تفاصيل الخبر

الرئيس حسان دياب... رجاءً أرجع العربة خلف الحصان!

06/05/2020
الرئيس حسان دياب... رجاءً أرجع العربة خلف الحصان!

الرئيس حسان دياب... رجاءً أرجع العربة خلف الحصان!

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_77661" align="aligncenter" width="584"] رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور حسان دياب: الدوران حول... الحلول؟[/caption]

لا يختلف اثنان أن أداء حكومة رئيس الوزراء اللبناني الدكتور حسان دياب هو أفضل بكثير من معظم حكومات بعد "الطائف"، إذا لم نقل كلها، إن من حيث الجدية ونظافة كف أكثرية أعضائها واللغة الواحدة التي يتكلمون بها خارج مجلس الوزراء حتى لو اختلفوا داخله أو من حيث الإبتعاد عن المهاترات السياسية العقيمة التي قصمت ظهر لبنان. كما أن الطريقة المنهجية العالية الفاعلية التي تعمل بها الحكومة أمر لم نشهد مثله منذ زمن طويل ولا شك أنه أسس معيارا لقواعد العمل الوزاري، لن يكون مقبولا أقل منه في المستقبل. ولكن الأسلوب الرصين والطريقة العلمية والعمل الدؤوب والنوايا الطيبة لا تكفي وحدها لاجتراح الحلول. الحلول تبدأ من الإستراتيجية السديدة.

 مصرف لبنان: حرب طواحين الهواء

إجرائيا أخطاء الحكومة أصبحت معروفة. التعثر في تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان والتخاذل في التعيينات القضائية رغم إصرار مجلس القضاء الأعلى عليها وعدم الجدية في تعيينات مجلس إدارة كهرباء لبنان وغيرها من القرارات التي لو حصلت بحزم لكانت الحكومة نجحت في تعزيز صدقيتها. آخر مطباتها، ومع الأسف ربما لن يكون أخيرها، هو جنوحها نحو إرضاء الطوائف في بعض التعيينات حتى لو تطلب ذلك لفلفة بعض ملفات الفساد أو التغاضي عنها. يضاف إلى كل تلك الأخطاء تحديد نقطة الإنطلاق في توصيف الحل، فقول رئيس الحكومة أن هناك أداء مريبا لحاكم مصرف لبنان ثم الكلام عن فجوة كبيرة في حسابات البنك المركزي وحديثه قبل ذلك عن تدني إحتياطات العملات الأجنبية إلى مستوى خطير هو مثل الذي يبحث في منطقة فيها ضوء عن مفتاح أضاعه في منطقة أخرى بعيدة يغمرها الظلام. من السهل جدا تحميل القطاع المصرفي ورياض سلامة بالتحديد الجزء الأكبر من الأزمة. الحاكم وأصحاب المصارف ليسوا ملائكة، و"بنك المدينة" يشهد على التعاضد مع مجموعة الفساد من العراق إلى لبنان مرورا بالتأكيد بسوريا. ولكن من السذاجة مقاربة الأزمة في لبنان بالكشف عن الفجوة المالية ومحاولة سدها، مؤقتا. المشكلة أعمق من ذلك بكثير، تبدأ من الكهرباء والجمارك والمعابر غير الشرعية المشرعة ولا تنتهي في وزارة الأشغال والمرفأ وأوجيرو. رياض سلامة نجح في فك الإستقرار النقدي عن السياسة والإقتصاد. والرئيس الشهيد رفيق الحريري نجح قبله في تحييد الإقتصاد عن السياسة بالتفاهم مع سوريا وحزب الله. الحريري اغتيل جسديا وسلامة يغتال اليوم معنويا. يعني أن محاولة عزل الإقتصاد والإستقرار المالي عن السياسة لم تعد ممكنة بعد اليوم أو على الأقل لا يوجد الشخص القادر على تأمين الغطاء الدولي لذلك. الحل الحقيقي لا بد إذاً أن يبدأ في العمق أي في الشكل السياسي المستقبلي للبنان. هذا ربما يكون مخاضا صعبا وأعجز من أن تكون حكومة الدكتور دياب قادرة على مقاربته، ولكن البحث "البريء" في سد الثقوب المالية هو شراء للوقت بل ربما إضاعة له. 

 

البحث عن الثقة في شارع ١٩ في... واشنطن

هرولة الحكومة إلى صندوق النقد الدولي عن طريق وضع خطة مالية أشبه بنسخة عن كل متطلبات الصندوق، مفهومة. ليس المقصود بالذهاب إلى الصندوق جذب حفنة من مليارات الدولارات التي "سيقطرها" الصندوق علينا بشروط شبه تعجيزية وبمهل طويلة. الحكومة تسعى لأمرين أساسيين:  الأول هو تأمين ثقة دولية تسهل لها طلب المساعدات من جهات دولية أخرى، مانحة أو مقرضة. فالثقة مفقودة تماما بلبنان ولا بد من جهة صارمة مثل الصندوق تؤمن التمويل الأولي (Seed Money) وتعطي الضمانات بان الحكومة اللبنانية جدية بالإصلاحات، وإلا لما جازف الصندوق بأي مال. وسيصبح من الأسهل، إفتراضيا، تحرير أموال "سيدر" وغيرها من الأموال المرصودة من البنك الدولي إذا دخل الصندوق في الورشة التمويلية للبنان. والأمر الثاني هو مسألة داخلية بحتة، فحكومة الرئيس دياب تريد "عذرا دوليا" لتنفيذ إصلاحات حقيقية لا يمكنها توفير غطاء داخلي لها في ظل الجو السياسي السائد في البلد، والاختباء وراء شروط الصندوق سيحميها من الإغتيال السياسي من مكوناتها نفسها... الذهاب إلى صندوق النقد في المبنى ٧٠٠ في شارع ١٩ في واشنطن هو محاولة استدراج الثقة من خارج الحدود لأن الداخل غير قادر على تأمينها.  

 

صندوق نقد أو صندوق بريد؟

[caption id="attachment_77662" align="aligncenter" width="590"] مساعد وزير الخارجية الأميركية "ديفيد شينكر": أكلمك يا حسان حتى تسمع يا حسن[/caption]  

الكل يعلم، بما فيهم حزب الله، أن موافقة الصندوق على دعم لبنان تعني موافقة "واشنطن" ضمنا على ذلك. فالولايات المتحدة لديها أكبر إحتياطي مالي في صندوق النقد (أكثر من ضعف ما عند الصين) ولها الصوت الأكبر في كل قرارات الصندوق (١٦ بالمئة من حق التصويت). قبول حزب الله بالذهاب إلى الصندوق هو جس نبض لإدارة "ترامب" ومحاولة فتح نافذة للحزب مع الإدارة الأميركية عبر صندوق النقد. رفض الصندوق سيجيره الحزب سياسيا إلى مزيد من التشدد ضد الأميركيين والحث للذهاب إلى الصين، أما قبول الصندوق بمساعدة لبنان فيمكن أن يتعامل معه حزب الله بإيجابية حذرة... ومع الأسف ستصبح الحكومة اللبنانية ومعها صندوق النقد بريداً بين حزب الله والإدارة الأميركية.

 

لا وصفة ناجعة من دون تشخيص صائب

خبرة الدول مع صندوق النقد كلها سيئة... طارت بسببها حكومات وأفقرت شعوباً. السبب لم يكن صندوق النقد بحد ذاته. السبب كان محاولة حل مشكلة مالية في غياب رؤية سياسية وإقتصادية واضحة ومستدامة. هذا هو تماما ما تفعله حكومة الرئيس دياب اليوم. هناك إصلاحات ضرورية تهرب منها الحكومة وهناك مقومات إقتصادية كبيرة للبنان لا تبني عليها. لا أفكار إقتصادية حقيقية في الخطة المالية بل مجرد توصيفات سطحية لتحفيز القطاعات الإنتاجية. أين بعض الأفكار المهمة من الخطة التي ساهمت في وضعها شركة "ماكنزي"؟ أين إستراتيجية إستقطاب الرساميل الأجنبية؟ أين المناطق الصناعية الحرة المعفاة من أي ضرائب؟ أين تفعيل هيئة الإستثمار والتطوير (ايدال)؟ أين البناء على إعادة تشغيل مصفاتي الزهراني والبداوي اللتين يمكن أن تستقطبا وحدهما استثمارات بمئات الملايين؟ لماذا التباطؤ في مفاوضات إطلاق مشاريع التغويز أو بناء معامل الكهرباء؟ أين خطة النقل العام بالشراكة مع القطاع الخاص؟ من غير المقبول الإعتماد على مؤتمر "سيدر" فقط لإطلاق كل ذلك، ولا بد من بدء مفاوضات مباشرة مع القطاع الخاص الأجنبي والعربي لإطلاق بعض المشاريع الإستراتيجية التي يمكن أن تكون جذابة جدا استثماريا.

 

حسان دياب: نقص الشفافية وضعف المبادرة

ربما تعلم الحكومة اللبنانية أن التأسيس على تلك المشاريع سيكون صعبا جدا من دون حماية سياسية. ولكن وضع خطة مالية محاسبية بحتة من دون رؤية إقتصادية مبنية على تفاهم وطني وصيغة سياسية واضحة هو وضع الحصان خلف العربة. وهنا، من واجب رئيس الحكومة أن يطالب بإطلاق ورشة سياسية إصلاحية على هامش خطة إقتصادية متكاملة، أو على الأقل بأن يصارح اللبنانيين، هو وليس حاكم مصرف لبنان، بلب المشكلة بدل إخفاء الحقيقة وراء أرقام مصرف لبنان. فسد الفجوة المالية اليوم لن يمنع من وجود فجوات أخرى أكبر في المستقبل أو من حصول فراغات في السلطة تطيح بكل الإصلاح المالي المقترح. كما أن التلطي وراء صندوق النقد ليس الحل. فعند لبنان مقومات إقتصادية هائلة لا زالت مهملة من قبل الحكومة ويمكن التعويل عليها ضمن خطة إقتصادية إذا توافر التبني السياسي لها.

ربما حزب الله ليس جاهزا لصيغة سياسية داخلية جديدة قبل أن تتضح الصورة إقليميا، إما من خلال تسوية أو حروب. والأرجح أن الأولى لن تأتي من دون الثانية. ولكن حتى هذا يجب أن لا يمنع حكومة حسان دياب من أن تبدأ بالإقتصاد وليس بالترقيع المالي.