تفاصيل الخبر

الوضع في لبنان.. مؤشرات توحي بـ”الهاوية“!

18/10/2019
الوضع في لبنان.. مؤشرات توحي بـ”الهاوية“!

الوضع في لبنان.. مؤشرات توحي بـ”الهاوية“!

 

بقلم علي الحسيني

على خط احتواء التداعيات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والإنهيار المالي الحاصل واستباقاً لما يُمكن أن يتأثر به الوضع الحكومي من الداخل وسط التناقضات التي تظهر يوماً بعد يوم، كان لافتاً خلال الأيام الفائتة، زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدولة الإمارات العربية المتحدة ولقاؤه القادة المسؤولين هناك وفي طليعتهم ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. لكن يبقى السؤال الأبرز حول مدى أهمية هذه الزيارة وما إذا كان يُمكن لها أن تنتشل لبنان من المستنقع الذي يغرق فيه خصوصاً في ظل الكلام المُبهم المتعلق بوديعة إماراتية مالية، قيل إنها تتجاوز المليار دولار، رغم نفي بعض المسؤولين هذا الأمر.

 

الأخطار الداهمة.. والرغيف بالدولار!

الواضح أن الإنعكاسات السلبية للأوضاع التي دخلت البلاد في دهاليزها مؤخراً، بدأت تظهر بشكل واضح على الحكومة التي يبدو ان التعب قد أعياها ليس فقط اليوم، بل منذ تأليفها وهي العاجزة أمس واليوم وغداً هذا إذا دخلنا في علم <البصارين> و<التنجيم>، عن تحقيق مجموعة وعود كانت أطلقتها في بداية انطلاقتها، وهي اليوم تقف عاجزة عن اللحاق أو مواكبة الإستحقاقات الإقتصادية أبرزها مؤتمر <سيدر> الذي يبدو أنه قد تمت إزاحته عن واجهة هذه الإستحقاقات، ولو بشكل مؤقت إلى حين أن تُظهر الدول الأوروبية وفي طليعتهم <الأم الحنون> فرنسا، موافقتها على الإفراج حتى ولو غابت الإصلاحات الموعودة.

وتزامناً، فقد استمر المشهد اللبناني ضاغطاً في اتجاه تجاوز تداعيات الأزمات التي اصابت سهامها المؤسسات الرسمية في العمق، فعطّلت لغة الكلام بين مكوناتها الحكومية، على امل ان تفضي الوساطات والجهود المستمرة الى احداث الخرق المرجو في جدار الازمة، فتجتمع الحكومة على هدف أو نيّة صافية لإخراج الموازنة من قمقمها، بعد جلسات نيابية ماراتونية لم تؤد غرضها بعد، ذلك في ضوء استمرار المراوحة وعدم بلوغ المساعي <نهايتها السعيدة> المأمولة. واللافت أن الملف الإقتصادي ما زال يطغى على بقية الملفات العالقة هي أيضاً في خبايا المسؤولين، وما زال مُسيطراً في أجوائه المشحونة بشكل كامل على أجواء الشارع والمؤسسات وسط اعتصامات وإضرابات وشل حركة البلد وصولاً الى تهديد المواطن برغيف الخبز الذي دخل هو الآخر على خط التلويح بالعصيان من خلال دق النقابات المعنية ناقوس الخطر بعد أن جنح الرغيف أيضاً نحو الدولار وسط إعلان <تجمع أصحاب المطاحن في لبنان> أن عمليات بيع الطحين ستكون بالدولار، محذرين من أزمة رغيف تلوح في الأفق بسبب تعذر أصحاب الأفران عن سداد ثمن القمح بالدولار.

وأشار التجمع إلى أن التدابير التي اتخذها مصرف لبنان لم تعالج المشكلة في قطاع المطاحن ولم يتم تعديلها لتلائم استيراد القمح. وناشد جميع المسؤولين للعمل على إيجاد الحل المناسب لقطاع المطاحن ليتمكن من الاستمرار في تأمين حاجة البلاد من مادة أساسية كالقمح. وفي هذا المجال يجهد الحريري الواصل الى البلد وسط جرعة دعم إماراتية، للتحرك في كافة الإتجاهات، خوفاً على مصير البلد بالدرجة الأولى، وأيضاً خوفاً من تطيير حكومته. وهو الذي لاقى في عودته هذه، دعماً سياسياً ومعنوياً من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري اللذين طوّعا كل إمكاناتهما في سبيل تعطيل الأسباب التي يُمكن أن تؤدي إلى اهتزاز الحكومة أو فقدان السيطرة عليها، وذلك من خلال إصرارهما على إخراج البلد من مآزقه التي تُحيط به من كافة الجوانب.

غياب التفاهمات وتثبيت الخلافات!

حتى الساعة، يمكن الجزم أن حكومة <إلى العمل> لم تحمل من هذا العنوان سوى الاسم. فبين الموازنة والاشتباك السياسي الحاد والانقسام الوزاري وغياب الاجماع الحكومي حول الموازنة والوضع الاقتصادي المنهار على اعتاب الصفقات وعبء النازحين وخطر التوطين، لا يُمكن التنبؤ بالغيب وما قد تحمله الأيام لهذه الحكومة التي تقف على ما يبدو تحت ظلال التعطيل حتى أجل غير مُسمّى لأسباب عديدة، أبرزها تلك المتعلقة بالسقوف العالية التي يقف وراءها البعض أو العناد السياسي الذي أصبح ماركة مُسجّلة باسم السياسيين في لبنان. ورغم التسريبات التي صبّت باتجاه حصول خرق ما على ضفّة الأزمة الأقتصادية الخانقة والمبنية على الوعود، يكشف مصدر وزاري بارز لـ<الافكار> أنه حتّى ولو جرى تضميد الأوضاع والأزمات التي تُحيط بالبلد أو تلطيفها أو تطبيبها بعد الإعياء الذي أصابنا جميعاً، إلا أن <المرض> سُيعاود طالما أنه لم يجر استئصاله من جذوره.

وتابع المصدر: يكفينا ان كل فريق في هذا البلد، يسعى إلى اعلاء كلمة حزبه وطائفته ومذهبه بدل أن تكون الكلمة لمصلحة لبنان الدولة والمؤسسات والشعب. والمؤكد أن مرحلة ما بعد إقرار مجلس النواب مشروع قانون الموازنة، هي مرحلة الشغل الحقيقي للحكومة، لكن المؤسف ان ليس هناك ما يؤشر حالياً الى إعادة انطلاقة الحكومة مجدداً، بل على العكس فإن الامور تنحى في اتجاه عكسي. ويؤكد مقربون من الحريري أن الرؤساء الثلاثة يعملون على خلق أجواء إيجابية بين الأفرقاء وأنه لا يوجد نيات لأي فريق بتطيير الحكومة لا من قريب ولا من بعيد على الرغم من بعض التصاريح الفردية التي تخرج بين الحين والاخر، والتي تصبّ في خانة زعزعة الحكومة.

 

العجز الى تفاقم.. والخير لقدّام!

المؤكد أن النقص في الدولار الأميركي أجبر السلطات اللبنانية على إيجاد أدوات مالية وآليات تجارية جديدة من أجل استيراد القمح والأدوية والوقود، ما أدى إلى توترات داخلية وأزمة ثقة داخل المجتمع اللبناني. المختصون في تحليل الواقع المتردي، يذهبون الى استنتاج وحيد هو ان الديون تتراكم على لبنان سنوياً، واحتياطات الدولار شارفت على الانتهاء، وكان لهذا الامر الأثر البالغ على المواطنين في لبنان، ما دفعهم لفقدان الثقة في الحكومة، فهم يعتقدون بوجود فساد متفش في الحكومة وهو ما لم يحصل منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية لغاية الآن. وهذا ما دفعهم بجميع الأحوال وبطرق تلقائية حتى لا يُقال عشوائية، للخروج الى التظاهر في عدة مدن ضمن احتجاجات سلمية، معربين عن استيائهم من تدهور الظروف المعيشية، فيما ارتدى بعض المحتجين في العاصمة اللبنانية بيروت قمصان <تشي جيفارا> والرموز الشيوعية، وكأنهم في ثورة جياع أو ثورة المطالبة بالحقوق والمساواة.

بدورها لم تقف الحكومة اللبنانية ساكنة أمام هذه الاحتجاجات، إذ أعلن مسؤولون عن حالة الطوارئ الاقتصادية بعد أسبوعين فقط من تخفيض وكالة التصنيف الائتمانية <فيتش> التصنيف الائتماني لمصدر العملات الأجنبية في لبنان، مع تأكيدات بارتباط لبنان الوثيق مع العملة الأميركية منذ عقدين من الزمن. وقد أعلن في هذا السياق وزير الدولة للتكنولوجيا والاستثمار عادل أفيوني وجود مشاكل اقتصادية ومالية خطرة داخل الدولة. مؤكداً في الوقت ذاته على مرونة الأوضاع المالية في لبنان. وأكد الوزير على أهمية الإصلاحات المالية وضرورة جذب استثمارات خارجية من أجل التغلب على المشاكل الهيكلية الحالية. ووفقاً لبيانات البنك الدولي، يبلغ عجز الموازنة اللبنانية 11.5 بالمئة، في حين بلغ الدين الحكومي 151 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن عدم المساواة بين المواطنين في الدخل يمثل عائقاً إضافياً مرشحاً للتزايد في ظل استمرار النزاع في سوريا، ووجود اللاجئين.

وتشير إحصاءات جديدة لجمعيات اجتماعية ورسمية، إلى قدوم ما يقدر بمليون ونصف مليون سوري إلى لبنان، منذ بداية الصراع عام 2011، وهو ما يوازي ربع عدد السكان اللبنانيين تقريباً. وبدوره أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في تقرير عام إلى ارتفاع مستويات التفاوت في الدخل بشكل صارخ داخل الدولة اللبنانية، لتحتل الأخيرة المرتبة 129 بين 141 دولة مشاركة في الدراسة. وهو ما خلف تأثيرات على التماسك الاجتماعي والأوضاع المالية بشكل عام.

مواقف مسؤولة متفاوتة!

مصادر مقربة من بعبدا تؤكد باستمرار أن رئيس الجمهورية ميشال عون يستخدم كل الوسائل التي لديه وبالتعاون مع المسؤولين من اجل انقاذ لبنان من الوضع الاقتصادي الصعب الذي نجتازه، ولن يسمح بسقوط لبنان وإن كانت الازمة صعبة، ألا اننا ملزمون بالنجاح في عملية الانقاذ، مشددة على ان الاقتصاد المنتج يؤدي الى دعم الليرة اللبنانية ومن المستحيل دعمها بالديون، مشيرة الى ان فخامته يعتمد دائماً الحقيقة عند مخاطبة اللبنانيين الذين لطالما وثقوا به. وتشدد على انه اعتاد المواجهة لانها تجعلنا ندرك حقيقة الوضع والخروج معاً الى الاستقرار المطلوب. والمطلوب اليوم العمل من اجل معالجة خطر العجز في الموازنة والعمل على تخفيضه واحداث تغييرات بنيوية في الاقتصاد اللبناني من خلال تشجيع القطاعات المنتجة وتطويرها.

في الفترة الأخيرة، خرج تصريح لافت عن الرئيس نبيه بري متعلق بالوضع الاقتصادي حيث لفت الى وجوب اقتران الأقوال بالأفعال مع عمل حكومي حثيث وعلى كل المستويات، مشدداً على ان الوقت هو للعمل، وليس للمزايدات، فالمزايدات تخرب الوضع، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي حرج، لا بل خطير جداً، والمطلوب مبادرات انقاذية سريعة جداً. اما دوائر الحريري فتؤكد أن واجبنا كحكومة ومجلس نواب أن نقول للناس وضعنا الحقيقي، الوضع الإقتصادي متراكم وسيء ولا يوجد نمو منذ 7 سنوات وهناك انفاق كبير في كل القطاعات ونحن كحكومة يجب ان نكون صادقين، مشددة على أنه يجب إتخاذ إجراءات تقشفية ولكن لن نمس أصحاب الدخل المحدود.

من جهته شدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على أن الوضع الاقتصادي بأمسّ الحاجة إلى إصلاحات، فرئيس الحكومة سعد الحريري مشكورٌ لأنه يجول على دول العالم لجلب المساعدات الى لبنان، نواياه طيبة جداً، وإن نجح في ذلك سيكون كمن يضع هذه المساعدات في وعاء مثقوب، وستكون نتيجة المساعدات كسابقاتها من باريس 1 و2 و3 وسواها، باعتبار ان مصرف لبنان وضع لوحده من احتياطه عشرين مليار دولار لإنقاذ الوضع، وفي أحسن الحالات إن نجح الحريري سيضع أحدهم وديعة بمليار دولار، في حين ان عجز الكهرباء السنوي بين مليارين ومليارين ونصف المليار دولار، وبالتالي نحن نرى أن المساعدات مهمة ولكن قبلها هناك إصلاحات ضرورية لتسكير هذا الوعاء المثقوب، وكلمة السّر هي الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات وعدا عن ذلك عبثاً يحاول البناؤون.

وجع الشارع ومحاولات لدخول المجلس النيابي!

مساء الجمعة الفائت حاول عدد من المعتصمين الذين قطعوا الطريق من مبنى النهار في اتجاه جامع الامين، الدخول الى ساحة المجلس النيابي عبر احد الممرات الفرعية خلف احد الفنادق، فتصدت لهم شرطة المجلس. ولاحقاً صدر عن قيادة شرطة مجلس النواب بياناً أوضحت فيه ملابسات ما حصل في مبنى المجلس النيابي، جاء فيه: لقد سبق لطلاب واعلاميين متمرنين ان تقدموا من الامانة العامة لمجلس النواب للحصول على اذن لزيارة المجلس للاطلاع على مجريات العمل الاداري في المجلس، وجرياً على العادة تم اعطاء الموافقة المسبقة بالدخول. حيث فوجىء عناصر شرطة مجلس النواب المكلفين بحفظ الامن داخل المجلس بقيام بعض الافراد المندسين بين المجموعة الحائزة الترخيص قيامهم بأعمال شغب واطلاق هتافات داخل القاعة العامة حيث تم توقيفهم واخراجهم من القاعة من قبل عناصر الشرطة. وفور ابلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري بملابسات الحادث اعطى تعليماته لقيادة الشرطة الاكتفاء بالتنبيه واطلاق سراحهم فوراً.

هل تهتز الحكومة؟

 

على وقع كل ما يحصل من انفلات متعدد الأوجه للوضع الاقتصادي والمالي في البلد، يُظهر حزب <الكتائب اللبنانية> نفسه وكأنه الجهة الوحيدة أو الحزب الوحيد المتصالح مع الذات أو العالم ببواطن وخفايا وأمراض هذه الحكومة، حتى قبل أن تولد، ولذلك لم يُصارع ولم يُنافس للدخول تحت جناحها ولو من باب التسويات والصفقات. من هنا يؤكد مصدر كتائبي لـ<الأفكار> الى اننا رفضنا منذ البداية المشاركة في حكومة <المؤامرة> على الشعب اللبناني، وقررنا البقاء في صفوف المعارضة بالرغم من ضعف موقفنا، لكن في المقابل هناك أحزاب وشخصيات أخرى تحتاج إلى مراجعة حساباتها، لاسيما أنها قاتلت للدخول إلى جنة السلطة التنفيذية. ويقول: إن هذه الحكومة الحالية تحظى بدعم من ثلاث قوى أساسية فقط، هي <التيار الوطني الحر> وتيار <المستقبل> وحزب الله.

ويُضيف المصدر الكتائبي: الأول يعتبرها الأداة الأساسية لعهد  الرئيس عون، بينما الثاني يربط وجودها بمستقبل رئيس الحكومة وسط الإنتقادات التي توجه له على مختلف الصعد، في حين أن الثالث يرى أن الضغوط التي تتعرض لها هدفها إحراجه بالدرجة الأولى. ويؤكد أن هذه الحكومة لا يُمكن لها أن تُحقق تطلعات شعبها ولو بالحد الأدنى، فهي أولاً حكومة <خناق> وليس حكومة وفاق. وإذا حملنا عنوانها أي حكومة <الى العمل>، فلا بد أن نسألها عن العمل أو الإنجاز الذي حققته منذ تأليفها. أما من يسأل عن دورنا كحزب معارض، فنرد بأن الدور محصور بالمعارضة البنّاءة وليس الكيدية أو لمجرد الإعتراض، وعملنا منوط بالمراقبة وليس بالإصلاح خصوصاً وأن هذا الأخير غير متاح لنا في ظل هذه التوليفة الحاكمة والتي

تُسيطر على كل مقدرات لبنان ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية.

من جهة أخرى تعتبر مصادر مُحايدة أن إستقالة الحكومة ستؤدي إلى مأزق كبير جداً أضخم من الذي تمر فيه حالياً، وهي ستكون مغامرة سياسية غير محسوبة النتائج، خصوصاً أن تأليف الحكومات في لبنان لم يكن يوماً من الأمور السهلة بسبب التوازنات السياسية والطائفية، ما يعني أن الحكومة الموجودة تشكل الأمل الوحيد للنهوض، لكن في المقابل هذا لا يلغي الملاحظات الكثيرة على أدائها، لاسيما بالنسبة إلى فريقي التسوية الرئاسية، أي <التيار الوطني الحر> وتيار <المستقبل>.

في المحصلة، قد يكون من الأفضل أن يحسم كل فريق سياسي خياره، أي البقاء في الحكومة أو الذهاب إلى المعارضة، على أن يكون ذلك على أسس واضحة، بدل السعي إلى الإستفادة من الأمرين معاً، خصوصاً أن المعارضة القوية ستكون أمراً مفيداً وفق جميع المعايير.