تفاصيل الخبر

الـريـــــــاض والـقــاهـــــــــــرة تـعـيـــــــــدان الـــــدور الـعـــــــــربـي إلـــــى الـواجـهـــــــــة

13/03/2015
الـريـــــــاض والـقــاهـــــــــــرة تـعـيـــــــــدان الـــــدور الـعـــــــــربـي إلـــــى الـواجـهـــــــــة

الـريـــــــاض والـقــاهـــــــــــرة تـعـيـــــــــدان الـــــدور الـعـــــــــربـي إلـــــى الـواجـهـــــــــة

بقلم خالد عوض

هل يستعيد محور الرياض ــ القاهرة زمام المبادرة في المنطقة بعدما إنحسر أمام النفوذ الإيراني والتركي؟ هذا ما بدأت تتبلور معالمه في الأيام الأخيرة من خلال عدة إشارات تلت زيارة الرئيسhariri-sissi المصري عبد الفتاح السيسي للرياض ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. الإشارة الأولى اطلقها الرئيس اليمني العائد عن استقالته عبد ربه منصور هادي الذي دعا مجلس التعاون الخليجي إلى إحتضان حوار يضم كل الأطياف اليمنية من دون إستثناء. ولم تمض ساعات حتى رحبت السعودية بهذه الدعوة وعرضت استضافة الحوار في الرياض. ورغم رفض الحوثيين لنقل الحوار خارج صنعاء فإن المبادرة رسالة واضحة إلى كل المعنيين الإقليميين والدوليين بأحداث اليمن أن الحل هناك يجب أن يمر من الرياض. الإشارة الثانية جاءت على لسان أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي الذي طالب بإنشاء قوة عربية مشتركة تتصدى للإرهاب وتشمل مهامها الإغاثة وحفظ السلام وحماية المدنيين، وهذه عبارة مطاطة تبرر التدخلات على انواعها. لقد كثر الكلام عن قوة ردع عربية في الآونة الأخيرة ولكن كلام الأمين العام أمام وزراء الخارجية العرب كان بمثابة حجر الأساس لهكذا قوة. ومن البديهي أن تكون القاهرة ولادة أي قوة عربية مشتركة تماماً كما حصل عام ١٩٧٦ عندما تشكلت قوات الردع العربية لوقف الحرب في لبنان. إذاً يبدو أن مصر والسعودية تعيان تماماً أن التصدي لخطر الإرهاب والفوضى الذي أصبح على حدودهما لن ينجح من خلال سياسة ردة الفعل ولا بد من إستباق الأحداث. وعندما تكون للسعودية حدود مع اليمن بطول ١٣٠٧ كيلومتر، ولسلطنة عمان حدود بطول ٢٩٤ كيلومتر فمن الطبيعي أن يقول الخليجيون إن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن الخليج. أما مصر التي تعاني من إرهاب مزدوج في سيناء وعبر حدودها مع ليبيا التي تمتد على طول ١١١٥ كيلومتر فهي أيضاً من حقها أن تعتبر أن أمن وإستقرار جوارها جزء لا يتجزأ من أمنها القومي.

الحريري وإيران

ولعل زيارة رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري للقاهرة للقاء الرئيس المصري وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تندرج في نسج خيوط هذا المحور وتقريب وجهات النظر في أمور لا تزال عالقة بين مصر والسعودية. ولم يغفل الرئيس الحريري التعبير عن نقاط التلاقي ونقاط الخلاف المصرية الخليجية عندما قال أن لا حياد في مسألة إرهاب <داعش> وهذه مسألة جامعة للقطبين العربيين. وفي الوقت نفسه لمح إلى أن نظام بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من أي تسوية وهذا ما لا يوافق عليه الرئيس المصري... حتى هذه الساعة. الجديد الذي يمكن البناء عليه هو كلام الحريري أن إيران ليست عدوة. هذا التوجه الإنفتاحي يتلاقى مع نظرة السيسي ويعبر عن نافذة الحوار التي لا زال يتمسك بها الخليجيون فيما يخص إيران. كما يعكس نتائج الحملة <التسويقية> الأولى للإتفاق النووي مع إيران التي قام بها وزير الخارجية الأميركي <جون كيري> إلى السعودية. ما قاله سعد الحريري من القاهرة يرسم أيضاً الإطار العام لحوار تيار <المستقبل> مع حزب الله في لبنان: التسوية مع إيران يمكن أن تكون مقبولة إذا لم تشترط تسوية مع النظام السوري. وربما يعبر هذا الموقف عن إحدى عقد الأزمة الرئاسية في لبنان إذ أن موقف رئيس الجمهورية المقبل من النظام السوري مطلوب أن لا يكون فيه التباس أو <نأي بالنفس>.

سلمان-عبد-الفتاح-السيسي لبنان خارج الأولويات الإقليمية

أحداث العراق وسوريا واليمن وليبيا تجعل المسألة اللبنانية في أدنى سلم الأولويات الدولية. حتى على الصعيد الإقليمي فإن الفراغ الرئاسي ومئات آلاف النازحين السوريين والخطر الإرهابي على الحدود الشرقية، كل ذلك لا يستدعي تدخلاً عربياً طارئاً بالنظر إلى ما يجري على حدود مصر أو السعودية أو في عمق العراق وسوريا. وهذا ما يفرض على البلد إستنباط الحل من الداخل من خلال استشراف الإتفاق الغربي مع إيران. كيف ولبنان عالق بين مطرقة حزب الله الإيرانية وسندان الدعم الخليجي؟ لا يمكن أن يمر ميشال عون خليجياً إذا لم يكن موقفه من النظام السوري واضحاً. وسليمان فرنجية أيضاً لن يهضم في الخليج طالما أن التسوية مع النظام في دمشق لم تتضح بعد. فيتو إيران وسوريا ضد سمير جعجع لا رجوع عنه. وإنتخاب الرئيس أمين الجميل من جديد سيعتبر إنتصاراً لـ١٤ آذار التي تحتفل بمرور ١٠ اعوام على انطلاقتها وهذا لا يمكن تسويقه عند حزب الله وجمهوره. كيف للمسيحيين إذاً أن يأتوا برئيس قوي قادر على الحكم؟ ولماذا يتهمهم الكثيرون أن خلافهم هو السبب الحقيقي للفراغ مع العلم أن الفيتوهات الإقليمية تتوزع على ممثليهم؟

الحل عند السيسي؟

كل الرؤساء المصريين على مدى عقود أجمعوا على ضرورة إحترام سيادة لبنان وعدم التدخل في شؤونه. الرئيس عبد الناصر رفض أن يتم الإجتماع مع الرئيس فؤاد شهاب في <جديدة يابوس> أي الطرف السوري من الحدود مع لبنان ليؤكد للرئيس اللبناني إعتراف الجمهورية العربية المتحدة أي الدولة المصرية-السورية الموحدة يومها، بحدود لبنان. واجتمع الرئيسان في خيمة على نقطة الحدود عام ١٩٥٩ بطلب من الرئيس اللبناني. وهذا الإعتراف الكامل من عبد الناصر بالسيادة اللبنانية أتاح للرئيس شهاب محو آثار حرب ١٩٥٨ والتفرغ بعد ذلك لبناء الدولة. وكل اللبنانيين يتذكرون عندما وقف الرئيس أنور السادات أمام مجلس الشعب المصري وردد عبارته الشهيرة <ارفعوا أيديكم عن لبنان> عدة مرات مخاطباً بها سوريا وإسرائيل. حتى الرئيس حسني مبارك كان لا يترك فرصة إلا ليؤكد حرص مصر على السيادة المطلقة للبنان على اراضيه. من هنا يجب إستثمار هذا السياق في العلاقات اللبنانية المصرية والمستمر منذ أيام الرئيس عبد الناصر، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وليس المطلوب إعلان ترشيح الرئيس اللبناني من القصر الرئاسي في <هليوبوليس>، ولكن الرئيس المصري قادر على لعب دور أفعل في المساعدة على إنهاء الأسباب الإقليمية للفراغ الرئاسي، أولا لأن لا مصالح أو أطماع لمصر في لبنان، وثانياً لأن الرئيس المصري لا يزال يمسك بشعرة معاوية مع الجانب الإيراني وحتى السوري بالإضافة إلى الدعم الخليجي الذي يتمتع به.

Obama-and-Hassan-Rohaniهل ومتى نرى رئيساً للجمهورية؟

هناك شبه إجماع لبناني إقليمي أن الرئيس في لبنان يجب أن يكون إحدى ثمرات التسوية في المنطقة.. إن تمت. وهذا يعني إنتظار الدخان الأبيض من العواصم الإقليمية وليس من ساحة النجمة. ولكن هناك مفارقة هذه المرة تجعل إنتخاب رئيس الجمهورية من الداخل ممكناً فقط إذا تمكن اللبنانيون من منع الفيتوهات الخارجية عليه، بعدما كان الإسم يهبط في السابق بالباراشوت من الخارج. فمنذ الحرب العربية الإسرائيلية عام ١٩٧٣ وحتى الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ كان لبنان الساحة، الوحيدة لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية. الجميع اليوم لم يعد بحاجة لهذه الساحة فالمساحات مفتوحة من ليبيا إلى سوريا وأصبح لبنان أضيق من أن يلعب دور الساحة رغم احتفاظه بهذا الدور في المراسلات مع إسرائيل. لذلك هناك إمكانية للنفاذ من الفراغ بشرط أن لا يكون إسم الرئيس الآتي هو نفسه رسالة. وهكذا تبدو المعادلة اليوم هي الآتية: رئيس قوي مسيحياً ولا يستفز أي من الأطراف الإقليمية. وبانتظار توافر هذه المواصفات في أحد المرشحين لا رئيس إلا الفراغ.