> و<لين رينو> كذلك <علي> على الكورنيش. سابقا كنت اقدم في زاويتي الصحفية تحت عنوان <بيردو دو فو> الشخصيات التي كانت معروفة قبل الحرب والتي خفت الضوء عليها او غيرت مهنتها. رحت التقيهم بينهم مثلا ابو سليم، ام ملحم، او أيضا الاخوان سعادة وكانا ملاكمين مشهورين جدا، الكل كان يعتقدهما توأمين لكن واحدا كان اكبر من الآخر. كانا بطلين رياضيين ثم دخلا في مجال السينما وعرفا ايام مجد عظيمة. ذهبت للقائهما وتأثرت جدا، للحالة التي وصلا اليها. وأنا اليوم احاول ان احكي عن الشباب الذين على بالهم ترك البلد لتعبهم منه الا انهم يقررون الصمود والبقاء. يحبون لبنان وكل واحد منه بحسب قدرته وخلفيته يحاول ان يقوم بشيء. الناس التي تركت افهمها، لكن من بقي يجب ان نشكره لمحاولته كما كمال مذوق مثلا الذي نجح في مشروعه <طاولة> وفي <سوق الطيب> وعوّد الناس على طريقة اكل مختلفة.

ــ بالنهاية هل تعتقدين ان منزلة الصورة وقيمتها الفريدة لا زالت هي نفسها مع آلاف الصور المتدفقة يوميا عبر الهواتف والتقنيات الجديدة؟

- سؤالك في محله. عملي هذا في جزء منه هو تحية للصورة. ما نراه اليوم عبر الهواتف الذكية وغيرها لا يمكن وصفه بالصور المحترفة. فالتصوير مهنة تقوم على <اللحظة> المختلفة التي ينتظرها المصور المحترف حتى يلتقطها وليس <كبسة زر>. انه جهد يتطلب التركيز والاطار الصحيح والوقت الملائم. التصوير فن متقدم جدا ومعترف به بقوة من حول العالم اذ تباع صور المحترفين بمبالغ عالية جدا، وفي ذلك تقدير مشكور لهذا الفن الجميل.