تفاصيل الخبر

الـــوصـف الـعـشوائــــي للــــدواء فــي لـبــــنـان يـعــــرّض الـمــــريـض الــى آثــــار صـحـيــــة سـلـبـيـــــة وخـطـيـــــرة  

09/12/2016
الـــوصـف الـعـشوائــــي للــــدواء فــي لـبــــنـان يـعــــرّض  الـمــــريـض الــى آثــــار صـحـيــــة سـلـبـيـــــة وخـطـيـــــرة   

الـــوصـف الـعـشوائــــي للــــدواء فــي لـبــــنـان يـعــــرّض الـمــــريـض الــى آثــــار صـحـيــــة سـلـبـيـــــة وخـطـيـــــرة  

 

بقلم وردية بطرس

الدكتور-فاد-----2ي-الجردلي-مدير-مركز-ترشيد-السياسات-الصحية-في-الجا

تحول الاستهلاك العشوائي للدواء الى آفة مزمنة في لبنان بحيث باتت تشكل خطراً على الصحة العامة، فالدواء مادة خطيرة على صحة الانسان اذ انه سلاح ذو حدين حتى لو وصفه الطبيب، فكيف الحال اذا تناول المريض دواء من دون وصفة طبية؟ ان معدل استهلاك الدواء في لبنان هو الأعلى في دول الشرق الأوسط نسبة الى عدد السكان، ويعود ذلك الى توجه المريض للصيدلي بدلاً من الطبيب فتأتي النتيجة على عكس ما أراد المريض مما يضطره لزيارة الصيدلي أكثر من مرة لعلاج المرض نفسه، ومن ثم يتوجه أخيراً الى الطبيب المختص بعد أن تفشل محاولاته باقتصار المعاينة لدى الصيدلي.

ويعرّض الوصف غير العقلاني للأدوية في لبنان المرضى الى آثار صحية سلبية وخطيرة، كما يؤدي الى ارتفاع مستوى مقاومة البكتيريا للأمراض، والى تكاليف مرتفعة غير ضرورية على مستوى الرعاية الصحية والمجتمع بشكل عام.

وقد عقد <مركز ترشيد السياسات الصحية> في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت حواراً للسياسات يهدف الى تحسين جودة ونمط وصف الأدوية، وذلك بالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة في لبنان. وكان قد حضر حوار السياسات عدد من أصحاب القرار والشركاء المعنيين، وممثلون عن: وزارة الصحة العامة، نقابة الأطباء، نقابة المستشفيات، نقابة ممرضي وممرضات لبنان، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المراكز الطبية الأكاديمية، كليات الطب، الجمعيات العلمية التابعة لنقابة الأطباء، شركات التأمين، ومنظمات غير حكومية محلية ودولية، بالاضافة الى أطباء وصيادلة وباحثين أكاديميين وطلاب.

وقبيل انعقاد جلسة الحوار راجع كل من المدعوين الموجز المعرفي للسياسات العامة الصحية، وهو عبارة عن موجز بحثي يجمع أفضل الأدلة حول الأبحاث العالمية والمحلية المتاحة. وأثناء اعداد الموجز قام المتخصصون في المركز بمقابلات تعرف باسم <اختبارات الجدارة> لالتقاط المعرفة الضمنية او الخبرات المحلية من صناع القرار وأصحاب الشأن. وتساهم هذه المقابلات بوضع الأطر المحلية الرئيسية للمشكلة وجعلها تحاكي السياق اللبناني. وبحضور مدير عام وزارة الصحة العامة الدكتور وليد عمار، ونقيب الأطباء الدكتور ريمون الصايغ، ونقيب المستشفيات المهندس سليمان هارون، ونقيبة الممرضين والممرضات الدكتورة نهاد ضومط، افتتح مدير <مركز ترشيد السياسات الصحية> الدكتور فادي الجردلي الحوار لتوجيه المناقشة واستنباط آراء أصحاب الشأن حول المشكلة والعوامل الكامنة. ثم شرح الدكتور الجردلي العناصر الأربعة المنضوية على البراهين العلمية والمتعددة المستويات، لمقاربة مشكلة الوصف غير العقلاني بشكل شامل قبل اعطاء الدور للمشاركين بخصوص كل عنصر:

العنصر الأول: على مستوى التنظيم والسياسة، بحث المشاركون في موضوع تعزيز الاجراءات لدعم الوصف العقلاني للأدوية كسياسة لتنظيم التفاعل بين العاملين الصحيين وشركات الأدوية، بالاضافة الى سياسات لتعزيز جودة الأدوية بما في ذلك الأدوية الجنيسية او البديلة المتوافرة في السوق.

العنصر الثاني: على المستوى المؤسساتي، تمت مناقشة أهمية تطبيق تدخلات تشمل مبادىء توجيهية، وخدمات الصيدلة السريرية (خدمات علاجية مثل مراجعة العلاج والكشف اللاحق وتثقيف المرضى)، وبرامج اشراف تختص في مجال المضادات الميكروبية الحيوية. وركز أصحاب القرار على امكانية تطبيق أنظمة التدقيق والمراجعة لممارسات وصف الأدوية.

العنصر الثالث: على مستوى العاملين الصحيين، فقد توافق الحاضرون على أهمية دمج التعليم والتدريب في مناهج مقدمي الخدمات الصحية وتطرقوا الى امكانية تفعيل التدريب القائم على حل المشاكل في العلاجات.

العنصر الرابع: لم يستثن الحوار موضوع تثقيف المرضى فأيد المتحاورون التدخلات التي تستهدف الأفراد لتحسين استخداماتهم للأدوية.

الدكتور الجردلي والوصفة الطبية

<الأفكار> التقت الدكتور فادي الجردلي (حائز على شهادة الماجستير في الصحة العامة من الجامعة الأميركية في بيروت، وقد أكمل دراساته العليا في كندا حيث درس السياسات العامة وتحديداً السياسة الصحية وحاز شهادة الدكتوراة في السياسات العامة، ثم عمل في وزارة الصحة الفيدرالية في كندا، ومستشاراً للسياسات الصحية في وزارة الصحة في كندا، وعمل أيضاً في وزارات الصحة العامة التابعة لولاية <أونتاريو> ثم عمل في مؤسسة <Health Council of Canada> وعندما عاد الى لبنان منذ بضعة أعوام أنشأ <مركز ترشيد السياسات الصحية> في الجامعة الأميركية في بيروت).

وسألناه بداية:

ــ ما هو الوصف العشوائي وكيف يجب ترشيد الوصفة الطبية؟

- يؤدي الوصف العشوائي للدواء الى مخاطر تنتج عن وصف ادوية بشكل غير مدروس مما يعرض حياة المريض لمشاكل صحية مثل الحساسية والتفاعلات المقاومة للبكتيريا. وأحياناً تُوصف للمريض المضادات الحيوية لكن يجب على المريض ان يعرف الكثير عن هذه المضادات الحيوية قبل تناولها لأنها قد تتسبب له بمضاعفات. ولهذا تبين لنا ان الوصف العشوائي غير السليم موضوع يجب ان نركز عليه، لأن الأمراض تتزايد مما يؤدي لارتفاع التكاليف، ولهذا قمنا بهذه الدراسة.

ــ وما هو السبب؟

- اولاً بكل دول العالم هناك مقاربات لحل المشكلة. العنصر الأول: يجب ان يتم تعزيز الاجراءات لدعم الوصف السليم للأدوية كاعتماد سياسات لتنظيم التفاعل بين العاملين في القطاع الصحي وشركات الأدوية على مستوى الحوكمة في هذا القطاع، لأن عملية التفاعل مع شركات الأدوية اذا لم تكن منتظمة فإنه أمر خطير جداً، اذاً يجب ان يكون هناك ترشيد للوصفات الطبية.

وأضاف:

- معظم الدول وضعت قوانين ليتم التعامل مع شركات الأدوية. فعلى مستوى التنظيم وعلى مستوى المؤسسات الصحية هناك مؤسسات تضع سياسات واجراءات تنظم علاقة شركات الأدوية مع الأطباء، وهناك مستشفيات في أميركا تمنع دخول مندوبي الأدوية الى المستشفيات، اذ يتوجب على كل طبيب ان يحصل على المعلومات عن اي دواء من اختصاصي الأدوية او الصيدلي وليس من مندوبي شركات الأدوية. وهناك مفهوم الصيدلة السريرية وهي مهمة في كل المؤسسات الصحية اذ هناك ضرورة ان يوجد صيدلي سريري في كل مستشفى للتأكد ما إذا كان الدواء الذي يُعطى للمريض مناسباً له، والجرعات التي يأخذها كافية؟ وما إذا كان الدواء فعالاً؟ وبالتالي الصيدلي السريري يراقب المريض ويثقفه، فالمؤسسات الصحية يجب ان يكون لديها تدقيق وتقييم للحالات المعاينة، ففي كل المؤسسات الصحية يجب ان تراقب الوصفات ما اذا كانت فعالة، وإذا كانت تُوصف بالطريقة الجيدة، وهذه المراقبة تساعد على ضبط هذا الموضوع، فهناك مسؤولية على المؤسسات الصحية اذ انه في كلية الطب او كليات الصيدلية يجب ان تتضمن المناهج التعليمية كيفية تحضير الطبيب للتعامل مع شركات الأدوية، اذ يجب ان يعرف كيف يتعامل مع شركات الأدوية، ويجب على مؤسسات التعليمية ان تأخذ هذا الموضوع على محمل الجد.

 

نفقات الدولة المرتفعة للأدوية

وعاد ليقول:

- يعاني لبنان من النفقات المرتفعة التي تدفعها الدولة للأدوية، اذ ان الفاتورة الصحية في لبنان هي الأعلى كلفة في المنطقة حيث يكلف الفرد تكاليف هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط. وهناك تداعيات وتكلفة عالية على الدولة والمواطن معاً جراء الوصف العشوائي غير السليم اي هناك مشكلة ممارسات غير سليمة ولا نريد التعميم هنا، ولكن المريض يتعرض لمشاكل صحية بسبب هذه الممارسات مما يزيد الكلفة على الدولة والمؤسسات الضامنة.

ــ وما هي الحلول؟

- قدمنا اقتراحات عدة، منها تحديد السياسات التي تهدف لتنظيم علاقة الأطباء مع شركات الأدوية، وكانت وزارة الصحة قد تناولت هذا الموضوع في أيار (مايو) الماضي ولا يزال الموضوع تطوعياً اي ليس هناك قانون ملزم. في أميركا مثلاً اي هدية تصل ليد الطبيب حتى لو كانت قيمتها 10 دولارات (وكان قد أقر ذلك في الكونغرس الأميركي) ولو كانت الهدية عبارة عن زهور او اي هدية تتعدى قيمتها 10 دولارات يجب ان تصّرح شركة الأدوية لماذا أرسلت تلك الهدية الى الطبيب. وهناك ولايات في أميركا تطلب من شركات الأدوية ان تصرّح عن سبب ارسالها هدية للطبيب اذا بلغت قيمتها 50 دولاراً. وعندما تكون هناك أخلاقيات في المهنة وعلاقة تنظيمية اي قوانين وسياسات تنظم العلاقة بين الطبيب وشركات الأدوية، فإن الوصف العشوائي يتم ضبطه.

 

تثقيف المريض

وأضاف:

- يجب إعداد تقرير عن ممارسات التعليم والتدريب سواء للأطباء او الصيادلة، فالمؤسسات الصحية يجب ان تلحظ هذا الموضوع والمشاكل التي تحدث بسبب الوصف العشوائي غير السليم. ويجب ان يتم تدريب الأطباء قبل التخرج على التعامل مع هذا الأمر. فكلما أُنتج دواء جديد يجب ان يعرف عنه الطبيب كل شيء من قبل اختصاصي الأدوية أو الصيدلي وليس من شركات الأدوية. وهنا يأتي دور المؤسسات الأكاديمية لتظبط الأمور.

ومن جهة أخرى يجب التركيز على المريض اي على المستهلك، اذ يجب ان يعرف المريض عن الدواء الذي يصفه الطبيب له وعليه ان يسأل طبيبه عن الدواء الذي وصفه له، اي يجب ان نثقف المريض وان يعرف عن الدواء جيداً قبل استخدامه وذلك من قبل الطبيب او الصيدلي، فأحياناً أثناء معاينة الطبيب للمريض يكون الوقت محدداً وقصيراً ولا يتسنى للمريض ان يسأل الكثير عن الدواء الذي يتناوله، وأحياناً أخرى لا يشرح الصيدلي للمريض عن الدواء وكيفية استخدامه الى ما هنالك. ولهذا يجب ان يُثقف المريض وأن يسأل طبيبه أثناء المعاينة او الاستشارة حول الدواء الذي يتناوله وان يحسن مستواه ووعيه بكل ما يتعلق بالأدوية والمضادات الحيوية. إذاً يتوجب تثقيف المريض قبل ان يتناول اي دواء، وعليه ان يسأل طبيبه عن الدواء الذي وصفه له لأنه أحياناً يأخذ المريض دواء قد يتعارض مع دواء آخر يتناوله في الوقت نفسه، ولهذا على المريض ان يسأل الطبيب او حتى الصيدلي كل هذه الأسئلة قبل ان يبدأ بتناول اي دواء، ويجب أن يطلب تزويده بالمعلومات الكافية عن الدواء ومتى يجب استخدامه او الامتناع عن تناوله.

ــ الى اي مدى حظيتم بالتجاوب والتعاون من قبل المعنيين بملف الأدوية وما شابه؟

- عندما قمنا بهذا الحوار أبدى المشاركون فيه التجاوب، وأجمعوا جميعهم على حجم المشكلة وضرورة القيام بخطوات جدية. وفي ختام الجلسة ناقش المشاركون الحواجز التي قد تعيق عملية التنفيذ والاستراتيجيات الواجب اعتمادها لمواجهة هذه التحديات لكل مستوى من المستويات. وأسفرت مداولات الحوار عن التوصية بخطوات عملية اذ ما نُفذت وتمت متابعتها بشكل مناسب يمكن ان تساهم في تغيير الوضع الحالي وتحسين ممارسات وصف الأدوية وفي نهاية المطاف تساعد في حماية صحة المريض.