تفاصيل الخبر

السعودية ترسم شكل المنطقة الاقتصادي لأكثر من عشر سنوات مقبلة!

15/04/2016
السعودية ترسم شكل المنطقة الاقتصادي لأكثر من عشر سنوات مقبلة!

السعودية ترسم شكل المنطقة الاقتصادي لأكثر من عشر سنوات مقبلة!

 

بقلم خالد عوض

salam-3

توقيت الأحداث في المنطقة هو اليوم في يد السعودية، شاء من شاء وأبى من أبى. هي ترسم خط الأحلاف الاستراتيجية وتقرر الأبعاد الاقتصادية خارج حدودها وتؤثر في المشهد السياسي الإقليمي العام.

كان يمكن للمملكة العربية السعودية إثر هبوط أسعار النفط ودخولها <عاصفة الحزم> في اليمن أن تنكفئ عربياً وتركّز على وضعها الداخلي وحدودها الجنوبية وتترك مصر وغيرها من الدول تحل مشاكلها لوحدها. ولم يكن أحد ليلوم المملكة لو كان ذلك قد حصل. فعندما يصل سعر برميل البترول إلى مستوى الثلاثين دولاراً وتضطر المملكة إلى اللجوء إلى احتياطاتها المالية والإقتراض من الأسواق وتواجه تخفيض تصنيفها الإئتماني من شركات التصنيف المالية العالمية، فلا لوم عليها إن جعلت الأولوية الداخلية مطلقة وأجلت النظر في مشاكل غيرها. ولكن السعودية اليوم أصبحت تنظر إلى ما بعد الخمس والعشر سنوات المقبلة وتتصرّف على أساس كل الاحتمالات الممكنة خلال هذه الفترة باعتماد استراتيجية علاقات عربية وإقليمية يمكنها الصمود أمام العواصف الآتية من جهة وأمام الضغط الديموغرافي العربي الداخلي من جهة أخرى.

البداية من مصر وفكرة ربط آسيا بأفريقيا من خلال جسر الملك سلمان. لا ضرورة للخوض في البعد الجيو - اقتصادي لهذا الجسر فقد أُشبع تحليلات وتقييمات، كلها إيجابية: من دعم النهضة في سيناء وتفعيل التبادل التجاري بين مصر والسعودية، وعبرهما بين آسيا وأفريقيا، إلى تأمين عبور مليون حاج مصري، مرورا بتنمية السياحة في جزيرتي تيران وصنافير وإدارة الملاحة عبرهما. هذا بالإضافة إلى آلاف فرص العمل التي ستتوافر خلال بناء الجسر وبعد ذلك في مرحلة تشغيله. ولكن المهم في هذا الجسر أنه، إذا تأكدت جدواه الاقتصادية المرجوة، سيصبح سابقة عمرانية وتجارية يمكن تكرارها في عدة مناطق، كمثل إنشاء جسر يربط اللاذقية بقبرص وآخر يربط بين تونس وإيطاليا، فتكون أوروبا بذلك قد رُبطت بأفريقيا وآسيا مع كل ما يعني ذلك من مفاعيل اقتصادية وتجارية وسياحية. كما أن جسر الملك سلمان سيسرّع إعادة النظر في بناء جسر بين البحرين وقطر، علماً أنه ليس أول <جسر> تبنيه السعودية مع دولة عربية، فجسر الملك فهد الذي ربط البحرين بالمملكة العربية السعودية هو اليوم الشريان الاقتصادي والسياحي الأهم في اقتصاد مملكة البحرين كما أنه يضيف بعداً اقتصادياً استراتيجياً للمنطقة الشرقية في السعودية.

سياسة مد الجسور حملها الملك سلمان إلى تركيا لرأب الهوة السياسية الساحقة بينها وبين مصر، ونجاحه في مد جسر المصالحة بين القطبين الإسلاميين يمكن أن تكون له مفاعيل لا تقل أهمية عن الجسر الذي سيربط سيناء المصرية بمنطقة رأس الشيخ حميد السعودية. فدخول تركيا في ورشة الإعمار المصرية التي من المرجح أن تبدأ قريبا وإدخال المنتجات التركية الى الأسواق المصرية يشكلان بالنسبة للأتراك مصلحة استراتيجية تبرر التخلي عن دعم فلول الإخوان المسلمين في مصر. مجموع الناتج المحلي المصري (حوالى ٢٧٠ مليار دولار) والناتج المحلي التركي (٨٢٢ مليار دولار) هو salman-sissi-2أكثر من ألف مليار دولار، والبلدان بحاجة إلى جرعة نمو يمكن لتواصلهما أن يؤمنها.

 ومن هنا تكون السعودية قد وضعت حجر الأساس لاستقرار إقليمي مستدام من دون الحاجة إلى أي غطاء دولي له. وهنا الدور الجديد للمملكة الذي جعلها أيضا الحارس الإقليمي الأول في المنطقة، من خلال سياسة حازمة أمنيا وعسكريا كما اثبتت في اليمن لوقف المد الإيراني السلبي لحصارها جنوبا من هناك، وفي الوقت نفسه <برغماتية> كما يحصل الآن من خلال المفاوضات مع الحوثيين بعد أن اكتشف هؤلاء أن المملكة ومصالحها الاستراتيجية ليستا لقمة سائغة لأحد. الظل الإقليمي المواكب لمشهد الملك سلمان في مصر وتركيا كان من نصيب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال زيارته إلى الأردن واعلانه مع الملك عبد الله الثاني إنشاء صندوق استثماري مشترك يعزز سبل مكافحة الإرهاب من خلال التنمية الاقتصادية.

كان يمكن للبنان أن ينال نصيبه من سياسة السعودية في مد الجسور وتعزيز الأبعاد الاقتصادية في العلاقات العربية، ولكن تقاعس الحكومة عن منع الأبواق التي تشتم المملكة ليل نهار من دون أي مصلحة حقيقية للبنان في ذلك، وترددها في حسم موقف لبنان الرسمي في الصراع الإيراني - السعودي، جعلا لبنان خارج الحسـابات السعودية في المنطقة وغير موجود نهائيا في دائرة المنصة الاقتصادية الإقليمية التي تبنيها المملكة. المؤلم في ذلك أن الترتيبات التي تقوم بها السعودية ليست آنية بل هي بعيدة المدى، أي أن الفرصة التي نضيعها اليوم في أن نكون جزءاً من تحالف اقتصادي إقليمي يمكن أن لا تعوض قريبا.