تفاصيل الخبر

النظام السوري.. إنهيار الحلفاء أم إعادة بناء؟

27/05/2020
النظام السوري.. إنهيار الحلفاء أم إعادة بناء؟

النظام السوري.. إنهيار الحلفاء أم إعادة بناء؟

 

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_78286" align="alignleft" width="392"] الرئيس بشار الأسد...إدارة الحرب من الخلف[/caption]

 مُنذ شهر ونيّف تقريباً، اتهمت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد التابعة لوزارة الاتصالات السوريّة، شركتَي الإتصالات "Syriatel" و"mtn"  بعدم دفع الضرائب للحكومة، والتي تبلغُ نحو 233.8 مليار ليرة سوريّة.  ومنذ أيّام قليلة وقّع وزير المالية السوري قراراً يقضي بالحجز الإحتياطي على أموال وممتلكات صاحب الشركتين رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال الرئيس السوري) وزوجته وأبنائه، وذلك في خطوة تهدف إلى ضمان دفع الأموال المستحقة لهيئة الاتصالات في البلاد.

الأسد يُضحي بمخلوف

 بعد عملية أخذ وردّ بين الحكومة السوريّة ومخلوف الذي يتظلم من التهديدات الحكومية التي تتوعده بإتخاذ كل الإجراءات لاسترداد الأموال المتوجبة عليه، قرر الأخير منذ أسابيع قليلة اللجوء إلى صفحته على موقع "فيسبوك"، لوضع الرأي العام أمام ما يجري من ملاحقات واعتقالات بحق موظفيه، مبدياً استعداده لدفع كل المتأخرات المتوجبة على الشركتين، وذلك ضمن آلية قال إنه سبق أن تم الإتفاق عليها مع الجهات المُختصة.

 واليوم يبدو أن الخلافَ بين الرئيس السوري بشّار الأسد ومعه زوجته السيّدة أسماء الأخرس الأسد وبين ابن خاله، بدأ يكبر ويأخذ أشكالاً تُنذر بتدحرج رؤوس كانت حتّى الأمس، أبرز ركائز دعم الإقتصاد السوري وحجر الأساس في بقائه على قيد الحياة، ولو داخل غرفة العناية الفائقة، خصوصاً وأن مخلوف الذي يمتلك مُعظم الشركات السورية الكبرى، كان حتى سنوات غير بعيدة، يُسيطر على أكثر من ستين في المئة من الاقتصاد السوري، ولذلك يرى البعض أن الحملة ضده تهدف بالدرجة الأولى إلى سحب البساط الإقتصادي من تحت قدمَيه وجعله كبش محرقة في حملة التطهير المطلوبة من الأسد.

 على الرغم من أن مخلوف لم يأت حتّى الساعة على ذكر اسم الأسد في كل الإطلالات التي قام بها مؤخراً، مُكتفياً بالتلميحات والتهديدات المُبطنة، إلّا أن مصادر سوريّة مطّلعة تكشف أن ابن خال الأسد، يرتكز على "بنك" معلومات يُمكن أن يؤدي الكشف عنها، إلى افتضاح الكثير من الأمور المتعلقة بعمليات تهريب أموال وحسابات مصرفيّة، تعود للرئيس السوري نفسه. وتشير المصادر إلى أن خلافات مخلوف اليوم، هي ليست مع الرئيس السوري ولا مع الحكومة السورية، بقدر ما هي خلافات مع السيدة الأولى التي قررت في الفترة الأخيرة وبشكل مُفاجئ، الإشراف بشكل كلي على قطاع الإقتصاد في سوريا من بوابة جمعية "البستان الخيريّة" التي يدعمها مخلوف والتي تُعنى بدعم جرحى الجيش السوري، وهي التي وجدت في هذا "القطاع"، منفعة لتوسيع نفوذها من باب حشد التأييد الشعبي والسياسي، وأيضاً بهدف تلميع صورتها بعد فضيحة شرائها لوحة فنية بقيمة 23.1 مليون جنيه إسترليني، في وقت لا يجد أكثر من سبعين في المئة من الشعب السوري قوت يومه.  وتكشف المصادر أن مخلوف حاول منذ فترة وجيزة التوسط لدى شخصيّة حزبيّة لبنانية فاعلة من أجل إيجاد حلٍ منصف لقضيته مع وعود بتقديم دعم مالي كبير للحزب الذي ترأسه الشخصية، إلّا أن هذه الأخيرة قرّرت عدم الدخول في سجالات شخصيّة بحت، لكن مع طلب منها بتسوية الأمور بشكل عقلاني والإبتعاد عن لغة التخاطب العشوائي والإتهامات، لما لهذا الأمر من عوامل سلبيّة على الدولة السوريّة واقتصادها بالدرجة الأولى. تصفية حسابات بين مخلوف وأسماء الأسد [caption id="attachment_78289" align="alignleft" width="408"] شركة الاتصالات "سيرياتيل" أحد أسباب الحرب العائلية[/caption]

 من نافل القول إن زمن تصفية الحسابات داخل "البيت السوري" الحاكم سياسيّاً واقتصاديّاً قد بدأ، وقد بدأت معه عملية التجريد من الصلاحيات التي كانت تُتيح للبعض التحكّم بمفاصل الدولة السورية، لكن السؤال هنا، هل ما يجري من خلافات بين زوجة الرئيس السوري وابن خاله، يندرج ضمن الحسابات الشخصيّة، أم أنه معطوف على مصالح شخصية ولا شأن له بالوضع الإقتصادي في البلد ولا بمصالح الشعب السوري؟ ردّاً على هذا السؤال، تُشير المصادرُ نفسها إلى أن انعدام الثقة بين أسماء الأسد ورامي مخلوف في الفترة الأخيرة تعود لأسباب ماديّة تُقدر قيمتها بملايين الدولارات، تحول إلى عداء شخصي لم يؤد حتى الساعة إلى وقوف الرئيس السوري طرفاً مع أي جهة في العلن، رغم أنّه داعم أساسي لزوجته ولو مواربة عن طريق القضاء، علماً أن هذا الأخير يخضع لقرارات الأسد بشكل كامل.

 من المعروف أن صحيفة التايمز البريطانية، قد أعلنت في وقت سابق أن سبب الخلاف بين الأسد ومخلوف هو رفض الأخير سداد ديون الحرب الأهلية في سوريا، وأن الأسد يحاول استخدام أموال مخلوف لتمويل مسلحين للقتال معه في محاولات بسطِ السيطرة على كل المدن والبلدات السورية. هذا الأمر يؤكده مرجعٌ سياسي لبناني ويضعه في خانة "الجزم"، لكنّه في المقابل، يرى أن ثمّة وعوداً دولية للرئيس السوري بشار الأسد، تُتيح له البقاء في منصبه لفترة إضافية، لكن شرط التخلص من بعض رموز الفساد، ويبدو أن ورقة مخلوف وهو أحد أكبر رموز الفساد وداعمي النظام من مال الشعب السوري، قد شارفت على الإنتهاء وبالتالي تحوّل إلى ضحية. واللافت هنا، أن النظام "الأسدي" قد اختار هذا الشهر تحديداً، لإطلاق حملة "الأضحيات".

ماذا يقول الداخل السوري؟

 معلومات من الداخل السوري تُشير إلى أن ما يجري اليوم هو أشبه بـ"حرب تصفية حسابات" كانت بدأت بين خال بشار الأسد المقيم في روسيا، محمد مخلوف، وابنه المقيم في دمشق رامي، من جهة، وبين أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، من جهة ثانية. وتضيف المعلومات أن فضح شركة "تكامل"، العائدة ملكيتها لابن خالة أسماء، مهند الدباغ، واستغلالها للسوريين، جرى بخطة من آل مخلوف، الأمر الذي دفع وزير التجارة السوري، عاطف النداف، إلى أن يعلن منذ فترة وجيزة، منع شركة "تكامل" المُصدّرة للبطاقة الذكية في سوريا من التدخل بتوزيع الخبز.

 ويُنقل عن البعض في الداخل السوري أن انتقام مخلوف سببه تدخل السيدة الأولى في توزيع "كعكة" الاقتصاد السوري منذ تعافيها من مرض السرطان العام الماضي، ووضع يدها على استثمارات رامي مخلوف، وفي مقدمتها جمعية "البستان الخيرية"، والوصاية على شركتي الاستثمار الخلوي "سيرياتيل" و"أم تي أن"، وتعيين مديرين من قبلها، بعد مصادرة الوثائق والدفاتر المحاسبية والحواسب من مقرّ شركة "راماك" بالمنطقة الحرة في دمشق. ويوضح هؤلاء أن فضيحة شراء رئيس بشار الأسد لوحة لزوجته بمبلغ 30 مليون دولار، إنما جاءت ضمن خطة "تعرية" أسماء الأسد وردّ الصفعات التي وجهتها إلى أسرة محمد مخلوف وتقليص دورها الاقتصادي في سوريا.

الخلافات العائلية في العيون الأميركية

 

[caption id="attachment_78287" align="alignleft" width="375"] السيدة الأولى أسماء الأسد... تفتح بزار حساب التسويات[/caption]

الممثل الأميركي الخاص إلى سوريا "جيمس جيفري" يرى أن الخلاف القائم بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف مهم كون الأخير يسيطر على الاقتصاد السوري الموازي وحتى الاقتصاد الرسمي. ويعتبر أن مخلوف مقرّب جداً من الأسد ولاعب كبير في الطائفة العلوية التي تحكم في سوريا منذ خمسين عاماً. والأبرز أنه يمكن تفسير هذا الخلاف بطريقتين: الأولى بالقشة التي قصمت ظهر البعير ولا أعتقد ذلك. والأمر الثاني هو أن هذا الخلاف مؤشر إضافي لسقوط العملة السورية والصعوبات التي تواجهها الحكومة لإدخال شحنات النفط إلى سوريا وكذلك الصعوبات في تأمين الخبز ومواد أخرى للمحلات التجارية حيث إن النظام يخضع لضغط كبير. وربما هذا هو السبب الذي يجعل الروس مهتمين بشكل أكبر بالحديث معنا من جديد حول إمكانية التوصل إلى تسوية.

 ويُضيف السفير الأميركي: لم نتوصل إلى أي خلاصة ولكن نرى مقاربة استثنائية لأنها تكشف الغسيل الوسخ لأسوأ الأنظمة في القرن الحادي والعشرين، فقضية الخلاف مع مخلوف بشكل خاص مهمة جداً لأنني رأيت أن هناك جهداً من قبل الحكومة السورية للرد على الضغط الروسي عبر دعوة النظام لتنظيف منزله والبدء بشخص مثل مخلوف. ورأينا كذلك أخباراً وشائعات تقول إن الروس يدعمون هذا الشخص وقلقون حيال ما يقوم به الأسد.

 وحول الانتقادات الروسية التي توجه للأسد قال "جيفري": لسنا متأكدين من أن الانتقاد الروسي العلني ومن قبل أشخاص قريبين من الرئيس الروسي "بوتين" للأسد يعكس إرسال إشارات لنا أو للأسد نفسه أو لمساعدة روسيا على بيع سوريا لبعض الدول مثل دول أميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط لإعطاء سوريا اعترافاً دبلوماسياً وقبولاً دولياً لتأمين عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار. ما زلنا نسعى لمعرفة خلفية هذا الانتقاد.

 وفي سياق منفصل، قال "جيفري": نرى بعض التحركات الإيرانية حول سوريا من المناطق التي تعرضت لقصف إسرائيلي ورأينا انسحاباً لبعض الميليشيات المدعومة من إيران بعضهم من حزب الله وبعضهم من دول أخرى ولكن ما لم نراه هو أي التزام استراتيجي إيراني بعدم محاولة استخدام سوريا كمنصة انطلاق ثانية لصواريخ طويلة المدى ضد إسرائيل وبعدم تسليم حزب الله أسلحة تهدد إسرائيل.

هجوم الإعلام الروسي على النظام السوري

[caption id="attachment_78288" align="alignleft" width="373"] رامي مخلوف يتوعد النظام[/caption]

 كان لافتاً الهجوم الذي شنته وكالة " GOSNOVOSTI" الروسية على رأس النظام السوري، ضمن تقرير وصفت فيه النظام بأنه يعج بالفساد الذي بدأ من عائلة الأسد والمقربين منه. ونقلت الوكالة عن مصدر غير معروف قوله إن بشار الأسد اشترى لوحة فنية للفنان العالمي "ديفيد هوكني"، من مزاد علني في بريطانيا، وأهداها لزوجته أسماء الأسد، مقابل مبلغ وصل إلى 23 مليون ليرة سورية، بالوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري من الجوع. ولفتت إلى أن أقارب الأسد يمتلكون ثروات طائلة، وتضاعفت منذ تولي بشار الأسد السُلطة خلفاً لأبيه عام 2000، وذلك نتيجة إعطائهم صلاحيات إقتصادية واسعة بالبلاد، وعلى رأسهم ابن خاله، رامي مخلوف، الذي قدر التقرير ثروته المكشوفة بنحو 5 مليارات دولار.

 وأكد التقرير المعلومات السابقة التي أوردتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن امتلاك عائلة الأسد لنحو 40 شقة سكنية فاخرة بأحد ضواحي العاصمة الروسية موسكو، برأس مال مقدر بنحو 40 مليون دولار أميركي، معتبرة أن ذلك كان كإجراء احترازي لحفظ أموالهم بطرق شرعية في حال حصل شي للنظام الحاكم بالبلاد.

 وأشار التقرير إلى أن الفساد في السلطة الحاكمة بسوريا أفسد كل شيء، حيث بين أنه بالوقت الذي ساهمت الدول بهزيمة تنظيم الدولة "داعش"، وإرسال المساعدات الإنسانية للشعب، فإن مسؤولي النظام السوري غارقون بالرفاهية وينعمون بكل وسائل الراحة بعد بيعهم موارد البلاد، حسب وصف التقرير. وتحدثت الوكالة الروسية عن تدهور العملة المحلية “الليرة” وارتفاع أسعار الوقود لتحتل سوريا المرتبة 157 بالرخاء الاقتصادي بعد ليبيا وهاييتي وانغولا.

 ويشار إلى أنّ بعض الصحف الروسية تعمل من وقت لآخر على مهاجمة نظام الأسد في محاولة للضغط إعلامياً في سبيل تحقيق نتائج سياسية ما قد تتطلع إليها روسيا التي تدعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً.

من هو رامي مخلوف؟

 يعتبر رامي مخلوف من أغنى أغنياء سوريا، وهو ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، ويتصل بآل الأسد من خلال عمته أنيسة مخلوف زوجة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد. وقد قدرت ثروته الشخصية في عام 2008 بنحو 6 مليارات دولار أميركي، ويعتبر مالكاً لشركة "سيرياتيل" التي تعتبر واحدة من شركتي الهواتف المحمولة في سوريا، ويشارك في العقارات والمصارف ومناطق التجارة الحرة على طول الحدود مع لبنان، والأسواق الحرة، والمتاجر الفاخرة.

 كما كان رامي مخلوف ضمن مجموعة من المحتكرين الصغيرين، لكنه توسع بسبب توسع القطاع الخاص السوري في عام 1990، وقد كان حافظ الأسد يعتمد على آل مخلوف لدعم ابنه من الناحية المادية دون تدخلهم في الحياة السياسية، ويتمتع رامي وشقيقه إيهاب بإعفاءات تامة من الرسوم الجمركية ويقوم بدوره بتوزيعها على التجار.