تفاصيل الخبر

النمو لن يتجاوز الصفر في 2019.. وتحويلات الخارج الى تراجع ومؤسسات التصنيف الدولية تستعد لـ”الانقضاض“ على لبنان!

22/08/2019
النمو لن يتجاوز الصفر في 2019.. وتحويلات الخارج الى تراجع ومؤسسات التصنيف الدولية تستعد لـ”الانقضاض“ على لبنان!

النمو لن يتجاوز الصفر في 2019.. وتحويلات الخارج الى تراجع ومؤسسات التصنيف الدولية تستعد لـ”الانقضاض“ على لبنان!

على رغم الانطباعات الايجابية التي تكونت في الأوساط السياسية والشعبية للقاء <المصارحة والمصالحة> الذي عقد في قصر بعبدا بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب والوزير السابق وليد جنبلاط ورئيس <الحزب الديموقراطي اللبناني> النائب طلال ارسلان، برعاية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومبادرة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبترحيب من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بهدف إزالة رواسب جريمة قبرشمون التي وقعت في 30 حزيران (يونيو) الماضي. وعلى رغم المواقف الايجابية التي صدرت في أعقاب اللقاء وسلّمت أمر ما حصل الى القضاء ليقول كلمته ويوصف الجريمة لتحديد مسارها المستقبلي، الى المجلس العدلي أو الى المحكمة العسكرية... على الرغم من كل ذلك ظل الهاجس الاقتصادي في المرتبة الأولى من الاهتمامات بحرص من الرئيس عون على معالجته واعطائه الأولية، وبدعم من الرئيسين بري والحريري وهما يدركان مع رئيس الجمهورية خطورة الانتكاسات الاقتصادية وتداعياتها مالياً واجتماعياً... وأمنياً. ولأجل ذلك سبق لقاء <المصارحة والمصالحة> اجتماع اقتصادي ومالي شارك فيه إضافة الى رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة، وزراء المال والاقتصاد والتجارة ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية السادة علي حسن خليل ومنصور بطيش وسليم جريصاتي، ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، خصص لعرض الواقع المالي والاقتصادي الراهن وسبل المعالجة السريعة والمتوسطة والبعيدة المدى، في خطوة استباقية للقرارات التي تصدرها مؤسسات التصنيف العالمية ولاسيما منها مؤسسة <ستاندر أند بورز>.

أما الأسباب التي دفعت الرئيس للدعوة الى مثل هذا اللقاء غير المسبوق في حضور رأسي السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً والوزراء المختصين فقد برزت من خلال المناقشات التي دارت خلال اللقاء والمعطيات التي توافرت ودفعت الرئيس عون الى دق ناقوس الخطر والدعوة الى الاسراع في اتخاذ الخطوات الآيلة الى تفادي الأسوأ، مراهناً على ضرورة تجاوب الجميع مع خطوات الدولة الى حد أعلن فيه الرئيس عون انه اذا لم تطبق الاجراءات التي تقررت في اللقاء فمعنى ذلك ان لا حكم في لبنان!

 

<كلام خطير> عن واقع سيء!

مصادر واكبت الاجتماع المالي والاقتصادي كشفت لـ<الأفكار> ان ما قيل فيه من كلام يمكن وصفه بـ<الخطير>، لم يترك مجالاً لأي اجتهاد أو تحليل، لأن لغة الأرقام هي التي سادت، ومضمون المعطيات هو الذي فرض نفسه لاسيما وان <المخاطر> التي برزت لم تأتِ من عدم. صحيح ان ثمة تراكمات السنوات الماضية، لكن المشهد الحالي يستوجب اعلان حالة طوارئ اقتصادية ــ سياسية لأن الوضع المالي يتأثر بالوضع السياسي الذي يجعل السوق الاقتصادية والنقدية ساحة للصراعات التي تدفع ثمنها العملة الوطنية والوضع الاقتصادي ككل. وثمة عامل آخر وهو غياب السيولة التي كانت تدخل الى البلاد ما دفع بالمصارف اللبنانية الى خلق منافسة في ما بينها لاستيعاب ودائع المواطنين ورفع الفائدة عليها، وهو ما لجأت إليه مصارف عدة أوصلت الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية الى أكثر من 15 بالمئة، فيما ارتفعت الفوائد على الدولار الى 10 و11 بالمئة! ولم تغب عن بال المجتمعين ان الصادرات اللبنانية الى الخارج تراجعت الى حدود ملياري دولار، فيما التحويلات الخارجية تراجعت هي الأخرى الى حدود ملياري دولار، ما أثر سلباً على ميزان المدفوعات... وهذا الوضع جعل الودائع لا تنمو فشهدت ودائع المقيمين تراجعاً وصلت الى حدود الملياري دولار، وكذلك الأمر بالنسبة الى ودائع غير المقيمين التي لم تنمو بل استقرت ما ضيّق امكانية التمويل وساهم في رفع الفائدة.

مؤسسات التصنيف تستعد للانقضاض!

ولعل ما أقلق المجتمعين، استناداً الى المصادر نفسها، الخفض الذي سجلته مؤسسات التصنيف مثل <موديز>، وما يمكن أن يصدر عن مؤسستي <فيتش>، و<ستاندرد أند بورز>، حيث يتخوف المسؤولون من خفض اضافي لتصنيف لبنان مع خشية من سحوبات مالية الى الخارج. ويضاف الى كل هذه المعطيات ان القطاع العقاري الذي كان دائماً عنواناً للواقع الاقتصادي، تجمّد منذ فترة مع تراكم مستحقات المقاولين الى حدود 12 مليار دولار، و14 مليار دولار في القروض السكنية، و11 مليار دولار للقروض الاستهلاكية (سيارات وأدوات منزلية الخ..)، ما يعني بلغة الأرقام الدقيقة ان 45 بالمئة من قدرة التمويل الخاصة بالمصارف مجمدة في الوقت الحاضر، وحلحلتها تحتاج الى وقت. واتضح ان قروض المصارف للقطاع الخاص بلغت 67 مليار دولار على حجم اقتصاد لا يتجاوز 56 مليار دولار أميركي ما يعني ان المصارف باتت ملزمة بتحصيل ديونها في مهمة صعبة وتكاد تكون مستحيلة، وامتنعت بالتالي عن إعطاء ديون جديدة.

ولاحظ المجتمعون، وفقاً للمصادر نفسها، ان الحلول التي اقترحها مصرف لبنان والتي تدخل ضمن صلاحياته يمكن أن تساهم ولو جزئياً في التخفيف من حدة الأزمة، لكن الواقع ان المديونية المالية لدى الأسرة اللبنانية حدت من قدرة الاستهلاك، فحلّت الخسائر في المؤسسات فلجأت الى صرف عمالها، وارتفع منسوب التعثر في تسديد القروض السكنية، ما دفع بمصرف لبنان الى الطلب من المصارف ان يكون استيفاء الدين من خلال العقارات المرهونة لديها لتغطية قيمة القروض، والتعاطي مع المستفيدين من هذه القروض بأسلوب مختلف عما كان يحصل في السابق مراعاة للواقع الحاد التي تمر به البلاد. وأخطر ما في هذه الصورة، نسبة النمو المتوقعة والتي لن تتجاوز الصفر، وما من امكانية لرفع هذه النسبة إلا من خلال استعادة الأجواء السياسية الايجابية نظراً لانعكاساتها المهمة على الشأن الاقتصادي.

ويروي أحد الذين حضروا لقاء بعبدا، ان وزير المال علي حسن خليل صارح الحاضرين بأن <الوضع صعب الى درجة كبيرة، لكنه غير ميؤوس منه>، ويكفي بروز تطورات سياسية ايجابية حتى يتحسن المشهد لاسيما وان كل النقاش الذي دار مع ممثلي المؤسسات المالية الدولية تركز على معرفة مسار التطورات السياسية، لاسيما الشلل الذي كان أصاب الحكومة بعد جريمة قبرشمون وتداعياتها، وامكانية انجاز موازنة العام 2020، وكيفية تعاطي الدولة في المواضيع الحساسة مثل أزمة النازحين السوريين وامكانية معاودة مجلس الوزراء لجلساته، وغيرها من النقاط السياسية الخلافية التي يتعثر ايجاد حلول مستدامة لها... وما يدعو الى القلق ان الاجراءات التي يفترض أن تُقر لن تحقق الكثير خصوصاً ان اطلاق القروض الاستثمارية الثابتة لم تترك الأثر المطلوب في السوق، وبات الضغط كبيراً على القدرة على تمويل الدولة، والدليل هو تراجع حركة الاكتتابات بسندات الخزينة، وأبرز المتراجعين كان المصارف نفسها التي كانت في ما مضى الرافعة الحقيقية في مثل هذه الحالات. وسجل في هذا السياق عدم تجاوز حركة اكتتاب المصارف بسندات الخزينة نسبة الـ5 بالمئة فقط، بعدما كان الاكتتاب في العام 2018 مثلاً بنسبة 29 بالمئة للمصارف.

اجراءات عاجلة وأخرى بعيدة المدى!

ولأن الدولة تحتاج في الأشهر الخمسة المقبلة الى 12604 مليارات ليرة موزعة بين 8564 ملياراً بالعملة اللبنانية و2680 مليار بالدولار، كان لا بد من خطوات عملية تواجه المرحلة الراهنة، فكانت قرارات بتطبيق موازنة 2019 تطبيقاً كاملاً، وإعداد موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية، أي وصـول المشروع الى مجلس النواب قبل بدء الدورة العادية في أول ثلاثاء يلي 15 تشريــن الأول (أكتوبر) المقبل، وتحريك مشاريع <سيدر> التي تقدر قيمتها بـ11 مليار دولار تقريباً، علماً ان خطة إعادة تأهيل البنى التحتية هي في حدود 17 مليار دولار منهــــا 5 الى 7 مليارات للقطاع الخاص والبقية من <سيدر>. كما تقرر إقرار خطة <ماكينزي> للنهوض الاقتصادي الوطني ووضع آلية لتنفيذها خصوصاً انها تتناول القطاعات الانتاجية في البلاد. وتضاف الى كل ذلك سلسلة قرارات لا بد من اتخاذهــا مثل إلغاء المؤسسات والمجالس التي لا جدوى عملية منها، والتشدد في مكافحة الفساد واطلاق <الحكومة الالكترونية> ومكافحة التهريب وظاهرة التهرب الضريبي المتنامية، واطلاق مشاريع تعزيز انتاج الكهرباء وإعادة النظر بالنظام التقاعــدي وكلفة معاشات التقاعد والواردات الضريبية وقوانين العمل والمناقصات وتحديث القوانين، والاستفادة من وجود مبلغ يساوي 3,3 مليارات دولار في مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ مشاريع تحتاج الى توفير المال اللازم للاستملاكات الخ...

وإذا كان هذا هو الواقع وتلك هي الارادة بالمعالجة، فإن السؤال يبقى: هل تنفذ قرارات لقاء بعبدا المالي والاقتصادي؟ أم تبقى حبراً على ورق؟ من زار قصر بيت الدين بعد انتقال الرئيس عون إليه سمع منه كلاماً حاسماً بأن لا مناص من التنفيذ، ذلك ان الوضع الخطير لم تعد هناك امكانية بمعالجته بالمسكنات، والرئيس عون تعهد بأن يرعى التنفيذ شخصياً بالتعاون مع الرئيسين بري والحريري. فهل تكون <الترويكا> الرئاسية على قدر المسؤولية أم ان ما حصل في الماضي بين أركان <الترويكا> يمكن أن يتكرر مرة جديدة؟