تفاصيل الخبر

الرسام والنحات جان بوغوصيان: الــنــار شــريـكــتـي ومــلــهــمــتــي ولـمـا وصـلـت الى الـفــن الـتــشكيــلـي تــحـرّرت!

28/09/2018
الرسام والنحات جان بوغوصيان: الــنــار شــريـكــتـي ومــلــهــمــتــي  ولـمـا وصـلـت الى الـفــن الـتــشكيــلـي تــحـرّرت!

الرسام والنحات جان بوغوصيان: الــنــار شــريـكــتـي ومــلــهــمــتــي ولـمـا وصـلـت الى الـفــن الـتــشكيــلـي تــحـرّرت!

بقلم عبير انطون

 

<Building with fire> معرض عنوانه الدهشة ومصدره التجريب. عناصره، النار والدخان واللون والافكار الرائدة لرسام يصوغ لوحاته برؤية فريدة. هي لوحات تعبّر عن هوية فنان لا يرضى الا بالبحث عن جديد يضيفه. تقنية النار التي يستخدمها ليست جديدة على العالم الفني، الا انه يؤكد لنا بانه لم يصل الى نصف ما قد يكتشفه بواسطتها بعد. في مبنى <لوريان لو جور> و«قبو> <جامعة القديس يوسف> اختار ان يعرض، الاول لرمزية المكان الذي ستتغير وجهته قريبا، والثاني لـ<حميميته وروحانيته>.

جان بوغوصيان حامل اختصاصي الاقتصاد وعلوم الاجتماع الذي اختير العام الفائت في الدورة الـ75 من <بينالي البندقية> الدولي ليمثل الجناح الارمني فيه، يعرض اليوم في بيروت من تنظيم <الجمعية اللبنانية للمهرجانات الثقافية> وبالاشتراك مع غاليري <تانيت> لوحات شارك بعضها في <بينالي البندقية> واخرى صممت خصيصا للعاصمة اللبنانية. لوحات مرسومة بالنار وذات وجهات هندسية وتنظيمية. فما هي تقنية الرسم بالنار؟ ماذا يريد بوغوصيان ان يبدع من خلالها؟ ماذا يقول عن واقع بيروت الفني وماذا عن اسم الفنان اللبناني الذي يحرص على مواكبة اعماله؟

مع الجوهرجي (سابقا) الذي عمل في الاحجار الكريمة والالماس آثرا بعدها الانتقال الى عالم فني <خارج اي مقاييس تجارية او محصورة>، كان لقاء <الافكار> مع الرسام والنحات اللبناني - الارمني - البلجيكي المولود في سوريا، صاحب <الشعلة> التي لا تنطفئ في البحث والذي تضج فيه حياة فنية وان حارقة.

وسألناه بداية:

ــ لماذا وقع اختيارك على مبنى <لوريان لو جور> لمعرضك اليوم؟

- اخترت مبنى صحيفة <لوريان لو جور> الايقوني لانه يرمز الى تاريخ لبنان الذي عانى طيلة 17 عاما من الحرب، ولا زالت في داخله الشعارات والكتابات التي خطها المحاربون على جدرانه. شكّل هذا المبنى بالنسبة لي اكتشافا فظيعا. تواصلت مع صاحبه، وتفاجأ بالفكرة الجميلة بأن اعرض فيه. وأثناء التنظيفات وبعض الاصلاحات خشية ان تقع الناس أو تتأذى، شكلت النار نقطة مشتركة ما بين النار التي نعمل عليها في هذه الاصلاحات وبين النار التي اعمل بتقنيتها على لوحاتي. كأنه جمع بين العملين، وضعناهما قبالة بعضهما البعض، يتكلمان ويتفاعلان. اجتمعت نيران الحرب الاهلية بآثار النار في رسوماتي. انها النار البناءة التي تحمل الترتيب والايقاع والهندسة المنبثقة من الفوضى.

ــ كيف تشرح لنا تقنية العمل بالنار على اللوحات، ونعرف ما للنار من رمزية في الحياة وفي الاديان والتي تكتسب معاني عديدة؟

- النار هي احد العناصر الاربعة للطبيعة: الهواء والماء والنار والتراب. انا استخدم الاربعة ومن ضمنها النار. وصلت الى التقنية من بعد تجارب، بعد اختبارات وتساؤلات كثيرة حول عملي الفني وجوهر وجوده بعد ان تمرست على مدى ثلاثين عاما في الرسم والنحت. يتطور العمل الفني لما يسأل الفنان نفسه كيف يكون ممنوناً مما يقدمه، وان يكون ما يقدمه على علاقة بالعالم من حوله، والأهم ان يضيف جديدا على عالم الفن. انها القوانين او الركائز الثلاث التي يجب على كل فنان ان يحافظ عليها ويسير وفقها. من هنا وصلت لتقنية النار. النار اختبرتها وانا صغير من جرّاء حوادث عدة وهي تحمل خطرا يجعل عملي اكثر اثارة وقوة. وبعد أن استخدمت اساليب وتقنيات فنية مختلفة، دعتني حشريتي الفنية الى اكتشاف النار مع

اللون، تفاعله معها، اردت ان ارى كيف يتصرف اللون مع النار كيف <يقبقب> ومن ثم يجف وكيف يتغير، والى اي نوع يفضي.

ويضيف بوغوصيان:

- كنت أعتقدها فترة عابرة في مسيرتي الفنية كما سبق ودخلت في بعض التقنيات لفترة انتقلت من بعدها الى غيرها، الا أنني علقت بالنار وهي تعلقت بي. احيانا أشعر بأن النار باتت شريكتي، ملهمتي، احوّل من خلالها الدمار الى بناء وهي فكرة اجسدها في عملي. نتجاوب مع بعضنا. هي تقرر ما تريد لي، واحيانا انا اقرر ما أريد بها، اقبل بما تقدمه لي واحيانا لا اقبل، فاعدله مثلما أريد. انه نوع من الرقص الجميل بيني وبينها.

ــ هل تذكر ما كانت لوحتك الاولى بتقنية النار؟

- كما ذكرت كانت تجارب تطورت. وضعت اللون واستخدمت <الشاليمو> لأرى النتائج. بعد اختبارات اولية كنت اتطور الى <البخاويش>... كلها اختبارات لم انته منها بعد حتى اليوم، فبعد ثماني سنوات من العمل بالنار، ما اكتشفت بعد نصف الذي يمكنني اكتشافه، نصف ما اعبّر عنه بواسطتها. <الشاليمو> بالنسبة لي هي بمثابة ريشة الرسم. هذا لا يعني بانني ما عدت استخدم الريشة في عملي انما اجمعهما سويا.

الفن.. اكتشاف دائم!

ــ اي تعريف تعطيه لفنك؟

- فني لا يمكن تعريفه او تحديده لانني في تساؤل دائم وبحث مستمر حول طرق الرسم اليوم وكيف يمكن ادخال مقاييس جديدة عليه. شخصي وتجاربي يقودانني الى الاكتشاف وهذا ما اسميه تطور الفنان. أعتقد بانني آتي بجديد الى الساحة الفنية.

 ــ تقنية النار نادرة نوعا ما، هل يمكن اعتبارها رائدة في عالمنا العربي؟

- هناك شخص واحد في لبنان يعمل عليها، وحتى عالميا الاسماء معدودة. بعض الفنانين جرب النار وقام بعدد محدود من اللوحات وتركها وبعضهم استمر بها مثل <البرتو بورّي>، وكذلك الفنان الصيني الذي هندس المفرقعات النارية للالعاب الاولمبية التي جرت في الصين. <ارمان> اختبر النار وتركها.. شخصيا، لم انته منها بعد.

 ــ ماذا عن حال اللوحة ومدة حياتها او اعادة تأهيلها بعد مضي فترة من الزمن عليها. هل يكون التعامل معها كما اللوحات الاخرى بتقنيات الرسم العادية؟

- صفة الابدية ليست الركيزة الاساسية او الوحيدة للعمل الفني. يمكن لهذا ان يكون <فراجيل> أي حساسا جدا. الفن بشكل عام سريع العطب، حتى لو كان على قماشة الرسم المعدة لذلك. نقطة من فنجان قهوة قد تعطبه. الفن يجب ان يكون اولا ارادة فنية، ومن الافضل ان يكون طويل العمر. عملي هذا <يضاين>. صحيح انني استخدم القماش والورق لكنني اضيف اليها مواداً معينة، من دون ان انكر انه قابل للعطب، وهذه الـ<فراجيليتي> او الحساسية جميلة في العمل الفني.

ــ وتقنية <البيغمان> (المواد الملونة) التي تتقنها ايضا؟

- هي واحدة من التقنيات التي استخدمها. واعمل <راكلاج> (كشط - تقشير) على اللوحة. استخدم سائلا احيانا و<الريزين> احيانا أخرى، ولما اقرر ادخال <البيغمان> على النار امزج ما بين التقنيتين لانجز لوحة واحدة، كمثل الفنانين الذي يجمعون تقنيات مختلفة بحسب ما يريدون انجازه او التعبير عنه.

ــ كيف تصف موقع بيروت فنيا اليوم؟

- انها تتقدم خاصة في الفن التشكيلي المهم جدا. في بيروت لا زال هناك الكثير من الفن المحافظ التقليدي الذي يعنى بابراز امرأة او مشهد او منظر ما. لم نتطور كفاية بعد لعالم التشكيل. انا اكتشفته لما سافرت الى اوروبا إذ تركت بيروت في العام 1975 مع اوائل الحرب وجلت في متاحف العالم من نيويورك الى غيرها وتقدمت بسرعة مستندا على دراستي الأكاديمية التي امتدت طوال 15 عاما. تعمقت في تاريخ الفنون ومارست النحت ايضا. تمرست لفترات في مختلف مدارس الرسم الفنية من التمثيلي الى الانطباعي الى الرمزي والسوريالي وغيرها حتى وصلت الى الفن التشكيلي الذي امارسه تقريبا منذ 15 عاما. لما وصلت الى الفن التشكيلي حررت نفسي، لان من يمارس الفن التصويري يبقى رازحا تحت ضغوط فنية معينة، لكن لما يصل الفنان الى حرية الفن يصبح منفتحا.

ويضيف بوغوصيان:

 - اكتشفت التشكيلي واحببته وسعدت بأن ابقى في اطار الفن التشكيلي على الرغم من ان نفسي تجرني أحيانا الى الآفاق الفنية الاخرى. الجميل في التشكيلي انه يوحي ولا يقول. الاساس ليس أن نفهم بل ان نشعر بما نراه. البارحة زارت المعرض في مبنى <لوريان لو جور> سيدة قالت لي: انظر، اقشعر بدني لما رأيته، وطلبت مني ان اكتب اسمي على يدها ففعلت. هنا اكون نجحت في عملي كفنان. الأمر عينه اختبرته امرأة دخلت الى معرضي في البندقية وكنت اعرفها جيدا، أجهشت بالبكاء ولما سألتها عن السبب قالت: انها المشاعر!  كفنان يفاجئني ويسعدني هذا التفاعل مع ما احاول ان اعبّر عنه.

عمل... بأياد اربع!

ــ ما هي لوحات المعرض وكم استغرق تحضيرها؟

- هي ثمرة عمل سنوات ثلاث، <دورة في عالمي> من لوحات عرضتها في البندقية وغيرها ايضا. قررت ان اعرض كل ما له علاقة بالنار، والبعض القليل بالـ<بيغمان> والدخان. المهم في هذا المعرض الى جانب اللوحات هو ان المبنى المعروضة فيه هو على آخر نفس، بمعنى انه سيهدم وتترك واجهاته فقط. هو آخر نفَس للمبنى يستنشقه مع معرضي، وفي الوقت عينه تكتسب لوحاتي ايضا معنى مختلفا، بمعنى أنها تمثل آخر نفس في المحافظة على الرماد. الرماد محافظ عليه بمواد الرسم فوقه، في لعبة اخذ وعطاء بين الرماد ومواد الرسم، وهي كالعلاقة بين الحياة والموت، والجيد ان نكون ما بينهما. كذلك فانني احرق كتبا قديمة، كالتي تعرض في <القديس يوسف> حتى اعطيها حياة جديدة.

ــ ماذا عن النحت ومنزلته في عملك الفني؟

- اختبرت النحت على الخشب منذ عشرين عاما. مارسته على جذوع خشبية بواسطة <ترونسونوز> <قطاعة> وهي ليست وسيلة معدة للنحت لا بل طريقة قاسية ويصعب توجيهها، لانها تعمل مباشرة امامها، و ليس يمينا أو شمالا، ما اصابني بآلام في الظهر مع اضطراري للنشر بحسب الاتجاهات التي اريدها. شكّل النحت على الخشب تحديا، اتحارب معه. تركته لفترة ومن ثم عدت اليه واهتممت به من جديد منذ سنة ونصف السنة. في النحت على الخشب الخطأ ممنوع ولا رجــــوع الى الوراء،لا بل الى الامام دائما، وهذا عامل مشترك ما بين < الشاليمو> والـ<ترونسونوز>. كلاهما يأخذانني الى حيث يريدان. اتعاون معهما بحسب ما يقرران احيانا، وبشكل افضل مما اكون قد فكرت به.

ــ أي فنان لبناني تحرص على مواكبة اعماله؟

- احب جدا أيمن بعلبكي، وقد اشتغلنا سويا عملا تحت عنوان:

<Travail à quatre mains. Jean Boghossian et Ayman Baalbaki>... عمـــــــــل يمكــــن مشاهدته ايضا عبر <اليوتيوب> لمدة تسع دقائق، وقد زارني ايمن في الاستوديو في بلجيكا واشتغلنا سوية لمدة ثلاث سنوات. نحن نتفاهم جدا كفنانين، على الرغم من اختلاف التقنية بيننا. عملنا على لوحات بعضنا البعض وكانت النتيجة لوحات جميلة جدا بقيت في بلجيكا، وهي ليست معدّة للبيع انما لتقيم يوما ما في متحف.