بقلم وليد عوض
الــــــذكرى الثامنــــــة والعشــــــــرون لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي يجب ألا تمـــــر مر السحاب، لأن الأمر يتعلق بدور رؤساء الحكومات في كبح الأزمـــــات، ورد العاديــــــات عن البلد، وهـــذا ما كان الرئيس الشهيد رشيد كرامي يبذل جهده من أجله. وكنت الى جانبه عندما أتى رئيس المقاومة الفلسطينية الى طرابلس عام 1983، ودخل حرباً مع المنظمات العسكرية التابعة لسوريا، فقد قال له على التليفون: <يا أبا عمار.. هذه المدينة مدينتك وأتصور انك تغار عليها ولا تريد أن يلحق بها أي أذى>.
كان يمكن لرشيد كرامي أن يستخدم لهجة أخرى محمولة بالوعيد، أو اللوم، ولكنه اختار الأسلوب الأفضل لإطفاء الحرائق، ومع ذلك لم تسلم المناطق الداخلية، وأولها باب التبانة من جولات رصاص!
ومرة أخرى رأيت الرئيس كرامي في العام 1975 يستقبل داخل دارته في صوفر الصحافي الكبير سليم اللوزي وصديقه العميد أحمد زكا، فيقول له اللوزي رفيقه في الدراسة على مقاعد كلية التربية والتعليم: <يا دولة الرئيس.. ماذا تنتظر حتى تنزل الجيش؟>، فرد الرئيس كرامي بشيء من الحدة هذه المرة: <تفضل واجلس مكاني. أنت لا تدري ماذا وراء الأفق. واستخدام لغة الحكمة وطول الأناة هو السلاح الذي يتفوق على كل سلاح آخر>!
والرئيس صائب سلام، طيب الله ثراه، كان زعيماً للمقاومة الشعبية عام 1958، أي يملك الشجاعة والإقدام، ولكنه تعاطى مع حرب لبنان، عندما كان رشيد كرامي يحكم السراي، بالقفاز الديبلوماسي، وبسلاح الكلمة، بل ونهى نجله تمام سلام، رئيس الوزراء الحالي، عن إنشاء حركة <رواد الاصلاح>، لأن استخدام السلاح يؤذي صاحبه أكثر مما يؤذي الآخرين، وامتثل تمام سلام لنصيحة أبيه، وفكك تنظيم <رواد الاصلاح>، أو كما كان البعض يتهكم ويسميه: رواد الفضاء!
مأزق الكلمة والسلاح يتكرر الآن مع الرئيس تمام سلام العائد بالأمس من المملكة العربية السعودية، الجدار السياسي الحامي للبنان، بعدما شرح ملابسات الوضع في عرسال وجرودها المحتلة من قبل مسلحي <النصرة> و<داعش>، وهي ملابسات انعكست على مجلس الوزراء بين داع الى دخول الجيش في معركة مع مسلحي <داعش> و<النصرة>، وداع الى تحصين الجيش لمواقعه داخل مدينة عرسال، وعدم الدخول في معركة مع مسلحي جرود عرسال، إلا إذا حاولوا التسلل الى المدينة!
روكز على.. الباب!
ويشهد السعوديون، وربما غالبية العرب، للرئيس تمام سلام، بأنه أدار ويدير جلسة مجلس الوزراء بأعلى درجات الحكمة وسعة الرؤية. وأخير هذا التدبير كان بفصل قضية روابي عرسال عن قضية التعيينات الأمنية، وفك كل ارتباط بينهما، وكان عليه أن يستخدم سلاح الحكمة، أو سلاح الموقف ــ التعبير للرئيس سليم الحص ــ أمس الخميس في جلسة مجلس الوزراء، ولا يسمح للعماد ميشال عون بسحب وزرائه من الحكومة، والنزول الى الشارع إذا لم يعيّن قائد جيش جديد والمرشح الأفضل هو العميد شامل روكز، وإن كان يمت بالمصاهرة الى العماد عون!
أي ان الكل يخوض معركته، بما يملك من أسلحة سياسية، ويترك للصدفة أن تكون مسك الختام، كما قال <نابوليون بونابارت>، الى أن يغيّر الله من حال الى حال.
وما دمنا في الحديث عن رؤساء الحكومات، فإن رئيس حكومة العراق حيدر العبادي ترأس بالأمس في باريس مؤتمراً لوزراء خارجية أربع وعشرين دولة، والى جانبه في منصة الرئاسة وزير خارجية فرنسا <لوران فابيوس>، وكان موضوع المؤتمر هو كيفية التعاطي مع تنظيم <داعش> في العراق وسوريا. وفرض هذا الموضوع نفسه، بعدما أفلست قوات التحالف الدولي في إنهاء دولة <داعش> بالغارات الجوية ولم تفلح في إعاقة تقدمه سواء في <الأنبار> العراقية أم في تدمر السورية، وهو الآن يرفع علمه في تدمر للتأشير على دولته التي يبدو أنه سيعلنها في شهر رمضان.
فهل يلجأ تحالف الأربع وعشرين دولة الى إنزال بري، كالدواء الذي يشبه الكي؟! أم يجد وسائل أخرى تغني عن التدخل البري؟
يأتي هذا المؤتمر في سياق تغيرات لافتة بين الذين يقاتلون النظام السوري. فها هي قناة <الجزيرة> تنفرد باستضافة أبو محمد الجولاني قائد <جبهة النصرة>، حيث دعا الى <جيش الفتح> المطلوب تأليفه من الفصائل التي تقاتل النظام السوري وفيها ــ كما قال ــ أشقاء مسلحون.
وحاول الجولاني أن يلمع صورته بحيث طمأن مسيحيي سوريا بأنه لن يمسهم بأذى ما داموا لم يقاتلوا الى جانب النظام، وسيترك أمرهم الى حين النصر، والنتيجة ــ كما قال ــ إما اعتناق الاسلام وإما دفع الجزية.
الجولاني: أنا الآتي!
وبدا من حديث أبو محمد الجولاني ــ نسبة الى الجولان ــ أنه <المبارك> الآتي الى حكم سوريا بعد سقوط نظام الأسد. كما يمكن القول ان ظهور الجولاني بهذا الشكل على قناة <الجزيرة> يحتاج الى قرار سياسي، وصاحب هذا القرار هو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وهي خطوة متقدمة في الحرب على <داعش> بحيث يتم اختيار السيء الذي هو <النصرة> ضد الأسوأ الذي هو <داعش>.
وكان <داعش> الشاغل الأكبر لمؤتمر التحالف الدولي في باريس برئاسة وزير الخارجية الفرنسي <لوران فابيوس> ورئيس حكومة العراق حيدر العبادي، أي ان التوجه الأول كان للعراق، ومن بعده سوريا.
وكان على وزير الخارجية <جون كيري> أن يكون في منصة المؤتمر الذي كان من دعاته، إلا ان الكسر الذي أصاب عظمة فخذه، وهو يمارس ركوب الدراجة الهوائية في جنيف، عطل عليه حضور هذه المناسبة. ولكنه من هناك، من بوسطن التي توجه إليها من جنيف على سرير نقال في الطائرة، تعاطى مع مؤتمر باريس بواسطة <الفيديو> فكان حاضراً ولو من بعيد.
وكان على <كيري> أن يضع الوصفة المطلوبة للعراق، بعدما تفاقمت أحداث التفجيرات الانتحارية فيه، وانعدمت فرص الخروج من هذه الوحول العسكرية، على اعتبار ان الجيش العراقي لم يحكم السيطرة على مدينة الرمادي ومحافظة الأنبار الواقعة في قبضة <داعش>.
غلال مؤتمر باريس
في مؤتمر باريس كان هناك صوت يقول ــ لعله صوت <لوران فابيوس> ــ ان في قوات <داعش> بقايا الجيش العراقي الذي فككه الأميركيون عند دخولهم بغداد عام 2003، وان تفكيك هذا الجيش كان خطأ، لأنه أدى الى تكوين تنظيم <داعش>، ومعرفة هذا التكوين بكل مفاصل البلاد. كما كان هناك صوت آخر، لعله صوت حيدر العبادي، أعلن انتقاده لوزير الدفاع الأميركي <آشتون كارتر> لأنه شكك في إرادة القتال عند الجيش العراقي أي ارادة قتال <داعش>.
ومن خلال هذا الأخذ والرد يمكن التصور بأن التدخل البري لقوات التحالف هو الحل، وإذا لم يكن تدخلاً برياً كاملاً، فيمكن أن يكون غارة ينفذها مظليون ثم يعودون الى طائراتهم، مثلما فعلوا لدى اختطاف أم سياف شمالي سوريا لاتهامها بالمشاركة في تعذيب وقتل عاملة الإغاثة الأميركية <كايلا مولر>.
ولم يغب الحديث عن الظل الإيراني في أحداث العراق، بمعنى أن لإيران، لو أرادت، قدرة على تفكيك تنظيم <داعش>، لكن هذا الأمر ليس في الوارد عند إيران، وحساباتها مختلفة عن حسابات التحالف الدولي.
وحسابات إيران الآن مصوبة الى نهاية حزيران (يونيو) الجاري، حيث سيتم البت على أرض جنيف في موضوع الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المالية عن إيران، وهي بمئات مليارات الدولارات.
أي كل من الأطراف له غاية تختلف عن الطرف الآخر..
والصدفة وحدها هي التي تحمل الى ما يخطط له كل فريق. فإما النجاح وإما الفشل، وإما نصف نجاح ونصف فشل. ومكانك... راوح!