تفاصيل الخبر

الرسـام والنحــات ابراهيـــم سماحـــة: ”معـــرض بيـــروت... صـــدى الصـمــت“ تحيـــة الى بـيــــروت مــن قـلــب بـيـتهــــا!

08/02/2018
الرسـام والنحــات ابراهيـــم سماحـــة: ”معـــرض بيـــروت... صـــدى الصـمــت“ تحيـــة الى بـيــــروت مــن قـلــب بـيـتهــــا!

الرسـام والنحــات ابراهيـــم سماحـــة: ”معـــرض بيـــروت... صـــدى الصـمــت“ تحيـــة الى بـيــــروت مــن قـلــب بـيـتهــــا!

 

بقلم عبير انطون

SAM_7105

هـــي بــيروت بحجرهــا وبشرهـــــا، بحضـارتـهــــــا وفـوضاهـــــــا، بــوجــــــــه <موريس> أحد ابنائها، بحرش صنوبرها، بضجيجها الصاخب وبصمتها الازلي، تتحدث الينـــا مـــن خـــلال لوحــات رائــدة بعين ابــــن الخنشارة وريشته، هو الذي لا يزال، وعلى الرغم من ترك العاصمة لسنوات الى الخارج، يندهش امامها، امام تاريخها الذي لم ينجز بعد اذ لا زال يتكون في كل يوم، وكأن هذه المدينة، ابنة الستة آلاف عام، لا زالت في اول طلعتها تتلمس خطاها ومستقبلها، تتلون مع كل ضوء متغير فتكون بيروت صباحا غير ما هي عليه مساء وفقا للضوء الذي يلمع فيها او عيني الشخص الذي يراها.

بأبعاد انسانية فلسفية وعمرانية فنية يقدم مستشار وزارة الثقافة الرسام والنحات ابراهيم سماحة <معرض بيروت... صدى الصمت> في مبنى بركات عند تقاطع السوديكو من دون ان يغيب اختيار المكان ورمزيته عن عين اي زائر للمعرض الذي يستمر حتى الخامس عشر من شباط/ فبراير المقبل.

 

مبنى بركات

في توجهك نحو المعرض، في الشارع الذي كان فاصلا يوما ما بين شرقية وغربية، وكان خط تماس نال من الحرب النصيب الأوفر، تسرع خطاك لتكون على موعد مع فن داخل فن. بيت بركات تحول متحفا للفنون الحديثة، وقد بقي شامخا على الرغم من الندوب الكثيرة التي أصابته، رافضا العلاج الجذري او حتى عمليات التجميل لعله يبقى عبرة وشاهدا على حقبة صعبة من تاريخ العاصمة.

 تدخل المبنى من بابه الضيق لتطل على مساحة شاسعة داخله ودرج زجاج لولبي يحملك، ان شئت الاستغناء عن المصعد، الى الطابق الثالث حيث ابراهيم سماحة منهمك بالتحضير لافتتاح معرضه الذي يرعاه وزير الثقافة غطاس خوري وقد اراده افتتاحا بالعين والاذن، اذ انتشرت الآلات الموسيقية بين جنبات الغرف الفسيحة، وتحت عيون شبابيك عالية تطل على الشارع حيث كانت الحياة يوما متوقفة بسبب المدافع والراجمات. البيت الأصفر الذي صمّمه المعماري يوسف أفندي أفتيموس (1866 ـــ 1952) والذي لا زال الرصاص ينخر جسد جدرانه، يستقبل ابناء العاصمة من فنانين وموهوبين بعد ان تحول بقرار من بلدية بيروت وبالتعاون مع «اللجنة العلمية» الى «بيت بيروت» ومتحف للفنون الحديثة، يروي تاريخها من القرن التاسع عشر، مروراً بحياتها الصاخبة في العشرينات والثلاثينات، وصولاً إلى تسعينات القرن الماضي، على ان توضع فيه جميع الوثائق والصور وأرشيف بلدية بيروت لتكون في متناول من يريد الاطلاع عليها...

من روما...

 ابراهيم سماحة الرسام والنحات اللبناني الذي ولد في الخنشارة عام 1980 يحمل أكثر من وزنة في الوقت عينه، الرابط الرفيع بينها هو الفن الذي جعله يدخل أكاديمية روما للفنون الجميلة ليتخرج منها في العام 2008 وليشارك في تأسيس <ستامبيريا ديل تيفيري> عام 2004 وهو معرض فني متخصص في التصوير والنحت.

 بعد عودته الى لبنان في العام 2008، أسس سماحة <مختبر الفنون> وهو مساحة متخصصة لترويج وتشجيع المعروضات الفنية المتعددة، كذلك أطلق <كابريوليه فيلم فيستيفال> وهو اول مهرجان سينمائي دولي يعقد في مكان مفتوح، كما قدم اعماله في العديد من المعارض المنفردة وشارك في أكثر من عشرين معرضا جماعيا، ويُعرض عدد من لوحاته بشكل دائم في روما. يعمل سماحة ايضا مستشارا في وزارة الثقافة وملحقا ثقافيا ومحاضرا في الجامعة الانطونية اضافة الى كونه المستشار الثقافي والفني في لجنة جبران الوطنية ومتحف جبران.

 

 بيروت الملهمة...

في نبذة عن الفلسفة التي رسم بها سماحة بيروت ببيوتها وابنيتها يشرح الرسام ان بيروت، عاصمة الأصوات والضجيج، تبقى المدينة التي يلتقي فيها صدى لغات العالم مع أصوات الاجراس والمدافع. وعلى الرغم من ذلك كله لا تزال بيروت صامتة، وفي صمتها الدائم تختزن ذاكرة مئات الأجيال وآلاف السنين، والتجارب التي لا تستكين. وفي ضوء ذلك، لم تكشف تلك المدينة عن هويتها الحقيقية... ولم تقل كلمتها الأخيرة.

 وحي سماحة الفني استمده من كل زاوية من مدينته، ملهمته، التي تربطه علاقة خاصة بها. في هذه المجموعة من لوحاته، لا يصور ابراهيم الأطر الجامدة، بل يضخ الحياة فيها بتقنية شديدة الدقة، تدمج بين الشغف والمعرفة العميقة للتغيرات التي عرفتها المدينة. الورقة المعدنية والمشاهد التي يدمجها في عمله الفني تستقطب تغيرات ضوء النهار لتخلقها من جديد على اللوحة، وهو يؤكد: <انت لا تتأمل لحظة واحدة في بيروت، بل تتوالى لوحة الالوان من اول الفجر الى آخر الغسق>.

انها عاصمتنا، يعود ابراهيم ويؤكد لـ<الأفكار> ولا يمكن لأي منا ألا يتأثر بهذه العاصمة. التقنية التي استخدمتها في <التابلوهات> تولّد تفاعلا مع الضوء فإذا مرّ باللوحة ضوء احمر مثلا تضحي كلها كذلك، وكذلك هي بيروت تتأثر وتتفاعل مع كل ما يدور فيها ومن حولها... وقد عبّر سماحة عن تقلبات هذه المدينة بلعبة رائعة ما بين الضوء او <النور> كما يسميه والظل، فنحن ننام على شيء لنصحو على عكسه، وقد يمثل الضوء نفسية الانسان وما يمر به.

وعن تقنيته يشرح سماحة أكثر:

 - التقنية فلسفتها تشبه هذه المدينة المتحولة دائما، حتى الطقس يتقلب في بيروت بطريقة غريبة جدا. أما العنوان الذي اخترته للمعرض <بيروت... صدى صمت> فانما جاء للدلالة على ان هذه المدينة العريقة، الضاربة الجذور في الحضارة والتاريخ منذ ستة آلاف عام، لا زالت ساكتة كسيدة نبيلة عن كل ما يمر بها على الرغم من كل التغييرات العمرانية والثقافية وغيرها. التغيير هو الثابتة الوحيدة فيها.

وحول ريادته في هذه التقنية التي تبدو صعبة وجديدة نوعا ما، يشرح سماحة:

- التقنية صعبة طبعا لانها تتطلب مني ان ابقى منحنيا طوال الوقت لكن الشغف اقوى من مبدأ الصعوبة او السهولة، وهناك لوحات تستغرق مني اكثر من شهر ونصف الشهر مثلا. هذه الاوراق المذهبة هي الأوراق التي تستخدم في الأيقونات، امزجها أحيان مع البلاتين حيث اريد ان اخفف من وهج الضوء أو مع النحاس او الفضة ان اردت خلق مناخ آخر. لقد عشت في روما ردحا من الزمن، ومنذ عشر سنوات أنا هنا في بيروت ولم أر استخدام هذه التقنية بالشكل الذي استخدمته فيها ما يجعلها تجريبية بامتياز. لقد حاولت مرارا وتكرارا حتى وصلت الى هذه النتيجة.

 ــ ماذا عن <العربشة> الى سطوح المدينة وابنيتها لرسم زواياها وأبعادها ونقلها بأدق التفاصيل وكأننا نعرف هذه السطوح وتلك الابنية حتى اننا <نحزر> مكانها وكأنها محفورة في ذاكرتنا؟

- نعم، لقد قصدت السطوح ووقفت فيها مطولا وتأملت مليا حتى ارى المدينة كما اريد ان اراها شخصيا، وأسمع صمتها. فيها تناقض رهيب. بيروت ثنائية - القطب بطريقة خيالية. لا تشبه اية مدينة اخرى. هي نابضة دوما، ازلية وعميقة. حتى روما في عز بهائها وهي من أجمل مدن العالم لا تحمل صفة بيروت المتجددة دائما. هناك يمكنهم الحديث عن تاريخ، اما عندنا فهذا التاريخ لم ينته بعد، لا زال يتشكل ويكتمل، وهو في بيروت لن يتوقف... بدأ مستمرا منذ 6 آلاف عام في حضارة دائمة الحركة... عند نهر الكلب لوحات لجيوش مرت بهذه البلاد وخرجت، ولم يقف التاريخ بعد، بمعنى انه لا يمكننا ان نتحدث عن تاريخ احدث تغييرا وتحولا وانتهى، فهذا التاريخ حتى يومنا هذا لا زال يتكون.

SAM_7108 

<موريس>...

في <بيروت... صدى الصمت> عشرون لوحة عن روح المدينة واحيائها وشوارعها وبعض واجهاتها التاريخية. الألوان غير ثابتة، والعمل دقيق على التفاصيل. اولى اللوحات تعود الى العام 2009، <هذا لا يعني انني اعمل عليها منذ ذلك التاريخ> يؤكد سماحة قائلاً:

- انما هذه الاختيارات عن بيروت بينها ما يعود الى ذلك العام ومنها ما هو حديث جدا. هناك ما سبق ان عرضته في محترفي وتم اقتناؤه، وهو المحترف الوحيد الموجود على درج مار نقولا في الأشرفية، الدرج عينه الذي نطلق عليه مهرجانا سينمائيا بعنوان <كابريوليه فيلم فيستيفال> وهو الوحيد في الهواء الطلق لعرض الافلام القصيرة، اسسته منذ عشر سنوات ونحن بصدد الاعداد لموسمه العاشر.

لوحات سماحة عزيزة جميعها، نسأله عن اقربها اليه فيجيب:

- كل لوحة مختلفة عن الاخرى وهي تحدٍ بذاتها، أبدأ بالمغامرة فيها اذ قد تنجح وقد لا تبصر النور، فانا ارسمها على الخشب اولا والمقاييس مختلفة جدا كما تشاهدون، وفي الكثير من الاحيان كنت اصل الى حائط مسدود في لوحات <تبوكل> فيها التقنية فأرمي اللوحة واعيد كل شيء من البداية بأخرى جديدة.

بين اللوحات المعروضة اثنتان فريدتان بينهما صورة <موريس> تحت العلم اللبناني واخرى لمدينة صور، وقد تسللتا الى المعرض. نسأل ابراهيم عنهما فيجيب:

 - <موريس> شخص اعرفه شخصيا وقد بات اليوم في دنيا الحق. فيه وجدت رمز بيروت، وهو واكب مع والدته كل مراحل المدينة وتقلباتها وواكبها على مدى سنين طوال. لا زالت صورته ماثلة امامي سائرا في شوارع بيروت تائها فيها، وجميع اهل الجميزة يعرفونه. ارتبط وجهه بالحي الذي اسكنه فنقلته في لوحتي، ولا زال محفورا في ذاكرتي.

شخصية اخرى تستوقفنا في احدى اللوحات وان كانت ظلا مبهما من غير ملامح: <هذا انت؟> نسأله فيجيب ابراهيم:

- نعم، رسمت نفسي امتدادا موصولا ببيروت. هويتي منبثقة من قلبها على رغم بعدي عنها... اما اللوحة عن صور، فقد <تمركزت> هنا لأنّ أحد أحيائها ذكّرني ببيروت فرسمتها ريشتي دونما استئذان.

الحرب ايضا...

ونختم بـ<بيت بيروت> المكان الرمز، واهمية اقامة معرض عن بيروت في بيتها، فيقول سماحة:

- <بيت بيروت> شاهد على الحرب وجروحها. انا ابن المدينة كما ابن الخنشارة، ولا يمكن لاحد حتى الجيل الذي لم يعش الحرب ان يقول بان هذه لم تطبعه او تؤثر به، اذ بتنا نتوارثها حتى في ابسط تفاصيل يومياتنا، فنحن وان كنا لا نعيشها بالمدافع نعيش نتائجها، ومن جيل الى جيل نصرخ مثلا مع انقطاع الكهرباء <لا يتك ديسجونكتور المياه الساخنة>! لقد اضحت هذه في ثقافتنا... لقد اصررت وانتظرت موعـــدا للعـــرض في <بيـــت بــــيروت> تحديـــدا، فلوحاتي عن بيروت الصامتة والمتغيرة في آن، وهي ايضا انعكاس لهذا البيت الذي تغير مع الحرب ويشهد اليوم تغييرا في قلبه!