تفاصيل الخبر

الرئيس «باراك أوباما » أراد من خلال توقيع الملف النووي الإيراني تحقيق إرث وإنجاز في نهاية عهده!  

24/07/2015
الرئيس «باراك أوباما » أراد من خلال توقيع الملف  النووي الإيراني تحقيق إرث وإنجاز في نهاية عهده!   

الرئيس «باراك أوباما » أراد من خلال توقيع الملف النووي الإيراني تحقيق إرث وإنجاز في نهاية عهده!  

SAM_5640الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى على المحك بعدما أقرّ في مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، وينتظر أن يواجه بمعارضة شديدة من الكونغرس الأميركي رغم تلويح الرئيس <باراك أوباما> باستعمال حق <الفيتو>، ناهيك عن الغضب الإسرائيلي والحنق العربي عليه. والسؤال المطروح هو ما إذا كان الاتفاق سينسحب على ساحات أخرى ساخنة وما إذا كان سيزيد اشتعالها أم سيبردها وتتجه المنطقة الى تسويات توقف النزف الحاصل. فماذا يقول العارفون بباطن السياسات الدولية لاسيما الأميركية منها؟!

<الأفكار> استضافت في مكاتبها السفير اللبناني السابق في واشنطن الدكتور رياض طبارة وحاورته في هذا الملف وكل ما يتعلق بالاتفاق النووي وسر وإصرار الإدارة الأميركية على تمريره بدءاً من السؤال:

ــ هل تتردد على الولايات المتحدة؟

- لا... لم أذهب منذ سنتين.

ــ لماذا؟ هل تكرهها؟

- صحيح.

ــ جغرافياً أو سياسياً؟

- أميركا التي عشت فيها لم تعد كما كانت، وأنا سبق وأصدرت كتاباً عن تاريخ أميركا وقلت فيه ان جيلنا الذي ذهب الى هناك عاش في العصر الذهبي الأميركي يوم كانت الحريات مصانة والهاتف غير مراقب وما إلى ذلك، لكن الوضع اليوم تغيّر   وأصبح كل شيء مراقباً بدءاً من الوصول الى المطار بحيث يخضع الضيف  لإجراءات قاسية حتى اننا نتعرض لتفتيش في مباني الأمم  المتحدة رغم انني عملت لمدة 27 سنة في الأمم  المتحدة ولدي بطاقة أدخل بواسطتها الى كل مباني المنظمة الدولية، لا بل ان الموظفين العاملين هناك يتعرضون يومياً للتفتيش. وقد دعوني في وزارة الخارجية لحضور احتفال لتدريب شباب للمجيء الى الشرق الأوسط، وكتب لي أحدهم عبارة: <أهلاً بك في أميركا الجديدة>، وذلك يوم فاز الرئيس <باراك أوباما> بالرئاسة، فلبيت الدعوة وسألت من أعرفهم من طاقم الوزارة عن الإجراءات، فلم يستغربوا وقالوا انهم يتعرضون للأمر ذاته رغم انهم موظفون في وزارة الخارجية.

الاتفاق النووي الإيراني

ــ نحن اليوم بتوقيت الاتفاق النووي الإيراني وكونك سفيراً سابقاً في واشنطن وكنت تتابع هذا الاتفاق، فهل كنت تتوقع أن يتم هذا الاتفاق؟

- كنت أتوقع أن يجري توقيعه لأن الرئيس <أوباما> يفتش عن إرث وإنجاز ينهي به عهده، وهو لم يوفق في تحقيق أي إنجاز لا في اليمن بعدما سبق وقال انه أنجز اتفاقاً بين الأطراف اليمنية لانتقال سلمي للسلطة، لكن فيما بعد نشب القتال وطار الاتفاق، وكان يتحدث عن نقل ميانمار (بورما سابقاً) الى الديموقراطية وأزال العقوبات عنها، لكن هذا البلد تحول الى أكبر دولة ديكتاتورية في العالم وتحدث فيها مجازر ضد الأقلية المسلمة، وتحدث عن الانفتاح على كوبا وتطبيع العلاقات معها، لكن كوبا لا تشكل إرثاً وإنجازاً لاسيما وانها دولة تضم 11 مليوناً فقط وأميركا 330 مليوناً، ودخل كوبا السنوي 77 مليار دولار فقط، بينما دخل أميركا 17 تريليون، في وقت لم يحقق أي إنجاز على خط التسوية في الشرق الأوسط بعدما وعدنا في مصر عام 2010 بحل الدولتين، فاعتبر ان توقيع الاتفاق النووي هو أكبر إنجاز له حتى انه يشبّه هذا الإنجاز بإنجاز الرئيس الأميركي السابق <رونالد ريغان> عندما فتح الباب مع الاتحاد السوفياتي، علماً ان هذا البلد كان دولة عظمى ولديه قنابل نووية وذرية، ويشبه نفسه بـ<ريتشارد نيكسون> عندما فتح الباب لعلاقات مع الصين لكن أين الصين من ايران التي تضم ملياراً و200 مليون نسمة وتشكّل قوة اقتصادية عالمية عظمى؟!.

وأضاف:

- لذلك حاول <أوباما> المستحيل لتوقيع الاتفاق مع إيران بحيث لم يرد أن ينهي عهده بدون إنجاز، حتى ان توقيع الاتفاق النهائي أصبح أهم من مضمون الاتفاق نفسه، أي ان التوقيع أصبح هو الحدث بحد ذاته.

ــ عندما يرى المواطن الأميركي ان <أوباما> كان يسمي ايران محور الشر، فماذا يقول اليوم؟

- <أوباما> يقول إن التفاوض يتم عادة مع الأعداء وليس مع الأصدقاء، وهو فاوض مع عدوه، ولذلك فالمفاوضات لاقت اعتراضات كمبدأ إنما الاعتراضات اساساً هي على الثقة التي أعطاها لإيران رغم أن <أوباما> يتسلح بمبدأ الرقابة، ولذلك فمعظم الاعتراضات في المستقبل ستتمحور حول هذه الثقة وستكون هناك معركة كبيرة سيقول خلالها المعارضون ان الايرانيين سبق وغشوا المجتمع الدولي أكثر من مرة بعدما اكتشف عامي 2002 و2008 مواقع نووية سرية تحت الأرض، وبالتالي لا يمكن مراقبة المواقع الايرانية كما يقول الاتفاق، في وقت يقول <أوباما> ان ايران يلزمها سنة لإنتاج القنبلة النووية إذا قررت ذلك، إلا أن المراقبين والخبراء يرون ان ايران يمكن ان تصنع القنبلة في غضون ثلاثة أشهر، لاسيما وان ايران تتعاون مع كوريا الشمالية التي إذا ساعدت الايرانيين يمكن الحصول على القنبلة خلال أسبوعين، وبالتالي فالتمديد لا طائل منه، وهنا المشكلة الكبرى في الكونغرس، إضافة الى ان الاتفاق يتحدث عن توقيف البرنامج النووي لمدة عشر سنوات، لكن ماذا عن بعد هذه السنوات، وهل تشكل عشر سنوات فارقاً في تاريخ الأمم؟!

وتابع قائلاً:

- الاعتراضات الاكبر من الكونغرس واسرائيل ومن الدول العربية تتمحور حول السؤال: ماذا بعد؟! وهنا قال <أوباما> في أحاديث صحافية وإذاعية ان همه كان منع ايران من الحصول على سلاح نووي في الوقت الحاضر، وانه يرفض أن يربط بين الاتفاق النووي وبين الملفات الأخرى لاسيما ملفات المنطقة، لكن السؤال يطرح عن الأموال المجمدة التي ستحصل عليها ايران والى أين ستذهب؟! <أوباما> نفسه قال إن ايران ستصرف معظمها على التنمية لكنه قال منذ أسابيع انه ليس ساذجاً وهذه الأموال ستصرف في معظمها على الملفات الأخرى المتعلقة بالمنطقة.

 

سخونة المنطقة

ــ في هذه الحالة ملفات المنطقة ذاهبة نحو السخونة أو التبريد والتسوية؟

- هنا السر... <أوباما> يعترف ان الأموال ستذهب الى ملفات المنطقة وهذا معناه زيادة السخونة، إلا ان تصريحات العالم العربي لاسيما السعودية تؤكد ان العرب لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وبالتالي إذا اتجهت ايران الى اختيار التهدئة والانخراط في المجتمع الدولي، خاصة اذا تم التجديد لكل من الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في الانتخابات المقبلة على اعتبار انهما حققا هذا الإنجاز، فمن الممكن ان تتغير ايران الى دولة مسالمة وتتعامل مع الآخرين بموجب الشرعية الدولية. فهذا سيناريو، لكن حتى إجراء الانتخابات، ستتوتر في رأيي الأمور أكثر على الأقل في المستقبل المنظور وفق السيناريو الثاني.

ــ ماذا لو جاء المرشح <جيف بوش> عن الحزب الجمهوري الى سدة الرئاسة الأميركية؟

- عندما كان الرئيس <جورج بوش> الابن أخذ رقاص الساعة الى آخر الحدود فجاء <أوباما> ونقض كل سياسات <بوش> وأعاد رقاص الساعة الى آخر مدى وانسحب من التوترات العالية، وهذا ما تسبب بالمشاكل الكبيرة الموجودة، لأنه ترك العالم بدون قيادة غربية. واليوم إذا فاز <جيف بوش> عن الجمهوريين سيكون أكثر تشدداً وسيعيد الرقاص الى آخر مدى، وإذا فازت <هيلاري كلينتون> عن الديموقراطيين ستعيد رقاص الساعة الى الوسط وستتبع سياسة تدخل أقوى مما كانت عليه زمن <أوباما>.

ــ مشهد الخلاف بين <أوباما> ورئيس وزراء العدو <بنيامين نتنياهو> هل هو جدي أم تمثيلية؟

- هو جدي، و<أوباما> جرّب مواجهة اسرائيل بعد إهانات عديدة تلقاها من <نتنياهو>، والأمر لا يقتصر على إهانته يوم ذهب <نتنياهو> ليخطب في الكونغرس دون أن يلتقي به، بل ان هناك مؤشرات على هذا الخلاف لا يعرفها إلا الأميركيون أنفسهم. فالكونغرس صفق لـ<أوباما> 8 مرات، بالإضافة الى وقوف النواب له عدة مرات، لكن عندما خطب <نتنياهو> وقف النواب له أكثر وصفقوا له أضعاف ما صفقوا لـ<أوباما> في إشارة منهم كرسالة لـ<أوباما> انهم يتفقون مع <نتنياهو> حول ما يقوم به. ولذلك فـ<أوباما> أهين حتى ان وقاحة <نتنياهو> ليست لها حدود مع الأميركيين، لكن <أوباما> لديه حدوده أيضاً وهو يحاول الضغط على اسرائيل حتى انه أرسل بالأمس وزير دفاعه <آرثر كارتر> الى اسرائيل لشرح موقفه حتى انه قبل توقيع الاتفاق مرّره لإسرائيل لأخذ البركة، ورغم ذلك لم يحصل عليها لأن لدى <نتنياهو> تخوفاً كبيراً من ايران ويعتبر أن الواجب كان يقضي بأن يزيد <أوباما> العقوبات على ايران، لأن ما أتى بإيران الى طاولة المفاوضات هو العقوبات، ولذلك فزيادة العقوبات تروض إيران أكثر وتصبح مطواعة وسقفها التفاوضي يصبح أكثر انخفاضاً، وآنئذٍ يتم فرض اتفاق أفضل عليها ويتم وقف البرنامج النووي بالكامل وليس تأجيله الى 10 سنوات.

ــ وماذا عن التزام ايران بالاتفاق خاصة وان هناك أصواتاً داخل ايران ترفض الرقابة المشددة على المواقع العسكرية والصاروخية؟

- هناك اليوم إيرانان وليس إيران واحدة، ايران حسن روحاني المعتدل، وإيران قاسم سليماني المتشدد (رئيس الحرس الثوري)، وهناك صراع جدي وليس لعب أدوار كما يقال، والمتشددون يقولون إن قرار مجلس الأمن يجب أن يعدّل بحيث لا يؤثر على القوة الدفاعية وخاصة الصواريخ <البالستية>. وأتصور ان مجلس الشورى سيصوت على الاتفاق نتيجة موافقة المرشد علي خامنئي عليه، لكن لا أعرف ما إذا كان المتشددون يستطيعون العرقلة أم لا. فالأمر صعب ولكن الأهم من هذا سيجري في الجهة المقابلة لجهة الموافقة الأميركية داخل الكونغرس على الاتفاق.

معركة في الكونغرس

 

ــ ماذا تتوقع هنا؟

- هناك قوة كبيرة داخل الكونغرس في مجلسي النواب والشيوخ من غالبية الجمهوريين ومعهم بعض الديموقراطيين يرفضون الاتفاق، ولذلك من المنتظر أن تحدث معركة هناك، وإذا استعمل الرئيس <أوباما> حق <الفيتو>، فهذا معناه المواجهة مع الكونغرس. فلدى المعارضين داخل مجلس الشيوخ أغلبية إنما يحتاجون الى 13 صوتاً من الديموقراطيين ولديهم 6 سيصوتون من أصل 13 والمعركة تدور على الباقي وهذا ما يحاولون فعله، وفي مجلس النواب لديهم أغلبية إنما هم بحاجة تقريباً لربع أصوات الديموقراطيين وهم يحاولون أيضاً استمالة النواب الديموقراطيين، علماً ان <اللوبي> الاسرائيلي بدأ يعمل، وتصريح <نتنياهو> بالأمس أعطى الضوء الأخضر لهذا <اللوبي> لكي يتحرك، إنما لا نعرف كم سيؤثر التحرك الاسرائيلي وما إذا كانت اسرائيل تستطيع تأمين ثلثي الأعضاء لكسر <الفيتو> الرئاسي، لاسيما وان قيادات الكونغرس الرافضة للاتفاق  لن تستطيع وحدها تأمين هذه النسبة إنما الدفع الإسرائيلي يمكن أن يتطور لاسيما وان <اللوبي> الإسرائيلي قوي جداً داخل مجلس النواب وضعيف داخل مجلس الشيوخ، ناهيك عن الأموال التي قد تستعمل لاستمالة النواب من خلال التلويح بالانتخابات المقبلة عام 2016.

ــ ماذا يحدث لو لم يتم تأمين نسبة الثلثين؟

- هناك مسألتان لا بد من التوقف عندهما: الأولى، ان الجمهوريين إذا لم يستطيعوا تأمين الثلثين، فهذا معناه أن <أوباما> سيتخذ قراراً مصيرياً ضد رأي غالبية مجلس الشعب، ولذلك هو اندفع باتجاه الذهاب الى مجلس الأمن لإقرار الاتفاق ليقول للكونغرس ان الاتفاق حظي بمباركة دولية ولا يجوز للولايات المتحدة أن ترفضه حسب رأيه، إنما سيصور <أوباما> كأنه ديكتاتوري لاتخاذه قراراً ضد غالبية ممثلي الشعب الأميركي. والثانية، انه إذا نجح الجمهوريون في تأمين الثلثين فـ<أوباما> سيقول لهم إن 90 بالمئة من شعوب العالم قبلت بالاتفاق بغية حشر الكونغرس، حتى انه يستطيع في هذه الحالة ان يعلق العقوبات التي فرضت في عهده ويرفع العقوبات التي وضعها من خلال قرار رئاسي، لكن في هذه الحالة يستطيع من يأتي بعده أن يعيدها بشحطة قلم، وهذا سيكون نقطة سوداء في سجل <أوباما> بأنه علّق قرارات اتخذتها غالبية ممثلي الشعب في مجلسي الشيوخ والنواب ويسألون عن الإرث أو الإنجاز الذي تحدث به <أوباما> وانه اتخذ إجراءات قد تكون ديكتاتورية.

ــ هل ترى في الاتفاق منفذاً لحل أزمة الرئاسة في لبنان؟

- المشكلة اللبنانية هي على مستوى إقليمي وليس على مستوى دولي، وبالتالي إذا اتفقت ايران مع السعودية يحدث انفراج لبناني، لكن ما يحدث ان ايران ستتفق مع اميركا حتى ان <أوباما> قال ان الملفات الحامية مثل سوريا والعراق واليمن يتم التعامل معها بشكل منفرد غير مرتبط بالاتفاق النووي، وعلى كل حال فالغطاء الأمني الدولي فوق لبنان قائم وهو يحافظ على الاستقرار ويتوقف على تحــرك المجتمع الدولي الذي إذا شعر ان هذا الاستقرار مهدد وخرجت الأمور عن السيطرة، فهو حكماً سيتدخل تماماً كما حصل من خلال أزمة رئاسة الحكومة، فكان التدخل منعاً لحدوث مشكلة كبيرة خاصة في ظل الفراغ الرئاسي.