تفاصيل الخبر

الروائي البارز شريف مجدلاني:التغيير الدراماتيكي المقبلون عليه في لبنان قد يشكل مادة روايتي الجديدة!

27/05/2020
الروائي البارز شريف مجدلاني:التغيير الدراماتيكي المقبلون عليه في لبنان قد يشكل مادة روايتي الجديدة!

الروائي البارز شريف مجدلاني:التغيير الدراماتيكي المقبلون عليه في لبنان قد يشكل مادة روايتي الجديدة!

 

بقلم عبير انطون

 

[caption id="attachment_78262" align="alignleft" width="333"] شريف مجدلاني: الحجر المنزلي وضع الانسان امام نفسه وجهاً لوجه[/caption]

أن تقرأ رواياته وقد حاز عنها جوائز محلية وعالمية لذّة لا تضاهى، وان تسأله ويجيبك ففي الأمر ايضا الكثير من المتعة، خاصة أن جوانب الحديث مختلفة بدأت من جائحة "الكورونا" وانعكاسها على الأديب، مرورا بالثورة وكان في قلبها، الى التعليم الجامعي الخاص المهدد وهو أحد اركانه، وصولا الى اختصاص زوجته "نايلة" في العلاج النفسي ونقاشه معها متى وجُب النقاش.

لا يعيش شريف مجدلاني وهو يكتب اسمه باللغة الفرنسية "Charif" - وكأنه بهذه الفتحة على الحرف العربي يصر على مشرقيته وجذوره التي تحمّل اسمه دلالات كثيرة - حياة الروائيين الذين، ما إن ينتجوا ويُعرف اسمهم، حتى يبتعدوا عن الناس وكأنهم ليسوا منهم.

هو من أبرز الروائيين اللبنانيين باللغة الفرنسية، ففي رواياته السبع المترجمة الى أكثر من لغة تاريخ لبنان وحقباته، تحولاته وحياة ابنائه، نسيجهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، حتى لكأنك اذا قرأتها تدرك بالعمق تركيبة هذا البلد ومنعطفاته الكبرى... لكن المقلق هو ما سيكون عليه لبنان الآتي، لبنان المختلف، الذي المح اليه شَريف في معرض جوابه عن سؤالنا الأخير له، فأي لبنان يقصد؟

في هذا اللقاء الشيق معه، كان السؤال الأول:   

* كتبت بالفرنسية في الاول من أيار (مايو):

"Le confinement pose la question passionnante de l’usage du temps dans nos sociétés"

كيف يمكنك ان تلخص لنا الجواب، كيف يستخدم مجتمعنا اللبناني – العربي وقته في زمن "كورونا" هذا؟

- ما قصدت قوله ان الحجر يؤدي بالنهاية الى تعليقٍ للوقت من النواحي الاقتصادية، السياسية وإنما الإجتماعية ايضا. الا ان هذا الوقت المعلّق من الناحية الاجتماعية لا يُنظر اليه بالطريقة عينها من قبل الجميع. هناك مَن يجدون فيه "نعمة" لانه يشكل واحة استراحة من اللهاث المضني خلف الاعتراف الاجتماعي او إبراز الذات اللذين أضحى عليهما وجودنا. لكأنها فترة حلم، نتخلص فيها مؤقتا من الضغط الاجتماعي للانفتاح على التأمل الخالص للوقت الحميم والعاري.

وهناك في المقابل، مَن استفادوا من الشحن والهروب الى الامام الذي لطالما وفرته لهم الحياة بإيقاعها السابق، والتي كانت تتيح لهم الهروب من انفسهم حتى يتحاشوا الوقوف امام ذواتهم، وهم، مع الحجر وتعليق الوقت الاجتماعي والاقتصادي، وجدوا انفسهم وجها لوجه امام نفسهم، وغالبا مع "عثرات" وجودهم.

هؤلاء ليس لهم سوى الانتظار، انتظار العودة الى حياة اجتماعية عادية، واستعادة النشاط الاجتماعي والمهني اللذين وحدهما يتيحان لهم الهروب من هذا الإدراك الـ"خام"، "الخالص"   للوقت الذي يضعهم امام استعراض فراغهم، وبطريقة غير مباشرة، موتهم!

الا ان هذا كله لا يعني إلا للأشخاص الذين يملكون وسائل الحجر، ذلك انه أضحى نوعا من الترف، والفروقات في الحجر ترتبط بالطبقات الاجتماعية. ففي المناطق الفقيرة او المعدمة من الكوكب، وفي عدد من الدول العربية، لا يحترم الناس الحجر، ويُلقى باللوم على جهلهم وعدم مسؤوليتهم. الا انه، في هذه الامكنة المحرومة جدا كمثل الضواحي الفقيرة في طرابلس او في عدد من أحياء بيروت وخارجها، فإن الضيق وانعدام الراحة الشديد في المساحات المنزلية تدفع بالناس خارجا. فعندما يقطن ثمانية او عشرة اشخاص من كل الأعمار وكل الأجيال في هذه الامكنة المعوجّة، الضيقة، يضحي السقف الحقيقي هو الخارج. في الأحياء البائسة في القاهرة مثلا، يتناوب افراد العائلة الواحدة على النوم لانه ما من أسرّة كافية في المنزل او لأنه لا متسع من المساحة لمدّ خمس او ست "فرش" على الأرض. في هذه الحالة يضحي الحجر او الاغلاق على النفس استحالة مادية وجسدية.

* شخصيا كيف تعيش ايام التعبئة العامة؟ هل هي فترة ذهبية للكاتب والروائي بشكل خاص اذ تتيح له الكتابة والتأمل بهدوء، ام على العكس تستنفذ من

[caption id="attachment_78260" align="alignleft" width="333"] الثورة لم تنطفىء ولا بدّ من ايجاد طرق جديدة للاحتجاج[/caption]

يومياته العادية التي يقترب فيها من الناس واحوالهم ما قد يسهم في تغذية كتاباته؟

- في بداية الحجر، لم أشعر بتغييرات كبيرة لأنني في الواقع أعمل كثيرًا من المنزل. لكن طبعا، من الخطأ اعتبار أنه يمكن للكاتب الابتعاد عن موضوع كتبه أي الحياة الواقعية واليومية للناس وقصصهم وحيواتهم... لكن يمكنني القول أن هذه المادة مخزنة عندي بكمّ كبير، ولدي الكثير منها "في الاحتياط". وبما أنني أعمل كثيرًا على مسائل تتناول علاقة الإنسان بالزمن والتاريخ، فقد سمحت لي هذه اللحظات الغريبة التي نعيشها بتنمية أفكاري أكثر حول هذه المسائل.

* كيف تقرأ التحولات ما بعد "كوفيد 19" على صعيد السياسة الاجتماعية عالميا، هل ستعيد الانظمة الكبرى ترتيب الاولويات برأيك بعد "صفعة كورونا"؟ واستطرادا، هل تميل الى افتراض ان الجائحة "مدبرة"؟

- لا أعتقد على الإطلاق أن الوباء كان نتيجة مؤامرة مدبّرة. لدي "حساسية" تجاه نظرية المؤامرة. أجد أن التفكير المستمر في أن الأحداث، أو التاريخ، يتم التلاعب به من قبل القوى السياسية الخفية أو من قبل الدول الكبيرة التي تتآمر إلى ما لا نهاية، ليس سوى وسيلة نعبّر من خلالها عن عجزنا عن الاعتراف بأن الامور غالبًا ما تتفلت عن سيطرة الانسان. يحتاج البشر دائمًا إلى طمأنة انفسهم من خلال التفكير في أن قوة أعلى تتحكم في مصيرهم ومسار التاريخ، وأن الفوضى ليست إلا بفوضى مُعدّ لها، وأنّ كل ما يحدث منطقي. إن فكرة أن الدول القوية أو القوى الخفية مسؤولة عن كل ما يحدث تخفف من القلق من الفراغ وعبثيّة الأحداث.

أما في ما إذا كنا سنخرج من هذه الأزمة بخطط لتغيير الطريقة التي يعمل بها العالم، فأنا لا اميل كثيرا الى الاعتقاد بذلك، للأسف! إن السياسة العالمية، القائمة على مبدأ النمو الاقتصادي ومنطق المجتمع الاستهلاكي، هي حالة هروب دائمة الى الأمام، وقد أتت هذه الأزمة التي نمر بها لتوقفها. إنه كمثل قطار يسير بسرعة فائقة جدًا ويتوقف فجأة، فيقلب الأمور كلها رأسا على عقب... كيف ستحل الأمور بعد ذلك؟ لا أحد يعرف حتى الآن، لكنني أخشى أن يعود الناس إلى عاداتهم السيئة، واستهلاكهم غير المكبوح، والى السباق العبثي للّحاق بالنمو الضائع، وبالتالي تدمير الكوكب.

في غضون ذلك، الامر الوحيد الذي أنا مقتنع به هو أن هذا التوقف الذي فرضه "كوفيد 19" كان لا بدّ منه، ولو مؤقتا، لمنع الغرق الكبير لمجتمعاتنا وأنظمتنا الاقتصادية والبيئية. لم يكن لأحد في العالم ان يجرؤ على اتخاذ القرار، ولم تكن لاي مسؤول وسائل الحثّ على إثارته. الفيروس الفائق الصغر قام بالمهمة!    

* ماذا عن آثار "كورونا" على عالم الادب برأيك؟ هل ستكون "المادة" الأكثر رواجا في ما سيصدر على المدى القصير من روايات تحديدا، ام ان الروائي بحاجة الى ان يبعد الناس والقراء عن تبعاتها؟

- هذه الأزمة العالمية أمر فريد ولا يصدق، وبهذا المعنى فإنها ستشكل من دون شك مصدر وحي لا ينضب للإلهام الروائي، إلا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تتم كتابة امور جدّية حولها. لطالما عمل الأدب على فهم وإعطاء معنى للأحداث والحياة، وليس فقط لوصف أو رواية الحكايات. لأجل ذلك، يتطلب الأمر بعض الوقت لمعالجة هذه الأزمة بالجدية المطلوبة. لكن، ما هو مؤكد أنه سيكون هناك قريباً جدا عدد ضخم من الكتب حول هذا الموضوع، لكن من المحتمل أن تكون أعمالاً او كتابات او تجارب حول الازمة في الاقتصاد، أو السياسة، أو البيئة إنما بمدة صلاحية قصيرة الأمد. المهم والجدي سيأتي في وقت لاحق!

ثورة...

[caption id="attachment_78263" align="alignleft" width="374"] من المؤسف أن يكون التعليم العام في حالة خراب والتعليم الخاص في خطر الانهيار[/caption]

* ماذا عن "ثورة 17 تشرين"، هل انكفأت؟ هل انطفأت؟ الكثيرون رأوها "محرَكة" من الخارج. لقد كنت في قلبها، هل شعرت انها بإيعاز خارجي ام بإرادة لبنانية حقّة؟

- إن التفكير بأن "ثورة أكتوبر" اللبنانية تم التلاعب بها من الخارج هو أمر لا يحترم اللبنانيين الذين تمردوا ضد الفساد وسوء الحكم وخراب بلادهم... وكأن اللبنانيين عاجزون عن الثورة والغضب. على العكس، ما جرى كان يجب أن يحدث قبل ذلك بكثير، والسؤال الحقيقي هو: لماذا انتظر اللبنانيون فترة طويلة حتى يرفعوا الصوت؟ لماذا وافقوا على السماح لهذه الطبقة السياسية بنهب البلاد؟ لماذا عاشوا طويلا في إنكار الواقع؟

في هذه اللحظة، تم وقف الثورة. واحدة من خصائصها كان إبداعها الذي لا يصدق، والذي بدا أنه يجف تدريجياً. واحد من التحديات للمستقبل هو إيجاد طرق جديدة للاحتجاج، وذلك لتفادي تدحرج الغضب المشروع لشعب بكامله إلى أعمال شغب لا يمكن السيطرة عليها.   

* كأستاذ جامعي في جامعة عريقة كـ"القديس يوسف"، هل تخشى على التعليم الخاص في لبنان ويروَج ان هناك من يسعى لضربه لاسباب قد تكون سياسية واجتماعية ايضا؟

- لطالما اعتبرت ان التعليم، مع قضاء مستقل، هو أحد أركان دولة معافاة وضمانة مستقبل ديمقراطي للبلد. امنيتي، أن يكون التعليم الرسمي، وكذلك الجامعة الرسمية أي الجامعة اللبنانية، في صميم اهتمامات حكومات هذا البلد، وأن تخصص لها عشرة لا بل مئة مرة المزيد من الوسائل لازدهارها، من دون تجريح بالتعليم الخاص، باسم حرية اختيار المواطنين. من المؤسف أن يكون التعليم العام في حالة خراب، والتعليم الخاص في خطر الانهيار. إن مسؤولية الأشخاص الذين يحكموننا عما يجري في هذا الصدد كما في امور اخرى لا تغتفر، ذلك ان الضرر في هذا المجال أخطر بكثير من أي مكان آخر لأنهم يرهنون المستقبل بكامله للخطر.

* زوجتك نايلة معالجة نفسية. هل لجأت اليها كمعالجة في يوم من الايام لعلاج لك او استعنت باستشارتها لاي من شخصيات رواياتك؟

- لا أستشير زوجتي حول امور تتعلق بي لان على المعالج النفسي أن يتخذ موقف الموضوعية المطلقة أمام مرضاه، الامر المستحيل قطعا في العلاقة الزوجية. تبقى الحقيقة أنه في الحياة اليومية، لزوجتي مساندة كبيرة في تفسير وإدارة المواقف المعقدة أو الصعبة. أما في ما خص الشخصيات في رواياتي فقد يحدث ان تلاحظ عدم تناسق أو انحرافاً في سلوك أحدهم أو في موقفه، وفي هذه الحالة، أناقشها مطولا وبالتفاصيل.

* دعوت القراء ان يتناولوا في فترة التعبئة واحدا من كتبك. شخصيا ماذا قرأت في هذه الفترة وتنصح به؟

- أقرأ الكثير في الوقت عينه، لسروري الخاص بذلك، او للدروس التي أعطيها، او للمقالات التي أكتبها في l’Orient Littéraire. لقد انتهيت للتو من كتاب "حرب وسلام" لـ"تولستوي". وتزامنا ايضا قرأت "آلة مثلي" "Une Machine comme moi" أحدث رواية للكاتب البريطاني "إيان ماك إيوان".

* نهايةً، عُرفت بأنك "تروي مصائر فردية أو عائلية في حقبات معينة من التاريخ" وبينها  التاريخ الاقتصادي للبنان. هل تقوم بعملية جمع او توثيق لما يجري في تاريخنا الآن، في هذه الحقبة تحديدا من حيث "كورونا" والانهيار الاقتصادي الذي نعيشه، حتى تشكل خلفية تنسج عليها قصة ما تستوحيها؟ وهل من مشروع روائي جديد؟

- إن أكثر ما يهمني هو تلك الفترات المحورية للتاريخ، تلك المتغيرات والتبدلات التي تطرأ في مجتمع ما او عالم ما فتنقله من حقبة إلى حقبة أخرى. في جميع كتبي أتناول هذه التحولات التاريخية والطريقة التي يواجه بها الناس هذه التغييرات أو يرافقوها. لبنان بهذا المعنى، يكاد يكون مختبرًا لشدة ما شهد من تحولات وتغيرات. عالجت في كتبي، من خلال القصص العائلية، العبور من لبنان العثماني إلى لبنان الحديث، ومن ثم نهاية حقبة الثلاثين سنة المجيدة في تاريخه حتى انزلاقه في أتون الحرب الأهلية، ومن ثم عبوره الى لبنان بعد الحرب. كل ذلك من وجهة نظر الشخصيات، ومن مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وانني أعتقد أننا اليوم في صدد عيش فترة تغيير دراماتيكية جديدة، ومن المؤكد أن لبنان الاتي لن يكون كما هو لبنان اليوم، لذا فمن الممكن أن تكون هذه هي المادة لكتابي المقبل.

اما حاليا، فأنا في صدد إنهاء رواية ألمحت فيها إلى الأزمة الصحية العالمية والوضع اللبناني، ومن المفترض ان تصدر في خلال عام من الآن.