تفاصيل الخبر

الرســـام الـبريطـانــي” تـــوم يـونــــغ“ يـــرفــع الـستائــــر عــن تـاريــخ فـنــدق صوفــر الكبـيــر بـانـتـظــار أن يحيــي أمجـــاده!

19/10/2018
الرســـام الـبريطـانــي” تـــوم يـونــــغ“ يـــرفــع الـستائــــر عــن تـاريــخ فـنــدق صوفــر الكبـيــر بـانـتـظــار أن يحيــي أمجـــاده!

الرســـام الـبريطـانــي” تـــوم يـونــــغ“ يـــرفــع الـستائــــر عــن تـاريــخ فـنــدق صوفــر الكبـيــر بـانـتـظــار أن يحيــي أمجـــاده!

 

بقلم وردية بطرس

للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية يفتح فندق <صوفر الكبير Grand Sawfar Hotel> أبوابه امام اللبنانيين محتفياً بلوحات رسمها الفنان البريطاني <توم يونغ> الذي يكنّ محبة خاصة للبنان اذ يقيم في بيروت منذ عشر سنوات، وأراد من خلال اقامة المعرض في هذا الفندق العريق ان يحاكي ذاكرة الماضي... والفندق هو تحفة معمارية بنتها عائلة سرسق الارستقراطية في العام 1892 اذ كان يعد من أبرز فنادق الشرق الأوسط مطلع القرن العشرين. وعبر اللوحات المعلقة في الطابق الأرضي حيث آثار الحرب تبدو واضحة على الجدران وقاعات الفندق المهجورة في بلدة صوفر في جبل لبنان يصطحب الرسام <يونغ> زوار المعرض في جولة عبر الزمن منذ بداية القرن الماضي حتى سنوات لبنان الذهبية في الستينات ومطلع السبعينات. ويستوحي <يونغ> معظم لوحاته من قصص وأحداث وصور حقيقية، فتعكس من جهة رفاهية الفندق الذي ضم أول كازينو في الشرق الأوسط، وجعلته يستقطب الطبقة البرجوازية ونخبة من نجوم الفن، وتلخص من جهة ثانية دوره في أحداث سياسية بارزة في لبنان والعالم العربي، حيث احتضنت قاعاته وحدائقه اجتماعات ولقاءات سرية جمعت أمراء ودبلوماسيين وجنرالات فرنسيين وبريطانيين.

لقد أُعجب الرسام البريطاني <توم يونغ> بـ<فندق صوفر الكبير> منذ ان رآه خلال زيارته الأولى للبنان في العام 2006، ولكنه دخله للمرة الأولى بعد الترميم ليبدأ العمل على الرسومات داخل الفندق منذ شباط (فبراير) الماضي حيث كان البرد يلفّ المكان ويحيط بالمنطقة الجبلية. ولم يكتف <يونغ> بذلك بل عمل على قراءة العديد من الأعمال الأدبية عن الفندق، يذكر منها عمل لأمين الريحاني الى جانب تعاطيه وقربه من أهل صوفر الذين ساعدوه في هذا النشاط، ليتعرف عن كثب على تاريخ المنطقة بصورة عامة والفندق بصورة خاصة. وبهذا تعود الأضواء من جديد وبعد أكثر من 44 عاماً الى فندق شهد على أهم المحطات التاريخية في لبنان، فكان مقر جمال باشا خلال الانتداب العثماني، وتم فيه أول اجتماع بين الفرنسيين والانكليز في الحرب العالمية الثانية، والاجتماع العربي الذي انبثقت عنه اللجنة العربية العسكرية المشتركة في العام 1944 والتي شكّلت النواة لقيام جامعة الدول العربية، ليس هذا فحسب فـ<فندق صوفر> كان محطة دائمة لأهم فناني القرن العشرين ومنهم أم كلثوم، وعمر الشريف، وصباح، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وليلى مراد وغيرهم، وفيلم <دموع الحب> عام 1935 تم تصوير جزء منه داخل الفندق مع الممثلة نجاة علي والفنان سليمان  نجيب.

 

<توم يونغ> وفكرة إقامة المعرض

في فندق <صوفر الكبير>

<الافكار> قامت بجولة في أرجاء المعرض مع الرسام البريطاني <توم يونغ> وتوقفت عند كل لوحة وما تحمله من ذكريات، من ثم تحدثنا عن اهتمام <يونغ> بالمباني التراثية في لبنان وعن مساعيه للحفاظ على العديد من المباني التراثية وعن اعجابه وانبهاره بمبنى فندق صوفر الكبير يقول:

- لقد رأيت المبنى خلال زيارتي الأولى للبنان في العام 2006 اذ كنت متوجهاً من كوكا كولا الى بعلبك، وعندما مرّ الباص من صوفر لمحت المبنى وانبهرت به. أتيت لأقيم في لبنان في العام 2009، كما ذكرت انني زرت لبنان للمرة الأولى في ربيع 2006، من ثم عدت بعد حرب تموز (يوليو) 2006 تحديداً خلال فصل الخريف لأقيم ورشة عمل للأولاد في الضاحية بما يُعرف بـ<Art Therapy> اي استخدام الفن لمساعدة الأولاد لتخطي <Trauma> او الصدمة، اذ حاولت ان ارسم لهم العالم الذي يريدونه، وان اظهر لهم كيف يتخطون الصدمة وان يحلموا بمستقبل أفضل، وهذا ما قمنا به أيضاً في صوفر اذ أقمت ورشة عمل في فندق صوفر الكبير لعدد من الأيتام واولاد النازحين السوريين، وأيضاً لتلاميذ المدارس.

الحفاظ على الابنية التراثية في بيروت

ــ لقد عملت جاهداً للحفاظ على الأبنية التراثية في بيروت وكانت لك مشاريع عديدة في هذا الخصوص فالى اي مدى يعني لك الأمر؟

- أولاً انني مهتم بالهندسة المعمارية وتحديداً الأبنية المهجورة، وللأسف في لبنان ليس هناك اهتمام بالمباني التراثية والتي لديها ذكريات وتاريخ عريق، اذ ان تلك المباني ليست محمية بالشكل الصحيح. مع العلم ان اي بلد يسعى للحفاظ على هويته من خلال الحفاظ على التراث والتاريخ والذكريات، وهذا لا يحدث في لبنان، اذ ان المسؤولين لا يهتمون بهذه الأمور وبذلك يقضون على التراث اللبناني، وما احاول القيام به هو منع هدم المباني التراثية، ويسعدني انني استطعت ان اقوم بمشاريع عديدة في بيروت للحفاظ على المباني التراثية وأذكر منها مبنى <Rose House>  او البيت الزهري القائم قرب شاطىء الحمام العسكري الى جانب المنارة القديمة في بيروت اذ نجحت بأن احّول مكاناً مجهولاً بني في القرن التاسع عشر الى معرض فني. وأيضاً بما يتعلق ببيت بستاني في مار مخايل الذي سيصبح بيت الفن. وأذكر أيضاً عن احياء المنزل الذي أقام فيه الجنرال <ادوارد سبيرز> الذي لعب دوراً حيوياً في مساعدة لبنان على المطالبة باستقلاله كجمهورية حديثة في العام 1943. وبالتالي هناك ذكريات عديدة في المباني التراثية التي شهدت على أحداث تاريخية مهمة، وكان هناك تحد كبير للحفاظ على الأبنية التراثية. وأحياناً كان مالكو هذه الأبنية يشاركونني في الرؤية، وأحياناً لا تكون لديهم الرؤية فأساعدهم في هذا الخصوص وكيف يمكن ان نعيد الحياة اليها من خلال الفن، والهندسة، أود ان اقوم بالمثل في فندق <هوليداي ان> ولكن لم أحصل على الاذن الرسمي للقيام بذلك.

 

إحياء فندق <صوفر الكبير>

ــ وكيف بدأت فكرة إحياء <فندق صوفر الكبير>؟

- بما يتعلق بـ<فندق صوفر الكبير> فإن مالك الأوتيل <رودريك كوكرن> وهو صديقي منذ عشر سنوات، وأحد الورثة وهو ابن الليدي ايفون سرسق كوكرن، قصدني مع زوجته في العام 2013، وكانا قد تأثرا بأعمالي وقالا لي ألا تريد ان تقوم بشيء من أجل <فندق صوفر الكبير>، وبالطبع وافقت وقلت له سبق ان فكرت بالمبنى منذ وقت طويل، وهذا هو السبب الذي دفعنا لعرض اللوحات داخل هذا الفندق بالذات. و <رودريك> ابدى اهتماماً كبيراً باعادة احياء الفندق وحصل على الاذن، وتتطلب وقتاً الى ان قام باصلاح السطح الذي كان قد تعرض للتفجير خلال الحرب اللبنانية، وبالتالي كان لا بد من اصلاحه ليصبح آمناً عندما يفتح المعرض ابوابه للزوار، وطلب مني <رودريك> ان نقوم بزيارة الفندق لنرى ماذا نقدر ان نفعل سوياً وكيف نتعاون معاً، وبالفعل زرنا المكان وكان مهملاً والسطح مدمراً، وكانت كل النوافذ محطمة ولم يكن فيه كهرباء ولا ماء ولا شيء، طبعاً اردت ان يتم اصلاحه وجعله آمناً ولكن يجب ان يبقى كما هو لكي لا يفقد قيمته التاريخية، لأنه اذا قمنا بتنظيفه كثيراً سيفقد رونقه التاريخي، لأنه من جهتي يهمني الحفاظ على الارث والتراث قدر الامكان، كما يجب ان نحترم المكان.

وأضاف:

 - عندما يسألون لماذا الدول الغربية قوية، الجواب هو ببساطة لأنها تحافظ على الهوية والتراث والتاريخ، مع العلم ان هناك قسماً من اللبنانيين يحب التاريخ ولكن يجب ان تكون هناك رؤية للحفاظ على التراث والأماكن التاريخية. وأيضاً واحدة من التحديات هو غياب دور الدولة في هذا الشأن. صحيح ان لبنان يتمتع بالحرية ولكن هناك فوضى، ويجب التنويه هنا بأنه بسبب الحرب في لبنان، اضطر اللبنانيون ان يهاجروا الى دول العالم، وهناك قسم من اللبنانيين ترك ممتلكاته ولم يعد يقيم في البلد، وحتى عندما تعود العائلات التي تملك المباني التراثية لا تقدر ان تهتم بممتلكاتها، فتقوم ببيعها، وبدورهم الأشخاص الذين يشترون هذه المباني يقومون بتحويلها الى أبراج من ثم يبيعونها للأثرياء وربما لأشخاص غير لبنانيين ايضاً وتتحول تلك المباني التراثية والقديمة الى أبراج عالية، وبذلك تفقد مدينة بيروت التماسك الاجتماعي والاحساس بالانتماء الى المجتمع. وتلك الأبراج العالية التي بُنيت في بيروت تفصل ما بين العائلات والناس عموماً. اذا بُنيت الأبراج العالية في مكانها الصحيح فلا مشكلة، ولكن يجب ان تفصل بين الناس، للأسف لم تعد هناك منتزهات بل الباطون يغطي المساحات الخضراء. كما انه يتم بناء العديد من المباني على البحر وبالتالي لم يعد الناس يستمتعون بمشاهدة البحر، وبسبب العمران والبناء امام البحر اصبحت مدينة بيروت مظلمة أكثر ودرجة الحرارة فيها مرتفعة، ويظن مالكو الأبنية الشاهقة والأبراج انهم يقومون بعمل مميز بينما هم في الحقيقة يدمرون بلدهم من أجل المال، وبالتالي ليست لديهم الرؤية. لهذا تحتاج المدينة الى خطة على المدى الطويل للحفاظ عليها، مع العلم ان البيئة والبناء والمجتمع كله مترابط ببعضه البعض ويجب ان يكون هناك تناسق بينها لتكون المدينة بحال افضل ولكن للأسف لا أحد يهتم.

لوحات تحاكي ذكريات وأحداث عديدة

ــ كم لوحة تُعرض داخل فندق <صوفر الكبير>؟

- تُعرض داخل الفندق تقريباً 65 لوحة ومعظم اللوحات رسمتها داخل الفندق، وقسم منها رسمته داخل مشغلي، وأردت ان اعيد الحياة الى المكان من خلال عرض هذه اللوحات. ففي القاعة الرئيسية المؤلف من 75 غرفة موزعة على أربع طبقات تتوسط لوحة يطغى عليها اللون الأزرق وتجمع اللوحة نجوماً من العصر الذهبي في مصر اذ تُعرض لوحة لأم كلثوم وعمر الشريف وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ والراقصة سامية جمال اذ كانوا أبرز رواد الفندق. اذاً تحاكي هذه اللوحات العصر الذهبي الذي عاشه لبنان في زمن الخمسينات والستينات والسبعينات. كما تُعرض لوحة <بورتريه> للاديب اللبناني أمين الريحاني في غرفة تتوسطها طاولة بوكر نجت من القصف والسرقات التي تعرّض لها الفندق خلال الحرب الأهلية. وهناك جدار يضم أسماء لقادة سياسيين جمعتهم في لوحة واحدة بينهم رئيس حكومة الاستقلال رياض الصلح والرئيس السوري آنذاك شكري القوتلي والمبعوث البريطاني الجنرال <كلايتون>، وتظهر اللوحة التي استوحيتها من صورة قديمة لـ<فرانس برس> التقطت في العام 1947 اجتماعاً عقدته اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في الفندق. كما تجدين لوحة للممثل العالمي الشهير عمر الشريف الذي زار الفندق مراراً، وفي تلك الغرفة التي تُعرض لوحة عمر الشريف تختصر ما كان عليه الفندق أيام العز حين كان واحداً من أهم الفنادق في الشرق الأوسط حيث التقى الملوك والأمراء والأميرات والجنرالات وأشهر الفنانين. وأيضاً تبيّن إحدى الرسومات سكة القطار التي مُدّت في نهاية القرن الثامن عشر اذ شكلت صوفر محطة رئيسية لرحلات يومية كانت تنطلق من بيروت الى دمشق مما زاد من شهرة الفندق في ذلك الوقت. وأيضاً تظهر اللوحات سنوات الحرب اللبنانية وما بعد الحرب.

ويتابع حديثه قائلاً:

- جيل الشباب لا يعرف الكثير عن تاريخ لبنان والذكريات، وبالتالي هذا المعرض يعرّفهم على لبنان خلال العصر الذهبي عندما كان الملوك والأمراء واشهر الفنانين يزورونه ويقصدون هذا الفندق، وأيضاً عن فترة الانتداب الفرنسي وصولاً الى الاستقلال والحرب اللبنانية وأيضاً ما بعد الحرب. ويمكن للزائر ان يطلع على تاريخ البلاد منذ الخمسينات الى ما بعد الحرب اللبنانية. لقد تتطلب تحضير هذه اللوحات تقريباً سنة واحدة، ولكنني أقمت أيضاً في صوفر لأعرف أكثر عن هذا المكان الجميل، كما ان الاحتكاك بالناس ساعدني اكثر للتعرف على لبنان. وأنا أوزع إقامتي بين الجميزة وصوفر حيث لدي استديو وأرى الفندق من فوق فاستمتع بمشاهدته كثيراً، وفي صوفر اتواصل مع الناس واستمع الى القصص وذكريات الناس.

ــ هل ستُقام معارض أخرى في فندق صوفر الكبير لا سيما بعدما عرضت لوحاتك هناك؟

- في فصل الشتاء يصعب اقامة المعارض في صوفر بسبب الطقس البارد، ولكن خلال فصلي الربيع والصيف ستُقام معارض سواء فنية او ربما متعلقة بعرض الأزياء او الموسيقى او المهرجانات او حفلات موسيقية، ويمكن ان تُقام حفلات أعراس في الاوتيل، وبالتالي سيشهد هذا الفندق مناسبات خاصة وعامة، وبدوره مالك الفندق <رودريك> يسعى للحفاظ على إرث العائلة.

ــ ماذا يقول لك الزوار عن هذا المعرض؟

- يبدون سعادتهم وبدوري اشعر بالسعادة، اذ يأتون من مناطق وقرى بعيدة، من صور والشمال وعكار، لقد زار المعرض ربما الآلاف، كما يأتي الزوار من أوروبا واميركا لمشاهدة هذا المعرض، وآمل ان ينعكس هذا المعرض ايجاباً على صوفر لتنتعش وتستعيد حيوتها. بالنسبة الي احب صوفر كما انني احب مدينة صور والبترون ووادي قاديشا.