تفاصيل الخبر

الوزير السابق الدكتور طارق متري يعرض لتجربته الليبية ولوضع متحف «سرسق»: مــتـحــف «سـرســـق» مـفـتــــوح لـكــــل الـنــــاس ويشهــــد تـظـاهـــرة ثـقـافـيـــة مـنـقـطـعـــة الـنـظـيـــر!

23/10/2015
الوزير السابق الدكتور طارق متري يعرض لتجربته الليبية ولوضع متحف «سرسق»: مــتـحــف «سـرســـق» مـفـتــــوح لـكــــل الـنــــاس  ويشهــــد تـظـاهـــرة ثـقـافـيـــة مـنـقـطـعـــة الـنـظـيـــر!

الوزير السابق الدكتور طارق متري يعرض لتجربته الليبية ولوضع متحف «سرسق»: مــتـحــف «سـرســـق» مـفـتــــوح لـكــــل الـنــــاس ويشهــــد تـظـاهـــرة ثـقـافـيـــة مـنـقـطـعـــة الـنـظـيـــر!

 

بقلم حسين حمية

SAM_9774شهدت مدينة بيروت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري حدثاً ثقافياً مهماً تمثل بإعادة افتتاح متحف <سرسق> بُعيد تأهيله، وذلك برعاية رئيس الحكومة تمام سلام ممثلاً بزوجته السيدة لمى سلام، وبحضور متولي المتحف رئيس بلدية بيروت بلال حمد ورئيس اللجنة العامة للمتحف الوزير السابق طارق متري. فما أهمية افتتاح هذا المتحف اليوم؟ وماذا يقول المعنيون عنه؟

<الأفكار> استضافت في مكاتبها الوزير السابق طارق متري وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى الوضع في ليبيا على اعتبار أنه كان المبعوث الأممي الى هذا البلد الغارق في الاقتتال لمدة سنتين، وقد أصدر كتاباً عن هذه التجربة منذ أيام.

سألناه بداية:

ــ كسائح ماذا تجد في متحف <سرسق>؟

- أولاً، تدخل الى المتحف بكل ترحيب، والدخول مجاني، وصحيح ان لغة المتحف عربية، لكنه يستخدم اللغتين الإنكليزية والفرنسية ويستقبل كل السياح من كل أنحاء العالم، حيث توجد مضيفات أو مرشدات لهذا الغرض بشكل دائم، واليوم إذا أراد أي سائح ان يزور المتحف فإنه يجد أولاً المبنى الذي يحمل قيمة معمارية وقد ترمم وأُعيد الى رونقه القديم بإشراف مهندس فرنسي اسمه <جان ميشال فيلموت>، وكان معه شريك لبناني اسمه جاك أبو خالد، وهذا مبنى استثنائي وهندسته تجمع ما بين الهندستين العثمانية والإيطالية، وقد بُني عام 1911، وثانياً لدينا أربعة معارض: الاول لمجموعة المتحف الدائمة وهو في المبنى الأول، والثاني في المبنى القديم ويضم مختارات من مقتنيات المتحف التشكيلي اللبناني منذ أواخر القرن التاسع عشر وتوجد فيه رسومات لشخصيات عديدة وأهمها حسب رأيي رسم لجورج قرم.

أغلى لوحة في متحف <سرسق>

 

ــ ما اغلى لوحة موجودة؟

- يقال بأن أثمن وأغلى لوحة هي رسم لصاحب المبنى نقولا سرسق على يد الرسام الهولندي الشهير <كيس فان دونغن>.

ــ البعض قال إن افتتاح المتحف جاء بالتزامن مع قيام اعتصامات وتظاهرات للحراك المدني وسط بيروت ليؤكد صورة لبنان النابضة بالحياة، ألم يخف الدكتور طارق متري مما كان يجري في الخارج؟

- كان الموعد مقرراً قبل قيام الاعتصام في وسط بيروت، وفي كافة الأحوال، لم أشعر بأي خوف لأن المتحف لكل اللبنانيين بمن فيهم المتظاهرون، وهو مفتوح للعامة والناس يقبلون عليه إقبالاً كبيراً فاق توقعاتنا.

ــ وماذا يحوي المبنى أيضاً؟

- بالإضافة الى المعرض الأول، هناك في الطابق الثاني مختارات من مجموعة صور فؤاد دباس وهي تضم 130 ألف صورة و<كارت بوستال> لبيروت، وهي ملك الأخوين دباس، إنما في عهدة المتحف وهي صور قديمة منذ اكثر من قرن، ونحن نعرضها لبعض الوقت فقط كي لا نعرضها للضوء بشكل دائم كي لا تتعرض للتلف. والمعرض الثالث يستمر لأربعة أشهر وعنوانه <نظرات الى بيروت> منذ العام 1800 حتى اليوم، حيث نتعرف من خلاله الى تاريخ مدينة بيروت من خلال ما رسمه اللبنانيون والأجانب لهذه المدينة مذ كانت مرفأ تحوط به بعض المنازل ولغاية ما أصبحت عليه اليوم. ونرى في هذا المعرض أشياء كثيرة لا يعرفها معظم اللبنانيين. فمثلاً نرى حمامات بيروت القديمة ومتى نشأت والمدارس القديمة.

ــ لديكم أيضاً تمثال المرأتين المحجبتين المسلمة والمسيحية؟

- صحيح، فهذا تمثال ليوسف الحويك وكان في ساحة الشهداء، وهو يرمز الى وحدة الشعب اللبناني مسحيين ومسلمين. أما المعرض الرابع فهو المدخل السفلي ويضم قاعتين صغيرتين للعرض يوجد فيهما معرض اسمه <مدينة في المدينة>، وهو عبارة عن خرائط مختلفة عن مدينة بيروت، بمعنى خرائط تبرز المساحات الخضراء التي كانت في بيروت والتي تغيب اليوم، وخرائط تحدّد الملاعب في بيروت سابقاً واليوم، وهناك خرائط تبيّن الطرقات المقفلة لدواعٍ أمنية. وهنا نتفاجأ في عدد الطرقات المقفلة وكم هي كثيرة.

تمويل المتحف

 

ــ كثيرون تحدثوا عن دور الصحافي الكبير الراحل غسان تويني، فما كان دوره بالضبط؟

- عندما أوقف نقولا سرسق المتحف لصالح مدينة بيروت بعد وفاته عام 1952، وضع المعنيون متولياً عليه هو رئيس بلدية بيروت آنذاك أمين بيهم رحمه الله، وجرى اتفاق غير مكتوب بأن المتولي يعين رئيس لجنة المتحف التي تديره، وغسان تويني كان رئيس لجنة المتحف، وعندما اعتلّت صحّته خلفته أنا منذ ست سنوات، وكانت فترة صعبة أمضيناها في ترميم المتحف وإعادة تأهيله تمهيداً لافتتاحه، لاسيما وأننا لا نملك الأموال اللازمة للبناء.

ــ من يموّل المتحف؟

- للمتحف ثلاثة مصادر تمويل: الأول وقف نقولا سرسق نفسه، الثاني التبرعات، والثالث هو انه صدر قانون يعطي المتحف نسبة مئوية من رسوم رخص البناء في بيروت، ويؤمن دخلاً للمتحف، لكن هذا الدخل لم يكن كافياً للبناء والتجهيز، واليوم ليس كافياً لتسيير شؤون المتحف.

 

التجربة الليبية

 

ــ ننتقل من متحف بيروت الى متحف ليبيا السياسي، ونسألك كيف كلّفك امين عام الأمم المتحدة <بان كي مون> بأن تكون المبعوث الأممي في ليبيا، ولماذا استقلت من هذه المهمة؟

- لم أكن في هذا الوارد، واختاروني لأنهم كانوا يريدون تكليف عربي لهذه المهمة، والأمم المتحدة لم يكن لديها تاريخياً أي عربي ما عدا الأخضر الإبراهيمي، وبالتالي كانت هناك رغبة بتكليف عربي لتعزيز الوجود العربي في المنظمة الدولية، وأنا أعرف <بان كي مون> شخصياً يوم كنت وزيراً للإعلام وهو كان يتابع الوضع اللبناني، ولذلك أرادوا اختيار عربي يتمتع بخبرة سياسية، ولكن في الوقت ذاته يكون أكاديمياً يقرأ ويتابع دون أن يقحم مواقفه السياسية في كل شيء، ولذلك وقع اختيارهم على اسمي.

ــ كيف قضيت تلك المهمة في ليبيا لمدة سنتين؟

- ليبيا بلد قامت فيه ثورة ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، وكان المدنيون مهددين بمجزرة في مدينة بنغازي، وفي غفلة من الزمن قرّر المجتمع الدولي التدخّل وصوّت مجلس الأمن على القرار دون أي <فيتو> روسي أو صيني، واستطاع إصدار قرار باستخدام كل التدابير الضرورية لحماية المدنيين، و حصل تدخّل عسكري بدأ بحماية المدنيين وانتهى بإسقاط القذافي، ومع إسقاط القذافي، تفكك جيشه الذي كان مفككاً أصلاً، بمعنى أن الجيش التقليدي كان مهمشاً وكان القذافي أنشأ كتائب يترأسها أولاده، ولما سقط نظام القذافي رحل الغربيون، وكلّف مجلس الأمن الأمم المتحدة مساعدة الليبيين في بناء الدولة الجديدة، لكن هذه المهمة كانت أكبر بكثير من قرارات الأمم المتحدة ومن قدرات البعثة التي كنت اترأسها، لأن ليبيا كانت تفتقر الى المؤسسات والجيش والشرطة، والقضاء في حالة يُرثى لها، وكان يستلزم البلد إعادة بناء شاملة والإمكانات لم تكن متوافرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان القذافي يعطل الحياة السياسية لمدة 42 سنة، وبالتالي لم تكن هناك نخب سياسية، بل نشأت هذه النخبة بسرعة وهي لا تملك الخبرة، وثالثاً فالبلد كانت تحكمه تناقضات جهوية بين الشرق والغرب والجنوب، وتناقضات قبلية لا يمكن الاستهانة بها، وأنا تحركت في كل الاتجاهات ووجهت رسالة للجميع وهي ان دعم ليبيا يبدأ بدعم الدولة دون الجماعات المسلحة والقبائل والأحزاب، لكن هذا الأمر لسوء الحظ لم يحصل والكثير من الدول لم تلتزم ونصرت فريقاً ضد فريق آخر، وانقسم البلد بسرعة قياسية بين فريقين وأصبحت لديه حكومتان، والآن بعد سنة كاملة من الحوار الذي بدأ خلال فترة مهامي لمدة تتراوح بين 6 و8  أشهر، توصل خليفتي الاسباني <برناردينو ليون> الى اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن منذ تسمية وزراء الحكومة بدأت الانتقادات والاعتراضات تواجهه، حتى قال له البعض انه تنازل كثيراً لصالح الإسلاميين ولا نعرف ما إذا كانت هذه الحكومة التي اقترحها <برناردينو ليون> سيُكتب لها النجاح وما إذا كانت ستتمكن من إعادة اللحمة الى الليبيين ام لا.

ــ كيف تقيّم الوضع بدورك؟

- أنا متردد وخائف كثيراً على ليبيا من أن تستمر فيها حالة الفوضى الحالية والصراع المسلح، لأن هناك العديد من الناس في ليبيا ولأسباب مختلفة لديهم أوهام الغلبة رغم أن هذا البلد متنوع قبلياً وجهوياً ومساحته شاسعة، وهو بلد مفكك لأن الدولة فيه ضعيفة، وبالتالي لا يمكن لفريق أن يحكم ضد فريق آخر. وهذه الفكرة كنت أكررها دائماً وأقول انه يمكن لفريق أن يربح من خلال الانتخابات، لكن الاكثرية لا يمكن أن تحكم كلياً، لاسيما في مرحلة بناء الدولة، ولذلك لا بد من إشراك الجميع في العملية السياسية، لكن عندما كنت أقول ذلك كان الرد يأتي بأنني متعاطف مع الإسلاميين، أو مع هذا وذاك، لكنني لست مع أي طرف، بل كان همي دائماً أن أعزز فرض سلطة الدولة الليبية الموحدة، وهذا لا يحدث إلا بإشراك الجميع في العملية السياسية. وبعض الليبيين اعتبر أن الديموقراطية هي فقط بالانتخابات، وأن الأكثرية تحكم، والأقلية تعارض، وهذا يصحّ في المجتمعات الديموقراطية العريقة وفي المجتمعات المتجانسة، لكن ليبيا ليست ديموقراطية عريقة والبلد ليس متجانساً، ولا بد بالتالي من إعادة اللحمة للمجتمع أولاً وتوحيده من خلال إشراك الجميع في العملية السياسية وهذه هي العقبة في الأداء وأعتقد أنها لا تزال موجودة.

دور مصر في ليبيا

ــ لماذا استقلت؟

- لم أستقل، وما حصل أن <بان كي مون> طلب مني البقاء لمدة سنة، وقبل انتهاء السنة بشهرين طلب مني أن أبقى لسنة إضافية، فوافقت، ولما انتهت السنة الثانية شكرته مودعاً.

ــ قيل بأنك استقبلت بعض الناشطات ممن اعتُدي عليهن. فهل هذا صحيح؟

- صحيح، جاء إليّ العديد منهن ولا سيما سلوى بوقعيقص التي قُتلت في ما بعد في بنغازي، وكن يطلبن الحماية من الأمم التمحدة لكننا لم نكن آنذاك نستطيع حماية أنفسنا، وأنا كان لدي حرس غير مسلح، وقد تعرض مقر الأمم المتحدة لهجمات صاروخية وكنت ألزم الموظفين بلبس الخوذات الزرقاء والستر الواقية من الرصاص لكي يتنقلوا من مكتب الى آخر، وكان الحرس الخاص بي يمنعني من التجول إلا ليلاً مع اتخاذ تدابير استثنائية، ولكن رغم ذلك لم تكن المشاكل الأمنية تشغل بالي بل الازمات السياسية وكيفية إعادة بناء الدولة. فأنا كنت أحب ليبيا والليبيين والبلد هناك جميل، وأحفظ الود لليبيين، لكن مشاكل البلد كبيرة، وقادته ليسوا على مستوى معالجة تلك المشاكل، والمجتمع الدولي أخفق في ذلك أيضاً.

ــ كيف ترى دور مصر وهي جارة ليبيا؟

- مصر هي جارة الشرق الليبي وحتى ان هناك قبائل مشتركة في البلدين، فقبيلة <أولاد علي> هي قبيلة مصرية ليبية على الحدود، ومصر في البداية لم تتدخل على الإطلاق، وكان همها دعم الدولة، وقد تحدثت بهذا الخصوص مع وزير الخارجية السابق نبيل فهمي وقال لي بأن مصر لا يهمها من يحكم ليبيا، لكنها لا تريد أن تقوم الى جوارها دولة فاشلة، وهذا فقط ما يهم مصر، ولذلك لم تكن منحازة لفريق ضد آخر، لكن بعد ذلك عندما انقسمت ليبيا بشكل حاد وانفجر الصراع المسلح بين <طبرق> و<طرابلس الغرب>، وقامت حركة الجنرال خليفة حفتر دعمت مصر هذه الحركة ومدتها بالسلاح وتدخّل الطيران المصري أكثر من مرة، لكن المصريين اليوم عادوا الى سياسة عدم التدخّل بعدما أدركوا من المستحسن ألا تدعم مصر أي فريق بل أن تدعم الوفاق، وهذا هو الموقف الرسمي المصري اليوم كحال الجزائر وتونس المجاورتين لليبيا.