بقلم عبير انطون
هي زينة دكاش، منتزعة الضحكة في أدوارها الكوميدية والنافذة الى قلب الدمعة من خلال أعمالها الفنية - العلاجية عبر مركز <كثارسيس> الرائد الذي أسسته منذ سنوات ومعناه باليونانية: <التطهّر والتنقية> من خلال الفن والعلاج بالدراما. هذه المرة أبطالها عمال وعاملات من أثيوبيا، وبوركينا فاسو، والسنغال والكاميرون والسودان. أشخاص سجنهم واقعهم في قلب البلاد التي تركوها بحثاً عن <الجنة الضائعة>، صوّر لهم انها في لبنان ولم يتركوا سبيلاً يقف أمام حلمهم المنشود بالوصول الى <أرض العسل واللبن>. الحياة هنا لم تقدم لهم الورود، والاشواك أدمت بعضهم فرواها على الخشبة من خلال عرض أعدته وأخرجته زينة دكاش بعنوان <شبيك - لبيك>.
فماذا في هذا العرض؟ اي قصص رويت؟ ما الهدف منها؟ وهل الجانب المستخدم لهؤلاء العمال هو الجلاد وهم الضحية ام هو أيضاً ضحية في مكان ما، وكيف؟
في هذا الحوار مع زينة دكاش ومنسق جمعية <ميغرانت ووركرز تاسك فورس> الدكتور عمر حرفوش التفاصيل كافة. وبدأنا مع زينة بالسؤال:
ــ ابتعدت قليلاً عن السجون بعد فتح أبوابها من بعبدا الى رومية وغيرها.. وها انت تفتحين سجن العمال هنا..
- ما زلنا في السجون وأوضاعها ومواضيعها. لم ولن نتركها، فمسيرتنا دائمة معها. الا انكم تعرفون ان <كثارسيس> يضم بين <روزنامته> نشاطات عديدة. لقد عملنا مع مرضى نفسيين في العام 2013 والبرنامج مستمر لثلاث سنوات. يصب عملنا الجديد <شبيك لبيك> على حياة العاملات والعاملين الاجانب في لبنان، وهو مشروع تمّ بتمويل من السفارة النروجية، ويهدف الى تمكين هؤلاء العمال واستعادتهم لثقتهم بنفسهم والمناداة بقوانين تنصفهم. هذه الجماعة هي فئة مهمشة، يهلكها نظام الكفالة المتبع لدينا، وهو بالمناسبة، اي نظام الكفالة الحالي، يظلم العامل ورب العمل ايضاً. فالعاملة مثلاً مجبورة على العمل لما يفوق الثماني ساعات يومياً، تنام في البيت الذي تعمل فيه، والكفيل مسؤول عنها في كل ما يصيبها وفي كل ما تتعرض له. ونحن نسأل: لماذا لا يكون لها قانون يسهل حياتها وحياة رب العمل معاً، فتذهب الى بيتها عند انتهاء ساعات عملها، فتتسوق وتخرج لعائلتها ومع أصدقائها وتعيش حياة عادية على غرار ما تعيشه ربة عملها، فتحيا وكأنها موظفة كما في سائر الوظائف؟ كذلك لماذا يمنع زوجها من القدوم الى لبنان إلا اذا تأمن له كفيل ثانٍ؟ في المسرحية ننقل هذه المعاناة، معاناة الكافل والمكفول، والمفروض ان نجد حلاً.
ــ وهل وضعتم تصوراً له؟
- هناك تصور للحل، وعندما عرضت المسرحية قبلاً، حضرها وزير العمل سجعان قزي وبقي مع العاملين الاجانب واستمع الى هواجسهم ومطالبهم. للأسف لا يبدو ان القرار بالحل متخذ بشكل كامل.
ــ كيف اخترت أبطالك العمال والعاملات لمسرحيتك؟
- اخترتهم بالتنسيق مع السيد عمر حرفوش وهو مناصر أساسي لحقوقهم وله مبادرة رائعة نرجو ان تضيئوا عليها. لقد اجتمعت بالعمال والعاملين الذين يدرسهم ويفوق عددهم الـ120 وبقينا معاً نحو سنة، نعيش همومهم وهواجسهم، ومع اقتراحي تقديم عمل مسرحي من بطولتهم رحّب العديدون بالفكرة. دخلنا في محترف للمسرحية، نلتقي خلاله منتصف الاسبوع، للذين واللواتي سمح لهم أرباب عملهم بترك البيت أو العمل والحضور للتمارين، فمنهم من تجاوب بحماسة ومنهم من قطع الطريق قائلاً على الطريقة اللبنانية: <دخيلك ما تفوتينا بهالديباجة>.
وتضيف زينة قائلة:
- أصبحنا أصدقاء، وكنت أمر لنقل بعضهم معي بسيارتي الخاصة الى التمارين. وأود ان أشير في هذا المجال الى ان ما قام به السفير البريطاني <توم فلتشر> منذ مدة جعل الرأي العام ينظر الى أمر العاملات في المنازل من زاوية مختلفة، وذلك عندما زار احدى السيدات وطلب منها ان تستريح خادمتها وتقوم بنشاط تحبه، فيما أنجز أعمالها في غسل الصحون وغيرها واضعاً نفسه مكانها، مؤكداً ان السفير الانكليزي يمكنه ان يكون واحداً من هؤلاء العمال.. الأمر جرّ نقاشاً واسعاً.
عاملات.. ولكن؟!
ــ لكن في المقابل، نرى الكثير من العاملات يستقوين ايضاً بقصة حقوقهن والمطالبة بها حتى اننا بتنا نصادف منهن من ابتعدن عن المجال الذي قدمن لأجله الى لبنان، ودخلن في مسارب أخرى؟
- ولماذا لا نرى ذلك في دبي مثلاً؟ أنا أردّ ذلك الى القمع الذي تعيش فيه هذه السيدات، فنجعلهن يعملن من الصباح الى المساء، مع الاولاد وفي المنزل وفي تنزيه الكلب وغسل السيارة، ونصرخ في وجههن: <ما عم تفهمي عربي؟> وننسى انها لا تفهم فعلاً اللغة العربية ولا نصبر عليها اذا طلبنا منها فنجان قهوة تركية، وهي لم تعرفها يوماً.. هذه أبسط الامثلة، وتكون ردة فعل مكتب الاستخدام حين يشرح لهم ما يدور: <بدّليها مدام>.. والهدف المال. ألا يحق لهؤلاء العاملات باللباس الجيد وبعطلة نهاية أسبوع أو يوم فرصة؟
السنيغاليون أرقى.... منا؟!
ــ كيف يمكنك تلخيص العمل ولقد وضعت له عنواناً له دلالات عديدة: وحده المارد ذو الطاقات الجبارة يقول <شبيك لبيك>؟!
- في المسرحية اجتمع كل شيء: الضحكة والدمعة، الروايات الدرامية الشخصية لهؤلاء العمال في رحلة عملهم في لبنان وإضاءات في جانب آخر على حضاراتهم وتراثهم. لقد اجتمع الرقص والغناء والموسيقى والكلام. أردته عملاً تفاعلياً. نحن ندعوهم للعمل في بلدنا ولمعرفة عاداتنا وتقاليدنا من دون ان نعرف عنهم وعن عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم. هناك رقصات ولوحات فولكلورية من السنغال وأثيوبيا وغيرها، وهناك إطلاع على قوانينهم وبعضها أكثر تطوراً من الذي نعرفه في لبنان.
وتزيد زينة قائلة:
- نعرف مثلاً ان الزواج المدني المرفوض حتى الآن رسمياً في لبنان هو السائد في الكاميرون. ونعرف ايضاً ان المرأة السنيغالية يمكنها منح الجنسية لزوجها وأطفالها منذ العام 2013، وهو الحق الذي لم تحصل عليه المرأة اللبنانية حتى اليوم، ونبكي على حالنا من خلال ما تقوله احدى العاملات في المسرحية انها تعجبت عندما وصلت الى لبنان ووجدت ان الكهرباء فيه تلعب الغميضة، فتنقطع وتعود ساعة تشاء، الأمر الذي لا يحصل في بلدها حيث الكهرباء 24/24 ساعة. عندهم الكثير أيضاً مما ليس عندنا.
الكرامة أولاً..
ــ هل كان العمل معهم صعباً، فهم في النهاية ليسوا ممثلين محترفين..
- لا يمكنكم تصور مدى السعادة التي عملت فيها معهم. فما قاموا به ليس سهلاً، وكانوا نظاميين جداً يحترمون الوقت بالثواني. بعد كل استراحة، أراهم يتجمعون وحدهم لاستكمال التمرين. يعرفون قيمة الوقت ولا يضيعونه سدى. لقد لمست لديهم احترامهم لعملهم ولكلمتهم، فهم يصارعون للحفاظ على الكلمة التي يعطونها.
ــ ما هي اولى مطالبهم التي لمستها من خلال عملك معهم؟
- كرامتهم تأتي بالمرتبة الاولى.. احترامهم كشخص وكإنسان، وتطبيق حقوق الانسان عليهم، فلا نعتبرهم آلات متحركة تعمل. والعديد من هؤلاء العاملين والعاملات باتوا يناهضون الإجحاف بحقوقهم ويشاركون في المسيرات التي تخصهم.
ــ هل من طرائف أو علاقات حب مثلاً نشأت خلال عملكم على المسرحية لاسيما وان التمرينات استغرقت وقتاً؟
- ليس من هذا القبيل. الاكثرية متزوجون، لكنهم أقاموا تجمعاً لهم على <الواتساب> يتواصلون من خلاله، وهم يجتمعون احياناً ويعدّون مأكولات بلدانهم ليتذوقها الجميع..
ــ وماذا بعد <شبيك- لبيك>، الى أي عالم جديد سوف تأخذنا زينة دكاش؟
- الى رومية مجدداً. أعدّ مسرحية مع الرجال في سجن رومية، وهي مخصصة هذه المرّة للمساجين الذين يعانون مرضاً نفسياً معيناً كـ<الشكيزوفرينيا> أو انفصام الشخصية أو مرض الـ<بي - بولير> (مرض ثنائي القطب، يعاني صاحبه من تقلبات مزاجية حادة) وهؤلاء ليس مكانهم في السجن..
فرنسي - انكليزي وكمبيوتر
عمر حرفوش هو الشخص الذي أحالتنا عليه زينة دكاش، والذي معه ومن خلاله تم تأمين أبطال عملها <شبيك- لبيك>. فمن هو، وما هي الجمعية التي يعمل من خلالها وما أهدافها؟
ــ لنتعرف بك أولاً وبالجمعية ومؤسسيها..
- سأتخرج من كلية الطب في الجامعة الاميركية بعد شهرين وأنوي التخصص في الامراض المعدية. جمعية <ميغرانت ووركز تاسك فورس> أسسها لبنانيون وأجانب منذ خمس سنوات، وأنا أعلّم فيها صفوف الكومبيوتر منذ ثلاث سنوات. كان هدف الجمعية منذ تأسيسها تشجيع العاملين والعاملات الاجانب للوصول الى العلم ودراسة اللغات الفرنسية والانكليزية وعلوم الكومبيوتر، حتى اذا أرادوا التعبير عن أنفسهم، أو كتابة قصصهم أو معاناتهم أمكنهم القيام بذلك. كذلك كان الهدف تمكينهم من الاتصال والتواصل مع أهلهم عبر الرسائل الالكترونية والـ<سكايب> وقد كانت هذه نقلة مؤثرة وقفزة نوعية لهم خاصة لمن لم يتواصلوا مع أهلهم منذ سنوات.
ــ أين يقع مركز الجمعية؟
- مركز الصفوف الاساسية للجمعية هو في <آلت سيتي> في الحمرا مقابل <مسرح المدينة> حيث عرض العمل. وهناك صفوف تُخصص للعاملين السودانيين في المركز السوداني الثقافي (لا سودانيات في لبنان)، في حين اننا قبلاً كنا نعطي الدروس في مركز العمال الاجانب في الجميزة.
ــ ما هو عدد المنتسبين الى الصفوف المختلفة؟
- تلامذة الأحد، اي يوم عطلة هؤلاء العمال يبلغ العدد السبعين ومن يقصدون المركز السوداني من السودانيين يتراوحون بين الثلاثين والخمسين..
ــ ومن هم الاساتذة؟ هل جميعهم متطوعون؟
- نعم، بينهم اللبنانيون وبينهم الاجانب وغالبيتهم هم تلامذة من الجامعة الاميركية في بيروت والجامعة اللبنانية - الاميركية.
ــ هل من شهادات تمنح للعمال في هذا المجال؟
- ما من شهادات رسمية بالطبع، بل هم يتخرجون من صفوفهم، ويخضعون لامتحانات حتى ان البعض منعهم أبدوا اهتماماً بتقديم امتحانات الـ<توفل> التي يقدمها تلامذة الجامعات.
ــ كطبيب، ما هي أكثر الامراض شيوعاً بين العاملين والعمال الاجانب؟
- تختلف الامراض من بلد الى آخر، مثلاً <الحمى الصفراء> التي نعرفها غير موجودة في الفيليبين، في حين مرت فترة ارتفعت فيها نسبة المرض بالسل لديهم، الا انهم جميعاً يخضعون للفحوصات المخبرية قبل قدومهم ويعاد فحصهم من جديد عند دخولهم الى لبنان.
حذارِ الاختلاط...
ــ ما هي طلبات أرباب العمل منكم بعدما يسمحون للعمال بمتابعة صفوفكم؟
- في البداية، يأتي طلبهم بعدم الاختلاط بين الجنسين، ولا أجد ذلك محقاً. وهناك اليوم عمل في القانون بين وزارتي العدل والداخلية يمنع بموجبه العمال والعاملات بإقامة اية علاقة عاطفية أو الزواج وكأنهم يريدون ان يتحكموا بحياتهم. في لبنان هناك أكثر من 250 ألف عامل وعاملة وهم غير مشمولين بقانون العمل اللبناني. نحن نسعى مع الجمعيات المدنية الى تعديل النظام بطريقة تحمي الطرفين أي العامل ورب العمل من اي انتهاك.
ــ وهل راعيتم الرغبة في عدم اختلاط الجنسين؟
- ليست لدينا مشكلة في هذا المجال. والاختلاط يكون بحسب الجنسيات، فتجدون الاثيوبيين يجتمعون مع بعضهم البعض، وكذلك السودانيون الخ.. علماً ان الاختلاط جميل وهو يؤدي الى التنوع وتفاعل الثقافات والحضارات وهذا ما عبروا عنه في مسرحية <شبيك لبيك>.
ــ ما هي الجنسية الأكثر انتشاراً بين تلامذتكم؟
- الاكثرية هي من الجنسية الاثيوبية، وهناك تلامذة من مدغشقر والكاميرون وهؤلاء يتقنون اللغة الفرنسية.
ــ وهل من عمال من الجاليات العربية، المصرية مثلاً؟
- ليس لدينا عمال من مصر، الغالبية هم من السودان. لقد استقبلنا واحداً أو اثنين من الجنسية السورية، وذلك لأن هناك جمعيات أخرى تهتم بهم.
ــ هل ما تقدمونه للعمال مجاني بالكامل ومن يدعمكم؟
- نعــــــم هـــــو مجــــــاني، ونتكـــل عــــــلى بعض الجمعيـــــات في مبـــــالغ ضئيلــــة لتسيير الأمور اللوجستية. المركز مشكور إذ قدم لنا نهار الأحد ونتكل ايضاً على المساحات العامة.
ــ ما هي أكثر الطلبات الملحة لدى هؤلاء العمال؟
- التواصل مع أهلهم. وهم يشكون احياناً من أمور التمييز العنصري التي تطالهم أو أمور التحرش بهم على الطرقات، الا انهم يتخطون هذه الأمور ويصرون على الإيجابية.
ــ وكيف هي صورتنا نحن اللبنانيين بعيونهم؟
- تصدقون؟ غالبيتهم يتكلمون بالخير عن أرباب عملهم ويصفون علاقتهم بهم بالجيدة والحلوة. إنهم يميلـــــون الى رؤيــــــــة النصف الممتلئ من الكوب وليس النصف الفارغ منه.