تفاصيل الخبر

النظام الطائفي في لبنان.. نعمة أم نقمة؟

10/10/2019
النظام الطائفي في لبنان.. نعمة أم نقمة؟

النظام الطائفي في لبنان.. نعمة أم نقمة؟

بقلم علي الحسيني

يعتبر نظام لبنان السياسي نظام جمهوري ديمقراطي توافقي لكنه طائفي بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة بين الطوائف المختلفة. ويشكل هذا الموضوع مشكلة أساسية في البلاد خصوصاً مع وجود أحزاب هي الأخرى طائفية تتبع لمجموعة زعماء أوصلتهم التركيبة الطائفية والمذهبية إلى ما هم عليه اليوم، بحيث لا يمكن تحريك مسمار من مكانه إلا بوجود توافق سياسي وهذا بطبيعة الحال ينطبق على التعيينات السياسية والعسكرية والأمنية وعلى جميع الوظائف في الدولة التي تخضع بدورها لكل هذه التركيبة العجيبة. وحتى التظاهرات التي تحصل في الشارع والتي من المفترض أنها تعبر عن حالات اجتماعية سواء غلاء معيشة أو مطالب حياتية اخرى، فهي أيضاً تأتي تبعاً لتوجهات سياسية غالباً ما تكون موجهة ضد طرف آخر أو استهدافاً لهذا الفريق أو ذاك.

النظام القائم بين الظاهر والعلن!

يقوم النظام في لبنان على مبدأ الفصل في السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ويكفل الدستور اللبناني للشعب المساواة وحرية التعبير والحرية الدينية ويصون لهم ممتلكاتهم الخاصة ويعطيه الفرصة بتغيير الحكم بالطرق الديمقراطية. وبحسب الدستور، يختار الشعب ممثليه، ويسمي النواب عن طريق الاقتراع السري مرة كل 4 سنوات. وقد تمت آخر عملية انتخابية لمجلس النواب، أو البرلمان، عام 2018. وبدوره يقوم البرلمان باختيار رئيس للجمهورية كل 6 سنوات لفترة رئاسية واحدة لا تمدد. ويقوم رئيس الجمهورية بتسمية رئيس لمجلس الوزراء بعد استشارة النواب آخذاً رأيهم بشكل الزامي . كما يسمح القانون بوجود الأحزاب السياسية وذلك ضمن السقف الذي يحدده.

هذا من ناحية النصوص، الا ان التطبيق الفعلي والصائب للنصوص كان يشوبه العديد من الاشكاليات التي تراكمت مع مرور الزمن ليمر لبنان بعدة محن خصوصاً من بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي كان اهمها احداث 1958 والحرب الاهلية بين عامي 1975 والعام 1990 بالاضافة إلى الانقسام السياسي الحاد القائم في لبنان من تاريخ 2005 مروراً بأحداث حرب تموز (يوليو) 2006 والاعتصام المدني في وسط بيروت بين أعوام 2006 و2007 و2008 إلى ما جرى في 5 أيار (مايو) 2008 وما تبعها من اعمال عسكرية في 7 أيار (مايو) 2008 ثم اتفاق الدوحة وصولاً إلى الاحداث السورية ودخول قوى حليفة لسوريا بالحرب الدائرة هناك وأخرى مناهضة له وقفت إلى جانب الجماعات المسلحة هناك، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى حصول إنقسام مذهبي سني شيعي، ما زالت بعض مفاعيله ممتدة حتى اليوم في لبنان. وكل هذه الاحداث الجسام الممتدة على مدى 71 عاماً تظهر مدى هشاشة النظام السياسي اللبناني وحاجته الدائمة إلى حكم خارجي يحكم بين اطراف النزاع الداخلي وهذا ما سبق أن سجل وجود استقرار سياسي في فترة الانتداب الفرنسي وكذلك فترة العهد الشهابي ذات الرعاية المصرية السعودية من ستينيات القرن الماضي واخيراً فترة الوجود السوري في لبنان ذي الغطاء الدولي منذ اتفاق الطائف إلى عام 2005.

التركيبة الطائفية تظهر هشاشة القانون!

اعتاد لبنان منذ قيامه على اتباع اسلوب محدد في التعاطي مع الأزمات التي تنجم عادة عن سوء الممارسة السياسية التي ينتهجها البعض في الداخل، إلى جانب سوء الممارسات التي ترتكبها أطراف خارجية لها تأثير واضح في مجريات الأمور داخلياً. وهذه الأمور تسمح بها التركيبة الطائفية والمذهبية القائمة في لبنان والتي ينتج عنها غالباً تعقيدات تنعكس سوءاً على الأوضاع بمجملها وتسمح في الكثير من الأحيان، بتهديد السلم الأهلي وتجعل من كل طائفة أو مذهب، تشعر بأن حماية القانون وحدها لا تكفي، لذلك تلجأ إلى دول أوروبية أو إقليمية إما طلباً للحماية وإما التدخل بشكل مباشر في حال وقوع نزاعات مسلحة. وقد اعتاد لبنان على مثل هذه الأمور منذ قيامته وهناك وقائع ثابتة يؤكدها التاريخ، تبدأ بالتدخل الفرنسي والبريطاني والروسي والسوري والإيراني، كل ذلك في ظل اجماع على وجود عدو واحد وحيد متفق على عدوانيته هو اسرائيل التي لا توفر فرصة إلا وتستغل فيها الصراع الطائفي أو المذهبي القائم، للنفاد من خلاله لضرب مقومات الصمود في وجهها.

تظهر هشاشة النظام بشكل جلي، من خلال تدخل الطبقة السياسية الحاكمة في القضاء وفي التعيينات واحتكار الوظائف وتوزيعها بحسب القوانين او الأعراف، بعيداً عن معيار النزاهة او الكفاءة. وهذا ما يتسبب دائماً بانعدام فرص العمل وتراجع مستوى التحسن وخلق حالة من الجمود في كافة المؤسسات الرسمية. والأبرز هو انه على الرغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني لكن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعلت من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على اساس طائفي، والدليل الأبرز، فشل 45 جلسة لمجلس النواب اللبناني من أيار 2014 وحتى العام 2016، في انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني نتيجة عدم توافق القوى السياسية اللبنانية على تسمية الرئيس الجديد إلى حين حصول تسوية سياسية داخلية مطعمة بتدخلات خارجية، أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للبلاد.

 

عبد الله: نظام الصيغة المريضة!

عضو <اللقاء الديمقراطي> النائب بلال عبد الله يرى أن النظام الطائفي بكل مفاعيله وآلياته، ينهش الدولة وسياساتها ومؤسساتها يوماً بعد يوم، ولا معنى ولا أمل لأي إصلاح حقيقي إلا من خلال الخروج ولو على مراحل من هذه الصيغة المريضة. والمواطنة اللبنانية الحلم، هي تلك التي تكسر حواجز الطوائف والمذاهب، مشيراً إلى ان بعد كل هذا الكم من الهدر والصفقات وتسييب المال العام والتهريب واستغلال السلطة واستباحة الأملاك العامة البرية والبحرية والنهرية، وغيرها من فنون نهب الدولة، ها هم اليوم يصوبون على أنظمة التقاعد بحجة الإصلاح. وقال: غريب أمر هذا النظام الطائفي الزبائني، يغمضون أعينهم عن خمسة آلاف موظف، تم تمريرهم خلسة في إدارات عدة، وبمحاصصة موصوفة،

خارج ما يسمى التوازن الوطني، ويحجبون الحقوق المكتسبة لخمسمئة ناجح بالكفاءة.

واعتبر انه في حال كان المطلوب بناء لبنان المواطنة يجب الإنتقال إلى الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية، فالنظام الطائفي يمنع التطور وتوظيف الكفاءة ويعبث بالطوائف والمذاهب، مشدداً على أنه لا يجب الرهان على حلول جذرية ضمن هذا النظام، لأن تحديث الدولة أو الإدارة أو إنقاذ الإقتصاد سيصطدم بهذا النظام. وفي ملف التعيينات، أشار عبد الله إلى أن بعض الجهات تسعى إلى إحتكار التمثيل، آملاً أن لا تتكرر تجربة تشكيل الحكومة التي لم تكن مشرفة في بعض الأماكن، قائلاً: ما يسري على الآخرين يجب أن يسري على الحصة الدرزية.

أضاف: من جديد، اثبتت كل التفاهمات والتسويات الثنائية الطائفية او الداخلية ضمن الطوائف، إنها عاجزة عن صياغة توجه وطني يحمي مصالح لبنان العليا، وهي كشفت عقم هذا النظام الطائفي وتغطيته للفساد والمحاصصة والصفقات. وتوجه الى البعض بالقول: أقله اتركوا القضاء والأمن بعيدين عن عبثكم ولا تنحروا الوطن.

 

حطيط: لبنان بحاجة الى مؤتمر تأسيسي!

 

الباحث الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، يعتبر من جهته أن لبنان اليوم في أزمة كبرى، لكن وبموضوعية وواقعية نقول إن الأزمة هذه وكما نرى ونفهم لم تولد مع تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة، بل ولدت حقيقة يوم اعتمدت في الطائف نصوص دستورية وميثاقية غير متكاملة، وتعززت تعقيدات الأزمة يوم أجريت التعديلات الدستورية تنفيذاً لاتفاق الطائف وبشكل منقوص واستنسابي، وكانت الفضيحة الأكبر يوم طبق الطائف استنسابياً أيضاً وفسر بما يخالف

روحه وعطلت منه بالتطبيق أو بالتجاوز البنود الإصلاحية التي يعول عليها لبناء دولة حقيقية.

وقال: نقول أزمة نظام لأن لبنان محكوم وملزم بالتحرك تحت سقفين. سقف الدستور وسقف ما يسمونه الميثاقية، فبمقتضى الدستور يكون على من منح حقاً او صلاحية ان يلتزم حدود الصلاحية والحقوق والواجب دون ان يتعداها، فإذا تعدى كان نص آخر في الدستور يقدم العلاج للتعدي. وفي واقعنا القائم نجد نصوصاً تحدد الصلاحية ولا نجد أحياناً نصوصاً تعالج التعدي او التعنت، وأكبر دليل على هذا صلاحية تشكيل الحكومة حيث أعطى النص الدستوري للرئيس المكلف صلاحية التشكيل بالتنسيق والعمل مع رئيس الجمهورية لكنه لم يضع له سقفاً أو مدة زمنية لذلك، ما مكنه وفي غياب النص الصريح الواضح أن يخضِع البلاد لمزاجه مع إمكانية احتمال بقاء الدولة أربع سنوات بلا حكومة لأن رئيس الحكومة لا يخشى سحب التكليف منه في غياب النص الدستوري.

أضاف: في ظل النصوص القائمة والتطبيق الكيفي والاستنسابي لها يصح ان يوصف النظام اللبناني بالنظام التعطيلي القاصر ذي الفيتوات المتقابلة، نظام يمنع التقدم والإصلاح ويسير وبكل وضوح نحو الانهيار والتدمير الذاتي نتيجة التحجر والفساد المحمي من قبل زعماء الطوائف أصحاب السلطة الأبدية، والذين لا تعني لهم الانتخابات شيئاً سوى التأكيد المتجدد على زعامتهم وملكيتهم لطوائفهم. ويكفي ان ندلل على خواء هذا النظام وفساده وانقطاع الرجاء منه، ان نشير إلى واقع الكهرباء في لبنان، وهو القطاع الذي أنفق عليه منذ 25 عاماً عشرات المليارات من الدولارات والنتيجة بقاء لبنان بلا كهرباء في حين يقول الخبراء إن إنفاق أقل من عشر ما أنفق كان ممكناً أن يضيء لبنان ويجعل القطاع مربحاً

وإنتاجياً لصالح الدولة.

وبرأي حطيط أن الحل يكون بالمبادرة الى إصلاح النظام وتحديثه وحل مشكلاته ومعالجة ما تنتجه النصوص النافذة من مآزق وهو أمر ممكن عن طريقين. الأول وهو الأجدى ويتمثل بالتقاء اللبنانيين في مؤتمر تأسيسي يبحث عن نظام يناسب لبنان ويحفظ مكوناته والأهم فيها مكون المواطنية وحقوق المواطن وحق الوطن في الوجود والتطور، والثاني وهو الانطلاق من المؤسسات الدستورية القائمة وتطويرها عبر تصحيح الأعراف أو إكمال النصوص وأهم ما في الأمر هنا إقامة النظام الديمقراطي الصحيح الذي ينبثق عن مجلس نواب وطني، يقوم الى جانبه مجلس شيوخ تكون مهمته المحافظة على الكيان ككل وعلى كيان الطوائف في وجودها وحقوقها، والتخلص من بدعة الديمقراطية التوافقية التي لا وجود لها في النظم الدستورية في القانون المقارن ولا في الأعراف الدستورية في كل المعمورة.

 

فياض: حتى أنت أيتها التظاهرات!

في ما يتعلق بالتظاهرات الأخيرة التي حصلت والتي كانت مسيسة حتى النخاع وذلك باعتراف كل من شاهد وراقب توقيتها وحركتها على الأرض، تسأل الاستاذة الجامعية منى فياض: لماذا لا تحصل انتفاضة سلمية فعلية؟ وماذا ينتظر اللبناني ليعبر عن الغضب المعتمل في نفسه لرفض الحضيض الذي أوصل إليه؟. وتقول: في الحقيقة يمكن اعتبار أن ما حصل من نزول إلى الشارع وما رافقه من افتعال عنف، أصبح <باراديغم> الاعتراضات اللبنانية. موضوعياً الوضع مؤهل، إلى أكثر من اعتراضات بسيطة، لكن لنتابع السيناريو المنتج في كل مرة مؤخراً.

وتضيف: تقترح مجموعة، أو مجموعات من المواطنين، القيام بتظاهرة في تاريخ معين تعبيراً عن الغضب مما وصلت إليه البلاد إلى حد أزمة بلغت مؤخراً حد الكارثة التي باتت تهدد بالانهيار الاقتصادي التام. على الأرجح أن المبادرين من المجتمع المدني، حسن النية والساعي إلى تغيير حقيقي، شاركهم فئات من الشعب متضررة وغاضبة ويائسة وفئات أخرى دخلت على الخط. في هذا الوقت المواطن العادي، الذي ينفخ على اللبن لاكتوائه من الحليب، يتابع ويراقب التحرك ليبني عليه سلوكه المستقبلي. فماذا يحصل عادة؟ يبدأ الاعتراض سلمياً ثم يبدأ البعض فجأة بالتوجه نحو اعتماد سلوك عنفي. وعندما يتوجه الاعتراض صوب السرايا (مقر رئاسة الحكومة) حصراً، يستنتج المواطن أن التظاهرة موجهة ضد طرف واحد في السلطة، ما يشكل حاجزاً أمام جزء من اللبنانيين من المشاركة.

وترى فياض أنه عندما يتم التوجه إلى البرلمان يعتبر جزء آخر من الجمهور أن الحراك منحاز. فمقار السلطة أصبحت <ملكيات محاصصاتية>. وعندما يتوجه نحو رئاسة الجمهورية، التي يفترض أنها تمثل جميع اللبنانيين، تعترض الرئاسة نفسها وجمهورها الذي يجب الاعتراف أنه لم يعد يضم الجميع. هذا إلى جانب <الشباب الأهلي راكب الدراجات النارية> الذي يتدخل في منتصف التظاهرة ويبدأ بالتحرك من الشوارع الشعبية القريبة من الوسط التجاري ليحرفها عن السلمية. الأمر الذي يقرأ عادة بأنهم <زعران> بعض أركان السلطة. وبالتالي تقع المسؤولية، على العهد أولاً، وعلى جميع مكونات السلطة السياسية التي أجرت تسوية فيما بينها وتحكم بالسراء وتتلاعن وتتشاتم وتختلف بالضراء، ولا يمكن لأحد منها

 

أن يتهم طرفاً أو أن يبرئ نفسه.

عبرة من لا يعتبر!

 

من باب التذكير لا تقليب المواجع ورمي المسؤوليات على هذا الفريق أو ذاك، فقد تداعت في 27 شباط 2011 مجموعات شبابية إلى لقاء في أحد شوارع بيروت (الشياح ــ عين الرمانة)، حيث كان خط التماس بين منطقتين شهدتا أشد معارك الحرب الأهلية ضراوةً. لم يكن اختيار الشارع عبثاً، بل جاء ليعبر عن موقف رافض للحرب الأهلية التي كانت، ولا تزال، إحدى النتائج المباشرة للمنظومة الطائفية القائمة في لبنان منذ ما قبل تشكيل الكيان الذي يشبه الـ<دولة>. يومها تتابع عدد غفير من مثقفي لبنان في محاولة تحليل نظام هذه الدولة تاريخياً، لكن كل تلك المحاولات لم ترتقِ إلى قدرة النظام على شرذمة التعدد الطائفي ورصف بعضه في وجه بعض، مباشرةً ومن دون سابق إنذار، بل بسهولة مبالغ فيها معظم الأحيان. فالنظام استطاع أن يوحد الشعب اللبناني خلف زعماء لبنان الطائفيين، واستطاع أن يضع بعضهم مقابل بعض، من دون هدف يسعون إليه إلا تذكية الزعامة وتقويتها، من أجل مواجهة خصم ما في مكان مقابل. هذا المكان يقال إنه حيز وجود الحزب أو الزعيم أو الطائفة أو المذهب، في الجهة المقابلة.