تفاصيل الخبر

النظام المصرفي العالمي قبل نهاية ٢٠٢٠ : إما الإنهيار أو..الإنحسار

15/07/2020
النظام المصرفي العالمي قبل نهاية ٢٠٢٠ : إما الإنهيار أو..الإنحسار

النظام المصرفي العالمي قبل نهاية ٢٠٢٠ : إما الإنهيار أو..الإنحسار

بقلم خالد عوض

[caption id="attachment_79476" align="alignleft" width="191"] رئيس بنك أوف أميركا "براين موينيهان" : أي دور للمصارف إبتداء من ٢٠٢١ ؟[/caption]

 إلى جانب كل المشاكل الإقتصادية التي سببها وباء "كوفيد ١٩" هناك أزمة مصرفية عالمية مستجدة بسبب توقع تخلف شركات عديدة عن سداد ديونها إلى البنوك. أوجه الشبه مع أزمة ٢٠٠٨ المالية متعددة. ولكن التعثر هذه المرة لن يكون فقط من قبل الأفراد الذين اشتروا، بفوائد مرتفعة، بيوتاً وعقارات لا يقدرون على سداد اقساطها، فتضخمت فقاعة الديون العقارية ثم انفجرت مع إفلاس بنك "ليمان براذرس" في ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨. المشكلة ستكون مع الشركات التي استدانت بفوائد منخفضة على مدى السنوات الخمس الأخيرة. جزء كبير منها أصبح عاجزاً تماماً عن تسديد القروض. بعض هذه الشركات اتجه بسرعة إلى إعلان الإفلاس ولكن البعض الآخر، وهو ليس ببسيط، كان وما زال يعول على عودة ثاقبة للإقتصاد أو ما يسمى بالـ "V Shape Recovery" التي يتبين يوماً بعض يوم أنها أصبحت سراباً رغم وجود بوادر نمو في قطاعات كثيرة.

البنوك الأميركية...مرعوبة

 منذ بضعة أيام أعلنت مصارف "جاي.بي.مورغان" و"سيتيجروب" و"ولز فارغو" الأميركية أنها أخذت إحتياطات بقيمة ٢٨ مليار دولار في الفصل الثاني من ٢٠٢٠ لتوقعها تخلف أفراد وشركات عن سداد القروض المستحقة لها. هذه البنوك نفسها  كانت أخذت إحتياطات بقيمة ١٩ مليار دولار للفصل الأول. أي أن مجموع إحتياطات التعثر بلغ ٤٧ مليار دولار في النصف الأول من ٢٠٢٠ وهذا أربعة أضعاف مجموع الإحتياطات التي كانت أخذتها لكامل عام ٢٠١٩! ثلاثة بنوك أميركية أخرى هي "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" و"بنك أوف أميركا" توقعت هي أيضاً أن تتضاعف نسبة التخلف عن الديون فأخذت إحتياطات مماثلة وصلت إلى ١٧ مليار دولار للنصف الأول من هذا العام.

الإنقاذ عبر خلق العملة..إلى متى؟

 رغم كل ذلك ما زالت معظم البنوك الأميركية تسجل أرباحاً، ولو أقل بكثير من السنة الماضية، بسبب عمولات الوساطة التي تحصل عليها من تداولات الأسهم في البورصات المالية. ولولا تدخل الإحتياطي الفيدرالي بحوالي ٢,٣ مليار دولار من التحفيز الكمي وخفضه للفوائد على الدولار إلى الصفر وتدخلاته المباشرة لشراء سندات الشركات، حتى المتعثرة منها، لكانت البورصات تهاوت ولكنا ربما شهدنا إنهيار عدة بنوك أميركية. هذا السيناريو ما زال ممكناً. لذلك سيكون البنك المركزي الأميركي قريباً أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ضخ مزيد (والكثير) من المال لدعم البورصات والشركات والمصارف ومواجهة تضخم مالي غير مسبوق وتراجع قيمة الدولار مقابل الذهب أي هبوط القدرة الشرائية للمستهلكين، أو التخلي التدريجي عن الدعم الكمي والقبول بإفلاسات بعض المصارف الكبيرة بسبب إستحالة تسديد القروض، مما يعني نهاية النظام المصرفي الذي نعرفه. يبدو أن المستقبل سيكون لبنوك منزوع منها الجشع المالي المتفلت ومحدود نطاق عملها في الأعمال المصرفية البحت. 

السؤال اليوم لم يعد إذا كان هذا الإستحقاق ممكناً بل أصبح متى سيحصل؟.

ديون الشركات: قنبلة... غير موقوتة

[caption id="attachment_79477" align="alignleft" width="378"] رئيس الإحتياطي الفيدرالي "جيروم باول": طبع العملة أو إفلاس المصارف[/caption]

 حتى الآن أعلنت ٦٣ شركة أميركية افلاسها من بينها شركات كبيرة وعريقة مثل "هيرتز" لتأجير السيارات ومتاجر "نيمان ماركوس" وشركة "شيزبيك إنرجي" النفطية. التقارير الواردة من الولايات المتحدة تفيد أن هذا غيض من فيض وأن الحبل على الجرار. فمنذ أن انخفضت الفوائد على الدولار بعد أزمة ٢٠٠٨ تهافتت الشركات على الإستدانة وتساهلت معها البنوك التي كانت تتجنب القطاع العقاري والقروض الإسكانية. بالنسبة للمصارف كان إقراض الشركات هو من أهم مصادر الربح في الفترة السابقة. وبسبب الفورة في الأسواق المالية منذ مجئ "دونالد ترامب" إلى الرئاسة لجأت الشركات المدرجة في البورصة إلى الإستدانة من البنوك لإعادة شراء اسهمها هي نفسها (Share Buyback). لم لا والبنوك تقرض بفوائد دنيا بينما الأسهم تحلق وتحقق أرقاماً قياسية بسبب الإقبال عليها؟ يضاف إلى هذا الترابط بين المصارف والشركات خطة خفض الضرائب التي جاء بها "ترامب" والتي انعكست إيجابياً على أرباح الشركات وبالتالي على إرتفاع أسهمها.

هذا المسار لم يكن فقط حكراً على الولايات المتحدة، بل ظهر أيضاً، ولو بأشكال مختلفة، في أوروبا وحتى في الصين حيث كانت الدولة تدعم الشركات عبر المصارف الحكومية من خلال الفوائض التجارية التي تحققها. مجموع ديون الشركات من دون احتساب قروض المؤسسات المالية سيصل خلال سنة ٢٠٢٠  إلى ٩،٣ ألف مليار دولار على الأقل بإرتفاع ألف مليار دولار عن عام ٢٠١٩ أي حوالي ١٢ بالمئة زيادة، وهذا مستوى نمو سنوي قياسي في قروض الشركات، لم يحدث في التاريخ.

أسوأ الشرور...ما هو؟

هناك ثلاث مجموعات للقروض. الأولى هي ديون الدول أو ما يسمى الدين العام وهذا إنتفخ بسبب الوباء إلى مستويات غير مشهودة حتى أصبحت نسبته أكثر من ١٠٠ بالمئة من الناتج المحلي العالمي. وهناك قروض الشركات التي زادت أيضا ولا تزال. ثم هناك ديون الأفراد. الدول تستدين عادة من الأسواق العالمية عبر السندات السيادية. ولكنها هذه السنة لجأت أكثر إلى مصارفها المركزية التي تكفلت بشراء السندات عبر خلق العملة. الشركات والمؤسسات المالية تلجأ إلى البنوك. وهي الآن تعتمد أيضاً على دعم البنوك المركزية للمصارف التجارية وعلى بعض الدعم الحكومي. أما الأفراد فهم الحلقة الأضعف. يلجأون عادة إلى المصارف ولكنهم اعتمدوا مؤخراً على دعم الحكومات لهم. مجموع كل هذه الديون سيتخطى ٢٦٠ ألف مليار دولار هذا العام. لا الحكومات ولا الشركات ولا الناس ستتمكن من سداد كل هذه الديون. فالسداد يكون إما عن طريق رفع الضرائب وهذا حالياً مستحيل أو عن طريق خفض قيمة العملة حتى يصغر حجم الديون وهذه وصفة مثالية للإنفجار الإجتماعي.

   

تخيلوا السيناريو اللبناني الحالي ولكن على قياس العالم كله هذه المرة!