تفاصيل الخبر

الصحافي والمصور عمــار عبــد ربــه من ”بيت الدين“: أتعجب مـمـن استفزّه عنوان المعرض ولم تستوقفه الاسباب التي اوصلتنا اليه!

26/07/2019
الصحافي والمصور عمــار عبــد ربــه من ”بيت الدين“: أتعجب مـمـن استفزّه عنوان المعرض ولم تستوقفه الاسباب التي اوصلتنا اليه!

الصحافي والمصور عمــار عبــد ربــه من ”بيت الدين“: أتعجب مـمـن استفزّه عنوان المعرض ولم تستوقفه الاسباب التي اوصلتنا اليه!

 

بقلم عبير أنطون

تفلش <مهرجانات بيت الدين الدولية> جناحيها للفنون على أنواعها، وتستضيف في هذا الموسم معرض الصحافي والمصور السوري الفرنسي عمار عبد ربه الذي درس العلوم السياسية في باريس ووقّع اسمه على غلافات كبريات الصحف والمجلات العالمية وعلى العديد من التقارير والروبورتاجات الصحافية من الاماكن الساخنة، حربا او فنا او اجتماعا. استحق عبد ربه الذي ترك سوريا الى ليبيا ولبنان وفرنسا حيث يقيم اليوم وسام الـ<كافاليه> او الـ<فارس> من نقابة الفنون والآداب في باريس، ذلك ان عدسته تنفذ في الكثير من الأحيان الى أبعد مما يراه كثيرون. معرضه في جنبات بيت الدين لفت الانتباه، الا انه أثار الجدل أيضا خاصة للعنوان الذي اختاره له <سوريا، بلدي الذي لم يعد موجودا>. فسوريا التي تبقى جرحا نازفا في قلب ابن الشام، تمزقت اجنحتها وحل البارود مكان عطر ياسمينها.. معارضة عبد ربه للنظام السوري، وهو المصور الذي كان مقربا من عائلة الاسد وقام بتغطية وتوثيق نشاطاتها حتى العام 2011، لا تنبع الا من اصراره على حقوق الانسان الاساسية في الحرية والكرامة والتعبير المستقل.

 <الأفكار> التقت بعمار الشفاف كما دائما وسألته أولا:

ــ كيف تم التواصل للعرض في <مهرجانات بيت الدين الدولية>؟

- كان بمثابة الحلم بالنسبة لي ان أعرض في <مهرجانات بيت الدين الدولية>، اولا لجمال المكان وتاريخه الأصيل، وايضا للتاريخ الفني جراء الفعاليات المختلفة التي شهدها القصر من خلال مهرجاناته، وكان حلما بالنسبة لي أن تكون سوريا موجودة في مكان مماثل. للصراحة اقترحت ان اعرض من دون كثير شعور من قبلي بأنني سألقى تجاوبا، الا أنني تفاجأت بالترحيب الحار بالفكرة والموضوع وبالصور التي اقترحتها.

ــ هل كانت هناك خشية ما او تمنيات معينة عليك من قبل القيّمين على المعرض؟

- لا منع ولا تخوّف، لكن لربما كانت هناك بعض الصور التي أحبها شخصيا لكن يصعب عرضها في مكان مماثل. فللقصر التاريخي حرمته، وهو مقر رئاسة الجمهورية اللبنانية صيفا، وقد ارتأيت استبعاد بعض الصور التي تحمل نوعا من التهكم او السخرية من النظام السوري، وهي اقوى من تلك المعروضة ويمكن ان تعرض يوما ما في مكان آخر..

ــ كم هو عدد الصور ــ اللوحات في المعرض حاليا؟

- 46 صورة.

ــ عنونت المعرض: <سوريا، بلدي الذي لم يعد موجودا>. اليس العنوان قاسيا نوعا ما، على الرغم من توضيحك في تقديمك للمعرض قصدك منه بأن سوريا التي انت تعرفها <ما عادت موجودة>؟

- العنوان قاس، اعرف ذلك. لكنني اتفاجأ من الناس التي تتخذ موقفا من العنوان و<تزعل منه> ولا تتخذ موقفا من الدوافع التي أدّت الى هذا العنوان، وما الذي اوصلني الى اعتماده. نقول بالعامية، او بالبلدي <راحت سوريا> وتسمعون كثيرين من

السوريين يستخدمون هذا التعبير.

 ويضيف عمار شارحا:

- بعض الناس لم يحبّوا العنوان، الا انه يترجم ايضا شعور الكثيرين ممن يخشون او يخافون من قوله، ولربما كان هناك ما يمنعهم من التعبير عنه بهذا الشكل. ما قصدته، هو ان سوريا التي نعرفها، سوريا المحبة والاخوة، سوريا الشعب الطيب الذي تحمّل ضروب القسوة والعذاب والقهر والذل تغيرت جدا، ما يجعلني اشعر أنها ما عادت البلد الذي أعرفه. ما نراه اليوم في سوريا جديد. هي سوريا المحتلة من قبل عدد من الجيوش الأجنبية، سوريا الممزقة التي لم يعد لها مساحة الارض السابقة عينها، سوريا الخوف والذل والكذب والفساد. هذه ليست سوريا التي اعرفها ولا تلك التي أحلم بها. لذلك اخترت هذا العنوان، ولا انكر أنّ فيه نوعا من الاستفزاز للناس حتى تنتبه وتلتفت وتسأل نفسها، هل سوريا موجودة ام لا؟ هل هذا العارض للصور كاذب ام صادق ام مجنون ام ماذا؟

والبهجة أيضا..!

ــ الوجع السوري موجود في المعرض لكن هناك سوريا الجميلة ايضا بأماكنها وتراثها، من نواعير حماه الى المشهد المسرحي في احدى الصور، الى المساجد التاريخية، والكنائس العريقة. ما الذي اردته من ابراز النقيضين؟

 - الصور الحربية والحزينة لا تتعدى الخمسة او الستة. بغير ذلك هناك صور تحمل البهجة والفرح وصور عديدة تقطف البسمة من الواقف امامها. هناك صور تدمع العين ورأيت من يبكي عند تأملها، وهناك ما يثير الضحكة والحنين. وهذا جوهر ما اريده كمصور، وما يمسّني في العمق. الهدف من المعرض ليس التخويف ولا البكاء بل الحث على الشعور واستنهاض الأحاسيس.

ــ لحلب الشهباء حصة كبيرة في المعرض، لماذا؟

- لأنني زرتها اثناء الحرب مرات عدة والتقطت فيها صورا <جميلة> بين مزدوجين، إذ آسف على ان يقال عنها جميلة في ظروف مماثلة وكارثية. لا أدّعي بأنني اقمت معرضا شاملا او راعيت فيه التوازن بين المناطق فميزت الشام او حلب او السويداء، حتى ان هناك مدنا غائبة تماما. الصور هي من فرضت نفسها. كذلك فإن لحلب رمزيتها. أعشق هذه المدينة وأحبّها من قبل الحرب، لكنّ التجربة التي عشتها في حلب ــ الثورة مع شباب حي صلاح الدين كانت بمثابة المختبر المهم لسوريا التي تخلصت من النظام من دون أن تقع في أيدي الجهاديين او الاسلاميين او من قتلوا الثورة، وكان ذلك أساسيا. هذا المختبر كان محطة جميلة جدا لي شخصيا في ان اعيش واتمشى وأستنشق هواء تلك اللحظات. هي لحظات مؤثرة فعلا. لحلب مكانة خاصة في قلبي، علما انني من مواليد الشام.

ــ هل انت ممنوع من دخول سوريا اليوم؟

- قد لا أكون مطلوبا أو ممنوعا من دخولها بشكل رسمي الا ان مواقفي لا تسمح للنظام أن يغمض عينيه او يتغاضى عما اقوله.

ــ إلا انك دخلتها وصورت فيها؟

 - الأماكن التي دخلتها خلال الثورة وصورت فيها كانت من طرف الثوار ويمكن وصفه بالدخول غير الشرعي لما يسمى بـ<سوريا الأسد> علما انني اتحفظ عن استعمال العبارة. دخلت عبر سوريا الحرة.

 

الحوريات من هنا..!

ــ لفتت زائري المعرض صورة عن <الحوريات> أخبرنا قصتها؟

- على خط الجبهة في حي صلاح الدين الذي حدّثتكم عنه في حلب، يقضي الشباب ساعات وأياماً وليالي طويلة على الجبهة فيتمازحون بين بعضهم البعض، وواحدة من هذه المزحات كانت يافطة كتبوا عليها <انتبه جنات وحوريات من هنا>.. في خفة دم وتعبير عن روحهم المرحة. وأحيانا كنتم تجدون يافطة كتبوا عليها <انتبه قناص شاطر>..

ــ والصابون، الذي شمّ رائحته العطرة رواد المعرض على خلفية صورة كبيرة له وقدمته لهم كهدية رمزية. اي رسالة اردتها به؟

- الصابون جزء من التراث السوري، والذي للأسف لا نجد وعيا كافيا للابقاء والمحافظة عليه، وصناعة الصابون تعد من اجمل ما يمكن في حلب. الناس في عصرنا تتكلم <بيو> و<أورغانيك> (عضوي) وصابون حلب كان حتى الامس القريب، اي حتى 2011 تقريبا، يصنع كما كان يصنع من قبل 300 سنة اي من دون مواد كيمائية ولا حتى تغليف ولا كل ما يمت الى عالم التسويق الذي يغرق حياتنا اليوم بصلة، فتجدون التصنيع بشكل تلقائي، طبيعياً، والواح الصابون ليست جميعها بالحجم نفسه، كل ذلك في احترام للبيئة والطبيعة. وهذا الصابون الذي يشكل ناحية من تراثنا، اذا ما فقد في حلب او غيرها من المدن السورية فانه يمكن تصنيعه في مكان آخر، فيكون مثلا صابون حلب في فرنسا او في لبنان او غيره بحسب طريقة وخلطة خاصة.

ــ بين الصور الـ46 أي منها كانت لها ظروف خاصة اثناء التقاطك لها؟

- لكل صورة معروضة ظرف خاص، وجميعها تؤثر بي. أذكر لكم مثلا صورة النواعير في حماه، وكنت في اجازة مع زوجتي وعائلتي في حماه نتناول طعام الغداء بجانبها. استوقفني الشباب وهم يغطسون في نهر العاصي ووجدتها لحظات حلوة فصورتها لالبومي الخاص، وليس لان تكون في متحف او معرض او مجلة حتى. ومع بداية الثورة طلب مني احدهم صورة جميلة لمدينة حماه بهدف عرضها في مزاد علني لمساعدة جمعية سورية. طبعتها، وبيعت بسرعة عجيبة. احبها الناس وبينهم من وضعوها كـ<بروفايل> على هواتفهم أو عبر <الفايسبوك> ومواقع التواصل، والناس لما تتعاطى مع الصورة بهذا الشكل فهو دليل على انها تشعر بالعمل وهذا قمة المطلوب. عرفت هذه الصورة بعدا لم اتوقعه لها ابدا، وفيها رمزية جميلة للشاب الذي يغطس فيبدو وكأنه يطير.. وكأن جاذبية الارض او كل ما يجري عليها ليس له اي اثر عليه. وجدوا فيها معنى الحرية، جوهرها.

ــ هل تنوي الانتقال بالمعرض الى خارج لبنان؟

- أتمنى ذلك. انا في صدد الكلام مع اكثر من جهة ولا شك في ان وجود المعرض في بيت الدين يشكل واجهة جميلة جدا لانتشاره.

 مفاجأة!

ــ لفتنا بين آخرين تجوّل دولة الرئيس السابق للوزراء فؤاد السنيورة في المعرض. اي انطباعات نقلها اليك؟

- أحب دولته الصور جدا، وتفاجأ ببعضها، بينها مثلا الصورة التي التقطتها للوحة اعلانية في مرحلة التحضير لجنازة الراحل حافظ الأسد حيث اتُخذ قرار بتغطية جميع الوجوه المبتسمة في الاعلانات، فتمّت تغطية الوجه المبتسم لاحدى السيدات في اعلان عن الشامبو. اليس غريبا عجيبا ان يتخذ النظام قرارا سياسيا بتغطية الوجوه الاعلانية المبتسمة؟

ــ هل الصور معدة للبيع؟

- نعم كلها للبيع، مع يقيني أنّ الناس تفضل اقتناء صور جميلة عن الصابون والاماكن الاثرية مثلا أكثر من شرائها لصور الحرب والمآسي.

ــ هل لمست حضورا سوريا في معرضك في بيت الدين؟

- هناك بعض السوريين وكثيرون من اللبنانيين طبعا، مع العديد من الاجانب الذين لا يعرفون سوريا ابدا، انما تأثروا وشعروا بشيء ما. لحسن حظي ان وجهي ليس معروفا فكنت اتمشى بينهم واسمع ما يقولون اذ يهمني ان ارصد تفاعلهم مع الصور. المعرض ليس للسوريين أو للمعنيين بسوريا... انه لكل إنسان لديه فضول، ويشعر بألم الآخر وبمعاناته، اي لديه انسانية.

ــ ختاما، وعَودٌ على بدء.. من عنوان المعرض. ابهذا القدر ما عاد عندك امل بسوريا؟

- على العكس تماما.. املك املا كبيرا بها.

ــ كيف، وما هي بذور هذا الأمل؟

- السوريون في سنوات الحرب الثماني برهنوا عن ابداع كبير، عالمي حتى، من الناحية الفنية من خلال السوريين المنتشرين، ما يؤكد ان اي شخص تخرجونه من دوامة القمع والرعب والخوف و<وطي صوتك وما تحكي.. وانتبه مين وراك.. ومين امامك..> وتضعونه في مناخ من الحرية والكرامة كما في فرنسا او المانيا او اماكن اخرى لجأ اليها السوريون فانه يزهر جمالا وابتكارا، وهذا ما يعطيني الامل. ثانيا، الثورة ليست وضعا عسكريا، فمهما كان الوضع العسكري على الارض من هزيمة للثوار او تراجع لهم، تبقى الثورة فكرة. والفكرة تنتصر. في رأس كثيرين من السوريين حدث ما لم يكن ممكنا، وحطمت التماثيل وكسرت الكثير من القيود.

ــ لكن البديل الم يكن اسوأ؟

- لم نر البديل.

ــ الفوضى، الدمار، عدم انتصار الثورة؟ أين أوصل كل ذلك بلدكم؟

- الثورات في العالم لا تتم بين يوم وليلة. ثماني سنوات في عمر الشعوب لا تحتسب. لا يكذبن أحد على نفسه ويقول ان النظام انتصر. ثم اننا لم نر البديل. البديل الذي روج له النظام ووضعه في وجهنا واخافنا به واقصد به <داعش واخواتها> ليس بديلا. هو وجهة اخرى للقمع عينه.. البديل الذي نطمح اليه هو نظام مدني منفتح يحترم الكرامة والحرية والحقوق. ما من سوري وما من مظاهرة في سوريا قالت نريد دولة <طالبان>. كلهم قالوا نريد الحرية والكرامة. ولو اعطاهم الأسد الحرية والكرامة لما كانوا رفعوا الصوت وقالوا: نريده ان يرحل..