تفاصيل الخبر

الوزير السابق الدكتور طارق متري في جولة أفق محلية وعربية ودولية: مـن الصعـب أن تحكـم لــيـبـيـا أي جهــة بمفردهـا فـي ظـل الانـقــام الـحـاصــل!

24/05/2019
الوزير السابق الدكتور طارق متري في جولة أفق محلية وعربية ودولية: مـن الصعـب أن تحكـم لــيـبـيـا أي جهــة بمفردهـا فـي ظـل الانـقــام الـحـاصــل!

الوزير السابق الدكتور طارق متري في جولة أفق محلية وعربية ودولية: مـن الصعـب أن تحكـم لــيـبـيـا أي جهــة بمفردهـا فـي ظـل الانـقــام الـحـاصــل!

 

بقلم حسين حمية

 

لا تزال الأوضاع الداخلية والعربية والدولية غير مستقرة وتبعث على الحذر وسط استمرار الحروب المتنقلة في ليبيا وسوريا واليمن والتهديد بحرب أميركية ايرانية، فيما تتحضر الإدارة الأميركية للإعلان عن صفقة القرن بخصوص القضية الفلسطينية، ولبنان الحائر بإقرار موازنة 2019 وكيف يخفض العجز الى ما دون 9 بالمئة، يعيش أزمة اضرابات واعتصامات رفضاً للمس بالرواتب والأجور. فماذا يقول المطلعون على هذه الملفات المتعددة؟

<الأفكار> التقت الوزير السابق الدكتور طارق متري داخل مكتبه في مبنى عصام فارس في الجامعة الاميركية في بيروت وحاورته على أكثر من خط وفي جولة أفق محلية وعربية ودولية كونه كان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ومدير معهد عصام فارس للسياسة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية ومسؤول العلاقات المسيحية - الاسلامية في مجلس الكنائس العالمي في جنيف ومؤسس اللقاء اللبناني للحوار وعضو اللجنة التنفيذية لمؤسسات الدراسات الفلسطينية.

سألناه بداية عن الوضع الملتهب في ليبيا:

ــ ليبيا لا تزال ملتهبة والصراع الداخلي فيها يحتدم، فإلى أين ستتجه الأزمة بين قائد الجيش الوطني خليفة حفتر وحكومة الوفاق الشرعية في تقديرك ومن خلال تجربتك كممثل سابق للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا؟ وهل السبب هو النفط؟

- هناك أسباب عديدة لاستمرار الصراعات الداخلية والخارجية، فالمجتمع الليبي بعد الثورة لسوء الحظ، ازداد انقساماً وهناك انقسامات سياسية وايديولوجية ومناطقية وقبلية، ولأن الدولة مفككة ومؤسساتها منهارة من جيش وشرطة وغيرهما خاصة وان معمر القذافي لم يبنِ مؤسسات على الإطلاق، فإن الفراغ في ظل ضعف الدولة تملؤه القوى المسلحة وهي كثيرة وربما يصل عدد المسلحين الى أكثر من 250 ألفاً وهناك صراع على السلطة، وهو في وجهه الآخر صراع على توزيع الثروة النفطية وصراع على النفوذ، ناهيك عن الأحقاد القديمة التي تنفجر فجأة دون سبب، إضافة الى التدخل الخارجي العربي والأجنبي، لاسيما مصر وهي دولة الجوار الاساسية التي تعتبر أمنها القومي من أمن ليبيا. وبسبب العداء المستحكم ضد الإسلاميين في مصر، شعرت مصر أن هناك ضرورة لدعم خليفة حفتر في حربه ضد الإسلاميين ولا مانع لديهم في أن يتولى السلطة كونه يشكّل ضمانة لهم.

ــ وهل هذا ممكن؟

- لا أعتقد ذلك في ظل الانقسام ووجود حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا وقطر ومن دول كثيرة أخرى بشكل غير ظاهر، ومن الصعب لأي جهة أن تحكم ليبيا بمفردها، ولا بد من الحوار والعودة الى ما سبق ودعت اليه الامم المتحدة في مؤتمر للحوار الوطني حيث كان الموعد في 26 نيسان/ ابريل الماضي، لكن العملية العسكرية التي قام بها حفتر عطلت هذا الملتقى.

ـــ هل لا بد من <طائف> ليبي في نهاية المطاف؟

- أكيد، لا تحل مشكلة ليبيا إلا بالحوار وبالاتفاق على صيغة للحكم وعلى إعطاء الأولوية لبناء الدولة بحيث تكون الدولة قبل السلطة، لكن ما يحصل اليوم هو أن الافرقاء تصارعون للوصول الى السلطة قبل بناء الدولة، ناهيك عن التدخل الخارجي السلبي الذي يحرّك احياناً العديد من الدول التي تخلط بين المتطرفين والمعتدلين لسوء الحظ، حتى ان فرنسا انحازت الى حفتر، في وقت تلعب المصالح النفطية دوراً محدداً لأن النفط متقاسم بين الشركات والافرقاء المحليين.

ــ هل يصل الممثل الجديد الوزير السابق غسان سلامة الى حل أم سيصطدم بالحائط كما حصل معك؟

- الأمر صعب وهو يفعل المستحيل كما حاولت أنا لكن المسألة صعبة، لا بل الاصعب هو بروز توازن قوى عسكري لا يسمح لأحد أن ينتصر على الآخر، لكن في الوقت ذاته لا يوجد استعداد لدى حفتر للقبول بوقف اطلاق النار والانسحاب الى المواقع السابقة، وهذا الوضع سيستمر طويلاً، وطالما أن السلاح موجود والمال مؤمن فالحرب مستمرة.

ــ ماذا عن الدور الأميركي؟

- الأميركيون شبه منسحبون من المنطقة ككل وليس فقط من ليبيا وكل همهم صفقة القرن وتشديد العقوبات على ايران.

ــ والروس؟

- يستفيدون من الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الاميركي في المنطقة، ويوم كنت موجوداً كان الروس يشمتون بفشل السياسة الأميركية وهم يعتبرون أنفسهم رابحين لمجرد أن اميركا فشلت في المنطقة.

ــ هل هناك مستقبل لأولاد معمر القذافي في الحكم؟

- لا أعتقد ذلك، فهذه الصفحة طويت لكن رغم ذلك فللقذافي أنصار بمن فيهم قبيلته وقبائل أخرى، فالعودة الى الحكم مستبعدة جداً، إنما اي ملتقى وطني يعالج مشكلات ليبيا سيشارك فيه انصار القذافي ولا يمكن استبعادهم.

ــ هل حاولت معرفة مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه خلال وجودك في ليبيا؟

- هذا موضوع يهمني كلبناني وبشكل شخصي وكنت أثيره مع المسؤولين الليبيين وأتواصل مع عائلة الإمام الصدر، وصدري ابن الإمام الصدر صديق عزيز عليّ. وأعتقد أن الليبيين عاجزون عن تقديم معلومات أكيدة حول مصير الإمام لأن دولتهم مفككة وغير قادرين على ذلك، بغض النظر عن نواياهم، علماً بأن عائلة الإمام لا تحاسب النظام الحالي على جريمة خطف الإمام بل تريد منها معرفة مصيره، إنما كما قلت فالدولة الحالية غير قادرة على معرفة ذلك، خاصة وأن هناك آلاف المخفيين قسراً لا يُعرف عن مصيرهم شيئاً، حتى ان هناك سجناً اسمه <ابو سليم> كان يضم 1500 سجين أُخرجوا الى الباحة للتدفئة بالشمس وتم إطلاق النار عليهم وقتلوا جميعاً وطمروا في مقابر جماعية، وبقي أهاليهم يزورونهم ويمدونهم بالمأكولات لسنوات حتى عرف الأهل أن ابناءهم قتلوا، لكن هذا لا يمنع أن تقوم الدولة الليبية بالجهد اللازم لمعرفة مصير الإمام ورفيقيه ولا تتوانى عن ذلك بعدما تمّ تعيين محقق وإبرام مذكرة تفاهم بهذا الخصوص.

صفقة القرن واحتمالات الحرب في الخليج

 

ــ ذكرت منذ قليل صفقة القرن، فهل تمر بعدما تعلن الإدارة الأميركية عنها رسمياً بعد شهر رمضان؟ أم ان الشعب الفلسطيني قادر على اسقاطها؟

- لا تسمى صفقة لأن الصفقة تتم بين طرفين، والشعب الفلسطيني مستعبد أساساً، والموقف الاميركي هو عبارة عن تأييد مطلق لسياسة <بنيامين نتنياهو>، علماً بأن اسرائيل اليوم لم تعد محتلة للضفة الغربية بل انها استعمرت الضفة والقطاع كما استعمرت فلسطين العام 1948، وبالتالي أخذت كل فلسطين واستعمرتها باستعمار استيطاني وليس احتلالاً فقط، وجاء <دونالد ترامب> في هذه الصفقة ليشرّع هذا الاستيطان الاستعماري ويلغي فكرة حل الدولتين ويعطي الفلسطينيين وعداً مهماً بتحسين ظروفهم الاقتصادية وهي <من كيس الآخرين> وليس من الخزينة الأميركية. والسؤال الذي يعنينا كعرب هو: هل هناك أنظمة عربية تسير معه جدياً؟! لا جواب عندي قاطعاً لاسيما وان الملك سلمان بن عبد العزيز لا يزال متمسكاً بالموقف العربي التقليدي وبحل الدولتين وبمبادرة السلام العربية على الأقل، هذا ما نسمعه، فيما نرى ان الفلسطينيين لا يمكن أن يسيروا بهذا الأمر.

ــ وهل تقع الحرب في الخليج بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين ايران ونحن نسمع قرع طبولها؟ أم ان الأمر مجرد تهويل؟

- لا أعتقد، فصيحات الحرب أقوى من احتمالات وقوعها لعدة اسباب لاسيما ان <ترامب> لا تعني له السياسة الخارجية أي شيء ولا يظهر أنه راغب في خوض مغامرة عسكرية رغم أن ادارته منقسمة على نفسها، وهناك أصوات تطالب بالحرب لاسيما <جون بولتون> بصفة خاصة، لكن <ترامب> ليس في هذا الوارد وهو يفضل الضغط من خلال العقوبات من أجل ارغام ايران على اعادة التفاوض من جديد بشأن برنامجها النووي، وكذلك فالإيرانيون ليسوا مستعجلين للحرب وليسوا متحمسين لها حتى لو كانت لديهم قدرة على إيذاء السعودية والامارات، فهم في النهاية سيتضررون ايضاً وكل همهم تحسين اوضاعهم الاقتصادية المتعثرة والحرب تضرههم، اضافة الى اصوات غربية تقول إن الحرب على ايران ستدفعها الى تسريع امتلاك السلاح النووي ويصبح من المستحيل معرفة ما يحدث هناك عكس الوضع الحالي حيث يتم مراقبة نشاطاتها النووية علماً بأن الأوروبيين ضد الحرب لكن ليس لديهم النفوذ الكافي للضغط بهذا الخصوص خاصة وأن اميركا مارست عليهم عقوبات بسبب تعامل الشركات الاوروبية مع ايران.

ــ وهل وارد عزل <ترامب> كما يطالب الديموقراطيون بهذا الخصوص اضافة الى صدور صوت نائب جمهوري من حزبه يطالب بذلك؟

- لا يظهر أن هناك نية لعزله ولا يمكن حصول ذلك، خاصة وان رئيسة مجلس النواب الديموقراطي <نانسي بيلوسي> ليست من دعاة عزله لان اطلاق عملية عزله تجعل الجمهوريين يلتفون حوله من جديد حتى الذين ينتقدونه، علماً ان سياسة <ترامب> ليست متأتية من شخصه وهو مكروه اصلاً ولا من سياسته الخارجية بل لأن الاقتصاد الاميركي تحسن ليس في عهده بل منذ ايام <باراك اوباما> والاقتصاد لا يخضع احياناً لإرادة الحكام بل لاسباب اقتصادية صرف إنما الناس يرون ان عهد <ترامب> أمن لهم البحبوحة، وهذا سبب من أسباب شعبيته اضافة الى وجود مشاعر انعزالية واحياناً عنصرية كانت قائمة وأيقظها <ترامب> وهي موجودة في الأرياف لا بد أن تتعزز ايضاً في حال طرحت مسألة عزله.

ــ هل سيعود رئيساً عام 2020؟

- لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال رغم انني لا أرجحه، حتى انه في بداية انتخابه قال كثيرون إنه من المستحيل أن يستمر عندما بدأ مسلسل الفضائح عليه يتكشف لكن مع هذا استمر رغم اقالته معظم الوزراء والقياديين في إدارته.

 

الموازنة والغضب الشعبي

ــ نأتي الى لبنان ونسألك: الموازنة هي الحدث والناس خرجت الى الشارع بسببها. فهل مشروع الموازنة يؤسس لإصلاح حقيقي أم هي مجرد أرقام لخفض العجز فيها لا أكثر تلبية لتوصيات <مؤتمر سيدر>؟

- أنا مواطن كغيري من الناس وأرى أن هناك ضيقاً شعبياً من الحالة الاقتصادية والمعيشية والبطالة لاسيما عند الشباب والخريجين. والناس ايضاً خائفون من المستقبل وإذا قارنا هذه الايام مع أيام الحرب نجد أن الناس كانوا متضايقين لكنهم كانوا يقولون ان الازمة تمر وستفرج يوماً. بينما اليوم بالعكس يقول إن السنة المقبلة ربما ستكون أسوأ، إضافة الى أن ثقة اللبنانيين بالطبقة السياسية ضعيفة إن لم نقل منعدمة، ولذلك نرى ما يحصل من تظاهرات واضرابات واعتصامات، حتى ان هناك انقساماً بين المعتصمين لدرجة أن القضاة أصبحوا ضد الديبلوماسيين والعسكريين ضد المدنيين، وبالتالي لا يعرف الناس كيف يعبرون عن انزعاجهم وخوفهم وأهل السياسة لا يطمئنون الناس بل بالعكس يزيدون قلقهم عند تصريحاتهم وتلميحاتهم، مرة يعدونهم خيراً ومرة يخوفوهم وبالتالي لم يعد الناس يعرفون الى أين هم ذاهبون.

وأضاف:

- لبنان بحاجة لإصلاحات بغض النظر عن <مؤتمر سيدر> الذي جاء ليذكرنا بهذه الاصلاحات واشترط جملة اجراءات من أجل الحصول على الدعم والقروض الميسرة، علماً بأن القروض الميسرة ليست مضمونة كلها، وسبق أن وعد المانحون بقروض وهبات في باريس 1و2و3 ولم تأت كلها، إضافة الى انه بسبب مرور وقت لا بد أن تنشغل الدولة المانحة بهموم أخرى وأولويات اخرى حتى ان فرنسا وهي <الدينامو> لكل مؤتمرات الدعم للبنان لديها مشاكلها منذ نزول <السترات الصفراء> الى الشوارع، وبالتالي لم تعد فرنسا كما كانت يوم التأم <مؤتمر سيدر> علماً بأن ما نتوقعه من هذا المؤتمر يمكن أن يكون مبالغاً فيه وربما سنحصل على أقل مما وعدنا به. لكن السؤال الأهم هو: هل نحن سائرون على طريق الاصلاحات الضرورية للبلد والتي تحسن في ثقة الدول المانحة للبنان؟! انا لست أكيداً ونقاش مشروع الموازنة لا يتحدث عن إصلاحات بل هو يتحدث عن أرقام لخفض العجز، وبالتالي ما يحصل مجرد عملية حسابية وتخفيض للنفقات في وقت يجب أن يتغير شيء ما في الاقتصاد اللبناني وايضاً كيفية ادارة شؤون الدولة والمؤسسات العامة والالتفاف الى خفض النفقات في الامور الكبيرة من الكهرباء والاتصالات وليس في الرواتب والتعويضات التقاعدية والضريبة على الفوائد.

ــ وكيف يكون الحل في تقديرك؟

- الامر صعب، أولاً يجب إعطاء إشارة قوية بأن هناك رغبة في مكافحة الفساد، والحملة التي اعلن عنها دون المستوى والمناقصات لا تزال تجري بالطريقة ذاتها، والوزراء لا يزالون يعتمدون الاستنسابية في التوظيف، وثانياً لا بد من النظر في حالة المؤسسات الكبرى كما سبق وذكرت لاسيما الكهرباء والاتصالات رغم أن خطة الكهرباء أقرت لكن حصل خلاف حول المناقصات التي ستكون الوزارة مسؤولة عنها وهذه لا تطمئن ورغم ذلك من المفروض أن تنفذ الخطة، وبالتالي لا يوجد سياسة اقتصادية واضحة والنقاش في أرقام الموازنة ينحصر في احتساب خفض العجز كيفما كان ولا بد من الاستفادة من الاملاك البحرية وهنا مزاريب الهدر الكثيرة وليس الرواتب.

ــ هل ترى أن النزول الى الشارع وحركة الاحتجاج التي رافقت الاضرابات والاعتصامات تؤسس لثورة أو لانتفاضة شعبية؟

- هناك نقمة عند الناس لكن في لبنان لا ثورة اجتماعية بسبب الطائفية، فهذا هو مرض البلد وكل تغيير يصطدم بهذا الجدار السميك الذي اسمه الطائفية بحيث أن المواطن الذي لا بد أن يتشارك مع المواطن الآخر من الطائفة الاخرى يعتبر أن الآخر من الطائفة الأخرى هو تهديد له، وبالتالي كل موضوع يطيّف في لبنان، حتى مشكلة الكهرباء طيفوها عندما قال البعض ان هناك فئات طائفية تدفع وأخرى لا تدفع وهذه ليست المشكلة حتى لو كان الامر صحيحاً وهو غير صحيح، فالمشكلة هو اننا منذ 30 سنة بلا كهرباء ونشتري كهرباء بتكلفة مرتفعة والفيول أويل تحتكره 6 أو 7 شركات وسعره مرتفع ولم نستطع بناء معامل على الغاز، وليست المشكلة أن المسيحي يدفع الفاتورة والمسلم لا يدفع، فهذا مثل عن أن الطائفية تعطل امكانية التغيير في البلد. ولسوء الحظ فالطائفية لن تلغى لا من النفوس ولا من النصوص ومجتمعنا اصبح طائفياً اكثر مما كان في الماضي.