قضيتان حملهما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى الفاتيكان الأسبوع الماضي ووضعهما في عهدة البابا "فرنسيس" والدوائر الفاتيكانية التي لا تزال تبدي اهتماماً مباشراً بالوضع في لبنان: القضية الأولى كانت التقرير الذي سلمه البطريرك للبابا ولكبار معاونيه في الكرسي الرسولي، والثانية الدعوة المفتوحة للاب الاقدس بزيارة رعوية للبنان ستكون لها أهمية خاصة لاسيما لجهة إعادة المظلة الدولية الى هذا البلد الجريح والذي ينزف يوماً بعد يوم.
في القضية الاولى، تقول مصادر كنسية ان التقرير الذي قدمه البطريرك عرض فيه للمخاطر والتحديات التي يواجهها لبنان، في ظل التطورات الإقليمية والازمة السياسية الداخلية وبخاصة المتمثلة بتشكيل الحكومة، بحيث تم خلال هذه السنة تسمية ثلاثة رؤساء حكومة ولم ينجح سوى واحد منهم في تشكيل حكومته التي اصطدمت بالرفض الداخلي والخارجي، الامر الذي خلق واقعاً اقتصادياً مراً تسبب بازدياد عدد الفقراء وبنزيف هجرة، إضافة الى نتائج وتداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي دمر جزءاً كبيراً من العاصمة الذي يسكنه المسيحيون، والذين لم يشعروا بتضامن ومسؤولية عملية من قبل السلطات الرسمية المعنية والحكومة.
وفي هذا السياق، اطلع الراعي البابا "فرنسيس" على العمل الكبير الذي قام به المتطوعون من شبيبة ومهندسين وأطباء ورجال اعمال ساعدوا الأهالي المنكوبين على البدء بترميم بيوتهم. كما اطلعه على ما تقوم به الكنيسة: البطريركيات والابرشيات والرهبانيات والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية التي تعمل على تغطية حاجات أبنائها على كامل الأرض اللبنانية من خلال خلق شبكة تدعى "الكرمة" تحت شعار ان "لا تموت عائلة من الجوع او تشعر بأنها متروكة لشأنها".
وتطرق الراعي الى موضوع "حياد لبنان الناشط" الذي يشكل "عودة الى هوية لبنان الحقيقية والاساسية، وبالتالي يشكل المدخل الى الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي بكل قطاعاته، ويعيد انفتاح لبنان على دول الشرق والغرب".
من جهته جدد البابا "فرنسيس" وقوفه الى جانب لبنان وتضامنه مع شعبه وقربه منه، مؤكداً "صلاته باستمرار من اجلهما". وبعد اللقاء، وصف الراعي الزيارة بأنها "مثمرة وممتازة للغاية".
زيارة لبنان واردة
اما في القضية الثانية وهي دعوة البابا لزيارة لبنان، فإن المعلومات إشارت الى ان البابا الاقدس "متفاعل" مع الدعوة لكنه لم يحدد موعداً محدداً بانتظار بلورة الأوضاع اكثر في لبنان، مع الإشارة الى ان الدوائر الفاتيكانية لم تدرج لبنان بعد على لائحة زيارات البابا، لكن ذلك لا يمنع ان تدرجها في أي لحظة اذا وجدت ان الظروف باتت مؤاتية. ويلاحظ مراقبون ان الاهتمام البابوي للبنان وبالاوضاع فيه عادت الى الواجهة من جديد بعدما كان انكفأ هذا الاهتمام من فترة بعيدة وعادت التقارير عن الوضع اللبناني الى جناح البابا بعدما كانت بعدت عنه خلال الأعوام الماضية، لكن ذلك لا يلغي وجود ملاحظات بابوية على أداء القيمين على المؤسسات الروحية في لبنان ما استوجب تدخلات اكثر من مرة عن طريق ارسال موفدين بابويين او "مرسلين" من الداخل على الابرشيات والرهبانيات لتصحيح الأداء والمسار. اما في ما يتعلق بموضوع "الحياد" الذي حمله البطريرك معه، فإن المعلومات الواردة من الكرسي الرسولي تشير الى ان الدوائر الفاتيكانية لا تزال "غير متحمسة" لهذا الموضوع وهي تريد ان تكون أي خطوة في هذا الاتجاه او ذاك، موضع توافق وطني شامل لئلا تفسر بأنها تشكل "تحدياً" لهذا المكون اللبناني او ذلك، لاسيما وان الكرسي الرسولي على معرفة مباشرة بردود الفعل على دعوة البطريرك الى "الحياد الناشط" والتي لم تكن كلها إيجابية، لا بل طرحت علامات استفهام حول مدى نجاحها في ظل التجاذبات الراهنة. وأشارت المعلومات الى ان الفاتيكان يفضل ان يكون أي موقف سياسي جديد يلحظ تغييراً في الواقع اللبناني، محور تشاور واسع مع توافق لان الكرسي الرسولي لا يزال يعتقد بأن ميزة لبنان في تعايش أبنائه من مختلف الطوائف، وفي ان يكون رمزاً يحتذى به في البلدان التي تتألف من مكونات عدة مثل ما هو وضع لبنان.
وكانت مصادر بكركي المحت الى ان زيارة الراعي الفاتيكانية هي استكمال أيضاً لاتصالاته مع دول القرار والدول الصديقة المعنية بانقاذ لبنان، وتكملة لمواقفه الداخلية التي اطلقها، وبعد تصعيد في عظات يوم الاحد تناولت حياد لبنان واطلاق سراح الشرعية الدولية، والإسراع في تأليف حكومة انقاذية لا تقوم على المحاصصة تضم أصحاب الكفاءة والاختصاص، وتوجيه الرسائل الى الرئيس المكلف سعد الحريري لالتزام الدستور بالتأليف والمداورة وان لا يستضعف المسيحيين وقد حملت اكثر من مغزى في وقت سابق. ولبكركي الف سبب وسبب يدفعها لرفع الصوت مؤخراً كما تقول "المصادر نفسها"، فالراعي يستشعر مخاوف كثيرة تهدد الكيان، ويراقب انزلاق البلاد نحو الهاوية، وفي هذا الاطار يأتي تحركه انطلاقاً من قراءة واقعية للمؤشرات السياسية السلبية وتداعياتها على الأوضاع كافة، واذا كان سيد بكركي يصوب في اتجاهات محددة ويستهدف شخصيات سياسية معينة، الا انه يتقصد كل المسؤولين عن تشكيل الحكومة والمعرقلين ومن يضعون العصي في الدواليب ويشترطون المحاصصة، الا ان البطريرك يؤكد امام زواره بأنه يرفض المساس بموقع رئاسة الجمهورية وهو بالتالي يرفض الدعوات التي تنادي باستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وان كانت لديه ملاحظات حول أدائه وتحالفاته، الا انها لن يقبل بأي شكل من الاشكال بأن "يسقط" الرئيس لأي سبب كان، بل يجب البقاء معه ودعمه ودعوته الى "تصحيح" المسار عند الحاجة. وتأخذ بكركي - وفق مصادرها - على الرئيس عون علاقته المتردية مع مكونات لبنانية عدة معتبرة ان ذلك لا يصب في مصلحة الرئاسة والرئيس ، لكن ذلك لا يشكل سبباً للمناداة باستقالته لأن الوضع الراهن لا يسمح بمثل هذه المغامرة غير معروفة النتائج.