تفاصيل الخبر

الــرئـيـس الحريــــري يـخـلـــع عــــن الـسيــاســــة رداء الـكـــذب ويـفــــرض حـكـومــــــة الـوحــــدة الـوطـنـيــــــة!

25/10/2018
الــرئـيـس الحريــــري يـخـلـــع عــــن الـسيــاســــة رداء  الـكـــذب ويـفــــرض حـكـومــــــة الـوحــــدة الـوطـنـيــــــة!

الــرئـيـس الحريــــري يـخـلـــع عــــن الـسيــاســــة رداء الـكـــذب ويـفــــرض حـكـومــــــة الـوحــــدة الـوطـنـيــــــة!

 

بقلم وليد عوض

كانوا يقولون عن السياسة في الماضي بأنها فن الكذب، وأن سلاح رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية <ونستون تشرشل> كان يجمع بين الصدق والكذب، ولكنه في الساعات الحرجة كان المثل والمثال، مثل وقفته خلف الميكروفون وندائه الى قوات السلاح البحري بأن تغرق سفينة <البيسمارك> الألمانية، بعدما أحدثت هذا الخراب الكبير في سواحل بريطانيا. فالموضوع هنا لم يكن يحتمل الكذب لأنه يتعلق بمصير أمة.

وقبل ذلك كان <آرثر تشامبرلن> المفاوض بين انكلترا وألمانيا، يعتمد سياسة المصارحة أحياناً والكذب أحياناً أخرى، ويخرج من المشهد كمفاوض تاريخي لا يشق له غبار.

والرئيس سعد الحريري لا يحمل مظلة <تشامبرلن> ولا سيجار <ونستون تشرشل>، وإنما يعتصم بالخلق السياسي الذي يقوم على المصارحة عندما يقتضي الأمر. لقد دخل <هيوستن ستيوارت تشامبرلن> عالم إخفاء الحقائق في الحرب العالمية الأولى اشتقاقاً من تركه الجنسية الانكليزية الى الجنسية الألمانية. وقد تزوج من <آنا فاغنر> بنت الموسيقار <ريتشارد فاغنر>، ومن يلعب بجنسيته يكون قد اختار سلالم التمويه على الحقائق.

ما علينا. لقد مرت على تكليف الرئيس الحريري برئاسة الحكومة عدة شهور، وكان يعد بتأليف الحكومة في مدى أيام ولم يحقق الهدف، وآخر رهاناته كانت على إنجاز التشكيلة الحكومية في عشرة ايام، ومع ذلك لم يصل الى النتيجة المبتغاة، وهذا الأسبوع كان أمام مرآة الحقيقة ويرئس مشروع حكومة تعددت فيها المشارب والأهواء، وطغى فيها اختيار الحقائب الوزارية على المستوزرين. فماذا عساه يفعل؟!

أول الخطوات ينبغي أن ترفع الستائر عن اتفاقات <سيدر> الباريسية التي تعد لبنان بالاستثمارات في وقت يترنح فيها اقتصاده ويجف ضرعه السياحي لأن أهل الخليج لم يأتوا كما كان متوقعاً، وكان على البلد أن يلجأ الى التقنين بدءاً من الطاقة الكهربائية، خصوصاً وانه يدخل في موسم التدفئة والتبريد، وكلاهما يحتاجان الى طاقة كهربائية، ومن يقبض على وزارة الطاقة يكون قد قبض على مفتاح الحظ، خصوصاً إذا اعتمد على طاقة البواخر التركية وشركة <كارادينيز> أي <البحر الأسود> المنسحبة بعد جفاء. وبفضل هذه الاعتبارات كان التنافس على وزارة الطاقة بين التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وتيار <المستقبل>.

هنا يفرض السؤال نفسه: أين موقف فخامة الرئيس؟!

برغم أن اتفاق الطائف عام 1989، لم يلحظ أي موقع لحصة رئيس الجمهورية في التشكيلات الحكومية، فإن عملية تركيب الجسد الحكومي لا تمانع في أن يكون لرئيس الجمهورية ثلاثة وزراء وربما أربعة من كافة طوائف لبنان، والمرجح ان نائب طرابلس فيصل كرامي سيكون في المركز السني لاختيارات الرئيس عون، وإن استدعى ذلك التضحية بأحد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، تماماً كما فعل الرئيس نبيه بري في تشكيلة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حين تنازل عن حقيبة وزارية من حصة حركة <أمل> لصالح فيصل كرامي، متجاوزاً بذلك كل اعتبار مذهبي.

 

لماذا وزارة العدل؟

 

وواضح حتى الآن ان الرئيس عون يتمسك بحقيبة وزارة العدل لصالح الوزير سليم جريصاتي، على أساس ان من يقبض على مفاتيح وزارة العدل يكون قد قبض على <العدل الذي هو أساس الملك> وأعلن مكافحة الفساد. في المقابل يصر رئيس القوات اللبنانية ونائبه جورج عدوان على أن تكون وزارة العدل من نصيب القوات اللبنانية لعدة اعتبارات أولها ان رهبة وزير العدل تطغى على كل اعتبار وهكذا كانت تجربة وزير العدل السابق الدكتور بهيج طبارة، وسليم جريصاتي. الأول كان يقطع بسكين الرئيس سعد الحريري، والثاني يعتبر نفسه امتداداً لنفوذ الرئيس ميشال عون.

وكما وزارة العدل، كذلك وزارة الأشغال التي تحط عليها عين تيار <المردة> بعدما أبلى فيها الوزير يوسف فنيانوس بلاء حسناً، ولاسيما في تنظيم جهاز مطار رفيق الحريري الدولي. وإمساك أي تيار حزبي في البلد بوزارة الأشغال يعني استيعاب كل ما يتعلق بالأشغال العامة، ومشاريع التطوير، وفرصة لسد الحاجات الإعمارية، وإذا نجح سليمان فرنجية في القبض على زمام وزارة الأشغال، تكون تشكيلة الحكومة قد قطعت شوطاً كبيراً نحو الوصول الى السراي.

في هذا الخضم لا يجوز أن ننسى الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط. فهو مع المثل القائل <من حضر السوق باع واشترى>. وكانت عينه في الوزارة على حقيبة وزارة التربية وقد تسلمها مروان حمادة، وحاول أن يبني فيها أجيالاً من أهل العلم والمعرفة، ويدخل على الامتحانات الرسمية تعديلات من وحي العصر. ويمكن للحزب الاشتراكي أن يطلب في التفاوض وزارة أخرى، كوزارة الصحة التي زرع فيها مروان حمادة مشروع <صحة للجميع> باطلاق بطاقة صحية لكل مولود، ولكن الصراعات السياسية عطلت هذا المشروع. ووزارة الصحة هي الآن مطلب حزب الله بحيث يفتح الباب للخدمات الصحية في منطقة البقاع، وبحصول الأهالي على المكاسب الصحية يكون حزب الله قد أعطى البلاد والعباد ممراً الى إنشاء المزيد من المستشفيات والدُور الصحية، ويحفظ للبقاع والبلاد فرصاً للحصول على مكتسبات وطنية بعدما كان التداوي يفرض على ابن الهرمل المجيء الى بيروت، أو الضاحية الجنوبية.

وقد يكون حصول حزب الله على وزارة أخرى بالتفاوض مثل وزارة التربية أو وزارة الطاقة شفيعاً للحزب إذا تخلى عن المطالبة بوزارة الصحة، خصوصاً وأن حصوله على هذه الوزارة الخدماتية ستجعله في مواجهة الولايات المتحدة.

من <سبيرس>

الى عبد الناصر

فوزارة الصحة قطاع خدماتي يضمن لحزب الله تواصلاً أفضل مع الناس، ويخرج الحزب من القطاع الحزبي الملتزم الى قطاع الخدمات. وإذا جاءت وزارة الاقتصاد في حركة التفاوض الوزاري كبديل لحقيبة وزارة الصحة، فالجواب: <لم لا>؟!

وتبقى عين الخارج مسلطة على لبنان، وخصوصاً في هذه المرحلة. وقد كان لبنان زمان الأربعينات تحت وصاية فرنسا (الأم الحنون) ثم انتقل الى الوصاية البريطانية عبر الديبلوماسي البريطاني <ادوارد سبيرس> الذي له شارع باسمه على طول الطريق الممتد من حي الصنائع الى جادة فؤاد شهاب مروراً بمقر الصليب الأحمر. ومن وصاية <ادوارد سبيرس> انتقل لبنان الى علاقة خاصة مع الرئيس جمال عبد الناصر، ودلل على هذه العلاقات الدور البارز للسفير المصري اللواء عبد الحميد غالب والمستشار الصحافي أنور الجمل، ثم جاءت الوصاية السورية لتقطف الثمار في عهد الرئيس الياس سركيس.

وقد حاول الاسرائيليون صيف 1982، وهم يستضيفون الرئيس اللبناني الجديد بشير الجميّل أن يجعلوا الرئيس المنتخب طوع بنانهم ويفرضوا عليه الوصاية الاسرائيلية، لكن الشيخ بشير تمسك بروحه الوطنية اللبنانية وأفهم الاسرائيليين أنه لن يكون في متناول أي دولة، ولم يتنبه الى مؤامرة حاكها ضده الحزب القومي السوري بحيث نجح في اغتياله عبر عضو الحزب حبيب الشرتوني، وجاء الى الرئاسة بدلاً منه رئيس حزب الكتائب الشيخ أمين الجميّل الذي كان منفتحاً على الإعلام، بحيث كانت له مقابلة كاملة في القصر الجمهوري نقلتها كل وسائل التلفزيون، وكان ترشيحه بناء على طلب عضو حزب الكتائب جوزف الهاشم وسانده في ذلك الرئيس صائب سلام، لكن هذه البادرة من جوزف الهاشم لم تحصل على رصيدها بعد ذلك وقام جوزف الهاشم بتقديم استقالته من الحزب ليظل رئيساً لمجلس ادارة تلفزيون حزب الكتائب فترة من الوقت. ولقي جوزف الهاشم الانصاف المرتجى من الرئيس كميل شمعون الذي كلفه من سريره الاستشفائي في <أوتيل ديو> بفتح باب الاتصال بالرئيس رشيد كرامي، توصلاً الى اتفاق يقضي بتنازل رئيس الجمهورية عن صلاحياته لمجلس الوزراء مجتمعاً، وكان الطرف الثاني في هذا الاتصال العميد سمير شعراني، وتلك بادرة لها رصيدها بالنسبة للرئيس كميل شمعون لأنها كانت نواة اتفاق الطائف.

ونسأل الآن: أين هو لبنان؟!

منذ امساكه بمقاليد السلطة حاول الرئيس سعد الحريري أن يمد جسوراً مع الخارج، فطرق على باب البيت الأبيض، ودق جرس قصر <الإليزيه> في باريس، وفتح اتصالاً مع رئاسة وزراء انكلترا، وفي رأيه ان الإبحار في السياسة الخارجية يحمي الكيان في الداخل، ولكن بادرته تعثرت على باب البيت الأبيض وهو يستعد للقاء الرئيس <جورج بوش> إذ أعلن الوزير عدنان السيد حسين استقالته من الحكومة فتعطل الحوار بين الرئيس سعد الحريري والرئيس <بوش>.

وحتى مساء الجمعة الماضي لم تكن الحكومة الجديدة قد رسمت ملامحها، وإن كانت فرصة اعلانها قد طغت على كل الأحداث.

ماذا يمكن أن نسميها: هل هي حكومة كل لبنان؟ أم هي حكومة التوافق الوطني؟

مهما كانت التسمية فإن لبنان سيحصل على حكومته بعد طول انتظار!