تفاصيل الخبر

الرسام البريطاني" توم يونغ": لوحاتي تحكي عن جمال لبنان وأيضاً عن معاناة الناس فيه وصولاً الى جائحة الـ"كورونا" والأزمة الاقتصادية

22/07/2020
الرسام البريطاني" توم يونغ": لوحاتي تحكي عن جمال لبنان وأيضاً عن معاناة الناس فيه وصولاً الى جائحة الـ"كورونا" والأزمة الاقتصادية

الرسام البريطاني" توم يونغ": لوحاتي تحكي عن جمال لبنان وأيضاً عن معاناة الناس فيه وصولاً الى جائحة الـ"كورونا" والأزمة الاقتصادية

بقلم وردية بطرس

[caption id="attachment_79694" align="alignleft" width="305"] لوحة على مدخل حمام صيدا[/caption]

 يعشق الرسام البريطاني (توم يونغ) لبنان كثيراً وله لوحات كثيرة عن لبنان الجميل، ولكنه رسم أيضاً وجع وهموم اللبنانيين خصوصاً مع بداية الثورة وصولاً الى جائحة الكورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة... ولكن وسط كل هذا الألم والمعاناة أراد أن يبعث الأمل في النفوس اذ يتحضر لافتتاح معرضه في (الحمّام الجديد) في صيدا مع بداية فصل الخريف، وهذا الحمّام الذي يعود تاريخ بنائه الى أكثر من قرنين هو آخر الحمامات التي شيدت في صيدا وأكبرها حجماً... ليس بجديد على الرسام (توم يونغ) ان يعمل على احياء الأماكن المتروكة في البلد اذ منذ سنتين أقام معرضه في (أوتيل غراند صوفر) الذي بقي مغلقاً منذ الحرب الأهلية في لبنان، لكنه أراد ان يقيم المعرض في هذا الفندق العريق ليحاكي ذاكرة الماضي، كما قام بمشاريع كثيرة في بيروت للحفاظ على المباني التراثية ومنها (البيت الزهري) القائم قرب شاطىء الحمام العسكري اذ نجح بأن يحوّل مكاناً مجهولاً بني في القرن التاسع عشر الى معرض فني. ونذكر أيضاً احياء المنزل الذي أقام فيه الجنرال (أدوارد سبيرز) وغيره من الأبنية التراثية... وهو يتحضر لافتتاح معرضه في صيدا مع بداية فصل الخريف الذي كان مقرراً افتتاحه ولكن بسبب وباء الكورونا تم تأجيله.

الرسام يونغ ولوحات عن معاناة اللبنانيين

 (الأفكار) تحدثت مع الرسام البريطاني "توم يونغ" عن عشقه للبنان بتجسيد لوحات تبرز جماله وأيضاً عن وجع اللبنانيين في زمن الكورونا والوضع المعيشي والاقتصادي المتردي، وعن المشروع الجديد في صيدا لبث روح الأمل في النفوس. ونسأله:

[caption id="attachment_79695" align="alignleft" width="344"] مدينة الاشباح بريشته في زمن كورونا.[/caption]

* لوحاتك تحكي عن جمال هذا البلد وأيضاً عن وجعه فكيف تتأثر كفنان بريطاني يعيش في لبنان منذ عشر سنوات بكل ما يحصل من حولك والآن في ظل الوباء والأزمة الاقتصادية؟

- صحيح أرسم ما أشاهده، لقد رسمت لوحات عن الثورة والتظاهرات التي شهدتها البلاد منذ تشرين الأول (اكتوبر) 2019، اذ نقلت غضب الناس في تلك اللوحات اذ يقع مشغلي في الجميزة القريبة من ساحة الشهداء التي كانت تشهد التظاهرات التي تطالب بمكافحة الفساد ومن أجل مستقبل أفضل، وقد اختبرت الكثير وجسّدت ذلك في اللوحات. وأيضاً بعض اللوحات التي رسمتها تظهر اهمال الأبنية التراثية في بيروت وغيرها، وأيضاً عن النفايات على الطرقات والأزمة الاقتصادية وغيرها... لقد رسمت لوحات عن كل هذه الأمور التي رأيتها، وأيضاً رسمت الأماكن الجميلة في لبنان والتي أبهرت بها، اي أرسم الجمال والمعاناة في آن واحد، اذ لا يمكن رسم واحدة منها دون الأخرى، وليست غايتي اظهار لبنان في معاناة دائمة لأن هذا البلد جميل وفيه أماكن جميلة تستحق زيارتها والتمتع بها، بالتالي أرسم كل ما أراه، ولكن أحياناً يبدو لي أنه بلد جميل جداً رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد. اذ ذهبت مؤخراً الى الجبال وزرت جزين ورأيت أماكن جميلة جداً هناك، كما أحب ارادة وعزيمة اللبنانيين الذين يواجهون الأزمة الاقتصادية، وقد سمعت من أصدقائي كيف أنهم يزرعون الحقول، يزرعون الخضار على شرفاتهم وأمام منازلهم. إنه شعب صامد يكافح دائماً مهما كانت هناك صعوبات وتحديات...

لوحات عن اغلاق البلد في زمن الكورونا

[caption id="attachment_79693" align="alignleft" width="200"] لوحة الكمامة بريشته[/caption]

* وماذا عن اللوحات التي تناولت فيها العيش في زمن الكورونا؟

- لقد تناولت جائحة الكورونا واغلاق البلد في لوحاتي، فرسمت التناقض ما بين رسم الثورة ورسم اغلاق البلد بسبب الكورونا، فالأمر مختلف تماماً لقد اهتممت كثيراً بتجسيد ما حصل مع بداية الجائحة والصمت في شوارع بيروت خلال اغلاقها وكأنها مدينة أشباح، وطبعاً هذا حصل في العالم ككل وليس فقط في بيروت ولبنان ككل. لقد ساد الصمت في كل مدن العالم وأُغلقت المحلات وفرغت الشوارع من الناس، وبدا ذلك في لوحاتي اذ كانت شاحبة وألوانها رمادية وفيها الكثير من الحزن والفراغ، ولكن يا للمصادفة فإنني ارسم عادة الأماكن المتروكة والفارغة وأبنية فارغة، ولكن خلال الوباء رسمت مدينة بيروت كمكان متروك وفارغ وهذا كان أمراً جديداً علي اذ استوحيت منه الكثير عندما قصدت الكورنيش ورحت أرسمها وهي فارغة تماماً. تخيلي وجدت شخصاً واحداً في الكورنيش فرسمت ذلك، وبالتالي كان الوضع مختلفاً، ولكن في الوقت نفسه مثيراً للاهتمام اذ كما تعلمين أصبحت المدينة أقل تلوثاً وأقل ضجيجاً، بالنسبة اليّ كفنان فلم يؤثر اغلاق البلد علّي اذ لم اتوقف عن العمل لا بل رحت أرسم ما أراه لأن ذلك ألهمني حتى مع اغلاق البلد وحتى مع بداية الثورة والآن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية...

 لا رغبة لي بمغادرة لبنان

* لقد عايشت أموراً عديدة منذ الثورة وصولاً الى الوباء والأزمة الاقتصادية فهل فكرت بمغادرة لبنان أم تفضّل البقاء بالرغم من كل شيء وتحاول ان تجسّد كل هذه الأحداث والظروف في أعمالك الفنية؟

-  هذا صحيح، أردت البقاء في لبنان لأنني أحب هذا البلد ولدي الكثير من الأصدقاء، كما انني أستمتع بحياتي هنا واستوحي من كل شيء من حولي. اذ لا يمكن ان يتخلى الانسان عن صديقه عندما يعاني وهذا ما أشعر به تجاه لبنان. لذا لا أريد مغادرة لبنان وانني محظوظ بالعيش هنا وأحب ذلك. كما أنه لدي مشروع جديد في صيدا الذي بدأت به منذ سنة.

اقامة معرض في صيدا

[caption id="attachment_79699" align="alignleft" width="375"] وأمام جدارية له[/caption]

* هلا حدثّتنا عن مشروعك الجديد في صيدا؟ وما أهمية احياء هذا المكان المتروك والمنسي؟

- بالنسبة لهذا المشروع فقد بدأت التحضير له منذ سنة، وكما كل مشاريعي احياء الأبنية المهملة والمتروكة، وما أقوم به الآن هو تحويل حمام صيدا القديم المتروك وهو قديم جداً يعود الى القرن السادس عشر، واحتمال ان يكون من اكبر الحمامات في لبنان، ولكنه أُغلق في العام 1949 اي منذ سنوات طويلة وهو يقع في السوق القديم وهو مكان جميل. هذا الحمام هو مكان يتساوى فيه الجميع اذ لا يهم اذا كان الشخص غنياً أو فقيراً أو مسيحياً أو مسلماً حيث لا انقسامات ولا اختلافات في هذا المكان، ومن خلال أحاديثي مع السكان المقيمين في صيدا ومع أشخاص متقدمين في السن تعرفت اليه أكثر، لقد أحبوا ما أقوم به وهم سعداء باعادة الحياة الى هذا المكان المتروك منذ زمن طويل. كما ان ذلك سيستقطب الزوار الى مدينة صيدا لمشاهدة المعرض من ثم سيقصدون السوق القديم حيث بامكانهم التبضع والاستمتاع بوقتهم في تلك الأماكن لتنشيط المدينة. وهذا المشروع سيوظف أشخاصاً متخصصين في الكهرباء ونجارين وعمالاً وصانعي أفلام اذ يقومون باعداد فيلم عن تاريخ المدينة. وبالتالي هذا المشروع يتيح فرص عمل للناس، وانعاش الحركة الاقتصادية في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها الناس بسبب انخفاض قيمة العملة اللبنانية الى ما هنالك... أعمل مع مالك مبنى الحمام سعيد باشو وهو رجل أعمال ناجح يسعى للاستثمار في مجال التراث في مدينته، لقد أسس جمعية أسماها Sharqy Foundation  او (مؤسسة شرقي للتنمية والابداع) اذ يقوم السيد باشو بتأهيل الحمام، اذ أراد من خلال هذه المؤسسة احياء تراث المدينة لأن لديه رؤية ثقافية، ويسعى الى حفظ التراث والثقافة ، لذلك كان من دواعي سروري العمل معه ومع فريقه، كما هناك الباحث في علم الآثار والمتخصص في ترميم الأبنية التراثية عمر حيدر الذي لديه معرفة واسعة عن كل حجر في صيدا، وما نريد القيام به هو تحويل هذه الأماكن الى مكان لتعليم الأولاد، اذ المعرض الذي سيُقام في صيدا لن يكون معرضاً سريعاً كما المعرض في (أوتيل غراند صوفر)، الفرق في هذا المشروع في صيدا ان المالك لديه رؤية ثقافية للمجتمع. فهذا المعرض لن يكون لثلاثة أشهر من ثم يغلق أبوابه بعدما ينتهي، فالهدف هو ان يكون مؤسسة ثقافية مفتوحة أمام الزوار لسنوات وسنوات وحتى للجيل القادم ليستمتع بهذا التراث الرائع. كنا سنفتتح المكان في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، ولكننا لم نتمكن لأنه كانت قد بدأت الثورة وشهدت المدن التظاهرات، لذا حددنا موعداً آخر لافتتاحه في شهر نيسان (أبريل) ولكن بسبب وباء الكورونا تم تأجيله، ولكننا نخطط لافتتاحه في الخريف ما بين شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) بغض النظر عن المشاكل الا اذا كانت هناك أزمة تعيق افتتاح المكان.

[caption id="attachment_79700" align="alignleft" width="329"] يرسم إحدى لوحاته[/caption]

* تسعى دائماً الى انعاش الأماكن المتروكة والمهملة حفاظاً على الأبنية التراثية فهل تفعل ذلك لأنك تحب تلك الأماكن وتشعر بأنه لا بد من القيام بخطوات من أجل الحفاظ عليها وعلى الأبنية التراثية؟

- أعتقد كفنان أحب أن أعيد الحياة للأماكن المتروكة والمهملة، وبالنسبة الي فإن ذلك أهم من اقامة معرض الى ما هنالك...فأنا أرى ان اعادة الحياة لأماكن متروكة تخدم أكثر من مجرد وضع اللوحات على الجدران. أحب فكرة أنه يمكننا احياء مثل هذه الأماكن ومنحها حياة جديدة بدلاً من بناء أبراج جديدة ليست لها حكايات او تاريخ لأننا من التاريخ نقدر ان نطوّر الهوية. اللبنانيون وخصوصاً الأولاد بحاجة لمعرفة المزيد عن تاريخهم الفريد لأنه اذا دمرّنا التراث عندها سنفقد الهوية، وفي الواقع من السهل السيطرة على الناس اذا تم محو التاريخ والذاكرة. وهذا ما يحصل في لبنان، لذا أعتقد من المهم حماية هذه الأماكن واعادة الحياة اليها، وأيضاً مكان مثل الحمام في صيدا يعلمنا كيف نعيش في المستقبل، ففي الماضي كان الجميع متساويين واليوم هناك اختلاف في أمور عديدة. احياناً من الجيد ان ننظر الى الماضي لتعلم الحكم القيمة.

* هل تعتقد من خلال مشروعك أن المعرض سيستقطب الزوار كما حصل في صوفر واعادة الحياة الى هذه المدينة التي تعاني بسبب الفقر والعوز والحرمان؟

- آمل ذلك، ولكن الأمر مختلف، لأن الناس كانوا على تواصل مع صوفر ويقصدونها، أما بالنسبة لصيدا فالتحدي أصعب لأن لدى الناس تصوراً او صورة نمطية عن هذه المدينة، وبالتالي هناك تحدٍ الى حد ما نظراً للصورة النمطية لدى قسم من اللبنانيين، فاذا الهمت الناس للمجيء الى صيدا قد يتعرفون عليها أكثر. أعتقد الآن هو الوقت المناسب للتعرف على مدن لبنانية أكثر اذ بسبب صعوبة السفر في ظل وباء الكورونا والأزمة الاقتصادية، على اللبنانيين ان يدركوا أن لديهم ثروة فهناك أماكن جميلة وتراثية التي يمكن تمضية نهاية عطلة الاسبوع فيها. لبنان حقاً هو وجهة رائعة لقضاء العطلات فيه.

[caption id="attachment_79701" align="alignleft" width="470"] يرسم داخل الحمام في صيدا[/caption]

السياحة الداخلية مهمة في ظل الظروف الصعبة

* صحيح ان وباء الكورونا قلب عالمنا رأساً على عقب ولكن بالرغم من ذلك كانت هناك أمور ايجابية حصلت خلال هذه الفترة الا وهي العودة الى الطبيعة والاستمتاع بجمالها، هل تعتقد أن الناس سيتعلمون كيف يحبون الطبيعة والأماكن التراثية والتاريخية؟

- هذا صحيح، أعتقد ان الناس سيدركون بأن لديهم طبيعة جميلة، وليس هناك داع ان يسافروا الى الخارج بحثاً عن جمال الطبيعة والتاريخ والثقافة، لأن لديهم الكثير هنا في بلدهم، في ظل هذه الظروف الصعبة ليس لدى الناس امكانيات مادية تسمح لهم بتحمل تكاليف رحلات السفر الى دول أوروبية وأيضاً بسبب قيود السفر في ظل جائحة الكورونا. وبالتالي كل هذا قد يساعد لبنان بأن يقضي الناس العطلات في الربوع اللبنانية وبما فيها صيدا، آمل أن أساعد بهذا الخصوص باستقطاب اللبنانيين الى صيدا لزيارة المعرض في الحمام وصرف بعض الأموال في مدينة صيدا او صور وغيرهما من المدن اللبنانية. ولكنني أتفهم لماذا لا يقصد الناس مختلف المناطق والمدن اللبنانية، اذ هناك سببان رئيسيان في هذا الخصوص: الاول هو غياب وسائل النقل المشترك وزحمة السير الخانقة. وعلى الصعيد الشخصي فأنا لا أقصد البترون كثيراً مثلاً بسبب زحمة السير في جونيه والكسليك اذ لا أقدر أن أتحمّلها ، وآمل ان يعود القطار الى لبنان، وكنت قد أقمت معرضاً كبيراً في محطة الرياق الصيف الماضي عن هذا الموضوع وعن تاريخ القطار في لبنان، والسبب الثاني ذكريات الحرب الأهلية والمذهبية، إذ إن أقلية من الناس يذهبون الى الشمال والبترون ولكن ربما لا يذهبون الى صيدا لأنها مختلفة، أو لأن لديهم تصوراً مختلفاً عن هذه المدينة ربما سمعوا عنها من أهاليهم الذين عاشوا كابوساً خلال الحرب الأهلية...

ويتابع: من المؤسف التحدث بهذه الأمور ولكن لدى الناس نظرة او تصور عن بعض الأماكن في لبنان وبأن مدينتي صيدا وصور تختلفان عن بقية المناطق اللبنانية، ولكن هذا لا يعني ان الاختلاف هو أمر سيء لا بل علينا ان نقدّر الاختلاف والتعددية والتعلّم بأن لكل شخص طريقة تفكير، والناس في مدينة صيدا طيبون، وانني على تواصل مع أهلها إذ إنني أعرف هذه المدينة منذ سنوات ولهذا أعرف سكانها من خلال التعامل مع البنّائين والباحثين. ولهذا أسعى من خلال المعرض الذي سأقيمه في صيدا ببعث الأمل في نفوس الناس، لعل الأمل يزيل القلق والتوتر الذي يعاني منه الناس في هذه الفترة الصعبة. والدخول للمعرض مجاني لكي يتسنى للجميع التمتع بالمكان والمعرض لأن الهدف ثقافي بحت.