بقلم خالد عوض
مهما تطورت الأحداث العسكرية في مسألة رد حزب الله على اغتيال إسرائيل لبعض عناصره في منطقة القنيطرة هناك عدة حقائق لن تتغير اثر هذه العملية:
1 - إيران ماضية جدياً في المفاوضات النووية ولن تتأثر بهذه الحادثة. وكلام الرئيس الأميركي في خطاب الاتحاد منذ أيام يؤكد أنه هو أيضاً جدي جداً خلال السنتين المتبقيتين من ولايته في التوصل إلى اتفاق مع إيران يحد من خطرها النووي ولكن يعطيها في المقابل الفرص الاقتصادية الكبيرة والنفوذ الإقليمي الواسع.
2 - إيران أصبحت على حدود إسرائيل من خلال الجولان. لم تعد المسألة فقط مسألة حزب الله والمقاومة والتحرير. إيران أصبحت متاخمة للأراضي المحتلة في الجولان ولبنان. وأصبح لها الحق في الوجود مباشرة في اي تسوية مقبلة في المنطقة إن كان هناك تسوية. لم تعد في حاجة إلى تبرير وجودها في القنيطرة بعد اليوم. الدولة السورية سلمت أمرها بالكامل إلى الحرس الثوري وحزب الله في ما يتعلق بالجولان.
3 - هناك تلاقٍ كبير في المصالح <الداعشية> -الإسرائيلية - الخليجية في المسألة الإيرانية. هذا لا يعني أن الأطراف الثلاثة متجهة إلى حلف، ولكنها ستجد نفسها تعمل في الاتجاه نفسه أي الحد من النفوذ الإيراني رغم التباعد الكبير فيما بينها.
4 - لم يعد ممكناً فصل أحداث اليمن عما يجري في سوريا. تكفي قراءة بيان التعزية الذي أرسله الحوثيون إلى حزب الله ليتبين مستوى التكامل بين المنظومتين.
٥- كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبو ظبي منذ أيام أن <أمن دول الخليج خط أحمر> هو رسالة لإيران عن حدود تمددها في اليمن. بهذا تكون مصر هي أيضاً قد دخلت في <الحيص بيص> الإقليمي.
ماذا يعني كل ذلك؟ التسوية الإقليمية أصبحت أكثر من معقدة بل شبه مستحيلة في المدى المنظور. في الوقت نفسه من الصعب على إيران الدخول في حرب مع إسرائيل في ظل مفاوضات نووية مشجعة خاصة عندما تعرف مسبقاً أن الطرف العربي لن يكون معها، بل انه في أحسن الأحوال سيقف على الحياد. كما أن الحرب الدولية على <داعش> ما زالت في بدايتها، وبالتالي من الصعب تخيل سيناريو تمتلئ فيه الأجواء السورية في الوقت نفسه بطائرات غربية تقصف <داعش> وبطائرات إسرائيلية تضرب حزب الله. إذاً نحن في مرحلة استنزاف شبيهة بمرحلة 1967 - 1973 حيث سيتبادل الطرفان الإيراني والإسرائيلي العمليات العسكرية والأمنية ويستعدان لحرب شاملة قد تقع في أي وقت.
أين لبنان من سيناريو الاستنزاف؟
أولاً، هناك خطر جدي على لبنانيي الخليج. تصاريح حزب الله غير المسؤولة ضد البحرين والتقارب الواضح مع الحوثيين لا تبشر بالخير. الدول الخليجية بدأت تضيق ذرعاً بالنفوذ السياسي الكبير لحزب الله في لبنان وتدرس عدة تدابير أحلاها مر. الأمر ليس جديداً ولكنه أصبح على نارٍ حامية.
ثانياً، البلد في شبه غيبوبة دستورية. ومفاعيل هذا الفراغ لم تنكشف بعد ولكنها تلقي بثقلها على العلاقات اللبنانية الخليجية. ولولا البيان <الأنيق> لرئيس الحكومة في ما يختص بالبحرين، لكان البلد في مشكلة حقيقية مع اشقائه الخليجيين.
ثالثاً، سنة 2015 لن تكون صعبة اقتصادياً فقط، بل مالياً أيضاً. رغم الوفر في أسعار النفط وفي باقي الفاتورة الاستيرادية، فإن واردات الدولة في مسار تنازلي خطير كما أن التحويلات من الخارج بدأت بالتراجع. وقد تدخل مصرف لبنان بحوالى مليار دولار في الأسابيع الماضية لإبقاء الليرة في هامش السعر المحدد لها. وإذا ظل الحال على ما هو عليه، فإننا سنرى إحتياطات البنك المركزي من العملات الأجنبية تتناقص بسرعة هذه السنة.
الوضع السياسي الهش رغم كل زواريب الحوار بحاجة إلى رأس يعيد مفهوم إعلان بعبدا إلى الواجهة، خاصة في ظل المسيرة الاستنزافية التي يمكن أن تنخرط فيها إسرائيل وإيران. ولكن الأهم من ذلك هذه المرة هو أن الوضع المالي الذي ظل مستقراً لسنوات يستوجب صحوة دستورية عاجلة وانتخاب فوري لرئيس. فالليرة ستكون بخير سنة 2015 مهما كانت الضغوطات. ولكن استمرار وضع المنطقة على ما هو عليه والانكماش الاقتصادي الذي ما زال مسيطراً واصطفاف لبنان في المحور الإيراني، كما يتبين من الواقع على الأرض، والتنامي المتوقع في الدين العام بأكثر من ستة مليارات دولار في 2015، كلها عوامل لن تترك الليرة على حالها في العام المقبل.