تفاصيل الخبر

الـنــــــزوح الـســـــوري ربــــــــط مـنـطـقـتـنـــــا بـالاقـتـصــــــاد الأوروبـــــــي!

23/10/2015
الـنــــــزوح الـســـــوري ربــــــــط  مـنـطـقـتـنـــــا بـالاقـتـصــــــاد الأوروبـــــــي!

الـنــــــزوح الـســـــوري ربــــــــط مـنـطـقـتـنـــــا بـالاقـتـصــــــاد الأوروبـــــــي!

بقلم خالد عوض

Angela-Merkel الشرق الأوسط تحول إلى جنة لتجار وشركات السلاح العالمية حيث سيتجاوز الإنفاق على السلاح في الشرق الأوسط  ١٨ مليار دولار هذا العام، والمرجح أن يستمر على هذا المستوى بل ربما يزيد عن ذلك عام ٢٠١٦. الكل متورط. أكبر الشركات الأميركية والروسية والصينية والفرنسية والبريطانية تبيع حوالى نصف انتاجها السنوي في منطقتنا. قبل مجيء النازحين إلى أوروبا كانت العملية مربحة إذ أن المداخيل الكبيرة للشركات تساهم في النمو الاقتصادي. أما وقد فُتح باب اللجوء إلى الدول نفسها التي تصدّر الأسلحة، فإن الحروب في الشرق الأوسط وغيره من المناطق التي يهرب منها سكانها أصبحت مكلفة للأوروبيين. هذا ما يبدو من الوهلة الأولى ولكن الحقيقة مختلفة بعض الشيء.

المعادلة الاقتصادية التي تتصرف على اساسها أوروبا، بعيداً عن مسألة حقوق الإنسان التي تتصدر العناوين السياسية، يمكن تبسيطها كالآتي: الدول الأوروبية بحاجة إلى يد عاملة ماهرة وغير ماهرة في قطاعات عديدة مثل الزراعة والسياحة والبناء والتمريض وغيرها من المصالح الخدماتية الفردية. حتى الصناعات الكبرى كصناعة السيارات تشكو من عدم وجود عدد كاف من العمال الشباب وهي بحاجة إلى الآلاف منهم خلال السنوات القليلة المقبلة. الأهم من كل ذلك أن الآلة الصناعية الأوروبية اكتشفت أنه بإمكانها العودة إلى منافسة الصين في حال توافر عمالة كافية من الشباب المهاجر برواتب تصل إلى ربع ما يمكن أن يقبل به المواطنون الأصليون. العامل السوري الماهر يقبل بمرتب ٦٧٥ يورو شهرياً في ألمانيا وهو المرتب نفسه الذي يتقاضاه اليوم العامل الصيني في <شنغهاي> أو <بيجينغ>. المنافسة الاقتصادية تجعل مسألة النزوح من العراق وسوريا وأفغانستان وأفريقيا ضرورة اقتصادية للأوروبيين. كما أن الهند والصين لم تعودا تصدّران العمالة كالسابق بسبب النمو الاقتصادي الداخلي لديهما. من سيخدم إذا الألمان أو المجريين أو البولونيين الذين تجاوز أكثر من ثلاثين بالمئة منهم حاجز سن الـ٦٠؟

الحروب في الشرق الأوسط تؤمن إذا زخماً اقتصادياً مزدوجاً: يد عاملة شابة عطشى للعمل والاستقرار، وأكثر قدرة على التكيف مع عادات الدول الأوروبية التي تلجأ إليها، ومداخيل خيالية لشركات السلاح. نظريا، عندما يحصل الإشباع الاقتصادي النسبي من اليد العاملة النازحة ستصبح كلفة الحرب في سوريا وليبيا على أوروبا أكبر من أي فوائد اقتصادية، ناهيك عن التأثير الديموغرافي على الهوية الأوروبية والذي يدفع بالتيارات اليمينية المتطرفة إلى الواجهة السياسية. ومع تأكد وصول أكثر من مليوني لاجئ إلى أوروبا خلال العامين المقبلين تجد القارة العجوز نفسها اليوم إلى جانب أي صيغة سياسية أو عسكرية توقف المد الاجئون-السوريونالبشري إليها.

النتيجة الاقتصادية في سوريا ودول المنطقة الأخرى التي تعاني من الحروب سيئة للغاية. فبالإضافة إلى القتل والدمار والتشرد والخسائر التي لا تُحصى،  هناك هجرة تفرّغ هذه الدول من رصيدها الشبابي. ليس الموضوع هجرة أدمغة فحسب بل يتعلق بالطاقة العمالية والشبابية التي ستبني سوريا المستقبل.

حتى لبنان سيلحظ هذا التناقص في اليد العاملة السورية. قطاعات كثيرة تعتمد على السوريين اليوم، وإذا إستمر النزوح الشبابي نحو أوروبا وقريباً إلى الولايات المتحدة بالوتيرة الحالية سيواجه لبنان عدة تحديات اقتصادية أهمها الكلفة الأولية في عدة قطاعات.

ما يحصل حولنا ستكون له تبعات اقتصادية وليس فقط سياسية أو جغرافية. والمشهد الاقتصادي الذي يمكن أن يستوعب التغيرات الآتية ومفاعيلها الاقتصادية، هو تكامل أكبر مع الإتحاد الأوروبي تسقط من خلاله الحواجز الجمركية وتسهل فيه حركة اليد العاملة مقابل دخول واسع للشركات الأوروبية في مشاريع إعادة الإعمار وفي النسيج الاقتصادي للمنطقة.

لا شك أن النزوح السوري إلى أوروبا سيؤثر في صورة الحل النهائي في سوريا والعراق. فقد أصبح الشكل الاقتصادي للمنطقة عنصراً أساسياً في أي صيغة حل ممكن، خاصة أن الاقتصاد الأوروبي أصبح يتأثر مباشرة أو مداورة بما يحصل عندنا. المشكلة أن هذه الحلول ليست على الباب وستتطلب وقتا غير قليل حتى تنضج. حتى ذلك الوقت، كل ما يمكننا فعله في لبنان هو الإنتظار مع المحافظة بكل الوسائل المتاحة على الاستقرار... بحده الحالي الأدنى.