تفاصيل الخبر

الـنـظــــام المـصــــرفي العالمــــي يـنـقــلـب رأســــاً عــلى عــقـب... والعـــرب يـتـفرّجــــون!  

18/03/2016
الـنـظــــام المـصــــرفي العالمــــي يـنـقــلـب رأســــاً عــلى عــقـب... والعـــرب يـتـفرّجــــون!  

الـنـظــــام المـصــــرفي العالمــــي يـنـقــلـب رأســــاً عــلى عــقـب... والعـــرب يـتـفرّجــــون!  

بقلم خالد عوض

mario-draghi  

<وداوني بالتي كانت هي الداء>... مزيد من الديون. هذا الكلام ينطبق على خطوة البنك المركزي الأوروبي الأخيرة بتخفيض الفوائد على اليورو من ناقص (نعم ناقص) 0,3 بالمئة إلى 0,4 بالمئة. هذا يعني أن أي بنك يريد أن يقترض من البنك المركزي الأوروبي سيكسب (نعم يربح) 0,4 بالمئة من قيمة القرض. تعليل الخطوة هو كالعادة لتحفيز النمو. البنك المركزي الأوروبي يريد تشجيع المصارف الأوروبية على إقراض الأشخاص والمؤسسات من أجل تسريع عجلة النمو في الاتحاد الأوروبي. ولكن هناك حقائق لم يعد يمكن الاختباء منها. الناس مشبعة بالديون، من بطاقات الإئتمان إلى القروض السكنية إلى القروض الشخصية، وقد أصبح تراكم حجم الديون عائقاً كبيراً أمام الدورة الاقتصادية، خاصة أن الأوروبيين اصبحوا في حلقة مالية مفرغة في ظل غياب عناصر نمو حقيقية أي في غياب زيادة حجم الطلب الفعلي في السوق. غياب النمو يعني شح فرص العمل الجديدة ويعني صعوبة في زيادة المرتبات لذوي الوظائف. وضعف سوق العمل هذا لا يمكن أن يسمح بمزيد من الاقتراض، ولذلك فإن المصارف الأوروبية ستجد صعوبة فائقة في إقراض الأسواق. أما الكلام عن تركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فهو يمكن أن يصلح أكثر في سوق ديناميكية مثل <وادي السليكون> في كاليفورنيا أو بعض المناطق الناشطة في الإبتكار والتكنولوجيا في ألمانيا، ولكنه في الحالة الأوروبية لن يكون بالحجم الذي يتوخاه رئيس البنك المركزي الأوروبي <ماريو دراغي>.

دول اليورو ليست وحيدة في استنباط الفوائد السلبية رغم أنها سبقت الجميع إلى ذلك في العام ٢٠١٤. فقد التحق بها اليابانيون في كانون الثاني (يناير) المنصرم بعد أن كانت سويسرا والدانمارك والسويد التي لا تزال تحافظ على عملاتها الوطنية قد حذت حذوها في السنة الماضية. ومن جراء موجة الفوائد السلبية، لم يعد بإمكان المصارف الأوروبية تحقيق أرباح كبيرة من هوامش الفوائد حتى أن بعضها بدأ يخصم من ودائع زبائنها أي يطبق الفائدة السلبية على أصحاب الودائع. بالإضافة إلى ذلك أصبحت هناك سندات خزينة حكومية من عدة دول من العالم الأول وصل حجمها إلى حوالى ٧ آلاف مليار يورو في شباط  (فبراير) الماضي بفوائد سلبية، أي أن حاملي هذه السندات لن يستعيدوا كامل المال الذي دفعوه لشراء هذه السندات عندما تستحق. النظام المصرفي في أوروبا ودول كثيرة في العالم ينقلب رأسا على عقب. تريد إيداع أموالك في البنك، إذاً يجب أن تدفع نسبة منها إلى البنك! أما إذا أردت الاقتراض فيمكنك ذلك بفائدة زهيدة جدا لأن المصرف الذي تقترض منه يحصل على ربح من المصرف المركزي عندما يقرضك.

الأميركيون يراقبون عن كثب تطور الخطوة الأوروبية حتى أن البنك المركزي الأميركي لم يعد يلغي احتمال خفض الفوائد على الدولار من جديد. فعندما تكون الفوائد على العملات الأخرى باتجاهها إلى الصفر وتحته بينما الفوائد على الدولار لا تزال فوقه ستقوى العملة الخضراء أكثر مما يؤذي القطاع التجاري الأميركي الذي يسعى إلى كسب أكبر حصة ممكنة من الأسواق العالمية.

Riad-Salameماذا يعني كل ذلك؟

بالنسبة للبنان وعدة دول أخرى من العالم الثالث وخاصة الدول العربية التي تحتاج إلى القروض لتنمية اقتصاداتها، أصبح العالم نظرياً، مفتوحاً للاستدانة الرخيصة نسبياً. الفوائد على اليوروبوند التي تتجاوز ٧ بالمئة أصبحت من الماضي. البحث عن فوائد لا تزيد عن الخمسة بالمئة وحتى أقل أصبح ممكنا بالنسبة لمصرف لبنان الذي يمكن أن يستفيد من سجل لبنان الجيد جداً في الوفاء بالتزاماته للحصول على قروض أوروبية بفوائد منخفضة عن التي يحصل عليها حاليا من الأسواق اللبنانية. هذا لا يعني التحول بالكامل إلى الاقتراض من الخارج، ولكن تخفيف عبء خدمة الدين سيساعد في تخفيف العجز وتعزيز النفقات الاستثمارية في الموازنات المستقبلية...إن وُجدت. فغياب الموازنة هو أبرز عائق أمام كل ذلك ويعرقل أي إمكانية للاستفادة من انخفاض الفوائد لأن المؤسسات العالمية تشترط وجود موازنة قبل البحث في الإقراض والفوائد. بمعنى آخر لو كانت هناك موازنة لكان بالإمكان الحصول على فوائد أقل بكثير للدين العام اللبناني، مع العلم أن كل نقطة فوائد أقل تساوي وفراً يزيد عن ٧٠٠ مليون دولار سنوياً! الكلام نفسه ينطبق على عدة دول عربية غارقة في الوحول السياسية التي تمنعها من الاستفادة من <الانقلاب> المصرفي العالمي.

<الرياح المصرفية العالمية> تناسب لبنان جدا، وعدم الاتجاه للاستفادة منها يعني <الوقوف في وجه الريح> أو بمعنى آخر تحميل الخزينة والمواطن عبء دين عام غير واقعي وغير منطقي، في وقت تدفع المصارف المركزية في العالم للبنوك لكي تقترض.