تفاصيل الخبر

الــــرئيس الحريـــــري رســم عـلاقــــة لـبـــنان بـالـجــــوار العربــــي والاقليمـــــي بـــالـنـأي عـــن الـنـفـــــس!

01/12/2017
الــــرئيس الحريـــــري رســم عـلاقــــة لـبـــنان بـالـجــــوار العربــــي والاقليمـــــي بـــالـنـأي عـــن الـنـفـــــس!

الــــرئيس الحريـــــري رســم عـلاقــــة لـبـــنان بـالـجــــوار العربــــي والاقليمـــــي بـــالـنـأي عـــن الـنـفـــــس!

  

بقلم وليد عوض

2

كان يقال <الحق على الطليان>. وبعد رحلة الرئيس ميشال عون الى روما لقضاء ثلاثة أيام في كنف الزعماء الأوروبيين صار يقال: الحق على الطليان إذا لم يهبوا مع القادة الأوروبيين الآخرين لدعم الاستقرار في لبنان ضد التطرف.

دخل كتمان السر القاموس السياسي من أوسع دفتيه. أصبح لغة جديدة في التداول السياسي، وبقدر ما يكتم المسؤول السر بقدر ما يوسع شبكة نفوذه. وهذا ما فعله رئيس وزراء لبنان سعد الحريري في استقالة الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) وفتحه الجسور بين الرياض وباريس، وصولاً الى الرئيس القبرصي <نيكوس أناستا سياديس>.

كان الملتفون حول الرئيس سعد الحريري يريدون أن يعرفوا لماذا قدم استقالته من الرياض ليل الرابع من هذا الشهر؟ ولماذا جاء الى بيروت تلك الليلة، ثم عاد الى العاصمة السعودية ثم لبى دعوة الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> مع عائلته الى غداء في باريس، ومجيئه الى القاهرة قبل أن ينتصف به الليل في قبرص؟

وما كان أكثر الافتراضات.

لقد حصل تصور في البداية بأنه في أزمة مع العائلة السعودية المالكة، ولكن مشاهده في التلفزيون تلك الليلة وهو يصافح الملك سلمان ويقبل كتفه كانت أكبر إشارة للتعامل مع الملك. كذلك كان تساؤل عن ذهابه الى باريس في طائرة سعودية، والى القاهرة وقبرص وبيروت في طائرة خاصة. وهكذا يكون السر مكتوماً في صدر الرئيس الحريري، وخاصاً به، وغير مصرّح عنه حتى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي طلب إليه التريث في تقديم استقالته وسط يافطات في ساحة رياض الصلح تحمل عبارة <سعد أو لا أحد>.

وقد حجب الرئيس الحريري في تظاهرة ظهر الأربعاء كل نفوذ آخر، ولم يكن في مستطاع أي زعيم سياسي آخر أن يفرد جناحيه أو ينبس ببنت شفة، ويدخل في الحيثيات، وهي المرة الأولى التي يتيح الجمهور المحتشد حول الحريري أن لا يطلب كشف الأسرار أو أو إذاعة ما ليس ضرورياً أن يذاع. و<دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم> وهكذا تعامل مع حشود ظهر الأربعاء الماضي.

ولا بد من تحية للمستشارين حول الحريري بدءاً من ابن عمته نادر الحريري، والوزير السابق باسم السبع. فقد عرف الرجل كيف يتعامل مع المستشارين ولا ينفرد بالرأي. كان يستمع الى المستشارين ثم يأخذ الصيغة التي يراها مناسبة للكلام والتظهير. وكان يوم الأربعاء فعلاً يوم السعد. ماراتون شعبي لم يكن له مثيل في حياة رؤساء الحكومة السابقين، مع ملاحظة الفارق الزمني. واختلاف الظروف.

ولا سبيل الآن الى تعداد الزعماء الذين تعاقبوا على منصب رئاسة الوزراء، بل يكفي أن نشير الى قدرة سعد الحريري على غزو قلوب الناس، خارج أي مذهب طائفي، أو انتماء حزبي، وليس أدل على ذلك من الجمهور الكبير الذي توزع بين ساحة رياض الصلح وبيت الوسط، حيث خاطب الحريري الناس بلغة عاطفية من نوع <انها لحظة قلب سعد الحريري>. ولكن هذه العاطفة الجماهيرية الجامحة التي ضمت رموز غناء مثل راغب علامة، ونساء جمعيات من كل المناطق، تحتاج الى تظهير وطني وقومي في الآتي من الأيام ذهاباً من التشكيك في متابعة استقالة الرئيس الحريري.

 

أولاً: اتفاق الطائف!

ماذا يدور الآن في رأس سعد الحريري بعد هذا الطوفان الجماهيري حوله؟! ما هي خريطة الطريق التي سيعتمدها لمتابعة المسيرة؟!

أولى هموم رئيس الوزراء المتريث في تقديم استقالته هو اتفاق الطائف. فهو الاتفاق الذي يحفظ عروبة لبنان، وجالس على عرش اتفاق الحكم في لبنان، ومقدمة الدستور. فقد تعامل أكثر رؤساء الدول العربية مع استقالة الحريري، وفي مقدمتهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، وكأن الاستقالة حدث في قلب البلد، خصوصاً وأن سعد الحريري عرف خلال تمرسه بالسلطة كيف يمارس سياسة النأي بالنفس واجتناب كل تجمع أو حلف في البلاد العربية والأجنبية والتعامل مع الدول الأجنبية بمنطق الصديق الذي يحارب التطرف أينما كان موقعه. وبهذه السياسة السمحة الخالية من أي انتماء محوري استطاع سعد الحريري أن يكسب كل البلدان العربية سواء بسواء، كما استطاع أن يوازن بين القوى العالمية الثلاث الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، وأن يلقى عندها حظوة وكأنه من رجال سياسة البلد.

ولئن كان الاهتمام الأميركي والفرنسي بالوضع في لبنان ذا شجون ومدعاة لإيجاد الحلول، فإن روسيا هي المرجع الدولي الآن في ايجاد الحل لما يجري في سوريا، ولا بد أن يكون اجتماع الحريري مع الرئيس <فلاديمير بوتين> قد تطرق الى هذا المأزق الجغرافي، مع الاستناد الى المعارضة السورية المتجمعة الأجنحة في الرياض، يوم الأربعاء الماضي، ولطالما كان رأي الرئيس <بوتين> ان روسيا هي على الدوام مع ما يتطلبه الشعب السوري، وهذا الشعب هو صاحب القرار في بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة أو ذهابه منها. وقد خفف الرئيس الحريري من حملاته على بشار الأسد لصالح المعارضة المستعينة بالسقف السعودي.

فهل يمكن فصل المناخ اللبناني عن المناخ السوري؟! وهل يضمن الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري إقصاء النار السورية وتداعياتها عن واقع لبنان؟!

واضح تماماً بأن حزب الله يراعي خاطر حليفه الانتخابي الرئيس ميشال عون، وما بينهما من روابط، وان الرئيس نبيه بري بما أوتي من ذكاء ودهاء يعرف كيف يتعامل مع حزب الله ويستخدم المفردات القليلة للتعبير عن الموقف القومي. وقد اختار بعد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة التعليق بالعبارة الآتية: <شكراً وعذراً>. وقد جعل الشكر لانعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب، والعذر لأن المؤتمر لم يفتح سيرة المقاومة في لبنان>، وهذا ما يحرص عليه الرئيس عون حتى لا يكون حزب الله أداة انفجار.

 

لا... للرئيس السوري!

1

ومن خلال زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد لموسكو يمكن أن يكون لبنان على طاولة البحث وضرورة النأي به عن أي حالة اضطرابية، وهو المناخ الذي دعا إليه الرئيس سعد الحريري كشرط من شروط التريث في تقديم الاستقالة، وهو، كما قال في اجتماع مجلس تيار <المستقبل> ظهر الخميس الماضي في <بيت الوسط> أمر متروك له وحده أن يبت فيه، وهو ضمان عدم إثارة أي تدخل في البلاد العربية، ومن يسيء الى علاقات لبنان بالأشقاء العرب، كما قال النائب السابق باسم السبع في اجتماع <بيت الوسط> ظهر الخميس الماضي.

ووسط هذه التداركات يتحول حزب الله في حكومة الرئيس الحريري الى عامل تهدئة بدلاً من أن يكون عامل إثارة، وقد أفصح عن ذلك ظهر الخميس الماضي الرئيس الإيراني <حسن روحاني> حين أعلن من طهران ان إيران مع وقف اطلاق النار في سوريا.

والأبصار شاخصة الآن على يوم الثلاثاء المقبل، وهو الموعد الطبيعي لمجلس الوزراء، لأن انعقاد هذا المجلس بكامل أعضائه يعني ان التريث الذي يمارسه الرئيس الحريري في تقديم الاستقالة قد تحول الى الاجراء الطبيعي الذي سبق الاستقالة، وكأن شيئاً لم يكن.. والسؤال عن الأسباب التي دعت الى الاستقالة لم يعد يجدي لأنه يضر أكثر مما يفيد. وأول ما ينتظر مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون هو شواطئ لبنان الغنية بالنفط والغاز، وضرورة إجراء المناقصة المطلوبة بين الشركات للتنقيب والاستقصاء والإبحار في أعماق الشواطئ.

ومما يطمئن اللبنانيين في هذه المرحلة هو الاستقرار الذي تبشر به الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق عدنان القصار. فقوة لبنان الآن هي في قوة اقتصاده واستثماراته. وجمعية مصارف لبنان التي يترأسها الدكتور جوزف طربيه ترتاح لوضع الليرة اللبنانية، مهما كانت العقوبات الآتية من البنك المركزي الأميركي في واشنطن ضد حزب الله، ويأتي هذا المشهد مع دعوة رئيس لجنة الاعلام البرلمانية حسن فضل الله ظهر الخميس الماضي الى التسلح بقوة لبنان الديموقراطية والاقتصادية وهي القوة التي يحترمها كل العالم.

فالحالة السياسية المقبلة الآن هي بقاء وزيري حزب الله حسين الحاج حسن ومحمد فينش في البيت الحكومي، وعدم إثارة أية مشكلة مع حزب الله، ومن خلال هذا المناخ السياسي الهادئ يمكن للبنان أن يمضي في تحقيق الاصلاحات التي يشتهي والاجراءات المطلوبة للتهدئة والنأي بالنفس عن التدخل في شأن أي بلد عربي.

وفي هذا الخصوص لا بد من توجيه تحية خاصة الى الرئيس ميشال عون على اعتماده سياسة التكتم في استقالة الرئيس سعد الحريري والتمسك بسياسة النأي بالنفس، وهي السياسة التي يتبناها الرئيس ميشال عون مع الرئيس سعد الحريري وتعتمدها وعود أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بأن يكون لبنان على موعد مع تطورات ايجابية، وكذلك كانت وعود السفير الفرنسي <فوشيه> الذي زار الرئيس الحريري يوم الخميس الماضي.

القاموس اللبناني يدل على سياسة النأي بالنفس، وإذا كانت الدول المجاورة تعاني من المشاكل، كما قال الرئيس الحريري، فلبنان هو في منأى عن الشر بإذن الله.

وحين سيلقي الرئيس ميشال عون خطابه بعد رحلته الى روما، نستطيع أن نعرف ماذا ستقدم ايطاليا وأوروبا للبنان.