تفاصيل الخبر

الرئيس ”ماكرون“ على سطح صفيح ساخن : الــشارع الــفرنــسي يــبــحــث عــن جــمــهـــوريــة جـــديــدة!

21/12/2018
الرئيس ”ماكرون“ على سطح صفيح ساخن : الــشارع الــفرنــسي يــبــحــث عــن جــمــهـــوريــة جـــديــدة!

الرئيس ”ماكرون“ على سطح صفيح ساخن : الــشارع الــفرنــسي يــبــحــث عــن جــمــهـــوريــة جـــديــدة!

 

بقلم وردية بطرس

تشهد فرنسا منذ أكثر من خمسة أسابيع تحركات شعبية واسعة النطاق امتدت من المدن الفرنسية حتى القرى الصغيرة في الأرياف اعتراضاً على غلاء المعيشة وزيادة الضرائب... وأطلق المنظمون وغالبيتهم مواطنون عاديون على التحرك اسم حركة <السترات الصفراء> وذلك نسبة الى السترات الصفراء التي يرتديها المعتصمون على الطرقات اذ تُعتبر رمزاً لاحتجاج السائقين على ارتفاع اسعار الوقود... وكانت الحكومة الفرنسية قد أقرّت رفع الضرائب على الوقود أواخر العام 2017 ضمن خطة تستهدف <تشجيع السائقين على قيادة سيارات أكثر مراعاة للبيئة> حيث أعلنت زيادة المساعدات المخصصة للأكثر فقراً، لكي يتمكنوا من تغيير سياراتهم أو دفع فواتير الوقود، بيد ان الاحتجاجات لم تقتصر على هذا الأمر، بل أتت في اطار صدام بين الرئيس <ايمانويل ماكرون> وفئات فرنسية تعتبره ممثلاً للأثرياء وتتهمه بفرض ضرائب على الفقراء وتقديم امتيازات للأغنياء. أما المتظاهرون والمتظاهرات فعبرّوا عن غضبهم واحتاججهم على زيادة الضرائب، فترى متظاهرة ترفع لافتة كُتب عليها <أغيثوا أمة في خطر>، هو <هذا هو الشعب، نحن صغار العاملين، لم يعد في مقدورنا ان نعيش>، وترى متظاهر آخر يرفع لافتة كُتب عليها <الحركة غير سياسية وغير نقابية. انها صرخة عامة لشعب فقد طاقته على الاحتمال>. فهل سيتمكن الرئيس <ماكرون> من امتصاص نقمة الشارع الفرنسي؟ وهل ستستمر الاحتجاجات وإن تراجع عدد المتظاهرين في الاسبوع الخامس؟

 

أسباب انطلاق تظاهرات السترات الصفراء

وبحسب أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية والباحث الاستراتيجي والديبلوماسي ورئيس رابطة خريجي الجامعات الفرنسية الدكتور وليد عربيد (تسلّم الدكتور عربيد في آذار (مارس) الماضي وسام جوقة الشرف برتبة فارس، وهو من ارفع الأوسمة الفرنسية الذي منحه اياه رئيس الجمهورية الفرنسية <ايمانويل ماكرون> تقديراً لمؤهلاته العلمية والأكاديمية واعترافاً بجهوده في اعلاء شأن الفرنكوفونية وتعزيز وتوطيد العلاقات اللبنانية الفرنسية خصوصاً على الصعيد الفكري

والثقافي) ان هناك أسباباً عديدة دفعت الآلاف من الفرنسيين للخروج الى الساحات والتظاهر ويقول:

- في الواقع ما تشهده فرنسا اليوم تعتبر من الأحداث العالمية الكبيرة نظراً لارتباطها بعوامل داخلية وحتى اقليمية دعت الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> الى إلقاء عدد من الخطابات لمحاولة امتصاص هذه التظاهرة. والسترات الصفراء كما تمت تسميتها هم مجموعة من المواطنين الفرنسيين الذين تظاهروا بحركة مطلبية ضد ضرائب المشتقات النفطية والضرائب التي يعاني منها العمال والموظفون، وهذا ما فجرّ الوضع ووضع هؤلاء الناس على مفترق الطرقات ليسمعوا صوتهم للدولة الفرنسية. لم يع الرئيس الفرنسي <ماكرون> خطورة الأزمة الاجتماعية الاقتصادية، وتمسّك بالضرائب نظراً لكونها ترتبط ارتباطاً فعلياً بالاستراتجيات التي يضعها الاتحاد الأوروبي وهي الا ان تتعدى ميزانية فرنسا لتبقى الدولة الاقتصادية القوية 3,4 بالمئة، ومحاولة <ماكرون> والعودة الى 3 بالمئة من أجل ان تبقى فرنسا الى جانب المانيا كلاعب أساسي في الاتحاد الأوروبي، نظراً لبعض العوامل ومنها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأكثر من ذلك لم يع الرئيس <ماكرون> ان في فرنسا، مكاسب اجتماعية واقتصادية حققتها النقابات والحركات العمالية تاريخياً، وكان يجب عليه هنا قراءة تاريخ النقابات في فرنسا، فمحاولته عدم الاكتراث بهذه الحركة قد أشعل الشارع بتظاهرات لم تكن في البدء كبيرة، ولكنها أخذت معنى سياسياً أكبر لاسيما اليوم ان فرنسا تعاني من 11 بالمئة من البطالة و حوالى 6 مليون تحت خط الفقر، وتعاني أيضاً من هجمة للهجرة من أوروبا الشرقية وأفريقيا التي شكلّت قلقاً للشارع الفرنسي من جهة اليمين المتطرف، ولذلك وُلدت السترات الصفراء. ويبقى السؤال الأهم اليوم: هل يستطيع الرئيس <ماكرون> التغلب على هذه الأزمة، ونحن رأيناها بحركة تصاعدية ولكنها لا تشبه الى حد ما حصل 1968 التي أسقطت الرئيس القوي في فرنسا <شارل ديغول>. أعتقد ان فرنسا اليوم بحاجة الى اعادة قراءة اجتماعية أولاً وقراءة اقتصادية وحتى سياسية، السؤال السياسي المطروح: هل ستنتقل هذه الدولة من الجمهورية الخامسة الى الجمهورية السادسة؟ لقد تراجع <ماكرون> عن موقفه من الضرائب وخفض الضريبة التي فرضها

ولو قليلاً لأن استقرار فرنسا اليوم هو المهم.

وبالسؤال عما اذا كانت هناك أزمة نظام في فرنسا يشرح الدكتور عربيد:

- في فرنسا يحكم النظام الذي تقوم عليه الجمهورية العلمانية الفرنسية بوجود بعض الخلل لأن هذا النظام (الجمهورية الخامسة) قد فُصّل على قياس الرئيس <شارل ديغول>. ولكن اليوم هناك قوى سياسية جديدة تحاول فرض نفسها على الساحة السياسية. ونحن نرى ان رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية <مارين لوبان> قامت بنقلة نوعية من الجبهة الوطنية التي اسسها والدها <جان ماري لوبان> الى تجمع <من أجل الجمهورية>. وهذا يعني أيضاً أن اليسار المتطرف بقيادة <جون لوك ميلينشون> - البديل عن الحزب الاشتراكي - قد فرض نفسه على الساحة السياسية للدخول الى البرلمان. وهنا يجب النظر أيضاً الى أن <ماكرون> الذي لم يكن معروفاً منذ مدة ثلاث سنوات - اذ عيّنه الرئيس السابق <فرانسوا هولاند> وزيراً - قد أسس حزبه <فرنسا الى الامام> وأتى بقوة كبيرة الى المجلس النيابي،وتخطى الأحزاب التقليدية من الحزب الاشتراكي الى حزب الجمهورية وصوّت له الشعب الفرنسي بقوة كبيرة،  وهذا يؤكد ما قاله الرئيس السابق <فرانسوا هولاند>: <إن <ماكرون> ليس فقط رئيس الأغنياء بل ورئيس أغنى الأغنياء>، وهذا ما انعكس على الساحة التي نراها اليوم حركة مطلبية من قبل السترات الصفراء. والسؤال الذي يطرحه الشارع الفرنسي: هل فرنسا بصدد الانتقال من الجمهورية الخامسة الى الجمهورية السادسة؟ وهذا ما سنراه في المستقبل اذا استطاعت فرنسا التغلب على عوامل عديدة منها الارهاب، وامتصاص حركة اللجوء (الهجرة)، وحركة البطالة، ومن الممكن أن يعمد اليمين المتطرف الفرنسي الى اعادة صياغة دور فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي.

امتصاص نقمة الشارع الفرنسي

 

ــ برأيك كباحث ومحلل سياسي هل سيتمكن الرئيس <ماكرون> من امتصاص نقمة الشارع الفرنسي؟

- بما يتعلق بمحاولة <ماكرون> امتصاص نقمة الشارع الفرنسي، قد لا يستطيع الا بالحوار المباشر مع هذه الحركة. لكن للأسف ان حركة <السترات الصفراء> ليس لديها قيادة موحدّة، بل هي مجموعات كما حصل حول <ماكرون> في <فرنسا الى الامام> اذ لم تكن لديه قيادات سياسية لتفهم الشارع والعقلية الفرنسية، وهذا كان ضعفاً من قبل الرئيس الفرنسي. وهذا يؤكد على ان حركة <السترات الصفراء> بحاجة الى قيادة، ولكن هذه القيادة يجب ان تنظم نفسها، لأن ما حصل في التظاهرات التي شهدتها ساحات باريس وبالتحديد جادة <الشانزليزيه> وهي مكان سياحي بامتياز، يدل على ان الهدف كان ضرب الموسم السياحي في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة. صحيح ان هذه الحركة تضم حوالى 70 أو 75 ألف شخص ولكنها موزعة على كل فرنسا، اي ليست بزخم شعبي كبير ولكنها تربط كل مفاصل البلد، اذ انتقلت من <الشانزليزيه> الى المدن الفرنسية. الا ان دخول بعض العناصر الفوضويين الى التظاهرات أضّر بصورة الحركة المطلبية نظراً لعمليات التكسير والتخريب التي حصلت في المحلات التجارية والمطاعم.

ــ هل هناك دور اقليمي ودولي لهز صورة فرنسا دولياً؟

- فرنسا هي دولة ديموقراطية عريقة وهي الجمهورية العلمانية بأفكار الثورة الفرنسية، ولكن هناك عوامل جديدة دخلت على الساحة الدولية ولاسيما اننا أصبحنا بعالم متجدد العلاقات الدولية ومتعدد الأطراف. بعد وصول الرئيس <ماكرون> الى السلطة بدعم من اللوبي الأوروبي في <بروكسيل> الذي لا تتلاقى مطالبه الاقتصادية مع الشعب الفرنسي. أما حركة التململ الشعبي الموجودة في فرنسا ضد قرارات <بروكسيل> لاسيما دفع الضرائب من أجل المساواة بين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية، قد أوصل فرنسا الى ما وصلت اليه اليوم على الساحة. ثانياً  بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدأنا اليوم نسمع بعض الاصوات التي تطالب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وهذا مطلب رئيسي لليمين المتطرف منذ أيام <جان ماري لوبان> الذي يعتبر أن أوروبا يجب ان تكون أوروبا الأمم من أجل الحد من الهجرة والاسلاموفوبيا. اي ان تنتقل أوروبا كمنظمة اقليمية الى لقاء مثل جامعة الدول العربية. ثالثاً: هل هناك دور أميركي فيما يحصل داخل فرنسا؟ لقد أكد وزير الخارجية الفرنسي <جان ايف لودريان> بأن فرنسا طلبت من الولايات المتحدة عدم التدخل في الساحة الفرنسية الداخلية، وهذا يؤكد على ان واشنطن لا تريد أن تكون أوروبا قطباً بل تريدها دائماً منظمة اقليمية تساند الولايات المتحدة. وهذه العوامل مجتمعة تدفع المواطن الفرنسي اليوم الى المطالبة بأمن فرنسا اذ لديها مكاسب اجتماعية واقتصادية دفعت ثمنها الحركات النقابية والأحزاب المطلبية منذ عقود، ولن يتراجع الشعب الفرنسي الذي بحاجة ان يبقي على هذه المكاسب الاجتماعية من صحية وسكنية وتعليمية والا تتغير بتفكير رأسمالي متوحش او عولمة متوحشة، لأن فرنسا فكر السياسي قائم على الثورة الانسانية والحرية والديموقراطية.

ــ وما موقع فرنسا داخل العائلة الأوروبية والاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا؟

- ان فرنسا والمانيا يمثلان العمود الفقري للاتحاد الأوروبي الذي يملك قوة اقتصادية وسياسية ويحاول الانتقال الى ان يكون قطباً الى جانب الولايات المتحدة. فهل سترضى واشنطن بذلك؟ عندما زار الرئيس الأميركي <ترامب> باريس ليحضر قمة المناخ، كانت هنا مطالبة لكي تقوم المظلة الأميركية النووية بحماية أوروبا الغربية في مواجهة روسيا فهي بحاجة ان تساندها أوروبا بذلك اقتصادياً. هنا جاء جواب الرئيس الفرنسي: نحن في أوروبا بصدد قيام <بروكسيل> بالتفكير جدياً بقيام جيش أوروبي موحّد. ونحن نعلم بأن الجيوش الأوروبية اذا توحدّت تصبح جيشاً قوياً لاسيما انها تملك التكنولوجيا والتقنيات العسكرية المتطورة... وهنا يجب العودة الى التاريخ وتحديداً الى العام 1995 حيث عُقد خلال أزمة البلقان مؤتمر في فرنسا بين قيادات الاتحاد الأوروبي من أجل انشاء قوة تدخل سريع أوروبية قوامها 62 ألف جندي أوروبي، الى اننا رأينا بأنه تم الضغط على هذه الفكرة من قبل الولايات المتحدة، وبالتالي أصبحت حبراً على ورق.

ــ هل سيتمكن الرئيس الفرنسي من حل هذه الأزمة لاسيما ان فرنسا تعاني من الارهاب والاسلاموفوبيا؟

- على كل محلل سياسي في العلاقات الدولية ان يقرأ التاريخ، وقراءة التاريخ الأوروبي تتطلب العودة الى بداية القرن العشرين حيث شاهدنا أزمة اقتصادية في العام 1909، وفي العام 1911 أدت الى أزمة اجتماعية نتج عنها صعود التيارات اليمينة المتطرفة والعنف والأحزاب الفاشية التي سيطرت على أيطاليا وعدد من الدول، وأيضاً أدت الى اغتيالات سياسية منها ولي عهد النمسا <فرديناند>،وصعود الحركات الاسلامية المتطرفة، والارهاب، وحركة اللجوء (الهجرة) الى الجنة الأوروبية قد

تسبب في عدم استقرار الأنظمة السياسية الموجودة داخل المجتمع الأوروبي. وهذا ما نراه من حركات اليوم في بلجيكا وبلغاريا، وأيضاً يتكلم الباحثون عن ان المانيا قادمة على تظاهرات.

وتابع قائلاً:

- في الواقع ان الخطاب الشعبوي الذي يقوده الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> الذي يلاقي تجاوباً في الساحات الفرنسية ومنها مثلاً: <فرنسا أولاً>،<أميركا أولاً>، يؤكد اليوم بأن هناك حركة تطالب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي هناك تفكير جدي من قبل <السترات الصفراء> بالانتقال من الجمهورية الخامسة الى الجمهورية السادسة، لأن الانتخابات النيابية من الممكن ان تكون انتخابات نسبية تساعد على تمثيل جميع القوى السياسية في الداخل.

تراجع أعداد المتظاهرين

ــ ولماذا تراجعت أعداد المتظاهرين في الاسبوع الخامس؟ وكيف تقرأ ذلك كمحلل سياسي؟

- نرى أن أعداد <السترات الصفراء> قد تراجعت وذلك بفعل دخول الفوضويين بين صفوفهم، التي أخافت الرأي العام بعد التكسير وسرقة الواجهات والخسائر المادية، وبالتالي بدل ان تكون هناك مساندة للحركة المطلبية، أصبح الوضع سيئاً.

ــ برأيك هل هذه التظاهرات هي مجرد انتفاضة ام انها ثورة؟

- على ما أعتقد انها انتفاضة تدق ناقوس الخطر على مستقبل فرنسا. واليوم يجب اعادة تنظيم القوى السياسية التي وقفت على الهامش بسبب الفساد الحاصل في البلاد، اذ ان <ماكرون> رجل المال والمصارف واللوبيات والاعلام لم يستطع فهم الطبقات الشعبية لأنه وُلد وترعرع في ما يُسمى بـ<الرأسمالية العلمانية>.