تفاصيل الخبر

النازحون السوريون.. الحل بالقطّارة!

02/01/2020
النازحون السوريون.. الحل بالقطّارة!

النازحون السوريون.. الحل بالقطّارة!

بقلم علي الحسيني

 

<ربّ ضارة نافعة>، بهذا الوصف يُمكن الإستناد إلى مجموع عدد النازحين السوريين الذين قرروا العودة إلى بلادهم مع دخول العاصفة <لولو> يومها الثاني في لبنان والتي أثّرت بشكل كبير على أولئك الذين ما زالوا يسكنون في الخيم إن لجهة الطوفان الذي أغرق مخيمات النازحين والعواصف التي اقتلعت معظمها وخصوصاً في الأرياف، أو لجهة الشح الكبير في المواد الغذائية وتحديداً المخصصة للأطفال بالإضافة إلى النقص بمادة المازوت العامل الأساس للتدفئة خصوصاً في مثل ظروف كهذه، وذلك نظراً لارتفاع أسعار المحروقات ووسط غياب تام للدعم الدولي. من هنا جاءت عودة هؤلاء إلى ديارهم لتشكل خطوة مهمة على طريق تخفيف الأعباء عن لبنان واللبنانيين، بانتظار أن تستكمل بخطة شاملة من شأنها ان تُعيد أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري إلى بلادهم.

تقدم ملحوظ في ملف النازحين السوريين!

 

سُجل مطلع الاسبوع الماضي وتحديداً مع دخول العاصفة <لولو> يومها الثاني في المنطقة، ارتفاع في أعداد النازحين السوريين الذين قرروا العودة إلى بلادهم لأسباب عديدة أبرزها تلك المتعلقة بحالة الطقس بالإضافة إلى الغلاء الفاحش في البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد، بالإضافة إلى غياب الدعم الدولي والمؤسساتي، ويُمكن وضع هذه العودة المستمرة منذ أيام، في إطار الألية التي وضعتها الدولتان اللبنانية والسورية من اجل تسهيل عودة جميع النازحين الى سوريا خلال فترة قصيرة على الرغم من العقبات والشروط التي تضعها الدول الأوروبية في وجه دول الجوار التي تستضيف هؤلاء النازحين والتي تحول دون عودتهم بطريقة هادئة ومنتظمة وهذا يتطلب في أحسن الأحوال، التنسيق بين المجتمع الدولي من جهة والحكومة السورية ودول الجوار من جهة أخرى، لتأمين العودة الآمنة من دون أي شروط إضافية أو عقبات.

 منذ أيام قامت المديرية العامة للأمن العام وبالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR وبحضور مندوبيها بتأمين العودة الطوعية لـ1131 نازحاً سورياً حضروا الى نقاط التجمع بالرغم من سوء الأحوال الجوية من مناطق مختلفة في لبنان وعبروا إلى الأراضي السورية عبر مراكز المصنع، القاع والعبودية الحدودية. وقد واكبت دوريات من المديرية العامة للأمن العام النازحين الذين انطلقوا بواسطة حافلات أمنتها السلطات السورية لهذه الغاية وبواسطة آلياتهم الخاصة من نقاط التجمع المحددة في بيروت، المصنع، طرابلس، العبودية، النبطية، برج حمود، حاصبيا، صيدا والقاع. وفي السياق، كشفت مصادر مواكبة لعودة النازحين السوريين أن الملف وضع على السكة الصحيحة ومن يُتابع أجواء العودة منذ فترة، يعلم أن المعني المباشر بهذا الملف هو رئيس الجمهورية ميشال عون والدولة الروسية والمجتمع الدولي المُمثل بمفوضية اللاجئين، لذلك فإن كا ما يُثار في الداخل حول هذا الملف يبقى في ضمن النقاش حيث أنه من الطبيعي أن يشهد كمّاً من وجهات النظر، لكن هذا الأمر لا يُلغي أن قطار العودة سوف يبدأ بالتفاعل قريباً ضمن آلية منتظمة، وقد بدأنا كلبنانيين نشاهدها ونلمس هذا التقدم منذ فترة سواء عن طريق الأمن العام اللبناني، أو بمبادرات فردية وشخصية وحتى حزبية كتلك التي يقوم بها حزب الله و<التيّار الوطني الحر>.

بيان ثقة وموثق!

منذ فترة وجيزة أصدر الأمن العام اللبناني بياناً حول عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلدهم، منذ عام 2017. وأشار البيان إلى أن عمليات عودة اللاجئين تمت بالتنسيق بين الأمن العام اللبناني وسلطات النظام السوري، واستناداً إلى تفويض من السلطة اللبنانية، متمثلة بالرئيس اللبناني ميشال عون. ومن المعروف أن الأمن العام اللبناني ينظّم بالتعاون مع النظام السوري عودة لاجئين سوريين من لبنان إلى قرى القلمون الغربي وريف حمص في سوريا، على دفعات عدة. وتتلخص آلية العودة بتسجيل الأسماء عند رؤساء البلديات اللبنانية، الذين يرفعون بدورهم تلك الأسماء إلى الأمن العام اللبناني، ثم يرفعها الأمن العام إلى حكومة النظام السوري، من أجل دراسة الأوضاع الأمنية للأشخاص الراغبين بالعودة وإعطائهم الموافقة، حيث يُنقلون بحافلات توفرها حكومة النظام السوري من لبنان إلى سوريا.

في المقابل تتخوّف المنظمات الإنسانية والحقوقية على مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري لا يسمح لتلك المنظمات، ومن بينها الأمم المتحدة، بمرافقة اللاجئين في أثناء عودتهم والاطمئنان على أوضاعهم المعيشية والأمنية. لكن الأمن العام اللبناني ورغم كل المعوقات التي يتم وضعها سواء من الداخل والخارج، إلا أنه يؤكد في كل مرة، مواصلة العمل بآلية العودة ذاتها، بالإضافة إلى استمرار الإجراءات الإدارية المعتمدة على المعابر الحدودية لتسهيل عودة النازحين الذين يرغبون بالعودة، لاسيما الذين خالفوا نظام الإقامة أو دخلوا الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية. وتشير الأرقام الأممية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان لا يتجاوز مليون لاجئ، في حين تقدّر الحكومة اللبنانية أن عددهم يفوق 1.5 مليون سوري.

 

نفي سوري للمزاعم الخارجية!

 

<الأفكار> تواصلت مع شخصيات من الداخل السوري معنية بتأمين عودة النازحين السوريين من دول الجوار إلى بلادهم، وقد نفت بمجملها الإتهامات التي تُساق ضد الدولة السورية لجهة طريقة التعاطي مع العائدين. يقول أحدهم: هؤلاء أبناء الدولة السورية شئنا أو أبينا، وهم غادروا وطنهم هرباً من التهديدات والقتل من قبل الجماعات المتطرفة، واليوم وبعد استتباب الأمن في مناطقهم وتوفير الدولة الأمان، يحق لهم العودة إلى أرضهم ومنازلهم ومن دون منّة من أي جهة. وأوضحت شخصيات أخرى أن مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين <فيليبو غراندي> كان أعرب أمام الجميع خلال تفقده العديد من المناطق السورية عن تفاجئه بالأجواء الإيجابية التي شاهدها خلال جولته على مناطق سورية كان حدد زيارتها بنفسه من دون طلب الإذن من أي جهة. لذلك يجب أن نضع اختلاف وجهات النظر بيننا في إطار إيجابي بهدف إيجاد حل أمثل لعودة النازحين.

وحول المهلة الزمنية لإنجاز العودة، كشفت مصادر مقربة من الحكومة اللبنانية أنه لا توجد مهلة محددة كما انه لا يُمكن لأي جهة تحديد هذه المهلة، لكن ما هو مؤكد أن سيكون هناك ضغط كبير سيحصل في الفترة المقبلة لإنجاز هذا الملف، وقد بدأنا نلحظ هذا الضغط سواء من رجال السياسة ورجال الدين. وما نستطيع قوله إننا على السكة الصحيحة والوزارة المعنية كانت أعطت وبأمر من الوزير المختص شخصياً، الأوامر لإتمام هذا الملف بشكل إنساني بحت لا يخضع لأي اعتبارات لا سياسية ولا مذهبية إنما من المصلحة اللبنانية فقط. وأكدت أن عدد اللاجئين العائدين إلى البلاد بلغ نحو مليون سوري، غالبيتهم عادوا من لبنان.

محاولات رئاسية لم تؤت ثمارها بعد!

 

يحاول رئيس الجمهورية ميشال عون بين الحين والآخر، توجيه دعوات للدول الأوروبية عبر سفرائها لمساعدة لبنان في حل مشكلة النازحين، وخاصة مع تفاقم الوضع المعيشي الذي يواجهه اللبنانيون بشكل عام اليوم والأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد منذ أشهر. لكن الدول الاوروبية تقول ان حل مشكلة النازحين في لبنان اليوم خصوصاً في ظل وجود افق حل دولي للمسألة السورية، يعني أن هؤلاء اللاجئين سيتوجهون بكل تأكيد نحو أوروبا وهذا ما تعمل الأخيرة على منع حصوله خشية من امتداد الفكر <الداعشي> اليها، وهذا ما يدفع الرئيس عون في الكثير من الأحيان، إلى رفع صوته عالياً بأن بلاده ترفض انتظار الحل السياسي في سوريا من أجل إعادة النازحين، لأنه أمرٌ غامض وقد عانى لبنان في هذا السياق مع الفلسطينيين الذين لا يزالون ينتظرون الحل السياسي منذ سبعة عقود من الزمن ولا أفق له.

هذه الحالة التي يصفها البعض بالمد والجزر بين الدولة اللبنانية واللاجئين السوريين، دعت مؤسسة <هيومان رايتس ووتش> إلى إعداد تقرير رأت فيه أن شروط الإقامة الحالية في لبنان بدأت تصعّب على السوريين المحافظة على وضع قانوني في البلاد، مما يعرضهم للاستغلال والإساءة، وفقدانهم الحقوق في الرعاية الصحية والحصول على التعليم. واعتبر التقرير أن 74 بالمئة من السوريين في لبنان يحتاجون لبطاقة الإقامة القانونية ويواجهون خطر الاحتجاز نظراً لوجودهم غير القانوني. وبحسب المنظمة فإن لبنان ملزم بمبدأ القانون الدولي العُرفي في عدم الإعادة القسرية، الذي يمنع إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرضون فيها للاضطهاد، أو تعريض أي شخص لخطر حقيقي يعرض حياته للخطر. وقد طالبت في السياق المعارضة السورية الأمم المتحدة بفتح تحقيق رسمي حول قيام أجهزة الأمن اللبنانية بترحيل لاجئين سوريين من مطار بيروت إلى سوريا، مما يجعلهم عرضةً للاعتقال والتعذيب.

قلق التوطين الدائم!

 

في ظل الكلام المتزايد حول إعادة طرح ملف توطين اللاجئين السوريين في لبنان سواء في الإعلام او بين السطور السياسية وذلك من خلال اللعب على الألفاظ بين عودة <طوعية> وعودة <آمنة> حيث تمنع الأولى إجبار النازح على العودة إلى بلاده بينما تُتيح الثانية للدولة المُضيفة إعادته بعد إنتفاء أسباب اللجوء، تؤكد مصادر تكتل <لبنان القوي> أن هناك قلقاً دائماً من أي مشروع توطين يُمكن ان يُصيبنا خصوصاً في ظل الخطابات الخارجية التي نسمعها لرؤساء ومسؤولين غربيين يطرحون هذا الموضوع بشكل واضح وعلني. في المقابل ثمة رفض كلي في لبنان. من هنا نؤكد للمعنيين سواء في الداخل أو الخارج، أننا لن نألوا جهداً لمنع لبنان من شرب هذا الكأس كما شربناه سابقاً، وسنخوض كل انواع المعارك لمنعه وإزاحته عنّا.

وتلفت المصادر إلى أن ما جرى اليوم من تمييع في عملية إيجاد حلول صريحة لقضية النازحين في لبنان وخصوصاً في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد، يدفعنا اكثر من ذي قبل الى الاقتناع بأن كل تصريحات الحرص على لبنان وتوازناته من المسؤولين اللبنانيين لا معنى لها، اذا لم نتمسك جميعاً بمنع التوطين الوارد في الدستور.

في المقابل ترى أوساط معارضة لرأي فريق رئيس الجمهورية وحلفائه في ملف النازحين، أن الكلام عن التوطين أمر ليس بالحقيقي وفي غير محله وأيضاً مبالغ به. أولاً هذا الأمر في حال صحّ، فهو يُعتبر فضيحة للأمم المتحدة وجريمة بحق الشعب السوري واللبناني. وتشدد الأوساط على انه يجب الفصل بين الجانب المالي للأزمة وقضية التوطين، وربما سيكون هناك حل للازمة السورية في ضوء ما يجري سواء في المؤتمرات المتعلقة بالازمة السورية او من خلال كف يد بشّار الاسد من السلطة عاجلاً ام آجلاً. وتقول: إن أولى خطوات منع التوطين تبدأ من إنسحاب ايران وحزب الله من سوريا لكي يُضمن أمن وأمان الشعب السوري وعدم جره الى التوطين، ولا بد هنا من تسجيل نقطة لصالح الاجماع اللبناني حكومة وشعباً برفض التوطين مهما كانت المغريات السياسية والمالية ومهما كبرت او صغرت التهويلات، فنحن عانينا الامرين من حروب سابقة وقعت تحت عناوين متعددة.