أطلق في الشهر الماضي المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار وانتخب النائب السابق سمير فرنجية رئيساً لهذا المجلس بأكثرية موصوفة، لكن يبقى السؤال عن دور هذا المجلس مع وجود أمانة عامة لقوى 14 آذار وما إذا كان الهدف منه إعادة الزخم لحركة 14 آذار بعدما علت صرخات الاحتجاج من المناصرين لاسيما من المستقلين على أداء القيادات واحتكار الأحزاب لهذه الحركة.
<الأفكار> استضافت في مكاتبها الرئيس الجديد للمجلس الوطني الوليد سمير فرنجية وحاورته على هذا الخط بالإضافة الى المشاكل التي يتخبط بها لبنان على صعيد تعطيل المؤسسات الدستورية والفراغ الرئاسي وما يتفرع عنه بدءاً من السؤال:
ــ ما دور المجلس الوطني أولاً، وبِمَ يتميز عن الأمانة العامة لقوى 14 آذار؟
- الأمانة العامة هي إطار تنفيذي بين أحزاب ومستقلين، والمجلس الوطني هو إطار للمستقلين فقط للمشاركة في رسم خيارات 14 آذار، خاصة وان المستقلين لعبوا دوراً أساسياً في انتفاضة الاستقلال عام 2005 وعملياً ليست لديهم أي طريقة للمشاركة، وبدت القضية وكأن حركة 14 آذار اختزلت بالأحزاب وجرت محاولات عديدة لفتح الباب وخلق مجلس وطني يضم مستقلين وأحزاباً، لكن الأحزاب اعترضت فتجمد الطرح. وهذه السنة، أعيد الطرح من جديد، فاعترضت الأحزاب وتقرر آنذاك إنشاء مجلس وطني للمستقلين، وحصلت الانتخابات وبدأ التحضير للمؤتمر الوطني العام بعد شهرين.
ــ من يضم المجلس الوطني من أسماء معروفة؟
- هناك العديد من الأسماء من ناشطين ودكاترة ومحامين ومهندسين ووجوه بارزة.
ــ من مثلاً؟
- هناك نقيب الأطباء السابق جورج اقليموس، رئيس جمعية خريجي الجامعة العربية أحمد سنكري وغيرهما، وبالتالي هناك تنوّع كبير ولافت.
ــ من أين يأتي التمويل؟
- التمويل سيأتي من الأعضاء عبر الاشتراكات، وهناك أمور ستجري بالتشارك مع جمعيات وروابط ومع المجتمع بشكل عام...
ــ ما أهم ما ورد في الوثيقة السياسية لهذا المجلس؟
- أهم ما ورد ان 14 آذار عام 2012 رفعت شعار لم تطبقه وهو <من انتفاضة الاستقلال 2005 الى انتفاضة السلام 2012>. وقد فسر كل طرف هذا الشعار من منظاره الخاص واعتبر ان الأولوية لقانون الانتخاب وما شابه. واليوم مسألة خيار لبنان لم تعد خياراً سياسياً، وإذا لم نخض معركة سلام هذا البلد فلن نعرف أين سيذهب لاسيما وأنه مهدد بأخطار نتيجة ما هو حاصل في العالم العربي، خاصة وان هناك انفراطاً في الداخل لكل شيء بدءاً من انفراط الدولة.
الحوار وفائدته
ــ يقال إن اليد الدولية تحمي لبنان وتحافظ على استقراره. فهل هذا كافٍ؟
- لا نعرف متى ترفع هذه اليد أو يحصل عمل إرهابي ما يفجر الأوضاع في لحظة، حيث لا توجد ضمانة دائمة. ولذلك نقول اليوم إن الجميع يشعرون بخطورة الوضع، وأعني بذلك القوى الموجودة هنا وهناك، أي 8 و14 آذار، لكن لا يجري عمل لخلق شبكة أمان في البلد. ويجوز القول إن هناك إشارة وحيدة لهذه الشبكة المطلوبة قد تكون في هذا الحوار القائم بين تيار <المستقبل> وحزب الله بحيث يستطيع الفريقان في مكان ما التحدث مع بعضهما البعض، علماً ان انتقادات كثيرة رافقت هذا الحوار.
ــ الحوار قائم لكن الحملات بينهما لم تتوقف. فأين أثار هذا الحوار؟
- صحيح ان الحملات لم تتوقف ولكن بمجرد حصول اتصال بينهما يتم حصر تداعيات أي مشكلة.
ــ كحال التلفون الساخن بين واشنطن وموسكو؟
- تماماً، لا بل أقول أكثر من ذلك انه من المغرب حتى أندونيسيا فهذه الطاولة الوحيدة التي يجلس إليها سنّي وشيعي ولا بد من الحفاظ عليها، ودور بلدنا ليس منع الفتنة السنية - الشيعية، بل دوره ان يكون مثالاً للخارج في كيفية تجاوز هذه الفتنة. وربما أنا طموح أكثر، لكن في تقديري هذه هي وظيفة لبنان...
ــ وهل لديكم شيعة فاعلون في المجلس الوطني؟
- أكيد، وسبق وقلت انه يضم كل التنوّع اللبناني. وهناك مثلاً رئيس بلدية بعلبك السابق غالب ياغي في المجلس، لا بل أقول إن المجلس الوطني هو الإطار الوحيد الذي يتجاوز الحدود الطائفية لأنه يضم الجميع من جهة، ولا أحد آتٍ بوصفه ابن طائفة ما من جهة ثانية. وفي تقديري ان مستقبلنا مرهون بنقل العمل السياسي مما هو عليه اليوم من صراع زعماء طوائف على مكاسب الدولة الى مكان آخر، حيث لا نستطيع أن نكمل بهذا الشكل.
الدور المسيحي في قمع الفتنة
ــ وماذا عن حوار <القوات> و<التيار> حتى ان الرئيس نبيه بري يبدي استعداده أيضاً لرعاية حوار بين <التيار الوطني> وتيار <المستقبل>؟
- كل الحوارات مفيدة، ولو كنت محل عون أو جعجع لما كنت اعتبرت أن النيات هي المهمة بل اننا كمسيحيين علينا مسؤولية الحافظ على هذا البلد، والحفاظ على هذا البلد يبدأ بمنع الفتنة السنية - الشيعية، فهذا هو العنوان الأساسي وليس المهم إعلان النيات..
ــ وماذا عن توسط الدكتور سمير جعجع بين التيار و<المستقبل>؟
- المهم أن يلعب المسيحيون الدور بين السنة والشيعة، خاصة وان الجانب السني - الشيعي هو الذي يشكل الخطورة خاصة في ما يتعلق بالمنطقة، وهنا دور المسيحيين في الجمع بين السنة والشيعة.
ــ هل تراهن على دور للمستقلين لانتشال لبنان من أزماته طالما ان الأحزاب فشلت؟
- هناك إشارة واضحة أمامنا تدل على كوارث آتية إلينا إذا لم نحصن أنفسنا... فنحن نقف مكتوفي الأيدي ونتلهى بأمور صغيرة... فهناك شيء لا بد من الانتباه إليه، ومآخذي على الطبقة السياسية انها لا تفهم أهمية هذا البلد... فهذا هو البلد الوحيد في العالم الذي يكون فيه المسيحيون شركاء متساوين مع المسلمين في إدارة شؤون الدولة... والبلد لا يقوم فقط بجناحيه، بل نستطيع القول إن هذا البلد هو الوحيد في العالم الإسلامي الذي يكون فيه السنة والشيعة شركاء متساوين في إدارة شؤون الدولة. وهنا تكمن أهمية هذا البلد... فهذا يتحدث عن حقوق المسيحيين وذاك يتحدث عن حقوق المسلمين، لا ... خلصنا من القضية ومستقبلنا هنا. وإذا أراد أحد أن يهتم بنا، فلأننا نتشارك فيه، مسلمين ومسيحيين، وهنا تكمن أهمية هذا البلد وبالتالي أصبحت هذه المسألة اليوم حيوية بالنسبة للغرب.
أهمية اتفاق الطائف
ــ البعض يقترح أن تعمم التجربة اللبنانية لتكون باب الخلاص لأزمات المنطقة المشتعلة. فهل هذا وارد؟
- تماماً... فالبعض يقول إن اتفاق الطائف غير جيد، لكن ما أراه ان هذا الاتفاق يجب أن يعمم على كل المنطقة. وأتذكر هنا كلاماً قاله الصادق المهدي قبل تقسيم السودان، قال فيه: إن السودان بحاجة الى اتفاق طائف سوداني... فهذا الاتفاق نموذج ولكن للأسف يظهر بين الحين والآخر من يطالب بالفيدرالية أو البعض يريد تعديل الصلاحيات، وما إلى ذلك.
ــ هل استوقفتك صورة الدكتور جعجع مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؟
- لا...
ــ هل تعتقد أن الحل يكون بانتخاب الرئيس من خارج إطار 8 و14 آذار كما قال الرئيس تمام سلام وطالب بمرشح حيادي معتدل؟
- صحيح.
ــ وهل لديك اسم معيّن؟
- ليس لدي اسم معين، إنما هناك أسماء مطروحة ومن الممكن أن تصلح لهذا المنصب.
ــ مثل من؟
- طرح عدد من الأسماء مثل الوزير السابق جان عبيد الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى سفير لبنان في الفاتيكان جورج خوري، ومندوب الجامعة العربية في باريس السفير بطرس عساكر والمهم أن يفهم اللبنانيون أنه لا يمكن الإتيان برئيس لا من 8 ولا من 14 آذار.
ــ وهل يسمح عون وجعجع بالإتيان برئيس غير أحدهما؟
- العماد عون يمكن أن يعقّد الأمور لأنه مدعوم من حزب الله، لكن في النتيجة الرئيس اليوم هو حاجة لكل البلد وليس فقط للمسيحيين، حتى ان حزب الله يستفيد من وجود رئيس.
ــ وإذا اتفق عون وجعجع على مرشح واحد؟
- جيد، لكن قرار اختيار رئيس الجمهورية ليس قراراً مسيحياً.
ــ وهل الكلام الذي يقال للمسيحيين بأن يتفقوا على مرشح كلام في الهواء إذاً؟
- صحيح.
ــ يقال أيضاً إن الرئيس ليس صناعة لبنانية على مرّ التاريخ حتى ان اختيار الرئيس سليمان فرنجية جاء بتدخل من الاتحاد السوفياتي عبر الزعيم الراحل كمال جنبلاط. فماذا تقول؟
- اليوم إذا استطاع اللبنانيون بلورة خيار يستطيعون السير به... وهنا أعود الى محطات أساسية ومنها 14 شباط/ فبراير 2005 حيث لم يكن الاميركيون ولا غيرهم موافقين على تظاهرة 14 شباط/ فبراير، لا بل طلب البعض تأجيلها. إنما حصل اجماع وكانت التظاهرة، وبالتالي إذا حصل اجماع على مرشح ما لا يمكن للخارج أن يرفضه. ونحن من خلال الصراع القائم في المنطقة، فكل سفير له رأيه في الموضوع الرئاسي، لكن إذا اتفق اللبنانيون كخطوة أولى يرضخ الخارج لإرادتهم، وهذه خطوة أولى، والثانية أن يتم اختيار شخص يعرف تماماً لماذا هو آتٍ، وان هناك نقلة في البلد من حالة الى أخرى. وإذا كنت أنتقد حزب الله بالنسبة للمقاومة، فأقول انه لا بد من انتقاد نفسي في دعم المقاومة الفلسطينية ما قبل العام 1975 وما بعده، وأنتقد نفسي في دعم المقاومة اللبنانية وأكثريتها مسيحية، وأنتقد نفسي في دعم المقاومة الوطنية اللبنانية، وبالتالي فالدور الذي يجب أن نلعبه هو ان نقول لبعضنا البعض ان الكل أخطأوا وحان الوقت لأن <نضبضب أنفسنا>.
الإرشاد الرسولي وأهميته
ــ خطأ أو خطايا؟
- الاثنان معاً، لكن أردد ما سبق وقاله الإرشاد الرسولي عندما زار البابا <يوحنا بولس الثاني> لبنان عام 1997 وهي جملة من أربع كلمات تقول إن الكنيسة شهدت أبناءها يُقتلون ويَقتلون ويتقاتلون... فهذا تلخيص لحالنا. وفي رأيي ان هذه الجملة تطبق على كل اللبنانيين.
ــ من هو الرئيس الذي ترك أثراً في هذه المعادلة التي تقولها؟
- الرئيس فؤاد شهاب. وهناك جريمة ارتكبت وهي اننا لم نعرف استغلال فرصة بناء الدولة في عهده وتجاوز التخلف الطائفي. فالمسيحيون انقضوا على هذه التجربة قبل المسلمين عبر الحلف الثلاثي العام 1968، وهذا النموذج كان يحمل أملاً للبنان ولو ترك المجال له لما كنا دخلنا في حرب أهلية عام 1975.
ــ ماذا تطلب من تمام سلام أن يفعل اليوم؟
- هناك حكمة عند الرئيس سلام ومن الجيد انه هو بالذات موجود اليوم وفي هذه الظروف بالذات... وفي تقديري ان هذه الحكمة الموجودة عند تمام سلام من المفترض ان تكون موجودة عند الرئيس الذي يجب أن ننتخبه بحيث يكون على شاكلة تمام سلام في حكمته واعتداله.
ــ هل هذه الخبرة الموجودة لدى الرئيس سلام هي من مدرسة والده الراحل صائب سلام؟
- أكيد... فالرئيس صائب سلام عندما حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا كان بيتي الى جانب بيته، وعندما جاء الخبر وجدت بعض النسوة يولولن فسألت عن الموضوع وأخبروني بالمجزرة، فقصدت منزل الرئيس صائب سلام وتحدثت معه فقال لي: من تتهم بالمجزرة؟! لم أرد... قال: <إذا اتهمت الكتائب بها فالبلد لن يركب بعد اليوم>. وأردف يقول: <اسرائيل المسؤولة الوحيدة عن المجزرة...>. هنا تكمن حكمة الكبار...